عندما يزور إسرائيل أكثر من 25 عضو كونغرس أميركي جمهوري، في رحلة نظمتها منظمة إيباك «AIPAC» الصهيونية لجماعات الضغط، في بداية شهر أغسطس (آب) الجاري، ويعلنون تأييدهم لإسرائيل بشكل مطلق وانتقادهم سياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما تجاه إسرائيل. الداعية لإيقاف بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، يتضح للمراقب مدى الجهد الذي يُبذل من الجانب الإسرائيلي في سبيل إعاقة عملية السلام في الشرق الأوسط، التي تحاول الإدارة الأميركية تفعيلها، وكم من الخطط والاستراتيجيات التي تتبعها إسرائيل لمواجهة الضغوط الأميركية، في الوقت الذي تصور للعالم أنها هي الضحية وهي من يبحث عن السلام في المنطقة، وكذلك التسويف بعملية السلام التي جعلتها الإدارة الأميركية الحالية خياراً استراتيجياً لها له الأولوية في سياستها الخارجية. وتتضمن الاستراتيجيات التي تتبعها إسرائيل لإفشال الضغوط الأميركية، الزيارات التي تنظمها منظمة إيباك لأعضاء الكونغرس سنوياً، خصوصاً بعد أي انتخابات جديدة لأعضائه، وتستهدف الأعضاء الجدد والشباب في مجلسي النواب والشيوخ، وقد بدأت هذا العام بوصول أكثر من 25 عضواً جمهورياً إلى إسرائيل، لتستمر بحيث تصل النسبة خلال هذه السنة إلى 60 في المئة ممن رتب لهم زيارات لإسرائيل، في برنامج علاقات عامة يظهر تعزيز الدعم والولاء لإسرائيل من أعضاء الكونغرس وغيرهم من الأفراد والمؤسسات النافذة في الولاياتالمتحدة الأميركية. لقد أظهرت الإدارة الأميركية منذ وصولها للبيت الأبيض، مؤشرات للضغط على إسرائيل للتفاوض مع الفلسطينيين وإعطائهم استقلالاً لدولة تستطيع العيش على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967م، وكذلك انتهاج الحوار الديبلوماسي واستخدام القوة الناعمة مع كل من إيران وسورية ودول المنطقة جميعها، كمنهج ستتبعه إدارة أوباما للتعامل مع هذه الدول في سياساتها تجاهها، مما زاد القلق الإسرائيلي من هذا النهج في السياسة الخارجية الأميركية، خصوصاً تجاه الشرق الأوسط ودوله، إذ أصبحت إسرائيل في ورطة من هذا النهج الأميركي الذي بدا يُظهرها كعائق للسلام في المنطقة، ومخالفة لسياسة الولاياتالمتحدة الأميركية، حليفتها الرئيسة، وحاميتها في المحافل الدولية، مما يستدعي وضع إستراتيجية لمواجهة هذا النهج الأميركي الضاغط بالطرق والوسائل كافة، ومنها برامج جماعات الضغط الأميركية. لكن إذا استمرت الضغوط الأميركية على إسرائيل، ما الخيارات التي ستتبعها؟ نعتقد أن إسرائيل ستتبع ثلاثة خيارات إلى جانب خيار برامج العلاقات العامة وجماعات الضغط، لمقاومة الضغوط الأميركية وهي: الخيار الأول: التصعيد على جبهة لبنان مع حزب الله، حيث تحاول إسرائيل استغلال الأوضاع السياسية في لبنان، وتخوض حرب ثأر مع حزب الله، لتشغل المنطقة ودولها في تداعيات هذه الحرب، وتربك خطط الإدارة الأميركية تجاه المنطقة، في محاولة لتخفيف الضغوط الأميركية عنها، وكذلك رد الاعتبار لجيشها بعد حرب 2006م، التي لم تحقق أهدافها، بل أضعفت مقولة إن جيشها لا يُهزم، كما أنها تحاول من خلال هذه الحرب أن تجر لها أطرافاً أخرى مثل إيران وسورية، سواء بالتوتر السياسي أو الاشتباك العسكري غير المباشر، في محاولة لإرباك هذه الدول وتوريط الإدارة الأميركية في مواقف سياسية تكون داعمة إسرائيل، مما يفقد أوباما مصداقيته تجاه عملية السلام، ولا يفوت القارئ كذلك أن أحد أهداف هذه الحرب سيكون إعادة الثقة الأميركية بالجيش الإسرائيلي بأنه لا يزال القوة التي يعتمد عليها في المنطقة، بعد فقدانه لهذه الثقة منذ عام 2006م، وبدء وظهور قوى إقليمية منافسة له في المنطقة كإيران وتركيا. الخيار الثاني: التهديد بضرب المنشآت النووية الإيرانية وتنفيذ هذا التهديد، علماً بأن كل المؤشرات والمعطيات تؤكد أن هذا التهديد لن تستطيع إسرائيل تنفيذه بدون مساعدة أميركية، سواء في التسليح أو الدعم اللوجيستي أو المعلوماتي، ولذلك لن يتم تنفيذ هذا الخيار بدون موافقة أميركية صريحة، مما جعل الحكومة الإسرائيلية تربط عملية السلام بحل مشكلة البرنامج النووي الإيراني، وجعله الخيار الأول لها في أي عملية سلام مع العرب وفي المنطقة، مما يعزز الاعتقاد بعدم جديتها في السلام من خلال هذا الربط غير المنطقي، فإيران ليست دولة عربية، ولم تكن يوماً من الأيام في مواجهة مع إسرائيل حفظاً للمصالح العربية، على الرغم من تغير التوجه السياسي لها بعد سقوط الشاه ووصول آية الله الخميني. الخيار الثالث: ربط عملية السلام مع الفلسطينيين وسورية ولبنان ببدء التطبيع مع الدول العربية الأخرى، وهو ما يرفضه العرب تماماً، فالعرب لديهم المبادرة العربية التي تحاول إسرائيل أن تفرغها من مضمونها، والتفاوض عليها، كعادتها حتى تتهرب من استحقاقات السلام والحل النهائي الذي تتضمنه هذه المبادرة، أو إشعال مواجهة مع الفلسطينيين من خلال اقتحام المسجد الأقصى، كما فعل شارون، خلال فترة رئاسة الحكومة الإسرائيلية. أما بالنسبة للخيارات الأميركية، فنعتقد أن الضغوط على الإدارة الأميركية ستستمر وتزداد قوتهاً، خصوصاً مع عدم توحد الفلسطينيين، تجاه الخيار السلمي، فالخلافات بين «فتح» و«حماس»، وكذلك باقي المنظمات الفلسطينية، تعوق جهود السلام الأميركية بشكل كبير، حيث تمثل الفرقة الفلسطينية أرضاً خصبة لإسرائيل للنفاذ من خلالها والتهرب من الالتزام بأي تعهدات تجاه عملية السلام والمراهنة على الوقت، مما يجعل الضغوط الإسرائيلية على الإدارة الأميركية، يمكن أن تحقق بعضاً من أهدافها، وهو ما رأينا بعضاً من نتائجه، من خلال الخبر الذي أعلنته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، بأن إدارة أوباما طلبت من إسرائيل تجميد الاستيطان مدة سنة، تشجيعاً للعرب للتطبيع معها، وهو ما يعتبر - في نظر كثير من المحللين - تنازلاً منها تجاه حكومة نتنياهو اليمينية، علماً بأن الحكومة الإسرائيلية رفضت هذا التنازل، ملوحة من خلال التسريبات الإعلامية، أنها يمكن أن تنظر في مدة 6 أشهر لتجميد الاستيطان، مع ملاحظة أن المسألة تجميد وليس إيقافاً، والفرق بينهما قانونياً كبير جداً. لا يزال العرب لا يهتمون ببرامج العلاقات العامة وخلق جماعات ضغط تؤيد قضاياهم، من خلال التوجه للرأي العام المتمثل في جماعات الضغط كأعضاء المجالس النيابية، ورجال الأعمال، ورجال الإعلام، مثلما يفعل أعداؤهم الإسرائيليون، علماً بأنها أساليب فعالة لإقناع الرأي العام بصحة قضيتك، لكن الضعف العربي في هذه الناحية واضح جداً، فمتى نرى خلق جماعات ضغط عربية في المجتمعات الغربية؟ * أكاديمي سعودي