برئاسة وزير الدفاع.. "الجيومكانية" تستعرض خططها    الذهب يستعيد بريقه عالمياً    تيليس: ينتظرنا نهائي صعب أمام الهلال    محافظ سراة عبيدة يكرم المشاركين والمشاركات ب أجاويد2    اَلسِّيَاسَاتُ اَلتَّعْلِيمِيَّةُ.. إِعَادَةُ اَلنَّظَرِ وَأَهَمِّيَّةُ اَلتَّطْوِيرِ    هذا هو شكل القرش قبل 93 مليون سنة !    رئيس الوزراء الباكستاني يثمِّن علاقات بلاده مع المملكة    حظر استخدام الحيوانات المهددة بالانقراض في التجارب    الهلال يواجه النصر.. والاتحاد يلاقي أحد    الهلال يفرض سطوته على الاتحاد    قودين يترك «الفرسان»    السعودية.. بلغة «نحن» !    متحدث التعليم ل«عكاظ»: علّقنا الدراسة.. «الحساب» ينفي !    أشعة الشمس في بريطانيا خضراء.. ما القصة ؟    إيقاف 166 في 7 وزارات تورطوا بتهم فساد    جميل ولكن..    السعودية تتموضع على قمة مسابقات الأولمبياد العلمية ب 19 ميدالية منذ 2020    أمي السبعينية في ذكرى ميلادها    هكذا تكون التربية    ما أصبر هؤلاء    «العيسى»: بيان «كبار العلماء» يعالج سلوكيات فردية مؤسفة    زيادة لياقة القلب.. تقلل خطر الوفاة    «المظهر.. التزامات العمل.. مستقبل الأسرة والوزن» أكثر مجالات القلق    «عندي أَرَق» يا دكتور !    الشرقية تشهد انطلاق الأدوار النهائية للدوري الممتاز لكرة قدم الصالات    القيادة تعزي رئيس الإمارات في وفاة الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان    الاقتصاد الوطني يشهد نمواً متسارعاً رغم المتغيرات العالمية    وزير التعليم في مجلس الشورى.. الأربعاء    وزير الاقتصاد والتخطيط يجتمع مع وفد ألماني    33 مليار ريال مصروفات المنافع التأمينية    استشهاد ستة فلسطينيين في غارات إسرائيلية على وسط قطاع غزة    إطلاق مبادرة لرعاية المواهب الشابة وتعزيز صناعة السينما المحلية    النصر يضرب موعداً مع الهلال في نهائي أغلى الكؤوس    الإبراهيم يبحث مع المبعوث الخاص الأمريكي لشؤون الأمن الغذائي العالمي تحسين النظم الغذائية والأمن الغذائي عالميًا    الحزم يواجه الأخدود.. والفتح يلتقي الرياض.. والأهلي يستقبل ضمك    عبدالحميد: اعتذرت لجماهير الاتحاد    «سلمان للإغاثة» ينتزع 797 لغماً عبر مشروع «مسام» في اليمن خلال أسبوع    وزير الصحة يلتقي المرشحة لمنصب المديرة العامة للمنظمة العالمية للصحة الحيوانيّة    اطلع على المهام الأمنية والإنسانية.. نائب أمير مكة المكرمة يزور مركز العمليات الموحد    تعزيز الصداقة البرلمانية السعودية – التركية    إنستغرام تشعل المنافسة ب «الورقة الصغيرة»    العثور على قطة في طرد ل«أمازون»    تحت رعاية الأمير عبدالعزيز بن سعود.. حرس الحدود يدشن بوابة" زاول"    الفريق اليحيى يتفقد جوازات مطار نيوم    أمير الشرقية يثمن جهود «سند»    بمناسبة حصولها على جائزة "بروجكت".. محافظ جدة يشيد ببرامج جامعة الملك عبدالعزيز    أشاد بدعم القيادة للتكافل والسلام.. أمير نجران يلتقي وفد الهلال الأحمر و"عطايا الخير"    أغلفة الكتب الخضراء الأثرية.. قاتلة    مختصون: التوازن بين الضغوط والرفاهية يجنب«الاحتراق الوظيفي»    الجوائز الثقافية.. ناصية الحلم ورافعة الإبداع    مفوض الإفتاء بالمدينة يحذر من «التعصب»    أمن الدولة: الأوطان تُسلب بخطابات الخديعة والمكر    مناقشة بدائل العقوبات السالبة للحرية    فرسان تبتهج بالحريد    التوسع في مدن التعلم ومحو الأميات    نائب أمير مكة يقف على غرفة المتابعة الأمنية لمحافظات المنطقة والمشاعر    سمو محافظ الخرج يكرم المعلمة الدليمي بمناسبة فوزها بجائزة الأمير فيصل بن بندر للتميز والإبداع في دورتها الثانية 1445ه    وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة "37 بحرية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القراصنة «الرقميون» المستقلون يغيّرون وجه الجاسوسية
نشر في الحياة يوم 12 - 06 - 2013

بعد عبور ممر مليء بالمظلات المزودة بأطراف سامة، ومسدسات مزروعة في أقلام احمر الشفاه وأزرار تخفي كاميرات صغيرة، يسع زائري معرض واشنطن الدولي للجواسيس إلقاء نظرة على أداة مألوفة في الحياة اليومية انضمت أخيراً إلى «عتاد» التجسس: كمبيوتر محمول، «لابتوب» أسود اللون. صاحب هذا الجهاز يقول إنه شن بواسطته هجمات عزلت موقع ويكيليكس من الخدمة، واستخدمه 3 سنوات لتعطيل نحو 200 موقع «جهادي»، وتطوير أدوات قرصنة إلكترونية حساسة.
ويرى مدير المتحف، بيتر ايرنست، ان اللابتوب هو من عناصر عالم التجسس ومجتمع الاستخبارات في عصر مكافحة الإرهاب الرقمي. لكن مالك اللابتوب يزعم انه لا ينتمي الى مجتمع الاستخبارات ولا الى اجهزتها، وينفي صفة الجاسوس عن نفسه. فهو قرصان مستقل و«وطني». اسمه الحربي هو «ذي جستر» (المهرج)، وفي بعض الدوائر الرقمية ارتقى الى مصاف الأسطورة. ويرى المحلل الأمني تي. جي أو كونور، ان جستر- المهرج اثبت قدرة الفرد المفرد إفراد البعير على شن حرب رقمية شعواء حسِب المراقبون الى وقت قريب انها حكر على اجهزة الاستخبارات أو مجموعات الجريمة المنظمة. وهوية جستر مجهولة وهي طي الكتمان، وهو يعلن انه اميركي يجيد برمجمة الكمبيوتر، ويرغب في شن هجمات قرصنة على اعداء بلاده بعد انتهاء خدمته في الجيش الأميركي.
أول ظهور له كان مطلع كانون الثاني (يناير) 2010، بواسطة تغريدة على «تويتر» تعلن شن هجمات رقمية متقطعة على موقع حركة «طالبان». وعلى منبر «تويتر»، يميط جستر اللثام عن «إنجازاته» في القرصنة ويعدد أسماء المواقع التي «أسقطها». يتجنب الكلام مع الصحافيين، والمقابلات معه قليلة. وفي تموز (يوليو) الماضي، راسلتُه على «تويتر»، وطلبت مقابلته فوافق على الإجابة عن اسئلتي في دردشة مشفرة. لكنه اختفى ولم أنجح في الوصول إليه الا بعد اشهر، فرفض الكلام. الأسبوع الماضي، حاولت الاتصال به، فسارع الى الجواب وقال «(امهلني) لحظة لأنقل المحادثة الى خط آمن». وقال ان القرصنة هي تتمة خدمته العسكرية، وإن اجهزة اللابتوب ستتربع يوماً ما محل بنادق «أم-16»، وتتصدر ادوات الحرب. فالحرب في المستقبل القريب لن تشنها قوات برية بل ستشن من وراء شاشات متوهجة في أقبية مظلمة، كما يقول. وعلى رغم نفيه أي صلة بأجهزة الاستخبارات والأجهزة الأمنية، نجا جستر من ملاحقة القضاء. وهذا انقض على قراصنة مجموعة «انونيموس»، وادعى عليهم. وشطر راجح من أهداف جستر أو ضحاياه يناصب السياسة الخارجية الأميركية العداء. ويبدو ان الاستخبارات الأميركية تغض النظر عن انشطته، أي عن الهجمات على اعدائها. ولكن هل يزود جستر السلطات الأميركية بالمعلومات؟ «أنشرُ من حين الى آخر معلومات، وأضعها حيث يمكن بعضهم ان يجدها»، يجيب. وفي 2010، حين نشر ويكيليكس وثائق سرية من وثائق الخارجية الأميركية، شن هجوماً على الموقع، وأغرقه بسيل من المعلومات النافلة والتافهة، وأخرجه من الخدمة. وفي 2011، اجتاح موقع كنيسة «وستبورو بابتيست» رداً على مقاطعتها جناز جندي اميركي سقط في ارض المعركة. وفي الشهر الماضي، هاجم مجدداً موقع وستبورو، اثر ترحيبه بالإعصار الذي ضرب اوكلاهوما واعتباره عقاباً إلهياً على خطايا اميركا. وإثر قتل «جهاديين» جندياً بريطانياً في لندن في 26 أيار (مايو) المنصرم، برزت دعوات الى سن قوانين تحظر مواقع المتطرفين. فاستبق جستر التشريعات، وأسقط موقع الداعية الإسلامي المتطرف، أنجم شودري.
ونشر اسماء بعض ناشطي «انونيموس»، فبادرت السلطات الى اعتقالهم.
على وجه المعمورة كلها، يقوم أمثال جستر من القراصنة المستقلين بأعمال «ملتزمة» سياسياً، أوجه الشبه بينها وبين انشطة الاستخبارات والحرب الإلكترونية، وثيقة. ويرى ريتشرد بيتليتش، المدير الأمني في شركة «ماندينت» للأمن الرقمي، ان القراصنة الإلكترونيين يحيون تراثاً من الجاسوسية عمره آلاف السنين. ففي الماضي عرف العالم افراداً يمتهنون الجاسوسية طوعاً. ولكن، في بداية القرن العشرين، بدأت الحكومات تنشئ مؤسسات استخباراتية، وتدشن صناعة الجاسوسية. واليوم، بدأت كفة القطاع الخاص ترجّح في عالم الاستخبارات، إثر شيوع التكنولوجيا. وبروز جستر وناشطي «انونيموس» هو مرآة تغيّر عالم القرصنة والأمن الرقمي في العقدين الأخيرين. فعلى خلاف قراصنة اليوم الذين لا يتسترون على دواعيهم السياسية ومواقفهم، كان القراصنة في التسعينات، يشنون هجمات صغيرة على سبيل التسلية.
يومها، كان الكلام على القرصنة الإلكترونية كأداة حربية جيو- استراتيجية من بنات روايات الجواسيس الخيالية. فعلى سبيل المثل، أذاع الصحافي المتخصص بشؤون التكنولوجيا، جون غانتز، خبر ابتكار مجلس الأمن القومي فيروساً إلكترونياً يطيح دفاعات صدام حسين الجوية من غير اطلاق صاروخ واحد. ولكن سرعان ما تبين ان الخبر هو كذبة نيسان(أبريل). لكن الفكرة وراء الكذبة لم تكن ضعيفة الصلة بالواقع. ففي 1999، وخلال حرب كوسوفو، أجاز بيل كلينتون حملة الكترونية ضد اهداف صربية لتجفيف مصادر تمويل الحكومة الصربية في مصارف بلادها. والحملة هذه شرّعت الأبواب امام توسل القرصنة الإلكترونية في الحرب «الساخنة».
وأظهر فيروس «ستاكسنت» أن خبر غانتز لم يجافِ الواقع وكان نافذ البصيرة. فالفيروس حاكى نسخته الخيالية «الغانتزية»، وأصاب منشأة نتانز النووية، وهي غير موصولة بالإنترنت، بواسطة اداة «ملوثة» نجح المخربون في تهريبها.
ففي موازاة توسل الحكومات الحرب الإلكترونية، برز نازع الى «دمقرطة» القرصنة إثر ذيوعها بين الناس العاديين. ولم تعد قرصنة حساب بريدي أو مهاجمة موقع الكتروني تقتضي خبرات تقنية. ففي مقدور صاحب بطاقة اعتماد استئجار خدمات مقرصن في مقابل دولارين في الساعة. وفي 2012، اعلنت شركة كاسبرسكي الأمنية الروسية كشفها عملية استخباراتية رقمية كبيرة سمتها «أكتوبر الأحمر». وكانت نار هذه البرمجيات الخبيثة «الحمراء» تعسّ منذ 2007، وتسرق المعلومات من هواتف الديبلوماسيين المحمولة وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم والمؤسسات الحكومية ومراكز الأبحاث. ولم تفلح كاسبرسكي في اثبات وقوف إحدى الحكومات وراء الهجمات التي خلصت الى انها قد تكون من أعمال قراصنة مستقلين.
وقد يبيع القراصنة خدماتهم لها. وسوق العرض والطلب على القرصنة مشرّعة الأبواب. وفي وسع انظمة الاستبداد الغنية التي تفتقر قدرات استخباراتية الكترونية، على غرار الحكومة الأنغولية، أن تستعين بشركات خاصة للتجسس على المعارضين.
ويقابل بروز دور القراصنة بروز الشركات الخاصة التي تساعد ضحايا القرصنة على حماية انظمتهم. وصارت هذه الشركات شأن القراصنة المستقلين، لاعباً بارزاً في الساحة الجيو - استراتيجية. وفي تشرين الأول 2012، نشر مراسل صحيفة «نيويورك تايمز»، ديفيد باربوزا، تقريراً يفضح حجم ثروة رئيس الوزراء الصيني السابق، ون جياباو. وردت بكين على التقرير، واخترقت موقع الصحيفة من طريق اغراق القرصان اياه برسائل إلكترونية مرفقة بروابط «ملوثة». وأفلح المتسللون الصينيون في انتهاك حسابات البريد وفك كلمة الدخول الى 50 جهازاً من أجهزة كمبيوتر الصحيفة. وأبلغت «نيويورك تايمز» «أف بي آي» بالخرق، لكن محققيه اخفقوا في «طرد» المتسللين. فلجأت الصحيفة الى خدمات شركة «مانديانت» الخاصة، التي أسسها في 2004 كيفن مانديانت، وهو محقق سابق في قسم الجنائيات الرقمية التابع لسلاح الجو الأميركي. وشطر راجح من موظفي الشركة، محللون سابقون في وكالات حكومية للأمن الإلكتروني. وإثر كشف «نيويورك تايمز» الخرق الإلكتروني، لم تنقض «مانديانت» على المتسللين على الفور، بل راقبت حركتهم في انظمة الصحيفة ودرست خطواتهم قبل ان تطردهم. ونموذج مكافحة الاستخبارات «العادي» هو الأمثل. ففي معظم الأحيان، يكون الخصم مسؤولاً سابقاً في استخبارات اجنبية. ويوم نشرت «مانديانت» تقريراً مفصلاً عن القرصنة الصينية لشركات اميركية في شباط (فبراير) الماضي، أبرزت وكالة «اسوشيتد برس» أهمية الوثيقة، وسلطت الضوء على ان اهميتها مردها الى صدورها عن شركة امنية خاصة من غير دعم عسكري أو استخباراتي أميركي، أي من غير دعم الأجهزة المسؤولة عن حماية اميركا من الهجمات الإلكترونية.
* صحافي، عن «نيوزويك» الأميركية، 3/6/2013، إعداد منال نحاس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.