مبادرة كنوز السعودية بوزارة الإعلام تطلق الفيلم الوثائقي "الوجهة"    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات بولاية هيماشال براديش الهندية إلى 72 قتيلًا    حرس الحدود بجازان يحبط تهريب (400) كيلوجرام من "القات"    البدء بصيانة جسر خادم الحرمين وتقاطع الملك عبد العزيز بالدمام    بطلب من رونالدو..تحركات في النصر لضم نجم ريال مدريد    الرئيس الكونغولي يعلن حالة الإنذار القصوى لمواجهة تفشي الكوليرا    الحرب التجارية تطرق أبواب العالم.. وفرض الرسوم الأمريكية ينذر بأزمة اقتصادية عالمية شاملة    موسم جني بواكير التمور بالقصيم يعزز الحراك الاقتصادي بالمملكة    ضبط (17863) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    المركزي الروسي يرفع سعر صرف الدولار واليوان ويخفض اليورو    القيادة تهنئ رئيس جمهورية كابو فيردي بذكرى استقلال بلاده    رياح نشطة وأتربة على عدة مناطق في المملكة    ترامب يوقع مشروع الميزانية الضخم ليصبح قانوناً    إنزاغي: الهلال تأثر ببعض المتغيرات    الهلال يودع مونديال الأندية من ربع النهائي    فلومينينسي ينهي مغامرة الهلال في كأس العالم للأندية    أمير المنطقة الشرقية يعزي أسرة الراجحي    الهلال يُسيطر على قائمة الأفضل في مونديال الأندية 2025    يانيك فيريرا مديرا فنيا للزمالك المصري    جمعية الدعوة بصبيا تُطلق الدورة العلمية الأولى لعام 1447ه بمحاضرة عن فضل العلم    محافظ صبيا يُدشّن حملة "لقمتنا ما تنرمي" للتوعية بأهمية حفظ النعمة في المناسبات    مجمع الملك سلمان وتنمية الحياة الفطرية يطلقان معجم "مصطلحات الحياة الفطرية"    نادي الصقور يعلن عن فعالياته في المملكة    السديس في خطبة الجمعة: الهجرة وعاشوراء دروس في اليقين والشكر والتوكل على الله    سمو ولي العهد يستقبل سمو نائب حاكم أبوظبي مستشار الأمن الوطني الإماراتي    بلدية عنيزة تُطلق مهرجانيّ «كرنفال السعادة» و«صيف عنيزة» بالتعاون مع القطاع الخاص بمتوسط حضور يومي يتجاوز 8000 زائر    جمعية الكشافة تختتم مُشاركتها في ملتقى القطاع غير الربحي في التعليم والتدريب    أمين منطقة القصيم يتفقد مشروعي امتداد طريق الأمير محمد بن سلمان وطريق الملك سعود بمدينة بريدة    الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بنجران تطلق فعاليات برنامج أولمبياد أبطالنا 2025    جامعة أمِّ القُرى تنظِّم مؤتمر: "مسؤوليَّة الجامعات في تعزيز القيم والوعي الفكري    الهلال الأحمر بنجران يكشف إحصائيات شهر يونيو 2025    بلدية محافظة الأسياح تنفذ 4793 جولة رقابية في النصف الأول لعام2025م.    قطاع ومستشفى ظهران الجنوب يُُنفّذ "اليوم العالمي لمكافحة التدخين"    قطاع ومستشفى المضة يُنفّذ فعالية "اليوم العالمي لسلامة الغذاء"    قطاع أحد رفيدة الصحي يُفعّل "اليوم العالمي للبهاق" و "اليوم العالمي لإضطراب مابعد الصدمة"    محمد بن عبدالرحمن يُشرّف حفل سفارة الفلبين لدى المملكة    إنقاذ طفل ابتلع حبة بقوليات استقرت في مجرى التنفس 9 أيام    فرع هيئة الأمر بالمعروف بالشرقية ينظم ندوة للتوعية بخطر المخدرات    "ملتقى خريجي الجامعات السعودية يجسّد جسور التواصل العلمي والثقافي مع دول البلقان"    تأشيرة سياحية موحدة لدول مجلس التعاون.. قريباً    أنغام: لست مسؤولة عما يحدث للفنانة شيرين عبد الوهاب    دعم النمو وجودة الحياة.. الرياض تستضيف"سيتي سكيب"    غندورة يحتفل بقران «حسام» و«حنين»    جامعة الملك سعود تحذر من خدمات القبول المزيفة    911 يستقبل 2.8 مليون اتصال في يونيو    عقب تصريحات وزير العدل الإسرائيلي بأهمية ضم «الضفة».. تحذيرات أممية من مشروع «استيطاني استعماري»    وسط توترات إقليمية متصاعدة.. إيران تعلق التعاون مع وكالة الطاقة الذرية    استعرض التعاون البرلماني مع كمبوديا.. رئيس الشورى: توجيهات القيادة أسهمت في إنجاز مستهدفات رؤية 2030    49.4 مليار ريال إنفاق الزوار في الربع الأول    الإنجاز والمشككون فيه    «تسكيائي» اليابانية.. وحوار الأجيال    الأمير جلوي بن عبدالعزيز يرعى حفل انطلاق فعاليات صيف نجران    الأمير ناصر بن محمد يستقبل رئيس غرفة جازان    ترامب يهدد بترحيل ماسك إلى جنوب إفريقيا    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالمنطقة    بلدية المذنب تطلق مهرجان صيف المذنب 1447ه بفعاليات متنوعة في منتزه خرطم    انطلاق النسخة الثامنة لتأهيل الشباب للتواصل الحضاري.. تعزيز تطلعات السعودية لبناء جسور مع العالم والشعوب    العثمان.. الرحيل المر..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوباما في زيارة دولة إلى سلطة من دون دولة!
نشر في الحياة يوم 26 - 03 - 2013

بدت أوساط السلطة الفلسطينية في رام الله مرتاحة لزيارة الرئيس الأميركي باراك اوباما، إذ أجرت له مراسم استقبال رسمية كاملة، في حين أن إدارتي الرئيسين كلينتون وبوش لم تقبلا تنظيم استقبالات دولة لهما، لدى زيارتهما الأراضي الفلسطينية المحتلة (1998 و2008)، ففي هذه المرة كان ثمة بروتوكول كامل، مع بساط أحمر، وحرس شرف، وفرقة موسيقية عزفت النشيدين الفلسطيني والأميركي.
اللافت أن هذه الأوساط «لاحظت» أن أوباما انحنى برأسه أمام العلم الفلسطيني (وفق تقرير جريدة مقربة من السلطة)، لكنها ويا للأسف لم تلاحظ أنه غادر الخطاب الذي كان تحدث به في أول عامين من إدارته الأولى، خصوصاً لجهة مطالبته القيادة الفلسطينية بالقفز عن مسألة الاستيطان والمشاركة في المفاوضات «من دون شروط مسبقة»، وفي مماثلته بين قيام الولايات المتحدة وإسرائيل، ومقاربته الرؤية الصهيونية الدينية في هذا الشأن، بقوله: «بالنسبة الى الشعب اليهودي، الرحلة إلى دولة إسرائيل الموعودة... تخللتها عقود من المعاناة والمنفى... حلم الحرية وجد أخيراً تعبيره الكامل في فكرة الصهيونية – أن تكون حراً في وطنك».
كذلك، فإن هذه الأوساط لم تلاحظ تقرير الرئيس الأميركي بأنه «حان الوقت لأن يخطو العالم العربي إلى الأمام تجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل»، ولا قوله إن «على الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية». طبعاً لا يمكن تجاهل أن أوباما طالب الإسرائيليين باعتبار الاستيطان عقبة في طريق السلام وبقبول حق الفلسطينيين بدولة مستقلة قابلة للحياة، لكن هذا الكلام قاله، أيضاً، كثير من رؤساء الدول، صغيرة أو كبيرة، ومنهم رؤساء اميركيون سابقون. وفي الواقع، فإن مشكلة الولايات المتحدة أنها في الموضوع الفلسطيني تقول الكثير، من دون ان تفعل شيئاً، بل إنها تفعل الكثير لمصلحة الإسرائيليين والتغطية عليهم، وهذا حصل أخيراً في موقفها المعارض لطلب فلسطين قبولها كدولة مراقبة في الامم المتحدة. وعلى العموم، فإن اوباما قال ذلك في إطار فهمه لفكرة «انقاذ اسرائيل من نفسها»، فهو يعتقد أن إسرائيل باتت على «مفترق طرق»، مع كل ما يحصل في العالم العربي، ومع وجود تيار عالمي يمكن ان يؤدي الى عزلها، واعتباره أن قيام دولة فلسطينية هو أفضل لأمن إسرائيل ولوضعها باعتبارها دولة يهودية.
ربما أن هذه الأوساط لم تلاحظ هذه الأشياء «البسيطة»، لانشغالها عن قضية شعبها، بانبهارها بزيارة رئيس اقوى وأغنى دولة في العالم، ولاهتمامها بالإعداد لأكلات الحمص والفول والفلافل والمسخّن له، ليس بسبب موجبات الضيافة فحسب، بل على اعتبار أن ذلك بات من موجبات الصراع، لمنافسة إسرائيل، حتى ولو على معدة اوباما وذائقته.
الآن، ومع الإقرار بأهمية زيارة كهذه، لا سيما بالنسبة الى اعتراف الولايات المتحدة بالفلسطينيين، لا بد من تعزيز الإدراك، أيضاً، بأن ثمة خطأ جوهرياً في كل ما يجري، إذ لا يجوز على الإطلاق التضحية بالقضية وبالرواية الفلسطينيتين وبحقوق شعب فلسطين لمجرد تعزيز مكانة السلطة، هذا أولاً.
ثانياً، آن للقيادة الفلسطينية أن تدرك أنها ما كانت لتحظى بمكانة السلطة لولا كفاح الفلسطينيين، الطويل والعنيد والمضني، ولولا انتفاضتهم وتضحيتهم ومقاومتهم وصمودهم في وطنهم، أي أن هذا الأمر لم يحصل بسبب الشطارة والفهلوة، بخاصّة من المفاوضين الأشاوس، ولا بواسطة التوسّلات والمناشدات وإبداء حسن النية، ولا بسبب الامتثال لشروط «بناء الثقة» وفق المواصفات الإسرائيلية والأميركية.
ثالثاً، لعل ما يؤسف له حقاً هو إصرار القيادة الفلسطينية على بناء سياساتها وخياراتها على توهّمات، فمن غير المعقول التعويل على تغيير في الموقف الأميركي في وقت تعمل فيه على إضعاف الروح الكفاحية عند شعبها، وإطفاء روح المقاومة والتحدي للاحتلال عنده، سواء في الحديث المجاني عن منع قيام انتفاضة شعبية جديدة، أو في المبالغة بدور الأجهزة الأمنية، التي تنسّق مع الاحتلال، والتي تقوم بكل شيء لكبح أية حراكات شعبية، وهي أجهزة تستهلك حوالى ثلث موازنة السلطة!
رابعاً، ينبغي أن يكون مفهوماً أن الإدارة الاميركية، أو أياً كان، لا يمكن أن تكون فلسطينية أكثر من القيادة الفلسطينية ذاتها. هكذا لا يمكن ان يؤدي تحوّل الخطابات الفلسطينية نحو اعتبار الصراع مع الاسرائيليين مجرد صراع على بقعة أرض هنا أو هناك، وعلى هذه المستوطنة او تلك، والتفريط بقيم الحقيقة والعدالة والتحرّر من الاحتلال، وضمنه التغطية على الطابع الاستعماري والعنصري والديني للدولة الإسرائيلية، لا يمكن ان تؤدي هذه التنازلات الى تقريب الموقف الاميركي من حقوق الفلسطينيين، كما لا يجوز تقديم هذه التنازلات بهدف قيام دولة مستقلة بأي ثمن. والمعنى أن القيادة الفلسطينية التي أعطت التعليمات لنزع نصب يمثل خريطة فلسطين الكاملة من مدخل بيت لحم، حتى لا تتسبّب بإزعاج الرئيس اوباما، والتي تتعاطى مع إسرائيل بصفتها حقيقة مطلقة إلى الأبد، هي التي سهّلت على الرئيس اوباما خطابه «الصهيوني».
خامساً، يتّضح من كل ما تقدم أن معضلة الفلسطينيين تكمن، أيضاً، في أن قيادتهم باتت في الحلبة السياسية، بما فيها حلبة الصراع التفاوضي، من دون أوراق قوة، فهي، مثلاً، تناست أو أزاحت من معادلات القوة، أكثر من نصف شعبها، بتهميشها قضية اللاجئين، في حين أن إسرائيل تجد نفسها معنية ليس فقط بعتاة المستوطنين المتديّنين في الضفة الغربية، وإنما بأي يهودي في اقصى بقاع العالم. وتخلّت السلطة الفلسطينية أيضاً عن عمقها الشعبي العربي، بعدم فهمها، وعدم محاولتها استثمار التداعيات الناجمة عن اندلاع الثورات العربية (على نواقصها ومشكلاتها وثغراتها)، في إطار صراعها مع إسرائيل، في حين أن بنيامين نتانياهو أدخل الورقة الإيرانية كعامل قوة لمصلحته في إطار التجاذبات الدائرة بينه وبين الإدارة الأميركية. وفي كل ذلك تبدو تصرفات القيادة الفلسطينية وكأنها تعيش في جزيرة، منقطعة الصلة عن محيطها، وعن التغيرات التي تحصل على بعد عشرات الكيلومترات منها، في حين أن اسرائيل لا تدّخر ورقة لا تستعملها، من صراعها مع ايران، إلى وجود «حزب الله» في لبنان، مروراً بسلطة «حماس» في غزة، والكيماوي في سورية، وصولاً إلى تخوّفاتها على أمنها، بعد التغيرات الناجمة عن الثورات العربية.
المؤسف أن القيادة الفلسطينية في كل هذا لا تدرك، أو لا تريد أن تدرك، أن العالم، ومن ضمنه الولايات المتحدة، يتغير، وأن العالم العربي يتغير أيضاً، أي أن اسرائيل باتت تخسر محيطها، وصورتها، فهي لم تعد تحتكر مكانة الضحية، ولا مكانة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة، وهي باتت تبدو كمن يثقل على السياسات الغربية في الشرق الأوسط، ويضر بالأمن والاستقرار العالميين، ما يفرض على السلطة الفلسطينية التمهّل، ومراجعة خياراتها، ومواكبة التغييرات التي تحصل، لا التصرّف على الطريقة الإسرائيلية ذاتها، وكأن شيئاً لم يحصل البتة.
أيضاً، يبدو غريباً أن هذه القيادة لم تدرك بعد ان سلوكها الامتثالي، والمتأسس على التزام اثبات الثقة والصدقية إزاء اسرائيل، لم يفعل شيئاً سوى طمأنة الإدارة الاميركية، ونوم الإسرائيليين على واقع الاحتلال، لا سيما بعدما بات هذا الاحتلال مطمئنّاً ومريحاً ومربحاً في الوقت نفسه بالنسبة اليهم.
اللافت ان كل هذا يحصل في وقت تزداد فيه اسرائيل غطرسة، وإصراراً على فرض املاءاتها في عملية التسوية على الفلسطينيين. فبعد استجابتهم شرط «الأمن أولاً»، حيث لم يسقط قتيل اسرائيلي في الضفة الغربية في العام الماضي (وفق ما اخبر نتانياهو نفسه الرئيس اوباما)، باتت الأولوية لمعالجة الملف النووي الإيراني، ثم جاءت التداعيات الناجمة عن الثورات العربية، وكل ذلك مع استمرار مطالبة إسرائيل الفلسطينيين بالاعتراف بها كدولة يهودية، ومع مضيها في بناء المستوطنات وإقامة جدار الفصل العنصري.
قصارى القول، ان المسار الذي تتبعه القيادة الفلسطينية لا يخدم قضية فلسطين، بل إنه على عكس ذلك يؤدي إلى أفول قضيتهم، وتآكل حقوقهم، وتقويض وحدتهم وإجماعهم. وفوق ذلك، فإن مساراً كهذا يؤدي الى قيام مجرد دولة مسخ، ودولة تابعة ومجزأة، وهي حتى أقل بكثير من «الدولة المسخ» التي كانت أدبيات حركة «فتح» هاجمتها ودانتها وقاومتها، في أواخر الستينات من القرن الماضي، لمن يتذكر ذلك.
* كاتب فلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.