الحقائب تزف الخبر في كل أوروبا. حقائب صغيرة في المطارات ومحطات القطارات ترشح شوقاً وحباً هذه الأيام. كهول وشبان وأطفال ينتظرون هذه المناسبة الوحيدة كل عام للقاء أهلهم وأحبائهم، بعدما فصلت بينهم الجغرافيا وظروف العمل. الفرنسيون هم في طليعة المحتفلين بأعياد نهاية السنة في أوروبا. واجتماع شمل العائلة يتم حول مائدة عامرة، وبما أن للفرنسيين ومطبخهم قصب السبق في هذا المجال يصبح لإعداد المائدة طقوس راسخة لا تقوى عليها الأزمات، والدليل أن تكاليف عشاء عيد الميلاد ارتفعت هذه السنة 2 في المئة، على رغم الأزمة الاقتصادية، ليبلغ مجموع ما أنفقه الفرنسيون (65.8 مليون نسمة) على هذا العشاء حوالى 200 مليون يورو (275 مليون دولار). ويتوقع أن ينفقوا المبلغ نفسه ليلة رأس السنة، فتكون حصة كل فرنسي من العشاءين حوالى 3 يورو. لكن هذا الرقم لا يعني أن الفرنسيين متساوون في الاستهلاك، فغالبيتهم لا مقدرة مالية لها على شراء الأطباق الفاخرة والباهظة الثمن التي تتصدر موائد عيدي نهاية السنة، لذلك تكتفي بما «يشبهها»، حفاظاً على التقاليد. أما الأطباق الرئيسة التي تتصدر مائدة العيدين فهي: - ثمار البحر، وتشمل القواقع (يسميها الفرنسيون «ويتر») والروبيان (القريدس) بأنواعه والكركدن وكل ما يخرج من البحر. ويكلف طبق واحد من هذه الثمار البحرية، لخمسة أشخاص، بين 60 و100 يورو. وتنفرد فرنسا تقريباً، بين بلدان أوروبا، بتطوير إنتاج القواقع على شواطئ منطقتي بريتاني والنورماندي حيث أصبح «الويتر» صناعة قائمة بذاتها. ويبلغ ثمن الدزينة منها بين 6 و25 يورو، وفق نوعها وحجمها. - سمك السلمون المدخن، ويبلغ سعر الكيلوغرام الواحد منه بين 25 و100 يورو، ومعظمه نروجي الإنتاج، والنوع الفاخر منه اسكتلندي أو روسي. - كبد البط الذي يثير احتجاج الجمعيات المدافعة عن الحيوانات بسبب الطريقة غير الإنسانية في تغذية هذه الطيور، من طريق حقن حوصلاتها بحبوب الذرة كي يتضخم كبدها. ويبلغ ثمن الكيلوغرام الواحد من كبد البط أو الإوز بين 30 و200 يورو. لكن الثمن يرتفع في شكل كبير إذا أضيف إلى الكبد الفطر الأسود الذي يبلغ ثمن الكيلوغرام الواحد منه حوالى ألف يورو. - الديك الرومي والديك المخصي الذي يربى ويسمن خصوصاً للمناسبات. وسعر الكيلو من الديكين حوالى 12 يورو. إذا كانت المائدة قد أصبحت رمزاً عند الفرنسيين في أعياد نهاية السنة، فليس لكونها تضم أطباقاً باهظة الثمن، بل لأنها دليل عاطفة عائلية، فالأبناء والآباء قد لا يلتقون سوى مرة واحدة في السنة، وفي سبيل هذا اللقاء ترخص كل الأطباق.