في إحدى مقالات هذه الصفحة، قلت عن الفنان السوري الراحل خالد تاجا قبل سنوات، أنه كان كبيراً حتى في أعمال درامية «صغيرة». يتبدى ذلك في حضوره المختلف والمتميز في الدراما التلفزيونية على مدى العقود القليلة الفائتة: في التراجيديا والدراما الاجتماعية، تماماً كما في الكوميديا التي شارك في بعض أعمالها بحضور لافت وأداء يفارق العادات الكوميدية الرائجة، ويعتمد كوميدية المشهد ذاته وليس «حركات» الممثل. تبدو السينما في سيرة الراحل بوابة دخوله للفن هو الذي لعب بطولة الفيلم الأول الذي أنتجته «المؤسسة العامة للسينما» في دمشق عام 1964 وحققه المخرج اليوغسلافي بوشكو فوتشينيتش. مع ذلك فتاريخ خالد تاجا مع الفن يقع خارج عالم السينما، وتحديداً في الدراما التلفزيونية التي منحته المساحة ومنحها التألق والجدية، وقدم لها بعضاً من أكثر أعمالها جمالاً وإمتاعاً من خلال أداء لافت جمع الجاذبية الشخصية، إلى الموهبة الاستثنائية ووعي الشخصية الدرامية بأبعادها المتعدّدة. خلال عقود طويلة شاهدته خلالها، لم أتوقف مرّة عند تلك التقسيمات النقدية الشائعة التي تضع هذا الممثل أو ذاك في إحدى خانتين، إما «أدوار الخير» أو «أدوار الشر». الراحل خالد تاجا كان طيلة تلك السنوات، وفي ما قدمه من أدوار ممثلاً فناناً يعي أن الإنسان هو في حالاته كلها إنسان يحمل في روحه وداخل نفسه التناقضات بشقيها الخيّر والشرّير معاً. يصعب هنا الحديث عن أدوار تاجا في الأعمال الدرامية السورية فهي أكثر من الإحاطة بها في عجالتنا هذه، لكننا مع ذلك يمكن أن نشير لبعض أهمها وأجملها وأكثرها سطوعاً في ذاكرة المشاهدين: «الثريا» الذي حققه هيثم حقي وقد لعب دور «الباشا» إلى جانب النجم جمال سليمان، و «الفصول الأربعة» مع المخرج حاتم علي حيث مزيج الواقعية بالكوميديا الخفيفة، ثم أيضاً «أخوة التراب» على رغم التباسات النص الدرامي وفوضى الإخراج. لافت ولا ينسى دوره المهم والبديع في المسلسل السوري «غزلان في غابة الذئاب»، ولافت أكثر ذلك الحضور الطاغي لأدائه إلى الحد الذي كنا خلال المشاهدة نكاد نشفق على زملائه ممّن شاركوه العمل، وبالذات من وقفوا أمامه يشاركونه المشاهد ذاتها. هو في الدراما التلفزيونية رصيد نجاح لأي عمل يشارك فيه، ما جعله غزير المشاركة دائم الحضور على الشاشة الصغيرة، بل أبرز الحاضرين في «موسم» رمضان التلفزيوني. ذلك يطرح أمامنا فكرة النجومية، والتي طالما ارتبطت جماهيرياً وحتى نقدياً بالنجم الشاب، الذي يلعب غالباً أدوار البطولة الأولى، وبالذات دور العاشق. هذه النظرة طالما شكلت تحدّياً للممثلين من كبار السن، الذين يجدون أنفسهم أمام ممثلين شباب «يسرقون» منهم الكاميرا. خالد تاجا لم «يسرق» منه الكاميرا أحد من الممثلين الشباب، إذ كان في أعماله شريكاً ساطع الحضور بأدائه الجميل، ولعلّي أتذكر هنا دوره في مسلسل المخرج حاتم علي «التغريبة الفلسطينية»، إذ كان لافتاً أمام النجم جمال سليمان. لا أنسى أبداً ذلك الجلوس اليائس على عتبة البيت وهو يلعب دور الأب الفلسطيني الذي فقد وطنه وقريته وبيته وأرضه ووجد نفسه حاسراً ووحيداً يعيش في المخيم. خالد تاجا في «التغريبة» صعد بالدور إلى ذروة عالية جعلتنا نستعيد حقاً مقولة الممثل والموهبة، فكان نجماً كبيراً في عمل كبير ازدحم بالنجوم، ولعليّ إذ أشير إلى ذلك أشير أيضاً إلى الأداء اللافت الذي شاركته به الممثلة الأردنية جولييت عوّاد وكانت به ومن خلاله نجمة كبيرة. سيكون مجحفاً أن نتحدث عن الراحل خالد تاجا من غير أن نشير إلى دوره الجميل والمميز في «الزير سالم» وهو دور صعب ومركّب قدمه بمزيج من الحرفية وجماليات الحضور فعاش في ذاكرة المشاهدين. خالد تاجا أحد أهم وأجمل مفردات الدراما التلفزيونية السورية، عاش معها صعوبات البدايات، وشارك في نهضتها بفاعلية وجدّية، فصعد مع صعودها هو الذي آمن بالفن ورسالته وآمن بالعمل المتواصل حتى اللحظة الأخيرة من حياته.