وزارة الخارجية تُعرب عن تعازي المملكة لجمهورية السودان    باريس سان جيرمان يفوز على إنتر ميامي برباعية    سلطان بن سلمان يشيد بما توليه رؤية المملكة 2030 من اهتمام بجودة الحياة    وزارة الصناعة والثروة المعدنية تستعرض فرص الاستكشاف التعديني    أمير تبوك يطلع على التقرير السنوي لاعمال فرع وزارة الشؤون الاسلامية بالمنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصلَ العام لجمهورية العراق    إحباط تهريب (44) كجم من القات المخدر في جازان    أمانة منطقة القصيم تحصد المركز الثالث في مؤشر الارتباط الوظيفي على مستوى أمانات المملكة    جمعية "وقاية" تنظّم معرضاً توعوياً وندوة علمية بمستشفى وادي الدواسر    قطاع ومستشفى النماص يُنفّذ فعالية "اليوم العالمي للأنيميا المنجلية"    "السعودية للشحن" توقّع اتفاقية استراتيجية مع "الخطوط الصينية للشحن" لتعزيز الربط الجوي بين آسيا وأوروبا    بمشاركة 400 طالب.. انطلاق برنامج "موهبة" الإثرائي الصيفي"2025 بمدارس منارات الرياض    "الاستجابة الطبية العاجلة" RPM تكرّم أبطال الطوارئ وشركاء النجاح    النصر يضم مدافع الشباب    وزير الخارجية يستقبل وزير خارجية جيبوتي ويرأسان اجتماع لجنة المشاورات السياسية بين البلدين    أمير جازان يكرّم الفائزين بجائزتي المواطنة المسؤولة و"صيتاثون" في دورتها الرابعة    الجامعة الإسلامية تدعم الأبحاث المتميزة    رئيس مجلس الشورى يبدأ زيارة رسمية إلى مملكة كمبوديا    أمير الشرقية يكرم الداعمين والمشاركين في مهرجان ربيع النعيرية    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ جولات ميدانية لصيانة جوامع ومساجد المنطقة    البرلمان العربي من معبر رفح: لا تنسوا فلسطين.. زيارة ميدانية لتحريك الضمير العالمي ووقف العدوان    استعدادات مكثفة لمواجهة موسم الغبار في جازان    من أعلام جازان.. الشاعر والأديب محمد بن علي النعمي    كأس العالم للأندية .. تشيلسي يقسو على بنفيكا برباعية ويتأهل لربع النهائي    المنتخب الإنجليزي يتوّج بلقب بطولة كأس أمم أوروبا للشباب    صنع في مصر بالكامل.. جامعة القاهرة تعلن حصول أول جهاز تنفس صناعي على الترخيص التجاري    بعثة الهلال تصل أورلاندو تحضيرًا لمواجهة مانشستر ستي في دور ال16 من كأس العالم للأندية    المملكة تستعرض تجربتها في بناء منظومة الذكاء الاصطناعي    المملكة تحقق 6 ميداليات عالمية في أولمبياد البلقان للرياضيات للناشئين    ترحيب خليجي باتفاق السلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية    "رونالدو": الدوري السعودي من الأقوى بالعالم وستنظم أجمل مونديال    أكدت أهمية التحقق من صلاحية السيارة.. المرور: ضبط"2027″ مركبة لوقوفها في أماكن ذوي الإعاقة    1587 حالة ضبط في المنافذ الجمركية خلال أسبوع    الثلاثاء.. بدء التطبيق الإلزامي لخدمة "تصريح التوصيل المنزلي"    بتخريج 63 متدربًا من برامج الدبلوم العالي بأكاديمية الأمير نايف بن عبدالعزيز    مشيداً بجهود الحكومة وتسارع النمو..صندوق النقد: الاقتصاد السعودي واجه الصدمات العالمية بمرونة عالية وتنوع الاستثمارات    ضغوط أمريكية ومطالب مصرية بخطة واضحة.. تحركات دبلوماسية مكثفة لوقف حرب في غزة    متمسكة بمشروعها التوسعي.. إسرائيل تشترط الاحتفاظ بالجولان للتطبيع مع سوريا    تقديراً لجهود المملكة في تعزيز تجربة ضيوف الرحمن.. ملك ماليزيا يمنح وزير الحج وسام "شخصية العام الهجري"    بوتين: مستعدون لجولة مفاوضات جديدة مع كييف    «درجة الغليان» بين منة شلبي وعمرو سعد    إطلاق مسابقة «تحدي الطيران» لدعم الابتكار وتمكين المبدعين    موجز    استمرار المسار الإثرائي الذكي لتعزيز التجربة .. السديس: الخطة التشغيلية لموسم العمرة تستغرق 8 أشهر    انطلاقة عام 1447    تخريج 63 متدربًا من أكاديمية نايف بن عبدالعزيز لمكافحة المخدرات    «السجون» تحتفل بالاعتماد الأكاديمي العسكري    وكالة الطاقة تدعو لمزيد من الاستثمار لضمان الوصول الشامل للطاقة    الترويج للطلاق.. جريمة أمنية    تدريب منتسبي الجهات الحكومية والخاصة على الإنعاش والإسعافات الأولية    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي ينهي معاناة «ثلاثينية» مع نوبات صرع يومية بجراحة نادرة ودقيقة    تجديد اعتماد «سباهي» لمركزي المربع وشبرا    إطلاق مبادرة «توازن وعطاء» في بيئة العمل    وكالة الشؤون النسائية بالمسجد النبوي تُطلق فرصًا تطوعية لتعزيز تجربة الزائرات    تكليف الدكتور مشعل الجريبي مديرًا لمستشفى الملك فهد المركزي بجازان    نائب أمير جازان يستقبل رئيس محكمة الاستئناف بالمنطقة    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    أقوى كاميرا تكتشف الكون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجزرة الأنفال «ذكريات منقوشة على حجر»

ينبش السينمائي العراقي شوكت أمين كوركي في الذاكرة الجماعية الكردية، فيسلّط الكاميرا على «ذكريات منقوشة على حجر» عن مجزرة راح ضحيتها 182 ألف كردي، جرت تصفيتهم على يد نظام صدام حسين ودفنهم في قبور جماعية العام 1988... فيما أُطلق عليه اسم «حملة الأنفال».
لكنّ فيلم «ذكريات منقوشة على حجر»، ليس فيلماً عن «مجزرة الأنفال» فحسب، بل هو فيلم عن حاضر المجتمع الكردي المشتت بين أربع ضفاف، والمقيّد بسلاسل وتقاليد، تبقى سداً منيعاً في وجه أي تطور.
الفيلم الذي تابعنا عرضه في قسم «آفاق» ضمن مهرجان كارلوفي فاري في الجمهورية التشيخية بحضور مخرجه (مثّل العرب الى جانب الفيلم الموريتاني «تمبوكتو» لعبدالرحمن سيساكو) يعتمد أسلوب الفيلم داخل الفيلم، معرّجاً على المشاكل الجمّة التي تواجه السينمائي الكردي في بيئة لا تعترف بالفن السابع ولا تؤمن بقدرته على إحداث تغيير في الذهنيات.
من هنا ارتأى كوركي السير على خطين متوازيين يتراوحان بين العام والخاص لتصوير المعاناة: معاناة شعب ذاق الأمرّين من جنون صدام، ومعاناة سينمائي يسير على خيط رفيع في منطقة مزروعة بالألغام.
«بعدما صوّرت فيلميّ «عبور الغبار» و «ضربة البداية» عن العراق ما بعد الحرب، أصبح واضحاً بالنسبة إليّ أنني سأحمل كاميرتي في أحد الأيام لأحقق فيلماً عن السينما في كردستان»، يقول كوركي، ويضيف: «ما يحدث خلف الكاميرا قصة تستحق ان تروى: تهديدات بالموت من جماعات إرهابية، نقص في المعدّات السينمائية، وشهور طويلة من التفتيش عن بطلة للدور الرئيس... هذه بعض الصعوبات التي نجد أنفسنا مُجبرين على العمل فيها. ولهذا، فإن امراً واحداً كان أكيداً بالنسبة إلي، وهو أنني كسينمائي عراقي كردي، هناك دوماً ثمن عليّ ان أدفعه، تماماً مثل الجميع في هذه المنطقة».
رومانسية مسروقة
بافتتاح رومانسي، تُستهل فصول «ذكريات منقوشة على حجر» من خلال لقطة لفتى صغير مبهور بعالم الفن السابع («حسين»)، يقصد مكان عمل والده داخل صالة سينمائية في العراق خلال عرضها فيلماً ممنوعاً.
رومانسية سرعان ما يبدو انها مسروقة من الدقائق ال93 التي يسير فيها الفيلم، بعد أن ينسفها دخول قوات صدام بكل جبروتها الى المكان لتدبّ الفوضى ويخيّم الذعر على القلوب، فيما الفتى يراقب من زاوية معتمة سوق والده ورفاقه الى المجهول.
هذه اللحظة المأسوية ستطبع حياة «حسين» وقد أصبح مخرجاً سينمائياً في الغرب. ولهذا يقرر في أحد الأيام أن يترك بيته الآمن في أوروبا ويحزم أمتعته ويودّع زوجته الأجنبية وابنه الصغير، ليعود الى دياره في كردستان العراق بهدف تصوير فيلم عن مجزرة الأنفال التي دُمّر فيها نحو ألفي قرية كردية وسُحقت فيها أرواح الآلاف. وسرعان ما يجد بطلنا نفسه أمام تحديات كبيرة، لعل أبرزها عجزه عن إيجاد ممثلة لتجسيد الدور الرئيس في مجتمع محافظ لا يزال ينظر الى السينما نظرة دونية.
عقبة سرعان ما تصبح من الماضي مع ظهور «سينور» الشابة الجميلة المتحمسة جداً لهذا المشروع. لكنّ اندفاع بطلتنا التي تعيش مع والدتها سيصطدم ببيئة لا يمكن الفتاة فيها ان تقرر مصيرها بنفسها، ولهذا لا يمكن بطلتنا ان تشارك في هذا الفيلم من دون إذن عمّها الوصيّ عليها بعد وفاة والدها. وطبعاً لن يكون لها ما تريد في مثل مجتمع بطريركي كهذا. بل على العكس سيتصدى العمّ لكل محاولاتها إقناعه، «فلا مجال لظهورها على الشاشة طالما انها ليست متزوجة». وهكذا يعود «حسين» الى مربع الصفر في رحلة بحثه عن بطلة لفيلمه.
وبعد ان تحول العادات والتقاليد والنظرة الى السينما والمرأة دون عثور بطلنا على شابة كردية عراقية لتكون بطلة فيلمه، تتجه أنظاره الى إيران حيث الخيارات أوسع. وبالفعل يسافر الى هناك. وحين يظن أنه عثر على الفتاة المناسبة للدور، يفشل في جعلها تعبر الحدود الإيرانية-العراقية، ولا يعود أمامه إلا «سينور» التي سرعان ما تضحّي بكل شيء للمشاركة في هذا الفيلم. حتى انها تقبل الاقتران بابن عمّها كشرط لتحقيق منالها. وإذ يبدو إصرارها غريباً على خوض هذه المغامرة من دون أن تأبه بكلام الناس أو مصيرها بالزواج من شاب تعتبره مثل أخيها، سرعان ما تتكشف الأسباب، فالفيلم بالنسبة إليها علاج من جرح قديم لم تندمل آثاره بعد، خصوصاً أن والدها مات في السجن ذاته حيث تدور أحداث الفيلم...
اما العوائق المادية التي يصادفها السينمائي الكردي في مسيرته المهنية، فيطرحها كوركي في صورة قد تبدو كاريكاتورية لكنها تعبّر بقوة عن الواقع من خلال شخصية نجم «الفيديو كليبات» الذي يضطر «حسين» الى إشراكه في الفيلم ليضمن إيجاد التمويل اللازم...
وواضح أن المخرج تعمّد ان يتشارك البطلان («حسين» و «سينور») فاجعة غياب الأب. ف «حسين» كان شاهداً وهو صغير على بطش رجال صدام الذين حرموه من والده، ومثله «سينور» قاست الأمرّين، وكأن المخرج أراد من فكرة «غياب الأب» إحالتنا الى فكرة أكبر هي «غياب الدولة» في رمزية واضحة الى مصير الاكراد المبعثرين بين اربع دول (العراق وإيران وسورية وتركيا).
«كردستان دولة لم تندمل فيها جروح الحرب بعد»، يقول كوركي ويضيف: «السينمائيون فيها مثلهم مثل الجميع ما زالوا يحملون وزر الصدمة الكبيرة التي سببتها مجزرة الأنفال. هذا ما حاولنا ان نحمّله لبطل القصة في «ذكريات منقوشة على حجر»، كما حاولنا قول لماذا من المهم جداً بالنسبة إلينا أن نخرج هذه القصة الى الضوء. فطوال 30 عاماً، كان ممنوعاً علينا في عهد صدام تحقيق أفلام سينمائية. ولهذا كان علينا ان نبدأ من الصفر. وعلى رغم انجذاب كثر في كردستان الى عالم السينما، إلا ان تطور المشهد الفني عندنا ما زال مهمة صعبة. من هنا عندما قصدني محمد أكتاس وفي جعبته فكرة «ذكريات منقوشة على حجر» لم أتردد في مناقشة الموضوع. فهذه القصة الشخصية التي يمكن القول إنها «صنع في كردستان» تعطينا لمحة عن تعقيدات صناعة السينما في مثلث برمودا الشرق اوسطي. ومع هذا وعلى رغم كل الصعوبات، يبقى حب السينما والشغف بها هما ما يحركنا».
باختصار، «ذكريات منقوشة على حجر» فيلم عن السياسة والمجتمع والسينما. ثالوث يبدو انه المحرّض الأبرز لشوكت أمين كوركي الذي قد يرى بعضهم أنه وقع في فخ الرغبة في قول كل شيء، فغلّب المضمون على العناصر الفنية والجماليات البصرية. ومع هذا، يبقى المشهد الأخير الأكثر تعبيراً عما أراد كوركي إيصاله من هذا الفيلم: جماهير متمركزة في ساحة القرية الكردية بانتظار العرض الأول لفيلم «حسين» عن الأنفال. يبدأ المشهد الأول مع جنود صدام وهم يحرقون إحدى القرى ويجرّون سكانها في عرباتهم. تتحول الشاشة الى سواد بعد انقطاع التيار الكهربائي. لا ينتظر المدعوون عودة التيار غير آبهين بالفيلم وبما يمثله. تعود الكهرباء من جديد، ولكن لا احد هناك إلا أفراد طاقم العمل الصامدين على رغم هطول المطر... فالسينما الجادة لا تعني أحداً في بلادنا... أما الجمرة فلا تحرق إلا محلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.