برعاية الحقيل.. توقيع اتفاقية ثلاثية لإنشاء منصة متقدمة للتمويل العقاري    قمم الذكاء الاصطناعي بالرياض.. وجهة صنّاع القرار وكبرى شركات التقنية في العالم    د. عبداللطيف آل الشيخ " توظيف 60 ألف منجز تاريخي للوزارة يتوج حجم الدعم من خادم الحرمين الشريفين والمتابعة الحثيثة من سمو ولي العهد    التخصصي يعيد بناء شريان أورطي بطُعم بيولوجي مشتق من غشاء قلب البقر    نائب أمير الشرقية يفتتح الملتقى الرابع لجمعية أفلاذ لتنمية الطفل    سوق الأسهم السعودية يغلق متراجعا بشكل طفيف    انطلاق ربع النهائي لبطولة وزارة الداخلية لكرة القدم يوم الأربعاء بمواجهتين قويتين    أمير المنطقة الشرقية يرعى انطلاق مؤتمر ومعرض التوحد الدولي الثاني    آباء تعقد ورشة تطويرية بعنوان "مواردنا الماليّة واقع يتحسّن" بمشاركة مجلس الإدارة ومنسوبي الجمعية    جمعية التنمية الأهلية بأبها تُطلق نادي "ملهمات" بنسخته الخامسة للفتيات لتعزيز مهارات التسويق والإبداع.    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج 372 متدربًا من برامج البورد السعودي وعدد من الدبلومات الصحية والطبية غدًا    رئيس جامعة أمِّ القُرى يحضر حفل افتتاح المؤتمر السَّادس للشَّبكة العربيَّة لضمان الجودة    برعاية سمو محافظ الطائف افتتاح متنزه الطائف الوطني وإطلاق 12 كائنًا فطريًّا    لاعب جديد يخرج من حسابات منتخب السعودية    مواجهة مرتقبة في الأحساء.. الصفا يرفع شعار العودة أمام هجر في الجولة الثامنة    نائب وزير الخارجية يستقبل سفير أذربيجان لدى المملكة    الفتح يستأنف تدريباته ويفتح ملف مواجهة الهلال    أمير منطقة الرياض يطَّلع على التقرير السنوي لأعمال الغرفة التجارية بالرياض    القوات الخاصة للأمن البيئي تضبط مواطنًا مخالفًا لنظام البيئة    محافظ مرات يقف على استعدادات موسم الشتاء السادس    مفتي عام المملكة يستقبل وزير الحج والعمرة    عدد من القيادات الحكومية يقدمون التعازي باستشهاد العمور    المعهد العالي للسياحة والضيافة يرسّخ حضوره كأحد مسارات التنمية في جازان    اليابان ترسل مبعوثا إلى الصين لتهدئة الخلاف بين البلدين    مقتل 3 وإصابة 10 في هجوم صاروخي روسي على خاركيف    منصة "إكس" تطلق نظام "Chat" الجديد    الرياض تستضيف «القمة العالمية للصناعة»    الباحة تعزز إنتاج البن واللوز والدواجن    أمير نجران يُدشِّن مبنى «مدني شرق أبو ثامر»    قبيل زيارة محمد بن سلمان التاريخية للولايات المتحدة.. ترمب: ولي العهد الحليف الأقوى لواشنطن    سرقة مجوهرات في فرنسا ب 1,2 مليون دولار    شاب ينهي حياة أسرته ويوثق جريمته على فيسبوك    «الصحة» تستدعي طبيباً ظهر إعلامياً بتصريحات مخالفة    «زاتكا» تُحبط تهريب «الإمفيتامين» و«الشبو»    تدهور أوضاع النازحين بشكل حاد.. غارات جوية إسرائيلية تستهدف خان يونس    يغير اسمه سنوياً للتهرب من نفقة طفله    تتصل بالعلاقات الثنائية بين البلدين.. ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس كوريا    في ملتقى نظمه مركز الملك عبدالعزيز.. نائب وزير الخارجية: المملكة تدعم الجهود الأممية لترسيخ الحوار    «طال عمره».. مسرحية سعودية بموسم الرياض    كلمات وموسيقي    فيصل بن مشعل: جامعة القصيم رافد معرفي تنموي    14 ألف مستفيد من برنامج «تحصين وأمان» بمكة    في حدثٍ تاريخي يقام للمرة الأولى في المملكة.. 26 نوفمبر.. انطلاق الجولة الختامية من بطولة العالم للراليات    التسامح.. سكينة تزهر في القلب وتشرق على الملامح    التعاون مع رجال الأمن في الحرم ضرورة    "الشؤون الإسلامية" تفتتح دورة علمية في المالديف    ثلاثي روشن يقودون البرتغال لمونديال 2026    مختصون يحذرون من خطر مقاومة المضادات الحيوية    أمير الشمالية يطلق فعاليات اليوم العالمي للسكري    جامعة الإمام عبدالرحمن تعزز الوعي بداء السكري    تجمع الرياض الأول يستعرض منجزاته في رعاية وسلامة المرضى    رئاسة أمن الدولة وجامعة القصيم تحتفيان بتخريج الدفعة الأولى من طلبة الماجستير بسجن المباحث العامة ببريدة    أمير القصيم يرعى حفل تخريج حفظة كتاب الله بمحافظة الرس    رئيس فنلندا يحذر من طول أمد حرب أوكرانيا    هل يرضخ عسكر السودان للمفاوضات    تركي بن طلال حين تتوج الإنسانية بجائزة عالمية    مفتي عام المملكة يستقبل رئيس جهاز الإرشاد والتوجيه بوزارة الحرس الوطني    هنأت ملك بلجيكا بذكرى يوم الملك لبلاده.. القيادة تعزي رئيس العراق في وفاة شقيقه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين مومباي والقاهرة عشوائيات تقوّض النسيج المديني
نشر في الحياة يوم 06 - 02 - 2013

يقيم ثلث سكان الهند، وهم 1،21 بليون، في المدن. وفي 2030، يبلغ عددَ سكان الهند ضعفي سكان أوروبا وبلدانها كلها. لكن النفقات الحكومية المخصصة للريفيين تبلغ 6 أضعاف المخصص للمقيمين في المدن. ومنذ غاندي، يميل رأي عام وغالب إلى ترجيح كفة الريف الهندي الأصيل، الأرض الأم، على كفة المدن الهجينة، صنيعة الاستعمار. وكبرى المدن الهندية، بومباي (أو مومباي)، يقيم نصف سكانها في عشوائيات بُنيت مبانيها من غير تراخيص. وفي ضوء ذلك، يصح القول إن مومباي هي «مدينة عشوائية» مثلما يصح القول عن سلفادور دي باهيا في البرازيل إنه «شارع عشوائي». وانتظرت حكومة الهند عام 2005 لتقر برنامج تجديد مُدُني يطاول أكبر 63 مدينة في البلد.
المدن الضخمة والمختنقة تنفِّر السكان الميسورين، فيلجأ هؤلاء إلى إنشاء مدن في ضواحي المدن الكبيرة، وبمعزل منها. ومدينة غورغاوُن، إحدى ضواحي دلهي، مثل على هذا الصنف من المدن: في غضون سنوات قليلة بلغ عدد سكانها 1،5 مليون، وكانوا آلافاً، وانتشرت المراكز التجارية المكيفة والمجمعات السكنية الضخمة. وتهدد غورغاوُن كارثة وشيكة مصدرها 30 ألف بئر حفرت من غير ترخيص قانوني وأدت إلى انخفاض مستوى المياه في الطبقات الباطنية، ولوثتها المياه المبتذلة المتسربة إليها من قنوات الصرف الصحي والمستنقعات الآسنة. وتطل الشقق على ملاعب الغولف وعشبها الأخضر الذي يستنزف ريه مخزون المياه النظيفة ويبدده. وتتعرض المدينة الخصوصية والميسورة السكان، مع المدينة العشوائية، إلى خطر مشترك هو الدمار الذاتي، واستنزاف الموارد الحيوية الضرورية.
والمياه المبتذلة شأنها شأن مقومات البنى التحتية الأخرى التي تفتقر إليها المدن الخصوصية والمدن العشوائية مثل الطرق (المحفرة)، والأرصفة، والتيار الكهربائي (المتقطع)، والإضاءة العمومية (الغائبة)، والساحات والحدائق... ويولّد غياب هذه المقومات إحساساً بالاختناق والعيش في فقاعة غير آمنة. فكل ما هو مشترك وعام في المدن الهندية لا يحظى بعناية السكان، ولا بعناية الإدارات الحكومية أو المحلية، على نقيض المجمعات السكنية الفخمة التي تقوم قرينة على النجاح الفردي والثراء. وعمد المقاول كوشال بال سينغ إلى إظهار الحاجز بين المدينة الخصوصية التي تسكنها الطبقات الوسطى الناشئة وبين المدينة العمومية، فبنى جداراً يفصل الأمكنة العامة والمشتركة عن الأمكنة الخاصة. وعدد المدن الخصوصية كان 143 في 2011، وبلغ أواخر 2012، نحو 400 مدينة.
بعض هذه المدن نشأ غير بعيد من مراكز تكنولوجية وصناعية كبيرة توفر العمل لسكان المدن. فماغار باتاسيتي هي إحدى المدن السكنية الآمنة التي يقطنها أصحاب مداخيل عالية، وعلى مسافة 100 كلم من مومباي وحول مدينة بون. وقلب ماغار باتاسيتي هو سيبرسيتي، أي مجمع من 12 برجاً زجاجياً تبلغ مساحة مكاتبها 500 ألف متر مربع تنفرد بها تكنولوجيا المعلومات وصناعاتها الإلكترونية.
القاهرة، العاصمة المصرية، تتغير على مثال غير المثال الهندي. ويصف بعض المراقبين والباحثين القاهرة المتوقعة في نهاية دورة التغير ب «دبي على النيل». ولكن لا معنى ل «دبي على النيل» إلا في ذهن المقاولين والمستثمرين الذين يستوحون المثال الليبرالي المتسلط للمدينة المعولمة والقائمة على طرف دائرة شاسعة ومترامية الأطراف من الأراضي، ويقضم توسعها الأراضي الزراعية الضيّقة التي تحف بضاحيتها القريبة. وفي عام 2009، بلغت حصة البناء غير المرخص في القاهرة 62 في المئة من الأبنية المشيّدة، ويقيم فيها 63 في المئة من سكان القاهرة «الكبرى».
ونجمت غلبة السكن غير المرخص عن التجديد المُدُني الذي تولاه مقاولون ومستثمرون هدموا أجزاء واسعة من المدينة التاريخية والأهلية (الشعبية)، وطردوا سكانها وأهلها، وأجبروهم عملياً على النزوح إلى الضواحي والإقامة فيها وبناء الملاجئ على عجل ومن غير ترخيص. والميسورون وأهل الطبقات المتوسطة من السكان الذين اضطروا إلى إخلاء مساكنهم وأحيائهم، شيّد المقاولون والمستثمرون لهم أحياء آمنة، ومدناً خصوصية، في الضواحي القريبة. المشكلة هي أن القاهرة انقلبت في الأعوام العشرة الأخيرة من نواة مجتمعة على مساحة 350 كيلومتراً مربعاً إلى كيان متعدد الأقطاب يبلغ 4 أضعاف النواة السابقة ويمتد من مدينة 6 أكتوبر الجديدة إلى نيوكايرو.
والطموح إلى تشييد «دبي على النيل» صاحَب طرد سكان المدينة الشعبية وتجديد قلبها التاريخي، وإعداده لاستقبال أمواج السياح المتوقعين الذين تقلصت أعدادهم غداة هجمات 2001 الإرهابية. واستأنفت خطة 2009 الطموح الأول، وخططت لتشييد أبراج على النيل، ومجمعات فندقية حول الأهرامات، وتلبية الطلب المعولم على السياحة ومراكز المال. ويقضي الاهتمام البيئي بزيادة المساحات الخضراء الهزيلة ونشرها في المدينة الكبرى. وتعوّل خطة المواصلات على الترام، وعلى توسيع شبكة مترو الأنفاق، وتعبيد الطرقات، وبناء مرائب تحت الأرض.
والزعم أن القاهرة مدينة خليجية يخالف الوقائع والحقائق، وعولمتها مستحيلة من غير تشظيها وتناثرها وتقسيمها. والمدينة المعولمة هي في آخر المطاف حي أعمال مؤلف من أبراج، ومتصل بقلب المدينة التاريخي وبمطار دولي. وأما السكان الميسورون فيتوجهون إلى المدن الخصوصية، وتقيم بقية السكان، وهي الغالبية العظمى، في الأبنية غير المرخصة التي تنشأ منها العشوائيات. وعلى هذا الأساس، تعني العولمة والمحافظة على قلب تاريخي وسياحي مجدد، طرد السكان إلى أبعد مكان ممكن من دائرة الأحياء التراثية، ومن الدائرة المتصلة بالمركز المالي والتجاري والمجمعات السكنية المغلقة والمطار الدولي.
ويخشى بعض المراقبين والباحثين من أن تؤدي خطة «القاهرة الكبرى 2050» إلى تفتت المدينة وتناثرها. وهي تقضي بإجلاء السكان عن مناطق سكن تلقائية مثل أمبابة، وبولاق الدكرور ومنشية نصر، تمهيداً لتقليص اكتظاظ أحياء وسط المدينة، ولشق محاور جديدة تربط بين مواضعها. ويلحظ المخطَط إخلاء مدينة الموتى، وهي تحولت إلى مدينة يسكنها أحياءٌ يرزقون ويتناسلون ويعملون، وتشييد حديقة «محاور» طبيعية أو ثقافية محلها.
في العودة إلى مومباي، مثال المدينة الضخمة، تبدو حصة العشوائيات فيها، التي تبلغ 62 في المئة من السكان وإقامتهم، معيار وصف المدينة بالعشوائية. ويعيش في إحدى عشوائياتها، ضاراوي، بين 700 ألف ومليون شخص، في دائرة مساحتها نحو 200 هكتار أو أكثر بقليل. وضاراوي تقع في ضاحية الحي التاريخي الكبير المعروف بآيلند سيتي، ويقطنه 3 ملايين و150 ألف نسمة. وأحاطت به مراكز أعمال، ومجمعات سكنية، ومدن خصوصية، ومدينة جديدة هي نافي مومباي، على ضفة الخليج الأولى. و»العشوائية» المتناثرة ليس في مقدورها تهميش عشوائياتها الناشئة على حين غرة ولا دمجها. والمحصلة هي شق المدينة فتصبح شقاً عاماً وآخر خاصاً أو خصوصياً.
 * مدير الدورية، مدير التحرير، عن «إسبري» الفرنسية، 12/2012، اعداد منال نحاس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.