نيوم.. مدينة تجاوزت حدود الابتكار    «المركزي المصري» يبقي أسعار الفائدة الرئيسية دون تغيير    ماذا بعد طلب «الجنائية» توقيف قادة في إسرائيل وحماس؟    السودان.. ستة أسابيع قبل موسم العجاف    الفيصل يلتقي بأبطال فريق السعودية في الدورات والبطولات الآسيوية والعالمية    مجدٌ يعانق النجوم    ثانوية السروات تحتفي بتخريج الدفعة الأولى من نظام المسارات    يونايتد المتعثر يقف أمام سيتي الطامح لكتابة المزيد من التاريخ    نزاهة: حادثة التسمم الغذائي بأحد مطاعم الرياض لن تمضي دون محاسبة    فيصل بن خالد يرأس اجتماع الجهات الأمنية والخدمية المشاركة في منفذ جديدة عرعر    الراجحي يتحدى مرتفعات «باها اليونان» في كأس العالم    السعودية للشحن تعلن استئجار مرافق جديدة في قرية الصيانة التابعة للسعودية لهندسة الطيران    جهاز HUAWEI MateBook X Pro.. الجهاز القوي بتصميم أنيق ووزن خفيف    إثراء يختتم قمة الاتزان الرقمي "سينك" بنسختها الثانية    فيلم "نورة"يعرض رسميا في مهرجان كان السينمائي 2024    فرع وزارة الشؤون الإسلامية بالمنطقة الشرقية يكرم موظف سوداني    موعد احتفال الهلال بلقب دوري روشن    السعودية تدعم «الإنزال الجوي الأردني» لإغاثة الفلسطينيين في غزة    محافظ الطائف يلتقي رئيس الإتحاد السعودي لألعاب القوى    مستشفى أبها للولادة والأطفال يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للربو"    مستشفى الحرجة يُنظّم فعالية "التوعية عن ارتفاع ضغط الدم"    نمو كبير في قطاع الأغذية في المملكة وتوجه متزايد نحو الاستدامة وتبني أنماط الغذاء الصحي    عرض ضخم من الهلال لجوهرة البرتغال    وزير الخارجية يستقبل وزير خارجية النمسا    شركة تطوير المربع الجديد تدعو شركات التصميم الرائدة للمشاركة في تنفيذ أعمال "المكعب"    علامة HONOR تكشف عن بنية الذكاء الاصطناعي المكونة من 4 مستويات وتمضي قدماً مع Google Cloud من أجل مزيد من تجارب الذكاء الاصطناعي في VivaTech 2024    القبض على وافد بتأشيرة زيارة لترويجه حملات حج وهمية ومضللة    نفاد تذاكر مباراة الاتحاد وضمك    دفعة جديدة من العسكريين إلى ميادين الشرف    الداخلية: دخول مكة والبقاء فيها ممنوعان للزائرين    السعودية تفوز بعضوية مجلس منتدى النقل الدولي ITF    أمير حائل يشكر جامعة الأمير محمد بن فهد    رفع كسوة الكعبة المشرَّفة للحفاظ على نظافتها وسلامتها.. وفق خطة موسم الحج    أدبي الطائف يقيم الأمسية السودانية ضمن لياليه العربية    محمية الملك سلمان.. أول موقع رئيسي للتنوع البيولوجي    نائب أمير الرياض يرعى حفل تخريج الدفعة ال 49 من طلاب مدارس الرياض    تمكين المرأة.. وهِمة طويق    تخريج 700 مجند من دورة «الفرد»    برعاية وزير الداخلية.. تخريج 142 مجندة من الدورة التأهيلية    مغني الراب.. راح ضحية استعراض مسدسه    جنة الأطفال منازلهم    لقاء علمي يستعرض تجربة بدر بن عبدالمحسن    فواز.. أكتب له ويكتب لي    لا فيك ولا في الحديد    الكاتب العقيلي يحتفل بتخرج إبنه محمد    آل مجرشي وآل البركاتي يزفون فيصل لعش الزوجية    معرض «لا حج بلا تصريح» بالمدينة المنورة    د. خوقير يجمع رجال الإعلام والمال.. «جمعة الجيران» تستعرض تحديات الصحافة الورقية    واتساب يتيح قفل المحادثات على الأجهزة المتصلة    229 مشروعاً تنموياً للبرنامج السعودي في اليمن    الاستعداد النفسي أولى الخطوات.. روحانية رحلة الحج تبعد هموم الحياة    توريد 300 طن زمزم يومياً للمسجد النبوي    الأمير سعود بن مشعل ترأس الاجتماع.. «الحج المركزية» تستعرض الخطط التشغيلية    الخريجي يقدم العزاء بمقر سفارة إيران    دشن هوية «سلامة» المطورة وخدمات إلكترونية.. الأمير عبدالعزيز بن سعود يتفقد سير العمل في الدفاع المدني    "أبرار" تروي تحديات تجربتها ومشوار الكتابة الأدبية    استشاري: حج الحوامل يتوقف على قرار الطبيب    جناح الذبابة يعالج عيوب خلقية بشرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الإلتباس العربي» بين النظام والوطن
نشر في الحياة يوم 13 - 04 - 2009

يُجمع الكُتّاب في العالم العربي في قضية البشير على أمرين: الأمر الأول هو أن هناك جرائم ارتكبت في دارفور، وأنها مأساة لشعب عربي إفريقي تضاف إلى مآسي هذه المنطقة، وأن المحافظة على أرواح الناس في الحرب والسلم حاجة ملحة، كما أن العدالة لصالح الضحايا أشد إلحاحاً. الأمر الثاني، هو أن هذه المأساة يتم توظيفها لكي تنال من بقية شعب السودان بحجة تحقيق العدالة والاقتصاص ممن ارتكبوا هذه الجرائم. فالمقطوع به هو أن الغرب عمومًا يستحضر العدالة والقانون لأجندة خاصة به، وينأى عنها إذا مست مصالحه. هكذا سكت الغرب على مجازر فرنسا في الجزائر وما خلّفه الاستعمار البريطاني في مصر مما أتيح الاطلاع عليه، وما ألحقته إسرائيل بلبنان وفلسطين ومصر والأردن من دمار وحشي، مثلما سكت على إبادة ربع الجيش العراقي المنسحب من الكويت، فضلاً عما ألحقه بالصومال ولم يعلق الغرب عليه. لم يعلق الغرب أيضاً على أنه هو نفسه الذي صنع الانقلابات، ونصّب المستبدين وسجل عليهم في لحظات الصفاء واستخدم ما فعلوه حين انقلب عليهم. وكان المثال القريب الصارخ هو توظيف العراق للهجوم على إيران بما يلزم من الشعارات القومية والإسلامية الطائفية في حرب استنزفت البلدين الكبيرين ورسخت العداء بينهما لعقود مقبلة، ثم نعم بثمرة عمله حين غزت واشنطن العراق فلقيت العون من إيران حنقاً على بغداد وليس حباً في أميركا، مثلما وجدت من إيران العون في غزو أفغانستان وتدمير ربع سكانه بأحدث أنواع الأسلحة، وما فعلته إيران كان انتقامًا من «طالبان» وليس غراماً في «الشيطان الأكبر». وكل ذلك سوف يجد له سنداً في التحريض الديني كما في كل العصور.
وقد ترددت الشعوب العربية والإفريقية وهي تقرر موقفها من قرار توقيف الرئيس البشير بين عاملين: العامل الأول، هو أن سمعة الرؤساء في العالم الثالث سيئة، وأنهم في سبيل دعم سلطانهم المطلق يدوسون على كل القيم ويتحالف الغرب معهم ما دام ثمن سكوته عليهم هو أنهم يخدمون مصالحه. ولذلك احتار الناس في أمر البشير: هل شذَّ عن هذه القاعدة فاستهدف، أم إنه لم يسر في ركابهم ولم يستجب لمطالب أصعب فكان قرار الاستهداف. غير أن الوسيلة الجديدة للاستهداف هي وسيلة لا أخلاقية وهي تشويه لأعتاب العدالة، تماماً كما يتم دفع رجل الدين إلى أعمال مخلة بالشرف والنزاهة لكسر هيبة الدين في النهاية من خلاله، واستغلال هيبة الدين في الوقت نفسه لتخدير غريزة المقاومة.
أما العامل الثاني، فهو أن الغرب لا يكف عن التآمر، ولكنه ماهر في التقاط الذريعة التي يصعب مقاومتها وهي المآسي الإنسانية. صحيح أن هناك جرائم في دارفور، ولكن هل قام البشير بها حباً في الإجرام أم إنه كان يدافع عن وحدة أراضي الدولة ضد التمرد الذي خلقه الغرب وسلحه، فضاعت المسؤولية بين الفريقين، وإن كان الغرب حمّل البشير المسؤولية كاملة. على رغم أن واشنطن لا تطبق القضاء الدولي عموماً باعتبارها أسمى من الحقيقة في ما ترى وهي فوق الحق في ما تزعم، وخصوصاً المحكمة الجنائية الدولية التي نذرت نفسها لتقويضها بمختلف الوسائل، ولا يزال هذا هو موقفها حتى الآن، إلا أنها لم تجد حرجاً في أن تستخدم هذه المحكمة بكل الطرق للضغط على البشير وأمثاله ممن لا يستجيبون بسهولة للإملاءات الأميركية، حتى كاد الناس يكفرون بأي عدالة دولية ما دام التسييس فيها كاملاً، وبعد أن لحق التسييس جزءاً مهماً من العدالة الوطنية. فإن ساند الناس قرار المحكمة ضد البشير انتصاراً لضحايا ولقيم العدل كانوا بذلك يمكنون «لمخطط إسرائيل والغرب» ضد البشير، وإن ساندوا البشير بلا تحفظ باعتبار السودان وليس البشير هو المستهدف نازعهم حق الضحايا في الإنصاف، كما أنهم يناصرون رئيساً عربياً في وقت لا يفلت رئيس من إمكان المحاكمة الجنائية إلا من رحم ربك، وأن من يفلت منهم يكون إما بسبب عدم وضوح الجرائم أو بسبب التعادل بين خيره وشره، وفي كل الأحوال بسبب ستر الغرب لعوراته الحقيقية والتي يستطيع الغرب افتعالها على سبيل الابتزاز والإرهاب.
في هذا المناخ الذي يتعرض فيه العالم العربي لخلل في بنية السلطة وللإذلال، وفي وقت يشهد فيه توحش المشروع الصهيوني، وهو يدرك أن نجاح هذه الهجمة على السودان ستنال من قدرات مصر بالضرورة، تعاون المواطن العربي بين جرائم إسرائيل والولايات المتحدة التي تمر من دون عقاب وبين استهداف البشير، بل إنه يلاحظ أن المجرم الحقيقي هو الذي يسعى إلى تحقيق ما أسماه العدالة الجنائية الدولية، عندما صرح الناطق باسم البيت الأبيض بأن البشير يجب أن يعامل الآن على أنه هارب من العدالة. لقد التبس الأمر على العقل العربي غير مرة في العقود الأخيرة، وآن له أن يدرك أن الحاكم العربي موزع بين ملاحظات الداخل المشروعة وضغوط الخارج غير المشروعة، فإن تفادى ملاحظات الداخل انتقص من سلطته المطلقة ودخل دائرة الحساب، وإن امتثل لضغوط الخارج وابتزازه انتقص استقلاله وكرامة وطنه، ودفع الشعب الثمن مرتين، مرة لعدم تجاوب الحاكم مع طلباته، ومرة لإذلاله من خلال مواقف الحاكم مع الخارج، وهذا اللبس سببه ذلك الإلتحام بين النظام والوطن، وهذا هو جوهر محنة الوطن في الداخل والخارج. وأخيراً، إذا قدر للمدعي العام للمحكمة أن يرد على التساؤل الملح: لماذا البشير وليس قادة إسرائيل والولايات المتحدة لقال صراحة لأنهم ينتمون إلى «روما الجديدة»، بينما البشير ينتمى إلى «البرابرة الجدد»، فلا يزال العالم منقسماً بين سادة الشمال وعبيد الجنوب، رغم أن أحد أحفاد عبيد الجنوب صار سيد البيت الأبيض.
والخلاصة، أن دعم البشير هو دعم للوطن السوداني وليس تشجيعاً له على سحق المعارضة وليس انحيازاً له في معركة الديموقراطية، وليكن ذلك درساً، فمن يقف مع الحاكم ضد نفاق الخارج هو شعبه الذي يستحق منه الخير، وليس هذا الخارج الذي يحتضن الحاكم العربي وصدره مليء بألغام الذل والاستغلال وعزله عن أسرته في الوطن.
* كاتب مصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.