بعد روايته الأولى «المجنونة» (صدرت عام 2000)، اتجه الكاتب المصري عبدالرحيم كمال نحو الأعمال الدرامية والتلفزيونية، ليعود من ثمّ إلى الكتابة الأدبية عبر مجموعة قصصية جديدة في عنوان «أنا وأنت وجنة وشهد» (دار غراب للنشر والتوزيع - القاهرة). تتميّز هذه المجموعة بروح أسطورية تغلب على قصص كتبها المؤلف بأسلوب يمزج بين الكثافة والرهافة. ففي قصة قصيرة جداً عنوانها «روتين»، يكثف عبدالرحيم كمال علاقة رجل بقلبه من خلال مشهدية بسيطة غير متعالية على القارئ، لكنها دالّة وموحية: «هذا الرجل يسوق قلبه كل يوم نحو البحر ويتركه لعبة خفيفة بين الموج والشاطئ. هذا الرجل ينادي على قلبه عند الغروب ليترك البحر ويسيران في صمت نحو البيت». في قصة «خير واجِد»، البطلة هي النخلة العجوز ذات المئة عام في إحدى قرى جنوب مصر، والتي شاعت حولها أساطير عن ثعبان ضخم يسكن أعلاها، فيمنع أهل القرية من مغامرة الصعود إليها لجني بلحها الشهيّ. وهنا تبرز قدرة الكاتب على المزج ببراعة بين ثقافته وتأثره بالبيئة الصعيدية التي نشأ فيها. وهذا ما تُكرّسه قصّتا «المسطاح» و «ربما يطير»، إذ يستخدم الكاتب المونتاج كتقنية سينمائية لإبراز أحوال أبطاله المتقاطعة والمتناقضة مع أحلامهم. وفي قصة «حُبلى»، يستمر حمل البطلة لمدة ثلاثين عاماً حتى يظن الناس أنها مجنونة تخبئ وسادة بين بطنها وجلبابها. ويبدو ولع الكاتب بالمشهدية وتوظيف قدراته السينمائية مضفراً إياها بلغة منحوتة من الواقع ومصقولة بثقافة عريضة في معظم القصص ومنها قصة «وما زال الدق مستمراً». وفي «آخر أيام الفأر السعيدة»، يقرّر بطل القصة، وهو فأر مغامر، أن يفارق «الشِلّة» وينط إلى بيت أحد الكُتَّاب لينعم بتجربة مغايرة عن أقرانه. ولا ينسى عبدالرحيم كمال نثر شذرات من الحب الصوفي والكوني بين أرجاء قصصه، ويبدو ذلك جلياً في قصص مثل «قدَر»، و «في حضرة الخيال» و «بيت». وفي قصة «أنا وأنت وجنة وشهد» التي تحمل المجموعة اسمها، يلمح الراوي ظهور أنثوي مبكر لدى ابنتيه التوأمين، «جنة» و «شهد»، ويجسده في مواقف طريفة وحوارات رشيقة ساخرة.