لم أتابع لقاء تونس والرأس الأخضر على ملعب رادس في ختام المجموعة الثانية الأفريقية من تصفيات كأس العالم، على اعتبار أنها مباراة سهلة سيعلن فيها المنتخب التونسي تأهله للدور النهائي من التصفيات وهو الذي يكفيه التعادل.. ففضلت عليه متابعة نشامى الأردن وهم يواجهون أوزبكستان في ذهاب لقاء الملحق الآسيوي الفاصل.. لذلك لم أصدق عيناي وأنا أقرأ خبر خسارتها (صفر-2) وتأهل أصحاب الرؤوس الخضراء في عقر دار تونس الخضراء! على ما يبدو أن التوانسة أيضاً تعاملوا مع المباراة كما تعاملت أنا معها، فكان هذا الخروج الدرامي الذي يمثل لغزاً كبيراً يتجاوز حدود مفاجأت كرة القدم، وما أشبه الليلة بالبارحة.. يوم أن خرج التوانسة من تصفيات كأس العالم 2010 على يد مدربهم البرتغالي كويليهو، بعد أن ظلوا في صدارة مجموعتهم منذ بداية التصفيات حتى اللحظات الأخيرة من آخر مباراتهم أمام موزمبيق التي فازت بهدف في الوقت بدل الضائع، لتساعد نيجيريا التي كانت تواجه كينيا حينها في خطف بطاقة التأهل لنهائيات المونديال..! هذه المرة وعلى ملعب رادس يتكرر نفس السيناريو مع اختلاف في التفاصيل والأسماء، فمنتخب الرأس الأخضر الذي كان بعيداً عن منتخب تونس بخمس نقاط في الجولة قبل الأخيرة، يحصل بقرار من «فيفا» على ثلاث نقاط لمباراة كان خسرها أمام غينيا الاستوائية لإشراك الأخيرة للاعب لا يحق له المشاركة.. وليتأجل التأهل التونسي الذي احتفلنا به مبكراً إلى مباراة رادس.. وها هو التأجيل يتحول إلى إلغاء بهزيمة غير متوقعة! لا أدري كيف سمح التوانسة لشبح الإقصاء أن يخيم ويسيطر ويفرض كلمته؟ سمحت السلطات الأمنية بحضور 30 ألف مشجع للمباراة، فإذا بالحضور لا يتجاوز ألفي متفرج.. وخارج الملعب كان جو التربص واضحاً بالمنتخب ومدربه، لدرجة أن البعض لم يخف تمنيه الخسارة حتى ولو كان ثمنها ضياع حلم التأهل! أحد المحللين الفنيين قال صراحة قبل أسابيع: «لو فاز معلول على الرأس الأخضر سيبلغ نهائي مونديال البرازيل 2014» في تهكم واضح على المنتخب ومدربه! لكن مهما كانت الأجواء المحيطة، تبقى المسؤولية على عاتق اللاعبين وجهازهم الفني.. وهنا أستغرب أين ذهبت روح التحدي التي كانت تمثل أبرز سمات وأسلحة لاعبي المنتخب التونسي على مدار عصوره؟ ولا أخفي اندهاشي من تكرار وقوع المدرب والصديق العزيز نبيل معلول مرة أخرى في نفس الفخ الذي سقط فيه مع الترجي منذ شهور أمام الأهلي في نهائي دوري أبطال أفريقيا الأخير وعلى الملعب نفسه؟ المحزن هذه المرة أن الفرصة كانت بالفعل متاحة أمام المنتخب التونسي لبلوغ نهائيات المونديال خصوصاً في ظل أداء متواضع للمنتخبات التي تأهلت إلى الدور النهائي من التصفيات الأفريقية. لا أقلل إطلاقاً من إنجاز منتخب الرأس الأخضر الذي لم يظهر على الساحة إلا أخيراً وبالتحديد في نهائيات أمم أفريقيا الأخيرة عندما بلغ دورها ربع النهائي، وفي ملعب رادس كان التحدي شعاراً للاعبيه الذين وصل بعضهم إلى تونس على نفقته الخاصة، بعد أن عجز اتحاد الكرة في هذا البلد الصغير عن توفير نفقات سفر بعثته مما هدد الفريق بالانسحاب، بخاصة أن المطلوب من الرحلة كان كبيراً، وهو إلحاق الهزيمة بتونس على أرضها. سيناريو كان يتصوره الكثيرون شبه مستحيل، وكنت أحدهم.. لكن المنتخب الأفريقي المكافح وصل تونس وتأهل إلى الدور النهائي من التصفيات.. ولو بلغ نهائيات كأس العالم سيكون حدثاً تاريخياً فريداً وقياسياً، وهو بلوغ «أصغر» بلد لا يتجاوز عدد سكانه نصف مليون نسمة نهائيات المونديال. ليس عيباً هذه المرة أن نتعلم الدرس من سلحفاة الرأس الأخضر التي سبقت أرنباً تونسياً غط تحت شجرة رادس في سبات عميق! درس من تراثنا القديم، عله يفيد ما تبقى من ناجين عرب يواصلون السباحة تجاه شواطئ البرازيل! [email protected]