حظر «الرموش الصناعية» على العاملات في تحضير الأغذية    هيئة الصحفيين السعوديين يقيم ندوة "المواقع الإخبارية التحديات والآمال"    جامعة الملك سعود تُتوّج ببطولة الرياضات الإلكترونية    الخليج يطرح تذاكر مواجهة الاتحاد .. في الجولة 32 من دوري روشن    عساك «سالم» يا عميد    الجدعان يرأس وفد المملكة في اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي التحضيري للقمة العربية ال 33    «الإسلامي للتنمية» يصدر صكوكاً بقيمة مليارَي دولار أمريكي خلال الربع الأول من هذا العام    نحو سينما سعودية مبهرة    البصمة السينمائية القادمة    سلمان بن سلطان يرعى حفل تخريج الدفعة ال 20 من طلاب وطالبات جامعة طيبة    برعاية ولي العهد.. قمة عالمية تبحث مستجدات الذكاء الاصطناعي    50 مليار دولار فرص استثمارية بمطارات المملكة    681 مليون ريال انخفاض مبيعات النقد الأجنبي بالمصارف    سيدات الأهلي يحصدن كأس الاتحاد لرفع الأثقال    طائرة الأخضر إلى نهائيات كأس آسيا    تحسينات جديدة في WhatsApp    الذكاء الاصطناعي يتعلم الكذب والخداع    نسيا جثمان ابنهما في المطار    إبادة بيئية    جامعة «مالايا» تمنح د. العيسى درجة الدكتوراة الفخرية في العلوم السياسية    إنقاذ ثلاثيني من إصابة نافذة بالبطن    مواد مسرطنة داخل السيارات    وفاة أول زارع كلية خنزير    انتخابات غرفة الرياض    جدة .. سحر المكان    تطوير 12 مشروعاً للعوالم الافتراضية    نائب أمير الرياض يرعى حفل تخرج طلبة كليات الشرق العربي    سنابل (روشن) زرقاء..!    أرتيتا يحلم بتتويج أرسنال بلقب الدوري الإنجليزي في الجولة الأخيرة    أرسنال يسقط اليونايتد ويستعيد الصدارة    استقبل محافظ دومة الجندل.. أمير الجوف يشيد بجهود الأجهزة الأمنية والعسكرية    بعض الدراسات المؤرشفة تستحق التطبيق    " الأحوال" المتنقلة تواصل خدماتها    محافظ جدة يدشن مبادرة " العمل والأسرة"    تدريب 18 ألف طالب وطالبة على الأمن والسلامة في الأحساء    «الأحوال المدنية المتنقلة» تقدم خدماتها في 48 موقعاً    هنأت رؤساء روسيا وقرغيزيا وطاجيكستان.. القيادة تعزي ملك البحرين ورئيس الإمارات    رعى حفل الأهالي وتخريج الجامعيين.. أمير الرياض يدشن مشروعات في المجمعة    أمير تبوك يطلع على إنجازات "التجارة"    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية    كبسولة السعادة .. ذكرى ميلادي الرابعة والأربعون    تنمية المواهب في صناعة الأزياء محلياً    لؤلؤ فرسان .. ثراء الجزيرة وتراثها القديم    أمير نجران يكرّم المتميزين في «منافس»    إنهاء إجراءات المستفيدين من مبادرة طريق مكة آليًا    مختبرات ذات تقنية عالية للتأكد من نظافة ونقاء ماء زمزم    القوات المسلحة تشارك في«الأسد المتأهب» بالأردن    تحضيري القمة العربية يناقش خطة فلسطين للاستجابة الطارئة    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير فرع عقارات الدولة    روتين الانضباط وانقاذ الوقت    المراكز الصحية وخدماتها المميّزة    نيابة بمطار الملك خالد على مدار الساعة    نائب أمير مكة يناقش مستوى جاهزية المشاعر لاستقبال الحجاج    سمو أمير منطقة تبوك يترأس اجتماع لجنة الحج غداً    الأرصاد: استمرار التوقعات بهطول الأمطار على عدد من المناطق    الماء    طريق مكة    القيادة تعزي ملك البحرين في وفاة الشيخ عبدالله بن سلمان بن خالد آل خليفة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أي تأثير تركته القراءة في المجتمع السعودي؟
نشر في الحياة يوم 13 - 10 - 2009

يقدر القارئ الصعوبة التي يمكن التغلب عليها لو كنا نعرف المزيد عن اتجاهات القراءة والقراء في المجتمع السعودي، بما يسمح لنا بتحليل القوائم وقائمة الكتب المباعة. بالنسبة لي أجد أن علي الاكتفاء بفكرة ذات طابع عام، ومفادها حكم صادر عن إيماني بأنه كلما وجد قراء مهرة في المجتمع (أي مجتمع) يقرأون كتباً علمية وفلسفية وجمالية فإن ذلك يعني تغييراً اجتماعياً مقبلاً. وحينما أعرض قناعتي في أن القراءة بعملياتها الفكرية والعاطفية والجدلية والرمزية هي ذاتها التي ستحدث التغيير، فأنا أقصد تأثير القراءة بوصفه أمراً مفروغاً منه. تشكل القراءة المجتمع والفرد، وهي ضرورية لكل مواطن مشارك بفاعلية في نشاطات مجتمعة، ذلك أن القراءة والفهم يساعدان في تفسير الأحداث القائمة في مستوييها الإقليمي والعالمي، من أجل ممارسة كاملة لمواطنة مدنية مسؤولة. ويمكن القول إن الحديث عن أهمية القراءة للمواطنة المدنية المسؤولة هو تحصيل حاصل لولا أن المجتمع السعودي، ما زال في الأعم يجهل هذا الاتجاه في القراءة. هناك حديث يمكن أن يُرصد بين المخططين التربويين، والمسؤولين والمعلمين ومديري المدارس عن أهمية القراءة، لكنه في الغالب يدور حول مفهوم القراءة المدرسي أي كيف يتعلم التلميذ القراءة في المدرسة، من غير أن يكون للقراءة أي امتداد مجتمعي.
وإذا ما حاولت أن أفهم الخصائص، التي تميز القراء غير المهرة لأستخدمَها في رسم صورة القارئ في المجتمع السعودي، فإن الغالبية يتسمون بعادات وسلوكيات سلبية نحو قراءة الكتب الفلسفية والعلمية والجمالية. وترتب على هذا أن خبرة القراءة تكاد تكون معدومة في المجتمع السعودي، فالناس يمتلكون عدداً محدداً من الكتب وغالباً ما تكون كتباً دينية. لم تشجع المجتمع السعودي على الابتعاد عن الماضي، ولا الإحساس بالمفارقة التاريخية بين العصور والمراحل. وألا تشجع القراءة على ذلك يعني أنها تترك الأمور في حال سكون وثبات، وتحول دون أي تغيير، وتبقى وظيفتها هي نقل ما اعتبر على أنه حقائق من الماضي تنقلها القراءة من جيل إلى جيل، كما لو كان دور القراءة ووظيفتها هو أن تنقل السمات الدائمة التي يتكرر حدوثها في المجتمع، وتقدمها على أنها حقائق خالدة وغير قابلة لأن تتغير. يُخفي مفهوم القراءة من حيث هو نقل تراث الأجيال السابقة إلى الأجيال اللاحقة تصوراً هو أن تبقى الحياة الإنسانية على حالها، وأن تقبل المجتمعات حياتها كما هي، وأن لا جديد يمكن أن يقال على صعيد الفكر، فما ترك الأول للآخر شيئاً. وسيترتب على هذا كبت نزعات الأفراد الفردية، وكبح إدراكهم المستقل لذواتهم وقمع أسئلتهم، الأمر الذي يجعل جهودهم تنصب على تكرار الأفكار التي قيلت وباللغة التي قيلت بها.
سيتولد أيضاً عن معنى القراءة بوصفها نقلاً للتراث غياب مفهوم «التقدم» الفاعل في تعديل الشرط الإنساني. وكما يقول أوبنهايمر فالتقدم هو الفكرة القائلة بأن لتحسين الشرط الإنساني معنى، وأننا جميعنا مسؤولون عنه كواجب علينا تجاه الإنسان «ولأن هذا المفهوم غائب فإن بوسع رجل عجوز الآن، أن يسترجع ما كان محروماً منه كالغذاء والدواء ووسائل المواصلات والاتصالات، ويعيدها إلى أي شيء سوى مفهوم التقدم».
إن أقل الكتب مبيعاً هي الكتب ذات الخلفية العلمية وكتب الخيال العلمي. فلا يوجد دور نشر مهتمة بأدب الخيال العلمي، ولم يحدث أن نظمت مسابقات متعلقة بهذا الشكل من الأدب، والسبب هو خفوت الروح العلمية في المجتمع السعودي، ما سيكون له أثر ضار على المستقبل، فحينما يتعرف الإنسان في فترة شبابه على أفكار علمية فإن قراءته ستؤثر في سلوكه.
تخلو الصحف اليومية المحلية من أي صفحات علمية، بينما تفرد صفحات يومية، وملاحق دينية تخلو من الإعلانات. ثمة مثال يجسد الطريقة التي تسهم بها بعض الصحف المحلية في تشكيل اتجاهات القارئ نحو الخرافة، وليس نحو التفكير العلمي وهي صفحات تفسير الأحلام. لقد شجعت بعض الصحف على أن يسأل الناس عن أحلامهم، وعلى أن تكون تنبؤاتهم بالمستقبل مستندة إلى ما يحلمون به لا إلى ما يخططون له، وولدت عند القراء ثقة في مؤولي الأحلام.
لم تحدث القراءة في المجتمع السعودي تغييراً ملموساً لمفهوم الكتابة (الأدب). بل يمكن أن أتحدث عن عداء تولد لقراءة أي إبداع خارج إطار الأدب الإسلامي. يتضح هذا من البديل الذي تقترحه بعض الجماعات الدينية لإبداع وظيفته أن «يوجه» و«يرد» و «يعالج» و«يطرح» و«يدافع»، وكما يلاحظ القارئ فهذه «الأفعال الأدائية» تشير إلى تصور متعلق بوظيفة الأدب. فالأدب يلزم أن ينخرط في وظيفة اجتماعية إصلاحية وتوجيهية. لم تنشر القراءة في مجتمعنا فكرة أن الكتاب يؤثرون في تشكيل الرأي العام، ولذلك لم يستحوذوا على أي هيبة. لقد بقيت الهيبة لرجال الدين الذين لا يولون اهتماماً لتعبير الفرد، وطرافة تجربته بقدر الاهتمام بمساهمة الكاتب المنتمي إلى جماعة. ولهذا علاقة بالفرد الذي يقابل الجماعة؛ فهؤلاء لا يرون الكاتب إلا في انتمائه إلى جماعة، ولا يرونه في فرديته. وقد ترتب على هذا أن الكاتب يلزم أن ينخرط في جماعة، وأن أي تعبير يصدر عنه يلزم أن يلبي وظيفة جماعية. وأن كل اختيار شخصي يظل ممنوعاً، ولا يقبل إلا إذا كان قابلاً لأن يشمل الجماعة.
إن من الأمور التي يمكن الاتفاق عليها أن معظم الناس في مجتمعنا يتعلمون القراءة من أجل أن يتمكنوا من قراءة الكتب الدينية. لا ضير من ذلك، ويمكن القول: إنهم بمعنى معين على حق؛ إذا ما كانوا يمارسون حريتهم في العبادة. لكن ما ينبغي التأكيد عليه هنا هو أنهم لم يتعلموا أي مهارة من مهارات القراءة، وبناء على ذلك فإن عدد من تلقوا التعليم في مجتمعنا ونسبهم الرسمية المعلَنة؛ لا ينبئ بمستوى تعليم القراءة الذي يلزم أن يكون. بعد هذا كله؛ بأي معنى نقول: إن القراءة تغيرت في المجتمع السعودي وغيرته مع الزمن؟ يلزم ألا نبالغ في تقدير التغير في عادات القراءة وفي الكتب المقروءة. لم تكن القراءة دائماً قراءة ناقدة، ولم تسر في اتجاه التصفح والاستعراض والقراءة السريعة بحثاً عن معلومات علمية أو عملية في المعاجم والموسوعات أو سلاسل الكتب المهتمة بالتطبيقات العلمية للعلوم. ولا يوجد أي أثر ملموس للاستخدامات السياسية لمعرفة القراءة والكتابة بالنسبة لعامة الناس كالاحتجاج على الأوضاع، ولم تنتقل من مجال القراءة العام إلى الخاص أي أن تكون جزءاً من النزعة الفردية.
يوفر كل ما سبق وصفه وتحليله امتيازاً لفكرتي، فالقراءة هي المجتمع، وتشتغل وظيفياً كالمجتمع، وتنطلق من عوامل ذات طابع اجتماعي. وبالتالي فالتغيير لا ينشأ في مجتمع يقرأ بالطريقة التي شرحتها، ويقتني الكتب بالطريقة التي وصفتها.
إن القراءة هي محاولة القارئ إلى أن يتوصل إلى معرفة جديدة، وليست القراءة كما يعرفها مجتمعنا تستطيع أن توصل إلى دعاوى معرفية تؤدي إلى زيادة الفهم اللازم للفكر الفلسفي والعلمي والجمالي. ومع ذلك ينبغي أن يكون واضحاً أنه لا توجد وصفات بسيطة لتطوير القراءة لكي يتغير المجتمع السعودي، لكنني أعتقد أن القراءة من حيث هي عمليات عقلية عليا، وأن قراءة الإبداع والكتب العلمية والفلسفية ستساعده في أن يتغير.
روائي وناقد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.