ضبط مصري في المدينة المنورة لترويجه (1,4) كجم "حشيش"    تعزيز التعاون الإعلامي بين كدانة وهيئة الصحفيين بمكة    البديوي: اعتماد المرحلة الأولى لنظام «النقطة الواحدة» بين دول الخليج    فيصل بن فرحان ووزيرة خارجية كندا يستعرضان العلاقات وسبل تعزيزها    سالم الدوسري وكادش يشاركان في تدريبات الأخضر الجماعية    فرحة الإنجاز التي لا تخبو    نائب وزير الصناعة يبحث تعزيز التكامل الصناعي الثنائي مع مصر    «تكافل الراجحي» تختتم مشاركتها في مؤتمر ومعرض التأمين العالمي InGate بالتأكيد على ريادتها في الابتكار التأميني والتحول الرقمي    وزير الثقافة ووزير التعليم يدشّنان أكاديمية آفاق للفنون والثقافة    سمو نائب أمير منطقة عسير يستقبل مدير عام الإدارة العامة للتدريب التقني والمهني بالمنطقة    متحدث الداخلية: المملكة وظفت تقنيات الذكاء الاصطناعي لخدمة ضيوف الرحمن    وكيل وزارة الحج يدشن مبادرة «تمكين العاملين في خدمة ضيوف الرحمن»    ديدييه ديشان يطالب لاعبي فرنسا بإنجاز المهمة والتأهل إلى مونديال 2026    أمير جازان يشهد انطلاق أعمال ورشة الخطة التنفيذية لمنظومة الصحة 2026    المدينة المنورة تحقق جائزة شنغهاي العالمية للتنمية    جلسة حوارية حول "الاتصال الثقافي بين السعودية والصين" في قسم الإعلام بجامعة الملك سعود    وزير الخارجية يصل إلى كندا للمشاركة في الاجتماع الوزاري لمجموعة ال7    جمعية ترابط وبناء تكرمان 17 مستفيد من رواد مبادرة "تاكسي أيتام السعودية"    جمعية "نماء" بجازان تطلق دورة "تصميم وفن احتراف الديكور الداخلي" ضمن "مشروع إنطلاقة نماء"    خادم الحرمين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء بجميع أنحاء المملكة يوم غدٍ الخميس    ريمار العقارية تعين الدكتور بسام بودي رئيسا تنفيذيا للشركة    مسؤول سعودي: نسعى لتكون السياحة ثاني أكبر قطاع اقتصادي لتعزيز التوظيف ووزبر السياحة اكد ذلك    وزير الصحة السعودي: الاستطاعة الصحية شرط الحصول على تأشيرة الحج    تحسين متوسط العمر في ضوء رؤية 2030    ارتفاع اسعار الذهب    تعليم المدينة يدعو للمشاركة في المسابقة المحلية على جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    إمارة منطقة مكة تشارك في مؤتمر ومعرض الحج والعمرة    «أونروا»: هناك مدن دمرت بالكامل في غزة    رونالدو: السعودية بلدي وسأعيش هنا بعد الاعتزال    وسط تحركات دولية وإدانة مصرية.. هيئة محاميي دارفور: «الدعم السريع» يرتكب مذابح في الفاشر    نهى عابدين تشارك في فيلم «طه الغريب»    تعزيز حضور السينما السعودية في السوق الأمريكي    معاناة ابن بطوطة في كتابه    «محمية الإمام» تطلق تجربة المنطاد    القيادة تعزي رئيسة سورينام في وفاة الرئيس الأسبق رونالد فينيتيان    وسط تعثر تنفيذ خطة ترمب.. تحذير أوروبي من تقسيم غزة    أشاد بالتميز الصحي وأكد أن الإنسان محور التنمية.. مجلس الوزراء: الدولة تعتني بشؤون الحج والعمرة والزيارة    المفتي يحث المسلمين على أداء صلاة الاستسقاء غداً    نحو نظرية في التعليم    دراسة: فيروس شائع يحفز سرطان الجلد مباشرة    بدء التسجيل لجائزة سلامة المرضى    معايير تحديد سرقة رسومات الكاريكاتير    منطقة الحدود الشمالية الأقل في حالات النزيف والتمزق    أمير نجران يستعرض تقرير "التجارة"    الرئيس الأميركي يتعهد بمساندة سورية بعد لقائه الشرع    من أجل السلام    الأقل جاذبية يتمتعون بشهرة أعلى    أمير المدينة يتفقد محافظة المهد    "مدني الرياض" يكثّف "السلامة" في المباني العالية    «أحمر الشرقية».. برامج تأهيلية ودورات تخصصية    علاج جيني واحد يخفض الكوليسترول    أقراص تطيل العمر 150 عاما    أزمة قانونية تلاحق ChatGPT    أرقام الجولة الثامنة.. 20 هدف ونجومية سيلا سو ومشعل المطيري    الفتح يعود للتدريبات بعد الإجازة استعداداً لاستئناف دوري روشن    3 آلاف وظيفة يولدها القطاع الصحي الخاص بالأحساء    فهد المسعود ينضم إلى لجنة كرة القدم بنادي الاتفاق    أمير تبوك يطّلع على التقرير السنوي لأعمال فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طائر ييتس الأرقط بين البازعي وإدوارد سعيد
نشر في الحياة يوم 28 - 08 - 2012

لعل نظرة سريعة لتلك الأبحاث والمشاريع الفكرية التي أنجزها الدكتور سعد البازعي، كافية لمد القارئ بالوسائل الضرورية لتحديد نقطة الارتكاز، التي تتكئ عليها تلك المشاريع والتي انشدّ إليها البازعي في رحلته البحثية الطويلة متخذاً من المنهج الاستقرائي مرشداً له في مقاربته للإشكالات الأكثر استفزازاً وتصادماً في المشهد الثقافي العالمي، وأعني بها الخصوصية الحضارية - الثقافية من جهة، واليهود كمكون ثقافي استثمر موروثه الديني - العقلاني في رسم الملامح الحضارية للغرب المعاصر من جهة أخرى.
استحوذت هاتان الفكرتان السابقتان على حيز كبير من الجهد البحثي الذي اضطلع به البازعي، إيماناً منه بأهميتهما العلمية وحاجة القارئ العربي لمزيد من الاستيضاح لهما. ففي عام 1997 صدر له بحث في مجلة فصول المصرية (المجلد الثالث عشر، العدد الثالث) بعنوان: «تقاطعات الطيور، أزمة الحضارة بين ييتس والحكيم». تطرق فيه - معتمداً على المنهج المقارني الاستدلالي- إلى المأزق النفسي التي تعيشه ذاتان متناقضتان جغرافياً ودينياً وثقافياً في مقاربتهما لإشكال تمظهر الوجود الغربي الحضاري المؤَسَس على مركزية فلسفية علمية، اشتغلت على استيلاد نماذج لا مركزية - هامشية تكون ملحقة بها، تشكل في لحظة من اللحظات مرآة للغرب يرى من خلالها قوته الآخذة في الاتساع. بينما الشق المتعلق باليهود كرافد فعّال في الحضارة الغربية خصص له البازعي كتاباً قيّماً تحت اسم «المكون اليهودي في الحضارة الغربية»، إذ برز أحد تجلياته وهو ارتفاع منسوب ثقته في نفسه، التي فتحت له فضاء واسعاً لرفضه التسليم المطلق ببعض النتائج، التي توصل إليها المفكر الدكتور عبدالوهاب المسيري رحمه الله تعالى ذات الصلة بالقضايا الفكرية اليهودية.
ومن الظواهر الثقافية اللافتة للنظر هو تزامن صدور بحثين عن الشاعر الأرلندي ييتس في عام 1997، أحدهما للدكتور سعد، كما ذكرت سابقاً، والآخر ضمن كتاب «الثقافة والإمبريالية» للمفكر إدوارد سعيد الذي ترجمه كمال أبوديب وهذا يحرك في القارئ رغبة في الحفر المعرفي، لكي يمسك بسر انجذاب هذين المفكرَين لهذا الشاعر والصورة التي شكلها أدبه الغزير في ذهنيتهما، على رغم اختلاف منهجية تعاطيهما مع ذلك الأدب.
اتخذ الدكتور سعد من الشاعر الأرلندي ييتس نموذجاً لدرس الخصوصية الثقافية، كون حياته زاخرة بالعطاء الأدبي المتنوع ما جعله أحد أبرز الشعراء في أوروبا، إضافة إلى كونه داخلاً ضمن التخصص الأكاديمي له، لذا يستحسن التركيز على تحليل مقاربته لهذا الشاعر وصولاً لتركيب صور الهوية الثقافية ونوعها التي استنتجها من أدب ييتس، واستدعاء تلك الهويات لأيديولوجية تبريرية تارة وتعليلية تارة أخرى.
فرادة صور الهوية وتنوعها التي يقدمها ييتس في إبداعاته شجعت الدكتور سعد أن يخصص له بحثين آخرين في كتابه «مقاربات الآخر»، وهذا الكتاب نفسه يحمل دلالة صريحة في معنى المقصود بالآخر، والتي اشتقها من قول الشاعر وليم بليك، جاء ضمن سياق الكتاب «لا تقدّم دون تضاد». فتجليات الآخر التي رام البازعي مقاربتها في كتابه هي صورة الآخر في مرآة الذات وصورة الذات في مرآة الآخر، استحضر جدلياتها البسيطة والمركبة عبر الاشتغال المعرفي المعمق لنخبة من المفكرين والأدباء مكنته من بلورة صور معيارية للهوية تأبى التعامل معها كمعطى ثابت، عصي على تغيرات التاريخ والمؤثرات القوية التي يفرضها الآخر عليها.
بالعودة إلى بحث البازعي المعنون بتقاطعات الطيور المنشور في مجلة فصول، نجد أن رواية «الطائر الأرقط» للشاعر ييتس شكلت المخزون المعرفي الذي غَرفَ منه سمات الخصوصية الثقافية لذات الشاعر المأزومة قبالة الآخر، وفق راهنية البازعي على أثر الموروث التوراتي الديني - العقلاني في صوغ ملامح الهوية الممزقة والضائعة عبر الإشارة إلى رمزية «الطائر الأرقط» كما في «سفر ارميا»،هذه الرمزية منحت البازعي استنتاجية استدلالية على شعور ييتس بتأزم الحضارة الغربية المادية وانحدارها نحو الهاوية.
بانكشاف مأزومية الحضارة الغربية المادية اللا أخلاقية للشاعر تتشكل أول محددات هويته الأرلندية الأصلانية الخاصة، باعتبارها في المسار الضدي للهوية الإنكليزية الساعية إلى تحطيمها بأكثر الوسائل وحشية وهو الاحتلال الباكر للجمهورية الأرلندية (بلد الشاعر ييتس)، والشروع في تغيير طبيعتها الثقافية والجغرافية والمذهبية، وهو ما جعل منه شاعراً مقاوماً للاستعمار البريطاني متكئاً على قوميته السائرة باتجاه التطرف كرد فعل لفقدان بلده استقلالها، مما سمح لهويته أن تتشظى وتتقبل الفلسفة الفاشستية كجسر يحمل آمال الشاعر للخلاص من الاحتلال البريطاني، كما ذكر ذلك المفكر إدوارد سعيد في كتابه الثقافة والإمبريالية.
التأمل في مرتكزات هوية الشاعر الأخرى أبان لنا أن البازعي بذل جهداً في تحليله لرواية «الطائر الأرقط»، للمطابقة بين الشاعر ييتس وبطل الرواية مايكل لاستجلاء معالم الأزمات التي انبنت عليها صور الخصوصية الهوياتية للشاعر، فبالنظر إلى سرديات الخطاب الروائي نجد أزمتين حادتين عصفت ببطل الرواية مايكل (ييتس): أزمة روحية والأخرى عاطفية، نبعت الأزمة الروحية من كون مايكل شاباً مثقفاً عجز عن تقبل منظومة العقائد المسيحية التقليدية، كاشفاً بذلك عن حالة اغترابية ولّدت لديه رغبة قوية في البحث عن بديل حين اختار التوجه الروحاني الغنوصي ذا الأبعاد الطقوسية السرية، متذكرين رحلته إلى بيزنطة أو علاقته بليون الأفريقي حيث السحر العرفاني الشرقي يستحوذ على قلب وعقل ييتس ويعيد له توازن ذاته المفقود، جراء صدمته من تلاشي موروثه القومي بفعل معاول الاحتلال الإنكليزي اللا أخلاقي لبلاده، كما جاء في كتاب «مقاربات الآخر» كملتقى للذات بذات أخرى تجسيداً لمبادئ الفلسفة الرومانتيكية كما صاغها هيغل، التي تعتبر حركة التاريخ نوعاً من صراع قوى متضادة. فبتأثير من حكاية ألف ليلة وليلة وفائض الإحساس بأهمية اللغة يعتبر ييتس العودة إلى الشرق عودة إلى الجذور حيث الامتزاج بالموروث الشعبي العربي والتركي والفارسي والهندي، تمهيداً لاستعادة العلاقة مع الطبيعة وموروثاتها الإنسانية البدائية.
أحد الإشكالات التي تعرض لها الناقد جورج طرابيشي في كتابه الروائي وبطله هو المطابقة بين الروائي وبطله، إذ يرى أن التطابق يُعد أمراً مستحيلاً لاعتبارات فنية وتحليلية نفسية، لذا نلحظ الدكتور سعد يتدارك الأمر في بحثه في مجلة فصول ويستعين بمذكرات الشاعر ييتس ومصفوفة من قصائده الأخرى كقصيدة «الذات تحكم الآخر» لدعم استنتاجاته المشتقة من الرواية، كرغبة في العبور بنجاح لتركيب صورة هوية الشاعر ييتس الخاصة كما تجلى ذلك في إبداعاته.
يتعامل الدكتور سعد مع الهوية الثقافية الخاصة كوجود عرضي نسبي لا مطلق، متحرك لا ثابت، دنيوي لا مقدس، يظل الآخر شرطاً لديمومتها عبر مساءلته ومكاشفته الدائمة لها حيناً واستفزازها وصدمتها حيناً آخر، إنه (الآخر) بمثابة المرآة الحقيقية للذات لإدراك قوتها أو عجزها الروحي والعلمي والاقتصادي والعسكري والسياسي، وبالتالي يحفز (الأنا) كي تدرك ذاتها الحقيقية لا الوهمية التي صنعتها الأيديولوجيا وألبستها لباس المقدس. كل ذلك جسدته حفريات المعرفة التي نهض بها البازعي سعد، بمنهجية تحليلية بنائية لمقاربة أكثر حيوية للشاعر الأرلندي العظيم وليم ييتس.
* كاتب سعودي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.