الديوان الملكي: وفاة صاحبة السمو الأميرة منيره بنت محمد بن تركي بن عبد العزيز    المملكة ترحب بتبنّي مجلس الأمن الدولي الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة    "إنفاذ" يُشرف على 26 مزادًا لبيع 351 عقارًا    "نجم" تعلن خطتها التشغيلية لموسم الحج 1445ه / 2024    رحلات ترددية لضيوف برنامج خادم الحرمين من وإلى المسجد الحرام على مدار الساعة    «أبل» تستعد لإبهار العالم بتحديثات كبيرة في مؤتمر المطورين    الفرصة ما تزال مهيأة لهطول أمطار على مكة وجازان وعسير والباحة    ارتفاع أسعار النفط إلى 81.63 دولارا للبرميل عند التسوية    وزراء خارجية 10 دول افريقية يشددون على الحاجة لإصلاح مجلس الأمن الدولي    «وزير الخارجية فيصل بن فرحان بحث مع لافروف الجهود المبذولة تجاه الأوضاع الإقليمية والدولية    صّيف في الباحة تراها أروق    حمزة إدريس مساعداً إدارياً في الاتحاد    بدء منع دخول المركبات غير المصرحة للمشاعر المقدسة    وزير الإعلام يدشن "ملتقى إعلام الحج" بمكة    بينالي الفنون الإسلامية 2025 بجدة    وزير الداخلية يتفقد المشاريع التطويرية في المشاعر    "الصحة": ارتفاع درجات الحرارة أكبر تحديات الحج    مانشيني ل«عكاظ»: المنتخب سيذهب لكأس الخليج بالأساسيين    «الدفاع المدني»: تجنبوا الزحام وراعوا كبار السن في المسجد الحرام    ربط رقمي لحوكمة إجراءات التنفيذ الإداري    اللامي ل«عكاظ»: ناظر سيعيد العميد لطريق البطولات    الرئيس التنفيذي للمساحة الجيولوجية يناقش التعاون الجيولوجي في كازاخسان    إثراء يفتح باب التسجيل في مبادرة الشرقية تبدع بنسختها الخامسة    هل يصبح عمرو دياب منبوذاً ويواجه مصير ويل سميث ؟    أمن الحج.. خط أحمر    عربات كهربائية للطواف والسعي    تعزيز بناء الجدارات للمنشآت الصغيرة والمتوسطة بغرفة الشرقية    لميس الحديدي تخطت السرطان بعيداً عن الأضواء    توفير الوقت والجهد    كأس العالم للرياضات الإلكترونية يطرح الحزمة الثانية لتذاكر البطولة    يتصدر بنسبة نمو 67 %.. " روشن".. قفزة نوعية في" السوشيال ميديا" عالمياً    غزة.. مشاهد موت ودمار في «النصيرات»    "ميتا " تزوّد ماسنجر بميزة المجتمعات    للمعلومية    نائب أمير مكة اطلع على المشاريع وخطط التشغيل.. المشاعر المقدسة.. جاهزية عالية لاستقبال ضيوف الرحمن    أمير المدينة يوجه باستمرار العمل خلال أيام إجازة عيد الأضحى    أفضل أيام الدنيا    نجاح تدابير خفض درجات الحرارة في الحج    عبدالعزيز بن سعود يرعى الحفل الختامي للمنتدى الأول للصحة والأمن في الحج    وزير الداخلية يتفقد عددًا من المشاريع التطويرية في المشاعر المقدسة    مريضات السكري والحمل    استثمار الوقت في الأنشطة الصيفية    " نبتة خارقة" تحارب تلوث الهواء    البذخ يحتاج لسخافة !    ساحة المحاورة تحتاج إلى ضبط    خط أحمر.. «يعني خط أحمر»    إخراج امرأة من بطن ثعبان ضخم ابتلعها في إندونيسيا    أندية المدينة.. ما هي خططك للموسم القادم ؟    لماذا يشعر المتبرعون بالسعادة ؟!    الحج.. أمن ونجاح    "نادي نيوم" يتعاقد مع البرازيلي رومارينيو    منصة إيجار.. الإلزامية لا تكفي ولا تغني عن الشفافية    وزير الداخلية يتفقد عدداً من المشاريع التطويرية في المشاعر المقدسة    الحويزي.. المفاوِضُ الناجح من الثانية الأولى!    الرئيس المتهم!    الدفاع المدني يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية المتنقل "لا حج بلا تصريح" بجدة    نائب أمير الشرقية يطلع على أنشطة «تعاونية الثروة الحيوانية»    عرض عسكري يعزز أمن الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النظام السوري يستنسخ النموذج الإسرائيلي
نشر في الحياة يوم 19 - 05 - 2013

كيف يمكن تفسير هذه القدرة السياسية والنفسية للنظام السوري بأن يتجاوز حدود الاستبداد والقمع السياسي لمواطنيه، ليكون شرساً في طغيانه ودمويته إلى حد تدمير الأحياء والقرى والمدن على رؤوس أهلها؟ ولماذا يحتاج نظام سياسي يمتلك جيشاًَ من بين أكبر الجيوش في المنطقة إلى ميليشيات مسلحة (شبيحة) للتعامل مع المتظاهرين والمحتجين؟ بل لماذا يحتاج هذا النظام إلى مقاتلين من «حزب الله» و «الحرس الثوري» الإيراني؟ هل يمكن حتى بالنسبة إلى أعتى الذهنيات إجراماً تفسير تورط النظام السوري في مسلسل مجازر متنقلة في حق مواطنين مدنيين عزل من مختلف الأعمار والأجناس والمناطق؟ لا تمكن الإجابة عن أي من هذه الأسئلة على أساس سياسي صرف، وقبل محاولة الإجابة، تأمل في الأسئلة قليلاً، وستجد أنك يمكن أن تطرحها أيضاً في حال النظام الإسرائيلي. الإجابة في الحال الإسرائيلية معروفة: دولة احتلال استيطاني في مواجهة سكان أصليين، وهدف إسرائيل دفع أكبر عدد ممكن من هؤلاء السكان إلى النزوح حتى يمكنها الاستيلاء على أكبر جزء من الأرض. العلاقة بين الفلسطينيين وإسرائيل علاقة عداء مستحكم سببه النازية الصهيونية.
لكن كيف يمكن تفسير السلوك الدموي للنظام السوري؟ النظام هنا لا يقتل من يعتبرهم أعداء. ألا يعتبرهم أعداء حقاً؟ هو يقتل مواطنين ويدمر حياتهم بالوحشية نفسها التي تمارسها إسرائيل في حق من تعتبرهم أعداء وجوديين لها، والأغرب أن النظام السوري أكثر «تعقلاً» مع إسرائيل، إذ يتلقى غارات هذا العدو المتكررة بجملته الشهيرة «نحتفظ بحق الرد في الوقت والمكان المناسبين»! تتمسك دمشق بهذه السياسة منذ اتفاق فصل القوات عام 1973. أما الأسد الابن فقد بدأت تجربته مع الغارات الإسرائيلية في الأسبوع الأول من آب (أغسطس) عام 2003. حينها حلقت مجموعة من الطائرات العسكرية الإسرائيلية على ارتفاع منخفض حول قصر الرئاسة الصيفي في مدينة اللاذقية. كان الرئيس في القصر، وكان هدف التحليق، وفق صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية إيصال رسالة إلى الرئيس بضبط سلوك «حزب الله» في الجنوب اللبناني. لم يستجب الرئيس لمضمون الرسالة، لكنه لم يفعل شيئاً لانتهاك الطيران الإسرائيلي أجواء سورية وتهديد قصر الرئاسة. بل تجاهلت وسائل الإعلام السورية هذا الحدث تماماً. يبدو أن الرئيس اعتبر رفض الرسالة تعويضاً عن عدم الرد. استمرت الغارات الإسرائيلية بعد ذلك، وكان أبرزها تدمير ما يقال إنه مفاعل نووي في عام 2008. ثم في شهر كانون الثاني (يناير) الماضي استهدفت الطائرات الإسرائيلية مركزاً عسكرياً للبحوث العلمية في دمشق. وقبل أسبوعين تكررت العملية نفسها.
الآن قارن هذا الموقف «المتعقّل» مع رد فعل النظام على احتجاج المواطنين في مدينة درعا. بدأت الاحتجاجات في منتصف آذار (مارس) 2011 مع أطفال كتبوا على الجدران تحت تأثير أجواء الربيع العربي عبارات بعضها ينتقد النظام، والبعض الآخر يطالب بإسقاطه. اعتقل الأطفال فوراً، وأُخذوا إلى مقار الأمن، ثم انتشرت قصة تعامل أفراد الأمن مع أهالي هؤلاء الأطفال بطريقة صادمة ومهينة. عندها بدأت التظاهرات، وقتلت قوات النظام عدداً من الأفراد. بعد ذلك بدأت مفاوضات بين أعيان المدينة وممثلين عن النظام، كانت من بين مطالب الأهالي، وفق صحيفة «السفير» اللبنانية «إقالة محافظ المدينة ورؤساء الأجهزة الأمنية، ومحاكمة المسؤولين عن القتل، والاعتذار للأهالي، إضافة إلى عدم ملاحقة أي من المشاركين في الاحتجاجات الحالية، وإطلاق سراح المعتقلين قبل أحداث الجمعة. كما طاولت الطلبات رفع حال الطوارئ وعودة المنفيين وإطلاق سراح عامة المعتقلين وعودة المنقبات إلى التدريس، إضافة إلى المطالبة بإلغاء القانون 60 الذي يحارب البناء المخالف، والسماح بحفر الآبار وبيع الأراضي المحاذية للحدود، من دون موافقات أمنية، وخفض أسعار المحروقات والمواد الغذائية». لم يتعقّل النظام في رد فعله مع مواطنيه كما يفعل مع إسرائيل، هذا مع ملاحظة أن إسرائيل تمارس عدواناً وحشياً على سورية، في حين أن المواطنين لم يطالبوا بأكثر من حقوقهم، ولا أقل من تخفيف حال القمع التي تكشف مطالب مواطني درعا مدى حيفها وبشاعتها. ومع ذلك تصاعدت وحشية رد فعل النظام مع انتشار الاحتجاجات إلى المدن والأرياف في أنحاء سورية، حتى وصلت إلى حد استخدام الدبابات والمدرعات والطائرات والبراميل المتفجرة، وأخيراً الصواريخ. كل الترسانة العسكرية التي تقول دعاية النظام إنه أعدها لمواجهة العدو استخدمت ضد المواطنين، بل إن هناك تقارير تفيد بأن النظام استخدم السلاح الكيماوي، ويبدو أن الذي يردعه عن التمادي في ذلك هو الذهاب بعيداً في تجاوز الخط الأحمر الذي رسمته له واشنطن.
وعلى رغم الاختلاف بين «تعقّل» النظام أمام الاعتداءات الإسرائيلية المدمرة، وبين غياب هذا «التعقّل» تماماً أمام مطالب المواطنين، هناك خيط واحد يجمع رد الفعل هنا ورد الفعل هناك، وهذا الخيط هو بقاء النظام، وبقاء رئيس النظام في الحكم. بعبارة أخرى، ما يمنع النظام من الرد على الاعتداءات الإسرائيلية خشيته من ضربة إسرائيلية مدمرة تأتي عليه هو أولاً، وقيادة النظام السوري تعرف جيداً منذ ما قبل حافظ الأسد طبيعة النظام الإسرائيلي، وتعرف القدرات التدميرية التي يملكها. وكان وزير خارجية سورية السابق إبراهيم ماخوس قال جملته الشهيرة في أعقاب هزيمة حزيران (يونيو) 1967: «إن إسرائيل لم تنتصر في الحرب لأنها لم تقض على النظام السياسي»، وهو ما يعني أن النظام أهم من الدولة ومن الشعب والأرض.
في السياق نفسه، تدرك قيادة النظام السوري أن أمنها وبقاءها في الحكم مرتبط بسلوكها السياسي والأمني على حدودها المباشرة مع إسرائيل. إذا هدأت الجبهة في الجولان فيمكن دمشق أن تتمتع بالهدوء ذاته، والعكس صحيح أيضاً. وهذا ما يفسر تحريم أي عمل مقاوم في الجولان منذ 1973. أما حديث النظام أخيراً عن فتح هذه الجبهة للمقاومة فليس إلا مجرد كلام للاستهلاك، والدليل أن الدوائر الإسرائيلية والغربية لم تأخذه على محمل الجد. الوحيد الذي يتظاهر أنه يحمل هذا الكلام على محمل الجد هو حسن نصرالله الأمين العام ل «حزب الله» اللبناني.
في المقابل، يمسك النظام بموازين القوة أمام الشعب. لا يسمح بأدنى شكل من أشكال الاحتجاج، وهذا واضح، لكن هناك ما هو أعمق من فكرة التوازن هذه لتفسير سلوك النظام السوري مع شعبه. يشبه هذا السلوك إلى حد التطابق تقريباً السلوك الإسرائيلي مع الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال. كانت إسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة التي ارتبط اسمها بالاستخدام الشرس والوحشي للقوة في حق المدنيين، وبالتطبيق الممنهج للعقاب الجماعي باجتياح المدن والقتل وهدم المنازل وقصف الأحياء. الآن يشترك النظام السوري مع إسرائيل في تطبيق المنهج ذاته. يعكس تشابه السلوك تشابه الأساس الاجتماعي لكل منهما، وهو أساس أقلية قومية أو مذهبية تحكم أكثرية ضد إرادتها. ينقل الكاتب البريطاني الإسرائيلي آفي شلايم (Avi Shlaim) عن الأب الروحي لحزب الليكود الإسرائيلي، زئيف جابوتنسكي، قوله عام 1923: «لا يمكن تصور أن نتوصل مع العرب (الفلسطينيين) إلى اتفاق طوعي، لا الآن ولا في المستقبل المنظور». ما هو الحل في هذه الحال؟ يجيب جابوتنسكي: «يجب أن نجمد جهودنا الاستيطانية، أو نستمر بها من دون أن نأخذ في الاعتبار مزاج السكان الأصليين، يمكن أن يتطور الاستيطان تحت حراسة قوة لا تعتمد على السكان المحليين، خلف جدار حديدي لا يستطيع هؤلاء السكان اختراقه» (The Iron Wall, 2001, p. 13). وهذا الجدار هو تحديداً السياسة الإسرائيلية المتوحشة التي تعاملت بها إسرائيل مع الفلسطينيين. الغريب أن الموقف نفسه تكرر في مكان آخر وبيئة مختلفة، وانتهى إلى النتيجة ذاتها. عندما قرر حافظ الأسد توريث الحكم داخل عائلته بعد 1980، وبعد تحالفه مع إيران، كان يدرك أنه بذلك يفرض حكم عائلة تنتمي إلى أقلية صغيرة على نظام جمهوري وأغلبية كبيرة. يبدو أنه كان يفكر بأن هذه الأغلبية لن تبقى صامتة إلى الأبد. في الوقت نفسه لا يمكن التوصل إلى اتفاق معها على هذا النوع من الحكم طوعاً واختياراً. ولمواجهة ذلك اعتمد الأسد الأب سياسة داخلية تعتمد على مرتكزات ثلاثة: كسب تجار دمشق وحلب إلى جانب النظام، والإبقاء على تحالف إقليمي يؤمن له غطاء يعوض غطاء الداخل، وتطبيق سياسة الجدار الحديدي نفسها مع أي احتجاج، وقد طبق هذه السياسة في حماة في 1982، وابنه ينفذ الشيء نفسه في كل سورية منذ أكثر من عامين. بعبارة أخرى نحن أمام نظام يستنسخ النموذج الإسرائيلي، فيرفع شعار «العروبة» ثم «المقاومة»، ويطبق على الأرض دائماً سياسة الأقلية ضد إرادة الأكثرية، وهي السياسة التي نقلت سورية أخيراً في عهد الأسد الابن من مرحلة البعث وعروبته العلمانية، إلى مرحلة تحالف الأقليات في المنطقة تحت مظلة «ولاية الفقيه».
* كاتب وأكاديمي سعودي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.