تفصح الأرقام عن أننا الحضن الدافئ ل15000 مهندس أجنبي بشهادات مزورة، ومعهم 1000 ممارس طبي بالكيفية ذاتها من التزوير واللعب العلني، ومهما تكن المبررات لدوافع وجود هذه الأرقام، وإطلالتها الأخيرة عبر صحيفة بريطانية، فذاك يؤكد أنها أرقام مخجلة ومخيفة في آن واحد، وتفصح عن أن الخلل الظاهر الكبير وراءه خلل مستتر أكبر، وفوق ذلك لا نعترف لا بالظاهر ولا المستتر، بل نتركه للزمن وما يجود به من اعترافات أو ضبط لحقائق كان من الأجدر أن نكون أول من يقف عليها نيابة عن تفرغ العضلات للتبرير والمخارج وخطوط الدفاع أكثر من الاعتراف بالحقائق وما أدت إليه وما ناتجها على الواقع المحلي، وهل هناك علاج حقيقي أم تنظير شكلي و«تطنيش» مستقبلي. أتناول الرقم الهندسي المحتفي بالتزوير علناً لكونه يتحدث عن 15000 حكاية ل«الضحك على الذقون»، ومثلها من قصص الاستغفال واللعب بعقولنا وضياع ما كان محسوباً في خانة النمو من المخططات ومشاريع العمل، وإلا فالمشهد الآخر من لعبة التزوير عبر من خلال 1000 ممارس طبي «مجهولي نوعية الممارسة»، وربما يقول أحد المعنيين المباشرين في مراقبة هذا الرقم وارتفاعه أو تمدده وتوزع جذوره إن العمل يمضي الآن في طريق التصحيح والمعالجة، وهي الجملة التي نقدمها كلما بعثرت الحقائق أوراقنا. ما هي الأعمال التي تولاها هؤلاء الممارسون الوهميون؟ وأي أدوار أوكلت لضعفهم 15 مرة من المهندسين؟ من المواطن الذي لم يردعه شيء ووقف خلفهم ومن ثمّ مررهم إلى الميدان ولمّعهم بمهن ذهبية؟ لن أعتب على المزورين، ولا أظن أن أحداً سيلومهم لأنهم لن يكونوا جريئين ومتشجعين على الاندفاع في مشروع التزوير لولا أن هناك من مهد لهم الطريق أو تخاذل في تدقيق الشهادات وتفاصيلها! على رغم أن هؤلاء المتخاذلين هم من يحفظ لون الحبر المكتوب وسماكة الشهادة وتفاصيل الوجه إذا ما كان حاملها من فئة «مواطن سعودي». لماذا نحن بيئة حاضنة للمزورين، وسهلة لأن يمارس عليها دور الخداع والاستغفال؟ ولادة هذا العدد وراءه كثير من الأسئلة والجراح لعل من أقساها كم سُرِق من الجيوب وعلى حساب مَنْ؟ وكم من العقول المحلية التي تدعي الفهم عبرت هذه الأرقام من بين يديها؟ ألا أجندة صريحة وقوانين وضوابط تترك الوافد يفكّر مئات المرات قبل أن يمضي في التزوير والتدليس لمهن تحتضن الملايين، وتُعقد عليها آمال بمستقبل تنموي آمن؟. لم يمض كل هؤلاء الناقصين إلا لأن هناك من يدلهم على طريق التزوير، ويعبّده لهم، يقسم لهم أن لا أحد سيسألهم أو يعاقبهم، يقتسم معهم بالطبع أرباح الفعل الرديء وهي هائلة لأن المهن مغرية، ومن هنا فالوقت مناسب لأن نسحب المعدات التي تمهّد الطريق ومن يقودها ومن يقف خلفها ولن نرى بعد ذلك لعبة تزوير يُضْحَك علينا بها، المقيم لا يتجرأ إلا لأنه يعرف أن طريق دخوله الآمن إلى البلد اليوم بمعية التزوير هو الطريق الآمن ذاته غداً، وعلى امتداد الطريق يكمن الخلل! [email protected]