ما فائدة العيادة الطبية وسيارة الإسعاف إذا كانت العيادة فارغة لا يوجد بها طبيب، وإذا كانت سيارة الإسعاف متوافرة ولكن السائق غير موجود؟ سلوك لا يوجد إلا في عالمنا العربي الذي يؤمن بأنه مادام وفّر العيادة وجهزها بأحدث الأجهزة فهو قد قام باللازم وكثر الله خيره ألف مليون مرة. ما زالت ثقافة «المحتوى والمعنى الحقيقي للخدمة» غائبة عن التطبيق، توفير الأدوات مهم جداً، ولكن الأهم دائماً في نظري النتيجة، والنتيجة سمعنا عنها كما نسمع عنها دائماً وفي كل المجالات، وبالتحديد عن المواطن الذي سقط من فوق «ستاند» وهو يقوم بعمل الصيانة للطائرة قبل أيام، توفي بينما ظل زملاؤه المسعفون يحملونه إلى العيادة التي لم يتوافر بها الطبيب الذي يفترض وجوده حتى لو كانت العيادة خالية من المراجعين (تحسباً لأي طارئ مثل هذا الموقف)، توفي المواطن بين أيدي زملائه وهم يتجهون به نحو سيارة الإسعاف التي توافرت ولكن من دون سائق. ما فائدة العيادة والسيارة التي لم تسعف المصاب. نعم قدر وقدر الله نافذ، ولكن... هل أفسر أكثر أم وصلت الرسالة؟ * قبل أيام صدم شاب سيارة يركب بها 5 مراهقين آخرين أكبرهم لا يتعدى 16 سنة من العمر، وانقلبت بهم السيارة بعد اصطدامهم بصخرة وتوفي السائق إلى رحمة الله وسط لوعة قلب عائلته ووالديه... نعم قدر الله وقدره نافذ مهما فعلنا، ولكن ما زالت شوارعنا تغص بسلوكيات متهورة على رغم «ساهر» الذي أغضب المتهورين فقط على رغم أنه يهدف إلى إعادة السلامة والأمان إلى الشارع. هل تصدقونني لو أنني أخبرتكم بأنني عشت في مدينة بوسطن لمدة شهر ونصف الشهر لم أصادف حادثة واحدة على الطريق؟ لم أصادف مشادة كلامية، لم أرَ سقوط السيارات على بعضها... لم أرَ ما نسمع عنه ونشاهده يومياً في مجتمعنا. قبل أيام كنت أتسوق في «سوبر ماركت» كبير له مواقف أسفل منه، وهممت بقطع الشارع لأصل إلى سيارتي، ففوجئت بسيارة كبيرة تقطع الشارع وهي تترنح يميناً ويساراً وكدت أعتقد أنها سيارة مجنونة فقدت عقلها، حتى سمعت صوت ضحكات السائق الذي كان مختفياً لأنه ورب العزة لا يزيد عمره على عشر سنوات وربما أقل، ويسوق السيارة بتهور شديد وهو يضحك... لماذا نفقد أرواحاً بريئة؟ لأن هناك أشخاصاً متهورين وأهالي أشد تهوراً؟ هل أموال الدنيا ودياتها تعيد الابتسامة لأسر المتوفين الخمسة؟ أين أسرة الطفل الثاني؟ ولماذا سلمته السيارة؟ ولماذا سمحت له بقيادتها؟ هناك ملاهٍ للترفيه تتوافر بها سيارات مصغرة للعب، «ليست الشوارع والمواقف» مكاناً مناسباً لهذا الاستهتار الجماعي الذي مارسه الطفل وعائلته وكل من شاهده يعبث بأرواح الناس ليحصدها وهو.... يضحك. [email protected] @s_almashhady