ولي العهد لأمير قطر: عدوان إيران سافر لا يمكن تبريره    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على فيصل بن خالد    امتدادا لإستراتيجيته التمويلية المرنة.. صندوق الاستثمارات يؤسس برنامجه للأوراق التجارية    المملكة تنضم إلى توصية منظمة "OECD".. السعودية رائد عالمي في تعزيز حوكمة الذكاء الاصطناعي    مشيداً بدعم القيادة..الأمير سعود بن نايف خلال تدشينه منتدى الصناعة: السعودية تمتلك قاعدة صناعية متينة ومتطورة    قطر توجه رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن بشأن الهجوم على قاعدة العديد الجوية    "التعاون الإسلامي" ترحب باتفاق وقف إطلاق النار بين طرفي التصعيد في المنطقة    47 أسيرة في السجون الإسرائيلية.. الاحتلال يواصل انتهاكاته في غزة والضفة والقدس    بعد حلوله وصيفاً ل" الرابعة".. الأخضر السعودي يواجه نظيره المكسيكي في ربع نهائي الكأس الذهبية    سمو ولي العهد يتلقى اتصالًا هاتفيًا من رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية    سيناريوهات عبور الهلال لربع نهائي مونديال الأندية    الهلال.. زعامة آسيوية وتألق عالمي    الإطاحة ب 4 أشخاص لترويجهم أقراصاً خاضعة للتداول الطبي    شدد على تطوير "نافس" وحضانات الأطفال.. "الشورى" يطالب بربط البحث العلمي باحتياجات التنمية    " الدارة" تطلق مبادرة إتاحة الوثائق التاريخية    أشاد بالتسهيلات خلال المغادرة.. القنصل العام الإيراني: ما قدمته المملكة يعكس نهجها في احترام الشعوب وخدمة الحجاج    أسرة الفقيد موسى محرّق تشكر أمير المنطقة على مشاعره النبيلة وتعزيته    إسرائيل تراجعت عن شن هجوم جديد على إيران    إعلان نتائج القبول بالبورد السعودي    أول ورشة متنقلة لصيانة مساجد وجوامع مكة في "جمعية تعظيم"    نائب أمير منطقة جازان يتسلّم التقرير السنوي لسجون جازان للعام 2024م    الغطاء النباتي وأرامكو ينثران 50 مليون بذرة في الربع الخالي    صور إنسانية من الماضي عن مدينة أبها    إنريكي: المنافسة الحقيقية في «مونديال الأندية» تبدأ الآن    أمانة الشرقية تستضيف الجولات التعريفية للسجل العقاري    قفزة هائلة في سوق الأسهم السعودية ب 254 نقطة    الكعبة المشرفة تتزين بكسوتها الجديدة لعام 1447 ه    أكثر من 400 رحلة حج تغادر مطار المدينة    مجمع إرادة بالرياض يحتفل بتخريج 30 متعافيًا من منزل منتصف الطريق والرعاية اللاحقة    42.5 مليون عملية إلكترونية عبر "أبشر" في مايو 2025    محافظ الأحساء يشيد بخيرية الجبر وبذلها نصف مليار ريال    الشؤون الإسلامية بالمدينة تكثف جهودها التوعوية    تسجيل محمية عروق بني معارض في القائمة الخضراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة    أمين منطقة القصيم يوقع عقد مشروع صيانة الشوارع غرب مدينة بريدة بأكثر من 17 مليون ريال    في لبنان.. بلدة ريفية تحظر صياح الديوك    قاضية أميركية تعرقل خطة ترمب لإغلاق أبواب «هارفارد» أمام الطلاب الأجانب    أمير تبوك يطلع على تقرير أعمال فرع وزارة التجارة بالمنطقة    قطاع خميس مشيط الصحي يُنظّم فعالية "الإسعافات الأولية"    حرارة شديدة ورياح على أجزاء من عدة مناطق في المملكة    جامعة أم القرى توقّع مذكرة تفاهم مع هيئة جامعة كامبردج لتعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي في تعليم اللغة الإنجليزية    الهيئة الملكية تطلق حملة "مكة إرث حي" لإبراز القيمة الحضارية والتاريخية للعاصمة المقدسة    الرواشين.. ملامح من الإرث المدني وفن العمارة السعودية الأصيلة    "غرفة نجران :تستعد غدًا لإنطلاقة فعاليات منتدى نجران للاستثمار 2025"    الإسلام دين الرحمة والتسامح لا مكان للكراهية والعنف    موعدنا في الملحق    روديغر يتهم لاعبي باتشوكا بالعنصرية    حكاية مؤرخ رحل    الأخضر السعودي لرفع الأثقال البارالمبية يحقق إنجازات عالمية في كأس العالم بالصين    أمير القصيم : عنيزة تمتاز بالسياحة الريفية والعلاجية    التوتر اضطراب طبيعي واستمراره خطر    دراسة تحذر من تأثير ضربات الرأس في كرة القدم    "البحوث والتواصل" يستقبل وفداً إعلامياً صينياً    السدو.. نسيج الذاكرة ومرآة الهوية    6000 موقع عمراني جديد في السجل الوطني للتراث العمراني    محمد بن سلمان: رؤية تُحوِّل الأحلام إلى حقائق    واشنطن تصدر «تحذيراً عالمياً» للأميركيين    الاستثمار في سوريا    يرجى عدم المقاطعة!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العرب و»مسرح العمليات»!
نشر في الحياة يوم 28 - 01 - 2014

تلفت نظري دائماً قدرة نظام الحكم في إسرائيل على عملية توزيع الأدوار في السياستين الداخلية والخارجية والنجاح في استخدام ذلك كورقة عند التفاوض في الصراع العربي - الإسرائيلي، ولقد رأينا كيف استخدمت السياسة الإسرائيلية التعددية السياسية في الداخل لتحسين مركزها التفاوضي وتعليق المفاوضات عند كل بند على ما يراه حزب سياسي إسرائيلي معارض أو جماعة دينية مختلفة بينما نحن العرب قد فشلنا في ذلك ولم نحقق قط حداً أدنى من الاتفاق على الاختلاف إن جاز التعبير، وسأطرح قرار الرئيس الراحل السادات بزيارة القدس عام 1977 وكيف كان يمكن توزيع الأدوار حول تلك المبادرة على نحو لا يترك السادات عارياً بلا غطاءٍ عربي كي يتفاوض وحده. لقد كانت تلك في ظني مناسبة تاريخية لتجربة توزيع الأدوار العربية بين متشدد ومعتدل وبين من يقفون في الوسط حيث يقبلون فلسفة المبادرة ولكنهم يتحفظون على أسلوب الزيارة خصوصاً أن السادات بعد أن أعلن قراره بمخاطبة «الكنيست» الإسرائيلي حاول التشاور مع الدول العربية المختلفة بما في ذلك الدولة السورية الحليفة في حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973، وكاد يُعتقل في مطار دمشق لولا حرص الرئيس الراحل حافظ الأسد على تفادي حدوث مواجهة مع مصر لا مبرر لها، ولست أزعم أن سياسة «كامب ديفيد» كانت خيراً للعرب ولا أستطيع الادعاء أنها كانت فتحاً مبيناً ولا أنها كانت حلاً للصراع، ولكنني أظن - وليس كل الظن إثم - أنها قد أخرجت مصر الدولة من دائرة الصراع العسكري ولكنها تركت بصمات سلبية على باقي أطراف الصراع العربي، ولعلي أوجز هنا بعض الملاحظات المرتبطة بما أقول:
أولاً: إن محنة العمل العربي المشترك في العقود الأخيرة لا تكمن في غياب الإرادة السياسية وحدها ولكنها تتجاوز ذلك لتتمثل في أجندات قطرية منفردة وأحياناً متعارضة، وهذا ما أدى إلى الاختراق الأجنبي للمنظومة العربية وأجهض إلى حدٍ كبير فعالية المنظمة الإقليمية القومية وهي جامعة الدول العربية، بل امتد الأمر من تراجع دورها ليصيب كل مؤسسات العمل العربي المرتبطة بها أو حتى البعيدة منها، إذ إننا يجب أن ندرك أن الساحة العربية لا تخلو من تحركاتٍ في الاتجاهات كافة بل وحتى الصراع العربي - الإسرائيلي ذاته لم يبرأ من تفاوت الدرجات بين الاعتدال والتشدد بصورة سمحت لأطرافٍ أخرى أن تستفيد من تلك الاختلافات وأن تستخدم بعض الممارسات العربية القطرية لتضرب جوهر العمل العربي المشترك.
ثانياً: يجب أن نعترف نحن العرب أننا قد أخفقنا في الاتفاق على حد أدنى من السياسات الرئيسة والتوافق حول القضايا الأساسية على الأقل. لذلك لم نتمكن من إيجاد مساحة لتوزيع الأدوار على نحوٍ يشكل إمكان تعزيز القدرات التفاوضية ووضع العرب في مكانةٍ أفضل ديبلوماسياً بل وعسكرياً أيضاً، ويرى البعض أن ذلك يرجع إلى الثقافة العربية التي تسمح بأن نقول ما لا نفعل وأن نفعل ما لا نقول! إضافة إلى المبالغة اللفظية والتضخيم الإعلامي والخروج دائماً عن السياق المعتاد! فضلاً عن الحرب الإعلامية والاستسلام الواضح لنظرية المؤامرة مع سوء التأويل وخبث التفسير والقبول بالتراشق الدائم بتهمٍ تدور حول «العمالة» و»الخيانة» وتجريح الآخر.
ثالثاً: إن مسرح العمليات العربي يبدو محصوراً بين العالمين الإسلامي والإفريقي ويتعرض لتياراتٍ أقواها تلك الرياح الدينية التي نبعت من العالم العربي ثم عادت إليه في شكل أعاصير وأنواء تسيطر على سمائه وتملأ أجواءه، كما أن العالم الإفريقي يعطي مؤشرات إستراتيجية ذات طبيعة خاصة خصوصاً من منطقة شرق إفريقيا المطلة على البحر الأحمر ومضيق باب المندب وتأثير كل ذلك في مقومات الأمن القومي العربي كله، كذلك فإن مسرح العمليات العربي يمتد من حدود إيران شرقاً إلى مياه الأطلسي غرباً ومن مرتفعات الأناضول شمالاً إلى منابع النيل جنوباً، وهو ما يعني اتساع الرقعة التي يتحرك فيها العرب، وبقدر هذه المساحة الواسعة والثروات الطائلة فإن التحديات تتزايد والمواجهات تتكرر على نحوٍ غير مسبوق في التاريخ العربي كله، وهذا يدعونا إلى ضرورة مواصلة التفكير في مقومات المستقبل العربي وإمكاناته المختلفة.
رابعاً: لن نتوقف أبداً عن التأكيد على أهمية الديموقراطية والتعددية السياسية، فهي البوابة الحقيقية التي تتيح إمكان التعامل العربي - العربي بحكمة ونجاح لأنه في غيابها يصبح الحديث عن «توزيع الأدوار» لغواً لا طائل منه، إذ إن وجود ألوان الطيف السياسي على مسرح الحياة في دولة معينة هو الذي يتيح لصانع القرار أن يستخدم نظرية «توزيع الأدوار» بحكمة واقتدار، كما أن التعددية السياسية تعطي الدولة قدرةً ومرونة في توجيه خياراتها عند البحث في سياستها الخارجية وكذلك البحث عن مصالحها المتعددة في اتجاهات متباينة، وسنلاحظ عجز الأنظمة الشمولية عن تحقيق «توزيع الأدوار» في سياستها الخارجية لأن الطرف الآخر يدرك أن القرار بيد شخص أو حزب أوحد أو جماعة تحكم، وبالتالي لا يمكن والحال كذلك أن تحقق دولة ما أهدافها السياسية في مواجهة المجتمع الدولي والمتغيرات الإقليمية في ظل غياب التنوع السياسي والتعدد الحزبي لأنها كلها مقوماتٌ للحكم الرشيد بلغة العصر.
خامساً: إن استقراء التاريخ العربي الحديث يوحي بغياب الرؤية البعيدة والاعتماد على التفكير المتعجل في المدى القصير وحده وتجنب طرح الخيارات والبدائل أمام صانعي السياسة، فأضحت السياسات الخارجية العربية أقرب إلى ردود الفعل منها إلى الأخذ بزمام المبادرة وافتقدت حيوية الدور أو تفعيل السياسة وفقاً للمواقف المستقلة والأفكار الرائدة. لذلك ظل «مسرح العمليات» على خارطة الوطن العربي محدوداً ومحكوماً بالمؤثرات الخارجية ولا تنسحب عليه الآثار الإيجابية للأنظمة ذات التعددية والآخذة بالتحول الديموقراطي، ولعلنا نضيف إلى هذه النقطة أن التنسيق العربي - العربي كان يمكن أن يكون بديلاً عن غياب الديموقراطية ذاتها ولكن المشكلة لدينا هي غياب الاثنين معاً، فلا ديموقراطية محلية تسمح باللعب على التنوع الداخلي في التفاوض أمام الطرف الأجنبي، ولا تنسيقاً نمضي عليه في التعامل العربي الشامل! فقد كان يمكن أن تحل التعددية القطرية لدى الدول العربية بديلاً عن التعددية السياسية الداخلية في كل قطر ولكن ذلك لم يحدث حتى الآن!
سادساً: إن مسرح العمليات للعمل العربي المشترك كان يجب أن يكون هو تلك المؤسسة الإقليمية ذات الطابع القومي والتي قامت في منتصف الأربعينات بتوافقٍ بين الدول العربية المستقلة حينذاك وبحماسٍ مصريٍ وقبول سعودي، ولكن يبدو أن جامعة الدول العربية قد أصابتها محنة التنظيم الدولي المعاصر كما هو الأمر بالنسبة الى غيرها من المنظمات الدولية والإقليمية، إذ ليس باستطاعة الجامعة أن تقود مبادرةً على «مسرح العمليات» العربي تحرك بها الإرادة العربية في اتجاه إيجابي واحد لأن الجامعة في النهاية هي «جامعة دول» ومحصلة لإرادات نظم لا نتوقع منها أكثر مما أردنا لها.
سابعاً: إن مستقبل العمل العربي المشترك مرهون بالإرادة السياسية لمجموع النظم العربية القائمة ولا نستطيع أن نتصور أن يكون هناك نظام عربي مشترك له فاعليته وتأثيره إقليمياً ودولياً من دون أن يكون ذلك معبراً عن سياسات الدول الأعضاء ورغباتها وقدراتها في الوقت ذاته، لذلك فإن بعض الأنظمة ذات الطابع الخاص في تاريخنا العربي الحديث مثل «عراق صدام» و «ليبيا القذافي» كان لها آثار سلبية في العمل العربي المشترك في العقود الماضية، كذلك فإن بعض الأنظمة التي تغرد خارج السرب تكون هي الأخرى خصماً من مستقبل العمل العربي المشترك لأن «مسرح العمليات» محكوم في النهاية بحركة أقل الدول العربية سرعة كحدٍ أدنى وليس بحركة أسرع الدول العربية كحدٍ أقصى، من هنا فإن القوى المعطلة للعمل العربي تمارس دورها من خلال هذا العامل تحديداً!
بعد أن استعرضنا هذه النقاط المحورية في قضية «العمل العربي المشترك» واستخدام «مسرح العمليات» العربي في ما يتصل بتحديد رؤية واضحة أمام الدول العربية في إطار الجامعة أو خارجها، وفي إطار المجالس الإقليمية العربية أو خارجها أيضاً فإننا نستطيع القول إن العلاقات العربية في دول الجوار خصوصاً إيران وتركيا ودول القرن الإفريقي، إضافة إلى الموقف العربي الواحد من الصراع العربي – الإسرائيلي، كل هذه العوامل تشكِّل قدرة العرب في النهاية على توزيع أدوارهم وصوغ شكل جديد لإطار العمل العربي المشترك الذي سيكون هو المحط الأساس لرؤية المستقبل واستشراف أبعاده واقتحام آفاقه.
* كاتب مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.