عرف السينمائي والمسرحي الفرنسي الراحل بيير كليمنتي أوج شهرته في سبعينات القرن العشرين وثمانيناته، وخطفه الموت في نهاية التسعينات إثر إصابته بمرض خبيث في الكبد. تعتبر نجومية كليمنتي من النوع الذي لا ينتهي، فهو لا يزال يكرم في نواد عدّة في العالم، وأخيراً نظمت جمعية يابانية في طوكيو أسبوعاً لأفلامه، شهد حضوراً لافتاً. عرفت الصحافية الفرنسية المتخصصة في السينما والمسرح جان هوفشتيتير (JEANNE HOFFSTETTER) كليمنتي وعائلته عن كثب، ورافقته في شتى مراحل حياته، وهي لا تزال على علاقة وطيدة بأولاده. ألفت هوفشتيتير كتاباً عن حياة كليمنتي عنوانه «في منتهى البساطة» تروي فيه حساسية هذا الفنان، ونظرته الشخصية الى عمله والسينما والمسرح. لم يكن الفنان الراحل يوافق على الظهور في أفلام لم تكن ترضي توقعاته وطموحاته من حيث المضمون والرسالة. عاش كليمنتي صباه في الجزائر لأن عائلته كانت مقيمة هناك منذ أجيال، قدم إلى فرنسا مع أهله في مطلع الستينات إثر استقلال الجزائر وظل مرتبطاً بمسقط رأسه وبالقضية الجزائرية إلى درجة أنه سعى دوماً إلى المشاركة في أعمال فنية روت الحكاية الفرنسية هناك، واتخذ في الحالات كلها، الموقف الإنساني قبل السياسي، غير متردد في مهاجمة السياسيين الفرنسيين في شأن قراراتهم وأعمالهم المتعلقة بالجزائر. وإن كانت تصرفات بيير كليمنتي قد أبعدته في فترة ما عن الشاشة الفضية، بسبب وجهات نظره الصريحة والمزعجة بالنسبة الى البعض، فهي لم تمنعه من الوقوف فوق خشبات أشهر مسارح باريس، ومن مواصلة نشاطه الفني بأعمال تضمنت رسائل تدعم المحرومين والمظلومين الذين يضعهم المجتمع على هامش الحياة. وفي سياق متصل، عرف كليمنتي بدفاعه عن بعض العلاقات المشبوهة فتلقى تهديدات بالقتل وأصيب في عملية اعتداء عليه، ما جعل أهل السينما والمسرح يخافونه ويبتعدون عنه ويتفادون التعاقد معه. هكذا وجد كليمنتي نفسه في عزلة فنية أثرت فيه إلى درجة أنه انغمس في تعاطي المخدرات كي ينسى حزنه العميق، وسرعان ما أصابه مرض السرطان، إلا أن بعض أصدقائه بذلوا جهداً لاستعادة مكانته على الساحة الفنية، خصوصاً أن جمهوره لم ينساه، وأن الإعلام ظل يلاحقه للحصول على أحاديث حول الأسباب التي أدت به إلى مغادرة أستوديوات السينما وخشبات المسارح. ونجح أصدقاء كليمنتي في إقناع بعض السينمائيين بإشراكه في أفلامهم الجديدة، بحجة أن النجم كان لا يزال يجذب الجماهير إلى شباك التذاكر، وعثر الفنان على أدوار شيقة ولكنه لم يتغير من حيث المزاج، فاختار بين السيناريوات المطروحة عليه ما كان يناسب عقليته وذوقه وميوله السياسية والإنسانية ومبادئه في الحياة، فتبعه جمهوره وكرّمه وتهافت على أفلامه ومسرحياته وندواته، إلى أن تغلب المرض عليه، وتوفي عن عمر ناهز 55 سنة. تابعت جان هوفشتيتير كل هذه الحكايات عن قرب ورافقت كليمنتي حتى النهاية كصديقة مخلصة وصحافية مؤمنة بضرورة نشر الحقيقة عن الفنانين بلا مجاملات.