«فتيان الكشافة السعودية» يرشدون التائهين ويديرون الحشود    تشكيلة ألمانيا واسكتلندا لمباراة افتتاح بطولة أوروبا 2024    «نزاهة» تباشر قضية انهيار مبنى سكني في جدة    اللواء العتيبي يتفقد «أمن المنشآت» بمحطات قطار الحرمين في جدة    الدوسري يتفقد منظومة الإعلام في المشاعر المقدسة    الصحة: نسبة تحصينات حجاج الداخل بلغت 99 %    غدا.. ضيوف الرحمن يتوجهون إلى صعيد عرفات لأداء ركن الحج الأعظم    الرئيس المصري يصل إلى جدة لأداء مناسك الحج    الصحة: على الحجاج استخدام المظلات للوقاية من ضربات الشمس    مركز أداء يقيس رحلة أداء مناسك الحج    بلدية بيش تطلق مبادرة "حقيبة حاج" لخدمة حجاج المحافظة    سباليتي يطالب لاعبي منتخب إيطاليا بالتحلي بالشجاعة في يورو 2024    «مبادرة طريق مكة» تختتم أعمالها لموسم حج 1445ه في صالات (11) مطاراً في (7) دول    المملكة تتسلم علم استضافة أولمبياد الفيزياء الآسيوي 2025 وتعزز مكانتها عالمياً    الكشافة يساندون أطقم وزارة الصحة في مستشفيات المشاعر المقدسة    عسكر إسرائيل يطالبون بالتصدي ل«حزب الله»    رقابة صحية ومباشرة ميدانية.. مكتب البيئة ينهي استعدادات عيد الاضحى في الخرج    صندوق النقد الدولي يشيد بالتحول الاقتصادي غير المسبوق في المملكة    المملكة تشارك في المؤتمر الأوروبي لتقويم الأسنان    صحفيو مكة يشيدون بمضامين ملتقى إعلام الحج    في كتب الرحلات    رونالدو.. أرقام قياسية عبر تاريخ اليورو    النصر يستهدف التعاقد مع فان دايك    مواكب حجاج صندوق الشهداء والمصابين والأسرى والمفقودين تتجه إلى المشاعر المقدسة    النفط يتجه لأول مكسب أسبوعي خلال شهر    سجن وتغريم 18 مخالفًا نقلوا 91 غير مُصرَّح لهم بالحج    حزب الإصلاح البريطاني يتفوق على المحافظين في استطلاع للرأي    بوتين يحذر من الفوضى ويضع شروطا للسلام مع أوكرانيا    أثينا تعتزم وضع حد أقصى لعدد السفن السياحية التي تزور الجزر اليونانية    مايكروسوفت تؤجل إطلاق خاصية "الاسترداد" بالذكاء الاصطناعي    القادسية يتحرك لضم حارس منتخب مصر    هدايا بروح التراث السعودي لضيوف الرحمن    إعادة التوطين تُكثر 9 حيوانات بمحمية الإمام تركي    "واتساب" يتيح المكالمات بسطح المكتب    "لينكدإن" تستعين ب"الذكاء" لجلب الوظائف    اتفاقية تمويل لربط الكهرباء الخليجي العراقي    الذكاء يدعم خدمات الدفاع المدني بالمشاعر    روبوتات هجينة لعلاج سرطان الرئة    وزير الحرس الوطني يطّلع على استعدادات القوات    سفير كازاخستان السابق: قضيت أجمل أيام حياتي في السعودية    حزم وقوة    لجنة رباعية لضبط مخالفات نشاط المياه غير الصالحة في مكة    22000 من القطاع البلدي يشاركون في الخدمة    العيسى: تنوع الاجتهاد في القضايا الشرعية محل استيعاب الوعي الإسلامي    57 سيجارة كافية لتفجير رئة المدخن    أمن الطرق.. حرّاس المنافذ    الحقد والمظلومية يصيبان بالأمراض ويعطلان التشافي    «الجراح المغناطيسي» أحدث جراحات السمنة    مارتينيس: البرتغال جاهزة    الجبير: المملكة من أكبر المستثمرين في الطاقة النظيفة ولديها مشاريع ضخمة تستهدف الحد من آثار التغير المناخي    خطط مرورية لنقل الحجاج لمشعر منى    جمعية قدرة لرعاية الأشخاص المعاقين بالرس تحجج 11 معاقاً ومعاقه    لم يكن الأفضل !    العليمي: المنحة السعودية تمكن الدولة من الوفاء بالتزاماتها الحتمية    رئيس الأركان يتفقد قطاعات وزارة الدفاع المشاركة في الحج    العقيد الطلحي يتفقد مركز(911)    وزير الإعلام يزور جناح الداخلية    المملكة تعزي في ضحايا حريق «المنقف» في الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ولد ميتًا»: عن نابوليون وساركوزي والشرق كحُلم أوروبي قديم - متجدّد
نشر في الحياة يوم 22 - 08 - 2014

في مدينة كليرمون الفرنسية خلال تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1095 ميلادي، أطلق البابا أوربان الثاني دعوته الأوروبيين للتوجه نحو الشرق، فيما عرف باسم الحروب الصليبية. وبعد نحو عشرة قرون أو أقل قليلاً، في عام 2007 وفي مدينة طولون، جاء الرئيس نيكولا ساركوزي ليطلق مشروعه «الاتحاد من أجل المتوسط».
وحول هذا المشروع وملابساته يدور فيلم «ولد ميتًا» المتحدث عن عشرة قرون تغير فيها وجه الحياة، لم يعد الاستعمار أداة في يد القوى الكبرى، ولم تعد القوى العسكرية هي الأداة للسيطرة على الآخر. باتت هناك وسائل أخرى. حاول ساركوزي أن يسير على نهج رؤساء فرنسا السابقين، أمثال نابليون وديغول، أطلق حملته الانتخابية من مدينة طولون ذات التوجه اليميني المعروف، داعب أحلام الآخرين في التوجه نحو الشرق، فأطلق فكرة الاتحاد من أجل المتوسط، معتمداً البحر الأبيض المتوسط نقطة ارتكاز ومحوراً للاتحاد.
لأكثر من خمسين دقيقة بقليل يتعرض فيلم «ولد ميتًا» وجهات النظر كافة حول المشروع الذي اختصه ساركوزي باهتمام مبالغ. قد نتعرض هنا لمفهوم الفيلم الوثائقي، حيث يستخدم الفرنسيون مصطلح Film Documentaire، باعتبار الفيلم وثيقة عن المكان، أو الحدث، أو الشخص الذي يتناوله، ولهذا يفضل البعض ترجمته إلى الفيلم الوثائقي بدلاً من الفيلم التسجيلي.
أما في المفهوم الإنكليزي لهذا النوع من الأفلام التسجيلية الوثائقية Documentary Film، فلا يكتفي الفيلم بتسجيل الحقيقة، وإنما يضيف إليها الرأي أيضاً.
إذاً، تم إعداد الفيلم وفق التصور الإنكليزي، حيث إن الفيلم الوثائقي لا يحمل فقط تسجيلاً لحدث بعينه وإنما كذلك قد يتم بناء الوقائع في إطار وجهة نظر، وهو ما فعلته المخرجة المغربية خديجة أولاد عدي، التي انتقلت من همٍّ مغاربي بالأساس، حيث تبدأ معاناة المغرب العربي وعلاقته مع أوروبا.
يقول ساركوزي في خطابه الذي أعلن خلاله مشروعه، إن «البحر المتوسط لا يمكن أن يكون طليعة الحضارة العالمية إلا إذا التحم الرجال بالأفكار. الرهان من أجل المتوسط كما أعرفه هو رهان وتحد، رهان تمليه علينا الصورة المثلى لما تنبغي أن تكون عليه الأشياء قبل أن يفرضها منطق العقل».
وتسعى عدي في فيلمها إلى الكشف عن النوايا الحقيقية وراء مشروع الاتحاد من أجل المتوسط، حيث ترغب فرنسا في أسواق جديدة، وانتقال حر للبضائع ورؤوس الأموال، بينما هي تفرض رقابة على انتقال البشر، إذاً المشروع قائم على جعل أوروبا قلعة حصينة وتطلب من دول جنوب البحر المتوسط أن تمثل الحارس الذي يمنع توافر الهجرات غير الشرعية نحو أوروبا.
أكثر من عشرة خبراء من تخصصات وجنسيات متنوعة حاورهم الفيلم، في محاولة واضحة وأصيلة لتأكيد الموضوعية في مناقشة هذا المشروع الذي استهدف الاستفادة، كما يرى الفيلم، من خيرات الشرق دون تقديم مزايا لدوله مقابل ما تأخذه أوروبا.
قد يبدو اسم الفيلم «ولد ميتًا» كاشفاً لنتيجة المشروع، وهو ما يمكن أن نأخذه على خديجة أولاد عدي، حيث يقلّّل تقديم نتيجة الفيلم في عنوانه من حال التشويق التي من المفترض أن تؤهل المتفرج لمشاهدة فيلم زمنه ساعة تلفزيونية، لكنها سعت لخلق حالة تشويق عبر فصل يسبق العناوين قدّم بعضاً من المتحدثين، وداعبت المشاعر العربية محرضة لها لفعل المشاهَدة عبر مشهدين في مقدمة الفيلم، حيث ساركوزي يرتدي الطاقية اليهودية، ثم يطالعنا مندوب إسرائيل في الاتحاد الأوروبي بشكل واضح أن ساركوزي هو صديق حميم لإسرائيل.
هذه اللقطات الافتتاحية لا تحمل تحفيزاً فقط للمشاهد العربي، ولكن أيضاً حالة من الشحن العاطفي ضد المشروع الذي يقدمه ساركوزي، والذي يهدف بشكل واضح إلى امتداد فرنسي نحو الجنوب، في أحلام نابوليونية واضحة، كما يذكر د. بشارة خضر أستاذ العلوم السياسية في مركز دراسات العالم العربي– جامعة لوفان، حيث يوضح أنه كلما تعاظمت قوة ألمانيا الجيوسياسية والاقتصادية كلما شعرت فرنسا بالقلق، كما أن فرصة فرنسا للامتداد أسهل كثيراً إذا ما اتجهت جنوباً.
يحفل الفيلم بلقطات أرشيفية لزيارات الرئيس الفرنسي دول حوض البحر المتوسط، وتحديداً الدول العربية، كما أن اختيار الضيوف جاء متوازناً وفق وجهة نظر المخرجة، حيث جاءت مداخلات الضيوف المؤيدة والمعارضة للمشروع لتخدم الفكرة الأساسية القائلة إن هذا المشروع محكوم عليه بالفشل.
في نهاية المطاف يبدو الفيلم مخلصاً لنمط الأفلام التلفزيونية الوثائقية، حيث الانتقال من ضيف إلى آخر يتم في سلاسة واضحة، واللقطات الأرشيفية وُضعت بعناية في الأماكن المتوقعة، ومع هذا كانت خديجة أولاد عدي على وشك السقوط في حيز النمطية في بعض اللحظات، فلا يعني تقديم فيلم قياسي وفق اختيارات الضيوف والتوليف إشارة لفيلم قد يقبل عليه المشاهد، لولا أن خديجة تخلت عن هذه النمطية في اختيار الموسيقى، التي كانت أكثر من متميزة، وأعطت للفيلم روحاً مختلفة ساعدت كثيراً في تحرير الفيلم من نمطيته، وحرصت على أن يتزيّن بلقطات من الثورات العربية، مشفوعة بحديث من أحد الباحثين مؤكداً أن أوروبا الآن لا تتعامل مع حكام وإنما تتعامل مع شعوب تدرك صالحها.
هذه النوعية من الأفلام الوثائقية، تقدم مادة بحثية جيدة عند دراسة مثل هذه المشروعات، لكنها أيضاً لا يمكنها أن تكون محايدة تماماً، فعرض وجهات النظر التي تُشير إلى حتمية فشل المشروع لا يعني بالضرورة عدم وجود رؤية مسبقة إلى أن مشروع «الاتحاد من أجل المتوسط» لا يقدم مزايا لدول جنوب البحر المتوسط، لو رجّحنا أن المخرجة اختارت اسم الفيلم بعد توليفه، لكن المؤكد أنها انطلقت من فكرة مؤداها موت هذا المشروع، خاصة أنها هي من أعدت الفيلم.
الرؤى المسبقة في الأفلام الوثائقية قد تكفل بناء متماسك واختيار الضيوف بما يخدم الفكرة، لكنها لا تقدم وثائق فيلمية محايدة يمكن اعتمادها في أدوات البحث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.