يفتقر عدد من الدول العربية إلى مراكز الاحصاء والدراسات والبحوث العلمية، وإن وُجدت فغالباً ما يرتبط عملها بالمناسبات كالانتخابات، واستطلاعات الرأي حول مواضيع معينة كالدين والمشاكل الاجتماعية. كما يعمد عدد من الوزارات، إلى إعداد دراسات بإمكانات محدودة حول اختصاصاتها، لكنها في أحيان كثيرة، لا تُنشر في وسائل الاعلام، وتبقى في إنتظار من يهمه الأمر. فيما يحلّ بعض المنظمات العالمية، والمؤسسات العربية المدعومة من مبادرات فرديّة، مكان الدولة في إعداد تقارير دورية حول مواضيع ثقافية واجتماعية وسياسية وجغرافية وصحية وسياحية واقتصادية وفنية وتعليمية، ليكون ركيزة، يُعتمد عليها في برامج إنمائية مستقبلية. في العام 2010، قدَّمت المؤسسة اللبنانية للإرسال، برنامجاً بعنوان «الأرقام بتحكي»، حاولت من خلاله عرض أبرز الدراسات والبحوث المحلية والعربية بالأرقام، وبلغة يسهل على المشاهد استيعابها، خصوصاً أن لغة الأرقام معقّدة، وقد لا تصل إلى الجميع بسهولة. واكب البرنامج الفريد من حيث الفكرة والمضمون، الكثير من القضايا التي تُعنى بحقوق الإنسان وواجباته، بطريقة علميّة وموضوعية، وبات مرجعاً لكثر من محبي هذا النوع من البرامج لما فيه من معلومات دقيقة وإحصاءات رسمية. واستطاع القيّمون عليه من خلال مدته القصيرة (خمس دقائق)، وابتعادهم عن التعقيد، والإعتماد على مؤشرات رقمية ورسوم بيانية، إلى لفت انتباه الجمهور لأرقام لم يسمعوا بها من قبل، أو كانت تنشر أحياناً في صفحات متخصصة في الصحافة المكتوبة. أعطى البرنامج مفهوماً جديداً للبرامج الثقافية، خصوصاً أن هذه تعتمد في غالبية حلقاتها على مبدعين في مجالات المسرح والموسيقى والسينما والأدب والشعر، ويكون عادة محور الحلقات تجارب شخصية وأعمالاً تهم النخبة. لا نقول هنا، أن إستضافة المبدعين ليست نافعة، لكننا بحاجة أيضاً في موازاة ذلك، إلى خبراء وباحثين لمعرفة آرائهم ومناقشتها حول مشاكل البطالة والبيئة والحريات في ظل الأرقام المطروحة، وبطريقة علمية - تثقيفية. ويُسجل البرنامج نسب مشاهدة عالية، كما تفيد المؤسسة اللبنانية للارسال، وباتت تتابعه مصادر عدة للاستعانة بمعلوماته الدقيقة. وعلى رغم هذا النجاح، لم تتعامل المؤسسة مع البرنامج على أنه «نجم»، على خلاف ما تقدمه من إعلانات ودعايات لبرامجها الحوارية ومسلسلاتها المدبلجة أو العربية. فنادراً ما نشاهد إعلاناً عن البرنامج، يُخبرنا عن موضوع الحلقة المقبلة، أو يذكرنا بموعد عرضها. كما بات واجباً تدعيم البرنامج نظراً لأهميته، عبر إستضافة خبراء لمناقشة المعلومات المعروضة، وإطالة مدته بعض الدقائق الاضافية، وفتح المجال أمام الجمهور من خلال موقع البرنامج، لاختيار المواضيع التي تهمه والتصويت عليها. وبهذه الطريقة التفاعلية بين المرسل والمتلقي، يكون البرنامج ثبّت خطاه، وكسب رهاناً كبيراً بمدة قصيرة. البرنامج الذي بات عمره سنتين، ويعرض كل أحد بعد نشرة الأخبار، طرح عشرات المواضيع الشائكة ومنها، مثلاً، حصة المرأة والتمثيل البرلماني، الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، الإنترنت وسرعة إنتشاره في لبنان، الصفقات المعقودة والتعليم في لبنان. وتطرق في حلقة الأسبوع الماضي إلى الحريات والحقوق السياسية والمدنية في العالم، إرتكازاً للطبعة الأخيرة للتقرير السنوي الصادر عن مؤسسة «فريدوم هاوس» الذي يتمحور حول الحرية في العالم في عام 2012. وأشار البرنامج الى أن لبنان كان من بين الدول التي سجلت أعلى مستوى تراجع في درجات الحرية، وصنف كدولة تتمتّع بحرية جزئية. وعزا التراجع في الحقوق المدنية للاجراءات غير الديموقراطية التي اتخذت في حق عدد من اللبنانيين الداعمين لتغيير النظام في سورية. واعتبر تونس ومصر وليبيا الأكثر استفادة من التغيير الذي طاول العالم العربي، إذ نجحت شعوبها في تحقيق أعلى مستوى تحسن في الحريات. وبيّن التقرير أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تزال تفتقر الى الحرية، علماً أن 72 في المئة من دول المنطقة تُصنّف غير حرة. وعن كيفية التحضير للحلقات، توضح مقدمة البرنامج نانسي ثابت أنه «يجري بالاتفاق مع صاحبة الفكرة والمنتجة يارا الضاهر، مع الأخذ في الاعتبار مدى توفر الإحصاءات في لبنان. وهكذا نتصل او نتوجه الى الجهة المعنية مثل الوزارات، وإدارة الإحصاء المركزي والمنظمات غير الحكومية أو المؤسسات المالية، لطلب البيانات الضرورية لإتمام الحلقة». وإضافة إلى ذلك، يتابع البرنامج الاحصاءات الحديثة الصادرة عن جهات مصرفية، وشركات إحصاء تتمتع بصدقية مثل الدولية للمعلومات. وتنفي ثابت أن يكون ثمة محظورات لا يقدر البرنامج على معالجتها، طالما أن المواضيع تطرح بطريقة موضوعيّة وأخلاقية ومهنية. وعن المشاريع المستقبلية تقول: «لا يمكننا الإفصاح عن مضامين الحلقات المقبلة مسبقاً للضرورات البرمجيّة، لكنّ الأكيد أن البرنامج سيستمرّ بطرح المواضيع التي تهمّ المواطن على كل الأصعدة الإجتماعيّة والإقتصاديّة والبيئيّة والحياتيّة والعمليّة...»، مشيرة الى أن البرنامج بات يحقق نسب مشاهدة عالية، إضافة الى التفاعل معه على مواقع التواصل الاجتماعي وموقع «ال بي سي انترناشيونال» الإلكتروني. بدأت ثابت العمل في البرنامج منذ بداياته، كباحثة ومعدّة، ومن ثم انتقلت إلى مهمات التقديم مطلع العام الجاري، إلى جانب مهمات التحضير والإعداد مع فريق عمل البرنامج. وهي تحب التعامل مع الأرقام، وتعتبر أن البرنامج قادر ولو في دقائق محدودة، على تسليط الضوء على حقائق تهم المواطن وتثقفه. * «ال بي سي انترناشيونال»، 18.30 بتوقيت غرينتش.