ولي العهد يستقبل الرئيس الأوكراني في جدة    الهلال يبدأ الدفاع عن لقبه بالبكيرية    أخضر الملاكمة التايلندية ينتزع ذهب العالم    اللواء الفرج يؤكد تسخير إمكانات الدفاع المدني لأمن وسلامة ضيوف الرحمن في موسم الحج    الداخلية الكويتية: ارتفاع عدد الوفيات من جراء حريق المنقف إلى 49 حالة    الرئيس الأوكراني يصل جدة وفي استقباله نائب أمير مكة    أمير الكويت يأمر بمحاسبة المسؤولين عن حريق المنقف    النفط يصعد والذهب يهبط    100 مليون يورو تنقل روديغر إلى النصر    2300 موظف لرقابة الأسواق والمسالخ بالرياض    آل ثاني: ملتزمون بجسر الهوة والتقريب بين الفرقاء.. بلينكن: «حماس» رفضت المقترحات    قرارات ضد 26 شخصا نقلوا 102 مخالف لا يملكون تصريح حج    شيماء الشريف.. وإنجاز للمثقفة السعودية    وصول طلائع ضيوف خادم الحرمين الشريفين للحج من «فلسطين» إلى مكة المكرمة    إطلاق خدمة الإسعاف الجوي لخدمة ضيوف الرحمن    تركيب منظم لضربات القلب ينقذ حياة حاج روسي    45 كشافًا من تعليم جازان يشاركون في خدمة ضيوف الرحمن    1082 جامعًا ومصلىً لإقامة صلاة عيد الأضحى المبارك    رئيس الاتحاد الآسيوي: التصفيات الآسيوية أظهرت انحسار الفجوة الفنية بالقارة    صحة الشرقية تنظم فعالية حج بصحة بالشراكة مع مطارات الدمام    نصائح الحج بلغة الإشارة للصم وضعاف السمع    الرئيس الفرنسي يطالب الأحزاب الديمقراطية بالتحالف معه قبل الانتخابات    هيئة الأدب والنشر والترجمة تختتم النسخة الثالثة من مبادرة «الشريك الأدبي»    معرض Saudi Warehousing & Logistics Expoيعزز سوق الخدمات اللوجستية البالغة قيمته 15 مليار دولار    جوالة جامعة جازان تشارك في معسكرات الخدمة العامة بموسم حج هذا العام    بدء التسجيل العقاري في 8 أحياء شرق الرياض ابتداءً من 17 ذي الحجة    وزير الاتصالات وتقنية المعلومات ومحافظ هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية يتفقدان استعدادات"توال" لموسم حج 1445    ارتفاع أعداد الجامعات السعودية إلى 32 جامعة في تصنيف التايمز للجامعات ذات التأثير في أهداف الأمم المتحدة    مركز 911 تلقى أكثر من مليون مكالمة في الحج الفائت    «إي اف جي هيرميس» تنجح في إتمام خدماتها الاستشارية لصفقة الطرح المسوّق لشركة «أرامكو»    وزير النقل يُدشِّن تجربة التاكسي الجوي ذاتي القيادة لأول مرة في موسم الحج    الواجب تِجاه المُبدعين فِكرياً وأدبياً وعِلمياً    الصحة تنقل 18 حاجًا عبر 31 عربة إسعافية من المدينة إلى المشاعر المقدسة    زلزال بقوة 4.8 درجات يضرب بلدة بوان غرب كوريا الجنوبية    فرصة لهطول الأمطار على مرتفعات مكة والجنوب وطقس شديد الحرارة بالرياض والشرقية    استشهاد 14 فلسطينياً في قصف للاحتلال على منازل بمدينة غزة    العدو الصهيوني    حج بلا أدلجة أو تسييس!    الأفيال الأفريقية تنادي بعضها بأسماء فريدة    خالد وهنادي يردان على تنبؤات ليلى حول طلاقهما ب«آية قرآنية»    150 وسيلة و 1500 إعلامي محلي ودولي في «ملتقى الحج»    سفراء "موهبة" يحصدون الجوائز    السعودية واحة فريدة للأمن والأمان (2 2)    وفد شوري يزور «مَلكية الجبيل» ورأس الخير    تابع سير العمل في مركز قيادة الدفاع المدني.. الأمير عبدالعزيز بن سعود يتفقد مشاريع التطوير في المشاعر المقدسة    وزير الإعلام يزور جناح" سدايا"    اتفاقية بين «المظالم» و«مدن» للربط الرقمي    شكراً..على أي حال    10 نصائح من استشارية للحوامل في الحج    تحذير طبي للمسافرين: الحمّى الصفراء تصيبكم بفايروس معدٍ    «التهاب السحايا» يُسقط ملكة جمال إنجلترا    منتجات فريدة للإبل تجذب أنظار زوار المعرض السعودي للسنة الدولية للإبليات 2024 في إيطاليا    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على منيرة بنت محمد بن تركي    "الأمر بالمعروف" تشارك في حج هذا العام بمنصات توعوية متنقلة لخدمة الحجاج    الموافقة على أفتتاح جمعية خيرية للكبد بجازان    شركة مطارات الدمام تعقد ورشة عمل لتدشين 'خدمتكم شرف'    «الآسيوي» يشيد بتنظيم «مونديال» البلياردو في جدة    لجنة الاستقطابات.. وتقييم التعاقدات السابقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا تتبعني رائحة قنابل الغاز؟
نشر في الحياة يوم 21 - 11 - 2012

مر عام... لماذا تتبعني رائحة الغاز إذاً؟ هنا البيت وليس ميدان التحرير، وغرفتي لم تكن في أي يوم شارع محمد محمود. لماذا يعبر الجنود بين لحظة وأخرى وأيديهم ملوثة بالدماء بين الجثث التي احتلت سريري؟ من أين يأتي الغاز إذن؟
كيف يمكن المرء أن ينسى تلك الأيام الحزينة والجليلة في الوقت ذاته؟ تفاصيلها مازالت محفورة في رأسي كأنها خناجر مسمومة مصوبة باتجاه كل أيام عمري المقبلة. يا لها من أيام!
لم أكن شفيت بعد من مشاهد القتلى الدامية في مذبحة ماسبيرو التي جرت لبعض إخواننا من المسيحيين الذين تظاهروا لأجل حقوقهم وخرج كثيرون منا لمساندتهم. ولم يكن أحد يتوقع أبداً أن حماقة السلطة ستصل إلى حد التنكيل بهم، بل والتحريض عليهم إعلامياً إلى حد إشاعة كلام -هو أقرب إلى العبث والجنون- عن مؤامرة دبرها مسيحيو مصر لإسقاط الجيش المصري. نسي هؤلاء أو تناسوا أن المسيحيين هم شركاؤنا في هذا الوطن وأنهم قدموا -مثل بقية المصريين- دماءهم وأرواحهم فداء لمصر ولأجل تحريرها في حرب أكتوبر المجيدة.
صرت أستيقظ بعد هذه الواقعة كل يوم على رعب أن أسمع عن أخبار أحداث دموية أخرى، فالطرف الثالث الذي بشرنا به المجلس العسكري المصري بعد رحيل مبارك كان نشطاً في إحداث المجازر في شكل يفوق الوصف.
صدمتني الأخبار على بعض المواقع الإلكترونية في 19 تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي، حين علمت منها أن الشرطة العسكرية المصرية قامت باعتداء وحشي على بعض مصابي الثورة المعتصمين في ميدان التحرير والذين عاملتهم الحكومة المصرية كمتسولين وتجاهلت أنّ لولاهم ما كان واحد منهم الآن في منصبه. وكان يجب عليها أن تكرمهم لا أن تسحلهم هكذا في الشوارع من دون رحمة، ضاربة عرض الحائط بما يعانونه من آلام.
بدأت بعدها في الاتصال بأصدقائي من طلاب جامعة القاهرة الذين أخبروني أنهم سينظمون في اليوم التالي مسيرة من الجامعة إلى ميدان التحرير تضامناً مع مصابي الثورة. عزمت على الذهاب معهم وجهّزت نفسي لكل ما هو أسوأ مما شاهدت من صور بشعة على صفحات الإنترنت.
في اليوم التالي التحقت بمسيرة جامعة القاهرة التي ضمت طلاباً وأساتذة جامعيين وأناساً عاديين، وكان عددها مفرحاً جداً. أشعرتني الهتافات طوال الطريق بالثقة والأمل والبهجة، وحينما عبرنا باتجاه ميدان الدقي على الجانب الموازي للرصيف، فوجئت بتظاهرة لمجموعة من أطفال الشوارع -هكذا خمنت من ملابسهم- يقودهم رجل عجوز تبدو عليه آثار الفقر المدقع، كانوا يرددون الشعارات نفسها التي كنا نقولها. ظللت أراقبهم باندهاش ورحت أسأل نفسي: هل وصلت الثورة إلى أطفال الشوارع؟ هل انتبهوا بفطرتهم إلى أن الثورة إن نجحت، ستعيد لهم كرامتهم المهدورة وتقتص لهم ممن شاركوا في انتهاك طفولتهم!
وخمنت أيضاً أنّ ربما كان ذلك نتيجة لاحتكاكهم اليومي ببعض النشطاء المعتصمين في ميدان التحرير أيام الموجة الأولى للثورة والنقاشات الطويلة المفتوحة التي كانت تجري يومياً في الميدان، وقد فهموا أن المعركة مع السلطة الجائرة التي خرّبت وطناً بأكمله هي معركة تخصهم أيضاً.
عندما وصلنا ميدان التحرير وتحديداً عند مشارف شارع محمد محمود، بدأت أرى سيلاً من القنابل تُطلق عشوائياً على المسيرات التي التحم بعضها ببعض، في مشهد مهيب يخطف الروح والبصر ويغري بالتأمل.
بدأت أشعر بالاختناق غير المسبوق من أثر قنابل الغاز المسيلة للدموع. وفي وسط الدخان الكثيف تلمح عيني بين لحظة وأخرى، مشاهد إغماءات وسقوط فاجعة بين بعض المتظاهرين، معظم الإصابات كانت في العيون، بعض المصابين كان من المسيرة التي التحقت بها من أمام الجامعة، وبعضهم من قوى مدنية أخرى كثيرة ضمت رجالاً ونساء من أعمار مختلفة كانت موجودة في الميدان قبل وصولي إليه، وبينهم شاهدت أيضاً حضوراً هائلاً لشباب الألتراس الذين لعبوا دوراً بطولياً في الثورة المصرية في كل موجاتها.
يعبرني منظر مؤثر لطلاب مدارس يحملون حقائبهم المدرسية وهم يسقطون أيضاً أمامي من أثر قنابل الغاز، بعضهم لمّا يزل في سن الطفولة، شاركوا في التظاهرات بحماسة. كأني جئت إلى هنا لأكون شاهدة على الموت فحسب.
لم تعد لي قدرة على المقاومة وكدت أسقط من الإغماء من أثر الغاز الذي يبدو أنه من نوع أكثر خطورة وتأثيراً مما ألقي علينا في أي تظاهرات أخرى، لولا أن شاباً أنقذني وأخرجني بعيداً من الزحام، وتبينت في ما بعد أن هذا الشاب هو من جيران بيتنا القديم في حي شبرا. لا أعرف كيف عرفني رغم الزحام الشديد والسنوات الكثيرة التي مرت من دون أن يراني.
عدت إلى البيت مرتجفة وكأني عائدة من حرب، شبه مهزومة من أثر مشاهد المصابين في عيونهم في شارع محمد محمود، بعد أن تحولت التظاهرات هناك إلى حرب شوارع تستهدف الثوار في الميدان.
ازداد إحباطي واشتعلت غضباً أكثر حين شاهدت "الإخوان المسلمين" في الفضائيات المصرية والعربية -وهم الذين رفضوا النزول معنا في هذا اليوم- بدأت رموزهم تتحدث بجرأة عجيبة -أحسدهم عليها- عن أن هناك عرساً ديموقراطياً يقام الآن، يقصدون الانتخابات البرلمانية طبعاً، يجب أن ينتبه له الناس لأنه أهم مما يحدث في شارع محمد محمود. مرّ عام ومازالت ذكريات أيام شارع محمد محمود تلاحقني، وبت أشعر برهبة خفية لمجرد أن يذكر أحد أمامي اسم هذا الشارع، أو إذا قادتني المصادفة إلى المرور من أمامه.
خلال هذ العام بدأت أشعر أنني على حافة الانهيار العصبي، وكان لا بد من هدنة حتى لا أفقد عقلي، فقررت السفر لأجل إقامة أدبية في مدينة سياتل في واشنطن. ولكن ما جدوى تغيير المكان؟ كنت أستيقظ في أيام كثيرة هناك ولديّ شعور هائل بالضيق والاختناق، وأحياناً الرعب. وكثيراً ما راودتني رغبة في أن أسأل زملائي الكتّاب المشاركين معي بالإقامة هناك إن كانوا يشمون رائحة قنابل الغاز ويرون الجنود مثلي وهم يتمشون بملابس ملوثة بالدماء أثناء الليل. ولكنني كنت أتراجع دوماً عن هذا خشية اتهامي بالجنون.
* شاعرة مصرية، والنص من كتاب «الطريق إلى ميدان التحرير: يوميات من الثورة المصرية».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.