إني أتعجب أحيانا واسأل.. من هو المتهم؟ أفعل ذلك عندما أجد ان الجميع ينتقد السلوكيات الخاطئة المرتبطة بالأداء الإداري، أو قيادة السيارات، أو المشاركة في الحوارات.. الخ.. الكل ينتقد، والكل يكتب عن غياب الموضوعية، وغياب الرقابة، والمحاسبة وتفشي ظاهرة الإهمال والتسيب واللامبالاة. المحكمة مفتوحة والمجتمع يوجه التهم المتلاحقة الشاملة، لكن قفص الإتهام لا يوجد به أحد!!.. إذا كان الكل مثلا يكتب عن الإصلاح الاداري، وعن تأخر تنفيذ المشاريع ومستوى تنفيذها، فهل هذه الكتابات واقعية؟ أم تكتب عن مجتمع آخر؟ إذا كان الجميع ينتقدون الحوارات التي تخرج عن خط الموضوعية إلى خط الشخصنة فمن هو الذي يفعل ذلك؟ إذا كنا نحتج على تصنيف الناس، فكيف يصدمك طالب في المرحلة الإبتدائية أو المتوسطة بأفكار تصنيفية إلتقطها من المدرسة!!.. إذا كنا نكتب يوميا عن حوادث المرور، أو سلوك سائقي السيارات ثم نتوقف ونقول (بعض) سائقي السيارات الذين يعتقدون أن اتباع أنظمة المرور هزيمة، واحترام حقوق السائق الآخر لا يليق بالرجولة!! قلنا (بعض) فمن هؤلاء (البعض)، ولماذا نستمر بالتفرج عليهم؟ إن استمرار المشكلات يعني أحد الاحتمالات التالية: أن المشكلة غير معروفة. أن المشكلة معروفة ونرفض الاعتراف بها. أن تشخيص أسباب المشكلة لم يكتمل. أننا لم نتوصل حتى الآن الى الحلول الناجحة. أن الحلول معروفة ولكنها لا تطبق. قضية توطين الوظائف قد تكون من أكثر القضايا المطروحة للنقاش، كيف يمكن الأخذ بالحلول والإستقدام لا يتوقف؟! في قضايا التربية وتعود الجيل الجديد على الإتكالية والاعتماد على المساعدة المنزلية وعلى السائق، الكل يعاني والكل يشتكي، من الآثار التربوية والمادية للعمالة المنزلية، ولكن الحلول غائبة. لماذا تعيش العائلة السعودية خارج المملكة بدون سائق وبدون مساعدة منزلية؟ مرة أخرى، الكل يشتكي، الكل ينتقد، لكن لا أحد يريد ان يبدأ بنفسه! ينطبق ما سبق على سلوك من يفتح نافذة السيارة ويرمي بالنفايات في الشارع، ومن يذهب الى الحديقة مع عائلته ويترك النفايات في مكان جلوسهم، ومن يدخن في الأماكن الممنوعة، ومن يحدث الفوضى بالشوارع بسبب قيادته المتهورة، ومن يتحدث عن الفساد الإداري، وغياب المعايير، وتصنيف الناس، وعن، وعن، الخ...... القضية هي المسافة بين ما نقول وما نفعل... وبين المشكلات والحلول، وبين التنظير والتطبيق. القضية هي أن الإنسان يشتكي وينتقد ويتذمر، ولكنه لا يبدأ بنفسه، ولو فعل كل إنسان ذلك لانحلت مشاكل المجتمع.