يقول الفيلم إن ثلاثين محللاً ومستشاراً واختصاصياً وخبيراً يلفَون على معظم الإعلام الفرنسي، يتصدرون ندواته ويدلون بآرائهم «القيَمة» فيه، وهم هنا على الدوام «غير قابلين للأكسدة» رغم الأخطاء «التحليلية» التي يقعون فيها. يقول الفيلم أيضاً إن الصحافيين والإعلاميين نخبة لا تعرف شيئاً عن الشعب، عاداته وثقافته، وترى أنه (الشعب) حين يخرج عن صمته يغدو خطراً. وفق الفيلم يوجد «تواطؤ» بين هؤلاء ورجال السياسة ومعهم أحياناً الصناعيون... يطلق الفيلم على الإعلاميين والصحافيين والمحللين الخبراء في الإعلام تعبير «كلاب الحراسة الجدد»، فهم من وجهة نظره حراس النظام القائم السياسي والمالي والاجتماعي. الفيلم وثائقي فرنسي، سيناريو سيرج حليمي، مدير تحرير جريدة «لوموند ديبلوماتيك»، وإخراج جيل بالباستر ويانيك كيرغوت، وهما صحافيان مختصان برصد وتحليل عالم الصحافة والإعلام. يعرض الشريط في صالات فرنسية محدودة العدد لكنه يلقى إقبالاً منتظماً من الجمهور. فالفرنسي المأخوذ بالإعلام والذي يقضي ما يزيد عن ثلاث ساعات ونصف ساعة يومياً أمام الشاشة الصغيرة ويعرف الكثير عن نجومها، يبهره هذا الكشف الذي يقدمه «كلاب الحراسة الجدد» المدعوم بالأرقام والبراهين. يدهشه ما قد لحظه ربما ولكنه لا يتوقف عنده. ربما لم يذهب خياله بعيداً ليفكر أن ثمة عملية تبادل للخدمات تكمن وراء دعوة مختلف اللاعبين في المجالات السياسية والإعلامية والاقتصادية إلى التلفزيون للمشاركة في الحوارات. الفرنسي، الذي طالما حاولت النشرات الإخبارية والتقارير وآراء «الخبراء» الاقتصاديين إقناعه بأنه «مستعص» على التغيير و»متمسك» زيادة بمزاياه الاجتماعية، وما عليه للتأكد من هذا سوى النظر حوله «فالمثال دائماً في الجوار الأوروبي»... الفرنسي الذي أوجع الإعلام دماغه ب «الموديل الاقتصادي الإنكليزي وبالنهضة العمرانية الإسبانية...» اكتشف مع أول هزة اقتصادية هشاشتهما المريعة. لكن هؤلاء الذين حاولوا إقناعه بهذا وبغيره، يعودون مجدداً وكأنهم لم يتفوهوا بكل هذه الحماقات، يعودون لأن من يدعى ومن يفسح له مجال الحديث هو من يهاجم النظام القائم بأدنى حد ممكن. «محللون» يستفيدون كذلك من ظهورهم على الشاشة للحصول على مراكز مهمة في المصارف أو في هيئات أخرى تناسب مجالات «خبرتهم»... من دون أن ينسى الفيلم التحريف الإعلامي في قضايا مثل اغتصاب الأطفال، وتشكيل أسلوب التفكير للمشاهدين وتسليع المعلومة، وتركيز النشرات الإخبارية على القضايا الصغرى كأسلوب متعمد لنسيان المشاكل السياسية. أليس هذا ما لمسه المشاهد الفرنسي، خصوصاً في القناة الفرنسية الثانية ( قطاع عام) التي بدأت منذ سنوات قليلة تتبع تقليداً اعتمدته القناة الأولى (قطاع خاص) بتوجيه عناوينها الأولى نحو الحوادث المحلية مثل الجرائم والجنح متخلية بذلك عن القضايا الأكثر أهمية في السياسة والاقتصاد على الصعيد الوطني والدولي؟