العنزي يحصل على الماجستير مع مرتبة الشرف    جامعة الإمام عبد الرحمن تكرم الفائزين ب"جائزة تاج" للتميز في تطوير التعليم الجامعي ب 18 جائزة    ريم العبلي وزيرة في المانيا حظيت باهتمام الناشطين العرب عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟    قمة بغداد: نحو نهج عربي جديد    وزارة الثقافة الفلسطينية تطلق جائزة القدس للمرأة العربية للإبداع الأدبي في الرواية العربية المنشورة    إنجازان جديدان لجامعة إماراتية التنبؤ بالجلطات الدموية والعزل بمخلفات النخيل    . اختتام المعرض الدولي الأول العائم للامتياز التجاري    إستمرار تأثير الرياح النشطة على مختلف مناطق المملكة    أوكرانيا: قصف روسي لعدة مناطق رغم إعلان بوتين عن وقف إطلاق النار    أمير منطقة المدينة المنورة يلتقي وزير التعليم    وزير الصناعة والثروة المعدنية يبحث مع "airbus" توطين تقنيات صناعة الطيران في المملكة    الديوان الملكي: وفاة صاحبة السمو الملكي الأميرة/ جواهر بنت بندر بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود    نُذر حرب شاملة.. ودعوات دولية للتهدئة.. تصعيد خطير بين الهند وباكستان يهدد ب«كارثة نووية»    تصاعد وتيرة التصعيد العسكري.. الجيش السوداني يحبط هجوماً على أكبر قاعدة بحرية    في ختام الجولة 30 من روشن.. الاتحاد يقترب من حسم اللقب.. والأهلي يتقدم للثالث    في إياب نصف نهائي يوروبا ليغ.. بيلباو ينتظر معجزة أمام يونايتد.. وتوتنهام يخشى مفاجآت جليمت    الأهلي بطلًا لدوري المحترفين الإلكتروني (eSPL)    ضبط (4) مقيمين لارتكابهم مخالفة تجريف التربة    الخريف التقى قادة "إيرباص" في تولوز .. تعاون «سعودي-فرنسي» في صناعات الفضاء    الزهراني يحتفل بزواج ابنه أنس    "النقل" تمهل ملاك القوارب المهملة شهرًا لمراجعتها    إطلاق أول دليل سعودي ل"الذكاء الاصطناعي" لذوي الإعاقة    القوى الناعمة في الميدان الرياضي.. الأهلي نموذجاً    15 مليون دولار مكافأة لتفكيك شبكات المليشيا.. ضربات إسرائيل الجوية تعمق أزمة الحوثيين    11 فيلمًا وثائقيًا تثري برنامج "أيام البحر الأحمر"    إبداعات السينما السعودية ترسو في المكسيك    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. فصل التوأم الطفيلي المصري محمد عبدالرحمن    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد.. وصول التوأم الملتصق الصومالي "رحمة ورملا" إلى الرياض    استخدام الأطفال المصاعد بمفردهم.. خطر    لاعبو الأهلي: لم نتأثر بأفراح آسيا    انخفاض معدل المواليد في اليابان    ألم الفقد    الريادة الخضراء    وأخرى توثّق تاريخ الطب الشعبي في القصيم    مذكرة تفاهم لتفعيل قطاع التأمين الثقافي    الرُّؤى والمتشهُّون    بين السلاح والضمير السعودي    ليس حُلْمَاً.. بل واقعٌ يتحقَّق    الرياض تتنفس صحة    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة حتى الأحد المقبل    همسة إلى لجنة الاستقطاب    الجوازات تسخّر إمكاناتها لضيوف الرحمن في بنغلاديش    الخط السعودي في مدرجات الذهب.. حين يتجلّى الحرف هويةً ويهتف دعمًا    الأميرة دعاء نموذج لتفعيل اليوم العالمي للأسرة    أحمد الديين الشيوعي الأخير    تطوير قطاع الرعاية الجلدية وتوفير أنظمة دعم للمرضى    ريمونتادا مذهلة    الشيخ بندر المطيري يشكر القيادة بمناسبة ترقيته للمرتبة الخامسة عشرة    الموافقة على استحداث عدد من البرامج الاكاديمية الجديدة بالجامعة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل العام للولايات المتحدة الأمريكية    أمير منطقة تبوك يدشن مرحلة التشغيل الفعلي لمشروع النقل العام بالحافلات    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    جراحة معقدة في "مستشفيات المانع" بالخبر تنقذ يد طفل من عجز دائم    مؤتمر للأبحاث الصيدلانية والابتكار    "صحي مكة" يقيم معرضاً توعويًا لخدمة الحجاج والمعتمرين    الرياض تستضيف النسخة الأولى من منتدى حوار المدن العربية الأوروبية    المرأة السعودية تشارك في خدمة المستفيدين من مبادرة طريق مكة    رشيد حميد راعي هلا وألفين تحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الستار حتيتة يروي حياة قبيلة
نشر في الحياة يوم 12 - 11 - 2014

عبر نَفَس ملحمي يتسق وطبيعة المكان الروائي والشخصيات المحكي عنها (قبائل تسكن الصحراء الغربية في مصر)، وارتحالات قلقة في الزمان والمكان الروائيين، تذوي أحلام قبيلة «الحصادين»، وتأفل شمسها عن فضاء جغرافي- إنساني لطالما سيطرت عليه، وهذا هو ما يتمثّل في جوهر رواية «شمس الحصادين» (دار جداول) للكاتب المصري عبد الستار حتيتة.
ينطلق حتيتة في روايته من المكوّن المحلي، من تلك البيئة التي خبرها جيداً، وشكلت الملامح المركزية لعالمه الخصب. هذا العالم الحاوي في جوهره جدلاً ما بين حدة الصحراء وسكونها وتقلباتها، في سياق سياسي ملغوم يهيمن على فضائه أفق الحرب العالمية الثانية، الحلفاء من جانب، والألمان من جانب آخر، وبينهما أبناء القبائل. إنه إطار سياسي عام ينبع من حدث فارق في تاريخ الإنسانية نرى تجلياته على مجتمع عشائري في الأساس، وهو ابن لقيم مختلفة، ماضوية الطابع.
تبدو الصحراء هنا فضاء شاسعاً بامتياز، يحوي منطقاً خاصاً تحكمه علاقات مكانية، العرف القبلي سيدها وجوهرها في آن.
ثمة حنين يلوح في البداية، نوستالجيا خاصة، تحيل إلى ذلك البيت البعيد، هكذا يهدي الكاتب روايته، موقناً في اللقاء، واثقاً في استعادة ما كان: «إلى البيت البعيد: سنلتقي».
تتشكّل الرواية من تسعة وعشرين فصلاً، يحكي الكاتب من خلالها قصته على دفعات، موظفاً آلية التوالد الحكائي، وواعياً بطبيعة الجدل بين ما يُعرف ب «الحكاية الأم/ الرئيسة» والحكايات الفرعية المنفصلة عنها والمتصلة بها في آن. ثمة قبيلة يطلق عليها الكاتب اسم «الحصادين»، وبما يوحي به الدال/ اللفظ من مدلولات مختلفة، هي تحيل في معظمها إلى معاني النموّ والقوة. لقد كانت جزءاً من أحداث عاشتها المنطقة الواقعة في الصحراء الغربية بين مصر وليبيا، إلى أن أصبحت تلك القبيلة بمثابة مركز الحكي وجوهره في الرواية، فوقفت ضد الأتراك وواليه. ونعلم أنّ حرباً جرت بين العثمانيين من جانب والقبائل الليبية من جانب آخر في أوائل القرن التاسع عشر، أيام الوالي العثماني يوسف باشا القرمانلي، ثم جاء بعضها إلى مصر. وقد نجد أيضاً إشارات لتحالف بعض القبائل المصرية مع السنوسي عام 1915 في حربه ضد الإنكليز. نحن إذاً أمام استيحاء لحوادث تاريخية متفرقة، يجعلها الكاتب جزءاً من التاريخ السياسي/ الاجتماعي المشكل لقبيلته، ويفعل آليات المكان وصيغه الحياتية، بدءاً من الاحتفاء بالموروث الشعبي، مثل الأغاني البدوية الخاصة بالمكان: (يا راعي ما عندك والي)، والتي تتكرر في مواضع عدة داخل الرواية على لسان بطلها سنوسي، فضلاً عن حضور واعد للمعتقد الشعبي الذي يؤمن به ناس المكان، أو إعطاء الحكايات الأسطورية مساحات كبيرة وتضفيرها في بنية السرد، بما يكشف عن النوازع الداخلية لشخوصه، مثلما نرى لدى جدة نجيَّة التي تستحضر الجنّ صباح مساء! فنغدو أمام عوالم من تفعيل الخيال الشعبي الأسطوري بما يحويه من غرائبية، هي ابنة السياق المحلي والحكايات العربية القديمة.
يلوح سنوسي منذ المفتتح، مهيمناً على فضاء المشهد السردي، هو يظهر بعد جمل وصفية مسكونة بالمجاز «نغمات الزمار تشبه حركة ريشة تحت النسيم الرخو». وعبر سرد مفعم بالتوتر الداخلي، يرى سنوسي مربيه «عبدالباسط» متطايراً جسده في أرض الألغام التي تبتلع كل شيء، والتي كانت الحرب بين الإنكليز والألمان سبباً في إفقار المكان، وتحولاته العاصفة التي حصدت مجد قبيلة الحصادين، فارتفعت قبائل أخرى من غير ذوي الشأن: «وبمرور الأيام كان أبناء القبائل الصغيرة، الذين كان عددهم يتزايد بلا توقف، يوغلون في امتهان أبناء الحصادين...».
في «شمس الحصادين» لسنا أمام أبطال في أزمة فحسب، ولكننا أمام مكان مأزوم في الأساس ويحوي شخوصاً مقموعين ومهمشين، في قرية يحاصرها الألمان من الجنوب، والإنكليز من الشمال.
يتمتع السنوسي بحضور خاص في الرواية. إنه فتى ممسوس بالحب والأسطورة، والخيال الفريد، والحيرة والجنون. يحاور الجندي الألماني «بوهلر» المقتول في الحرب العالمية الثانية، فيطرح حوارات سردية بديعة عمادها التخييل، وغايتها كشف المسكوت عنه في علاقة القبيلة بالألمان، ومحاولة إعدام القائد الألماني فيستر فيله لزيدان، والد سنوسي، ثم إنقاذه على أيدي أبناء عمومته من (عيت شفيع).
يتماهى السارد الرئيسي مع المؤلف أحياناً، فيكسران الحدّ الفاصل بين الحقيقة والمتخيل، كما يكسران أيضا الحائط الوهمي الرابع بين النص والمتلقي، ويستخدم الكاتب تعبيرات في هذا السياق مثل: «نهايته»، وكأنه يستأنف الحكي، حاذفاً مساحات من الاستطراد.
يحوي السرد أحياناً نزوعاً فلسفياً، من قبيل: «حين لا تفرق بين وقت البكور ووقت الغروب فهذا يعني اقترابك من إدراك حقيقة أن الزمن في الأصل مخلوق واحد. لا صباح فيه ولا ليل...»
وقد أضفى الجانب الملحمي على الرواية طابعاً خاصاً يتجلّى في تلك الحوارات بين عتوش وعبدالكافي، كممثلين لقبيلتين مختلفتين تقفان على شفا حرب انفجرت بُعيد القبض على نجية ابنة عبدالكافي وابن عمها سنوسي، وسقوط هيبة الحصادين إلى الأبد، لتنطلق النيران من الجهات كافة.
وعلى خلفية الحكاية الرئيسية، تلوح حكايات فرعية عن نساء مقموعات سقطن ضحية العرف وسطوة التقاليد. فيُحلق شعر سعيدة مثلاً بعدما يشي بها شاهد زور هو سالم الأعرج، ويتهمها بأنه رآها مع غريب ليلاً. ثم يتكرّر الفعل نفسه من جديد مع الفتاة البكر نجية، التي سيطرت على أحلام سنوسي حتى استخدم ميكروفون الجامع الكبير للنداء عليها والتصريح بحبها في مجتمع لا يكف عن اغتيال مشاعر ناسه.
في رواية تضع قدماً في الواقع وأخرى في الفانتازيا، وعبر مساحات إنسانية بديعة زاوجت بين الحقيقي والمتخيل، ووظفت الصحراء توظيفاً دلالياً ومكانياً جيداً، فأبدعت فضاءها الخاص، يكتب عبدالستار حتيتة روايته «شمس الحصادين»، مضيفاً إلى مشروعه السردي بعد أعمال مثل: «استراحة الشيخ نبيل»، و»ليلة في سجن المالكي»، ومجموعته القصصية «لوزة». بل يصنع تراكماً نوعياً وانتصاراً للسرد العارف بالمكان، والمتعاطي معه بوصفه فضاء نفسيا قبل أن يكون فضاء مادياً ملموساً ومتعيناً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.