أمير المدينة يستقبل جمعا من المواطنين في الجلسة الأسبوعية    المملكة تستعرض جهود منظومة المياه لتطوير القطاع أمام الدول المشاركة    أمير حائل يخص جلسته للحديث عن الميز النسبية التي تمتلكها المنطقة    "البواني" القابضة تمدد رعايتها لجمعية ترميم الخيرية    الموافقة على انضمام السعودية لاتفاقية بشأن الأراضي الرطبة ذات الأهمية الدولية    وزارة العدل: إصدار 700 ألف صك عبر البورصة العقارية    بأغلبية 55 صوتا.. «كرماني» رئيساً لمجلس خبراء القيادة في إيران    أكثر من 5.5 مليون عملية إلكترونية عبر «أبشر» في أبريل الماضي    رحلة السعودية نحو الفضاء أسهمت في تحقيق نجاحات بارزة في مجالات البحث والابتكار    مايكروسوفت تكشف عن فئة جديدة من الأجهزة المزودة بالذكاء الاصطناعي    الشباب يتوصل لاتفاق مع لاعب بنفيكا رافا سيلفا    إصدار 246 خريطة مكانية لحالة التصحر بالسعودية لمواجهة تدهور الأراضي    موعد مباراة الهلال والطائي..والقنوات الناقلة    عرض سعودي يقرب ماكسيمان من الرحيل عن الأهلي    حرس الحدود يحبط تهريب 295 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    استمرار هطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    القضاء على الفقر وليس القضاء على الفقراء    الأمير خالد بن سطام مساء اليوم يفتتح معرض صنع في عسير    رسميًا.. الاتحاد يعلن رحيل رومارينهو وغروهي    مطار الرياض يفوز بجائزة أفضل مطار بالمملكة    6.7 مليار دولار مساعدات سعودية ل 99 دولة    6.41 مليون برميل صادرات السعودية من النفط    القوات المسلحة تواصل تمرين «الأسد المتأهب 2024»    الاتحاد بطلاً لهوكي الغربية    أمير الجوف يعزّي أسرة الحموان    استقبال حافل ل «علماء المستقبل».. أبطال «ISEF»    5 فوائد للمشي اليومي    القيادة تعزي في وفاة رئيس إيران ومرافقيه    معابر مغلقة ومجازر متواصلة    واتساب يختبر ميزة تلوين فقاعات الدردشة    طموحنا عنان السماء    أمير القصيم يكرم «براعم» القرآن الكريم    10522 خريجًا وخريجة في مختلف التخصصات.. نائب أمير مكة المكرمة يشرف حفل التخرج بجامعة جدة    مكعّب روبيك.. الطفل العبقري    المسألةُ اليهوديةُ مجدداً    8 مواجهات في الجولة قبل الأخيرة لدوري" يلو".. " الخلود والعروبة والعربي والعدالة" للمحافظة على آمال الصعود    خادم الحرمين الشريفين يخضع لبرنامج علاجي    أنديتنا وبرنامج الاستقطاب    إجازة لمكافحة التعاسة    ابحث عن قيمتك الحقيقية    لجين تتألق شعراً    مواجهة الظلام    مبادرة الأديب العطوي    نائب أمير جازان يكرم متفوقي التعليم    ما الذي علينا فعله تجاه أنفسنا ؟!    زلة الحبيب    وقتك من ذهب    لا عذر لخائن    تسهيل وصول أمتعة الحجاج لمقار سكنهم    العجب    في الرياضة.. انتظار الحقائق والتطوير    علاقة معقدة بين ارتفاع ضغط الدم والصحة النفسية    الحامل و الركود الصفراوي    أخصائية تغذية: وصايا لتجنب التسمم الغذائي في الحج    خرج من «البحر» وهو أصغر بعشر سنوات    أمير الرياض يرعى حفل تخرج طلبة الجامعة السعودية الإلكترونية    القيادة تعزّي دولة رئيس السلطة التنفيذية بالإنابة السيد محمد مخبر في وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه    أمير القصيم يرعى حفل تكريم الفائزين بمسابقة براعم القرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النيران تلتهم المكتبات العراقية ... وشارع المتنبي يتذكر رماده
نشر في الحياة يوم 11 - 03 - 2015

مع أولى نسائم الربيع التي تهب هذا الشهر، عرفت العاصمة العراقية، واحداً من أيامها العصيبة التي ما انفكت الى اليوم، تستنسخ اهوالها ورعبها، حين صار شارع المعرفة وذخيرة الكتب والمطابع، والذي يحمل اسم الشاعر المتنبي، نهباً لنيران ولدها تفجير ارهابي ضخم، أتى على عشرات المكتبات وأهلها وروداها، حتى ان النيران ظلت تستعر لأيام وهي تأكل قلب شارع الثقافة حتى أحالته رماداً من دون آخر. وما إن هدأت النار، تجمع اكثر من اديب وفنان وسط الرماد والحطام، مرتجلين قصائد وكلمات ومشاهد مسرحية، بينها عرض قصير مؤثر للمسرحي جبار محيبس (الصورة) الذي استل صندوقاً ليغطي به رأسه، في لحظة توجز العماء الذي كادت الحياة تدخل في ظلامه.
وفي ما يشبه استعادة ذلك اليوم العصيب يكتب صاحب احدى المكتبات جلال حسن: «يوم احترقت مكتبتي في شارع المتنبي فوق بناية مقهى الشابندر في 5 أذار(مارس) عام 2007، حين قام وحش بربري تافه بتفجير سيارته، وسط الشارع في المسافة الواقعة على بعد عشرة أمتار من مكتبة الشهيد عدنان، ظلت النيران تشتعل لمدة خمسة أيام رغم جهود الدفاع المدني. خمسة أيام بلياليها ورائحة الكتب والدخان يتصاعدان من أكوامها، والأوراق الصغيرة المتطايرة من الاحتراق ملأت كل الشوارع ونهر دجلة القريب».
ويرى حسن، الى ذلك الحدث من منظور قريب، تمثله حرائق الكتب في الموصل، على يد تنظيم «داعش»، فيقول: «أكتب هذا الجرح وقلبي يتفطر حزناً حين قام تنظيم «داعش» الدموي ثانية، بحرق أكثر من ثمانية آلاف كتاب ومخطوطة نادرة، كانت موجودة في أكبر مكتبة في الموصل»، متسائلاً: «كيف يشفقون على أوراق عتيقة تفضحهم وتكشف الظلام المخبوء في رؤوسهم الخاوية؟ أي حماية للأجيال كما يدعون من الأفكار الصادمة أو القبض على الكلمات المارقة وقد ملأوا الوديان دماءً؟ التصرف الذي يجيز قتل الإنسان بهذه الطرق الوحشية لا يعبأ بحرق الكتب وتحطيم الآثار، وعدم سماع الموسيقى وتحريم الرسم والفن والمسرح، ولا يهتم للحياة بل يسعى الى تخريبها من منظور ظلامي ووحشي. إن الذين لا يدركون معنى الحياة، لا يدركون قيمة الكتب، ولا يدركون قيمة التأليف والتوثيق والتدوين وصناعة الأفكار والقيم والتعليم والترفيه والاستفادة والمقارنة والاحتكاك في ثقافات الشعوب، إلا ما يزيد ظلاميتهم».
ويكتب أكرم المشهداني «في الخامس من آذار2007 سقطت كتب بغداد مرة أخرى ضحية للحرب عندما انفجرت سيارة مفخخة في شارع المتنبي التاريخي، موطن بيع الكتب والمطابع و «مقهى الشابندر» الشهيرة، حيث يتجمع أدباء العراق ومفكروه منذ عقود، ما أدى إلى مقتل وإصابة أكثر من 100 شخص وتدمير أشهر مكتباته التي التهمتها النيران.
في ذلك اليوم احترقت أقدم مكتبة «العصرية»، وقتل أشهر بائع كتب هو محمد يحياوي. منذ تلك اللحظة، ارتفع «المتنبي» من مجرد شارع، رغم عراقته وجلال ما يحمل، إلى رمز تجاوز محليته إلى مدن العالم الكبرى من لندن إلى سان فرانسيسكو، اذ يتم تذكره سنوياً، كما نتذكر تلك الأيام المظلمة في تاريخ البشرية، حين تعاد القصة نفسها قبل هولاكو وبعده، قبل محاكم التفتيش وبعدها».
وعن تفاصيل المشهد المرعب يضيف المشهداني: «بقيت حينها ولأكثر من يومين، سحب دخان الحرائق التي التهمت المكتبات التاريخية تغطي سماء شارع المتنبي، بعد أن تحول إلى ركام وأنقاض، وأعيد افتتاحه من جديد رسمياً عام 2008. «مكتبة القيروان» و«المكتبة القانونية» و«مكتبة عدنان» و«مكتبة النهضة» و«المكتبة العصرية»، دمرت واحترقت كاملة. وقتل في هذا الهجوم 5 من أبناء صاحب «مقهى الشابندر»، محمد الخشالي، وعثر عليهم بين الركام وتحت الأنقاض، وأدى هذا إلى فقدان والدتهم بصرها إثر الصدمة ثم فارقت الحياة بعد أشهر عدة».
ويلفت إلى تأثير الحدث وتحوله علامة تضامن دولية: «إذا كنا، عراقيين وعربًا، قد نسينا هذا القصة بعد حين، لكثرة قصصنا المفجعة، فإن أكثر من 150 شاعراً وكاتباً وفناناً غربياً لم ينسوا ذلك، بل شكلوا ما يشبه التحالف الثقافي، ليس فقط لإحياء ذكرى مأساة شارع المتنبي تحت شعار «كي لا ننسى»، وإنما العمل أيضًا، بقوة الكلمات نفسها، على منع تكرار ذلك في أي مكان من العالم، وفي أي زمان من الأزمنة».
لا يمكن النظر إلى العمق الذي مثلّه «شارع المتنبي»، إلا بوصفه ورشة الثقافة العراقية أيام الحصار القاسي (1991-2003)، فهو طوال عقود شارع المطابع والقرطاسية وتجارة الورق، فإنه في تسعينات القرن الماضي، حين أحكم الحصار قبضته الثقيلة على البلاد، قد شهد حركة ونزوحاً من المثقفين العراقيين نحوه، فهو مكان بيع مكتباتهم لضمان لقمة العيش ومقايضة نادر مقتنياتهم من الكتب بالجديد الغالي الثمن والذي تتحول نسخته الواحدة الى مئات من طريق الاستنساخ (التصوير). وعبر هذه الطريقة خرجت مجموعات شعرية وقصصية وبيانات ثقافية ومذكرات من دون المرور بالرقابة فجاءت «حرة» في خطابها وفي تأويلاتها للكارثة العراقية بأبعادها.
وظل «المثير» في الشارع و«المرغوب» أيضاً، بعيداً من قدرة المؤسسة الرسمية «الصدامية» على انتزاعه، فهو المكان الذي تصل اليه الكتب والمجلات إما من طريق الأردن وسورية، او من طريق كردستان حيث الانفتاح على المطبوعات العربية الوفيرة، حتى صار مصدر الثقافة «الممنوعة» بامتياز، وهو ما عزّز موقعه إشارة حرية نادرة في مكان كان منذوراً للطغيان في شكل تام.
وعن استعادة «شارع المتنبي» حيويته، نبضاً وعلامة ثقافية بارزة في بغداد، وانبعاثه «طائر فينيق» من ذلك الرماد، يقول المكتبي جلال حسن: «كنت شاهد عيان يوم حرق شارع المتنبي ببغداد، لكن في اليوم التالي زادت أعداد المطابع وزادتْ مبيعات الكتب، وتكدستْ دور النشر بالمخطوطات للطبع، وتوسعت أرصفة بيع الكتب. هكذا هي الحياة تشرق مهما دام الظلام».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.