رئيس جمعية «مرفأ» الصفحي يهنئ أمير جازان ونائبه على الثقة الملكية    مشائخ وأعيان وأهالي «الجرابية الكنانية» يهنئون أمير جازان ونائبه بالثقة الملكية    مراقبة التنوع الأحيائي بساحل البحر الأحمر    نسخة رابعة من جائزة الحكومة الرقمية    رئيس الوزراء العراقي يلتقي الأمين العام للأمم المتحدة    ضبط 3 مقيمين مخالفين لمحاولتهم دخول مكة بطريقة غير نظامية    وكيل وزارة التعليم: مشاريع طلابنا في آيسف أبهرت العالم    تعليم الطائف يستعرض خطة التحول في منظومة إدارات التعليم مع أكثر من 1700 مدرسة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل النادي الأهلي السعودي بمناسبة فوزه بدوري النخبة الآسيوي    موعد نهاية عقد كريستيانو رونالدو مع النصر    الانضباط تصدم الوحدة مجددا    بوتين: هدفنا من حرب أوكرانيا هو السلام    وزير الخارجية ونظيره التركي يترأسان الاجتماع الثاني للمجلس التنسيقي    الشارقة الإماراتي يتوج بطلًا لدوري أبطال آسيا 2 للمرة الأولى    جناح جمعية تعظيم في معرض "نسك هدايا الحاج" يشهد إقبالاً كبيرا من الزوار    إنشاء أول مصنع للصفيح المقصدر في السعودية    تجاوز مستفيدي مبادرة طريق مكة مليون حاج منذ إطلاقها    أمير منطقة تبوك يرعى حفل جائزة سموه للتفوق العلمي والتميز في عامها ال 38 الاربعاء المقبل القادم    مهرجان "القراءة الحرة" ينطلق بمكتبة المؤسس    الراجحي يُطلق رخصة العمل التطوعي ويدشّن مرصد خدمة ضيوف الرحمن    أمير القصيم يشيد بجهود الأمانة ويثني على تميزها في التقرير السنوي لعام 2024    برنامج الإقراء لتعليم القرآن    معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤكِّد استكمال استعدادات الرئاسة العامة لخدمة ضيوف الرحمن في موسم حج 1446ه    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف تنفذ عددًا من البرامج التدريبية لتطوير مهارات منسوبيها من مقدمي الخدمات لضيوف الرحمن في موسم حج 1446ه    مستشفى أحد رفيدة يُنظّم عدداً من الفعاليات التوعوية    "هيئة الأدب" تختتم مشاركتها في معرض "الدوحة الدولي للكتاب"    استراتيجية استثمارية طموحة لأمانة حائل في منتدى الاستثمار 2025    نجاح عملية دقيقة "بمستشفى المانع بالخبر" تُنهي معاناة سيدة من كسر وعدوى مزمنة في عظمة الفخذ    كوكب أورانوس يصل إلى الاقتران الشمسي اليوم    برنامج التحول الوطني يُطلق تقرير إنجازاته حتى نهاية عام 2024    اعتدال: أكثر من 1.2 مليون رابطٍ للتحايل على آليات رصد المحتوى المتطرّف    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 125 شهيدًا    الأهلي يُعلن بقاء يايسله لنهاية عقده    "الأرصاد" تحذر من تدنٍ في مدى الرؤية بمعظم مناطق المملكة    صحفيو مكة المكرمة يبحثون الدراسات الإعلامية بالحج    حراك شعبي متصاعد واحتجاجات في عدة مدن.. سحب الثقة من حكومة الوحدة يضع ليبيا في مفترق طرق    في ختام الجولة 32 من دوري روشن.. الأهلي يقسو على الخلود.. والأخدود على شفا الهبوط    الألماني يايسله يعلن رحيله عن الأهلي    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    "تقنيات الجيوماتكس" تعزز السياحة في السعودية    25 موهوبًا سعوديًا يتدربون في فنون المسرح بلندن    انطلاق "عرض سلافا الثلجي" في الرياض    حصر الحراسات الأمنية في 8 أنشطة على وقت العمل    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    ترمب.. الأمريكي المختلف!    ترحيل 11.7 ألف مخالف وإحالة 17 ألفًا لبعثاتهم الدبلوماسية    بدأ المرحلة الثانية من تقييم الأداء لشاغلي الوظائف التعليمية    تفقد مقر أعمال اللجنة المعنية.. مدير عام الجوازات: معالجة طلبات إصدار تصاريح الدخول لمكة بسرعة ودقة    يبدأ زيارة رسمية إلى مصر.. رئيس مجلس الشورى: علاقات الرياض- القاهرة العريقة تنطلق من رؤية مشتركة    وصول التوأم الملتصق الفلبيني إلى الرياض    لأول مرة.. تشخيص الزهايمر بفحص عينة من الدم    «تنمية شقراء» تُكرّم داعمي البرامج والمشروعات    قوة المملكة وعودة سورية    تأكيد ضرورة توحيد الجهود للتغلب على التحديات في المنطقة العربية وإرساء السلام    مستشفى الملك فهد الجامعي يطلق أربع خدمات صيدلية    فخر يُجسّد مكانة المملكة    فهد بن سعد ومسيرة عطاء    قلب الاستثمار.. حين تحدث محمد بن سلمان وأنصتت أميركا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نازحون سوريون يروون معاناتهم مع «داعش» ولا يقبلون المخيمات لأنها ستنفجر بالخلافات
نشر في الحياة يوم 15 - 07 - 2014

«قالوا بطالة، قلنا الله بيدبر. قالوا أزمة سكن، قلنا اللبناني أشطر من أن يترك أحداً يجلس مكانه وهو قادر على أن يسحبها من فم السبع». وبصوت حزين أكمل ملهم النازح السوري من حلب أنه ينتمي إلى «كوكب الأرض الذي يعيش فيه إخوة لنا بشر». ثم ملأت عينيه الدموع بعد أن شعر بالضعف، للمرة الأولى، حين لم يعد يستطيع أن يعيل أولاده السبعة كما كانوا «مرتاحين» في محلة الموغامبو في حلب. «الولد الذي كان عايش في عز ما فيك تقلو ما في». ووصف ملهم الذي كان عضواً في غرفة الصناعة والتجارة في سورية «الموغامبو» بأنها من أرقى المناطق في حلب و»خرجت منها غصباً عني بعدما أصيب اثنان من أولادي وصبرت لتقدم ابنتي امتحانات البكالوريا».
مسح ملهم دموعه وابتسم ابتسامة مراوغة رداً على سؤال لماذا تبكي؟ وقال: «ما في شي. بالكاد تعملون وتسّيرون أموركم (اللبنانيون) وما كان ينقص غير أمثالنا، ولكن أنا هنا لأضيف إلى لبنان وليس لأكون عالة عليكم. نحن من العائلات المرتاحة وأبي كان مدرس فيزياء. هناك الكثير من الناس نزحوا عند اندلاع الأزمة لأنهم من الأساس كانوا عالة على سورية، ومن «أكلها» في الأزمة هم الذين كانوا حاملين سورية ويشغّلون الشعب، يعني فئة الصناعيين والتجار».
وقف ملهم خارج مركز المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة في الجناح (بيروت) وأطال في حديثه «مفضفضاً»، بينما كان نازحون يقفون في طوابير تحت أشعة الشمس بانتظار الدخول لتسجيل أسمائهم على لوائح المساعدات وللحصول على خدمات صحية في المركز. وهو أتى إلى مركز الجناج ليعير ابن حميه سيارته التي بقيت له من منزلين كان يملكهما ومستودع ومكتب، ل «يبّسط» عليها الشوكولا والبسكويت.
يعرف ملهم أنّ «نعيمه» لن يدوم، ومصيره سيكون في أحد هذه الطوابير، وربما لن يجد مكاناً له، بسبب تراجع مستوى التقديمات والمساعدات وعدم وجود تمويل كاف لسد حاجات النازحين كما يشكو المنتظرون هناك.
يملك ملهم مستودعاً لمواد شفط مادة الفاغيوم ولكنه خسر كل شيء إذ بقي مستودعه يحترق لمدة 3 ايام بعد قصفه ب 3 صواريخ من قبل الجيش النظامي لظنّه أن مجموعة ارهابية في داخله، وسُرق منه 62 طناً من المواد البلاستيك. ويقول: «كان عندي شيء أخاف عليه. الدوريش في سورية من يوم يومه درويش. وبالعكس في هذه الأيام صار شبيحاً ومع الجيش الحر. وانعكست الأدوار. فالذي كان يعيش في العوز أصبح ثرياً جراء السرقة. في البداية كان لدى الطرفين مبادئ، ولكن اليوم صار المبدأ «روح على سورية عبي جيبتك وارحل». صارت سورية كيس بصل كلها رؤوس». وقال: «وطني صار تحت رجلي، فأين أشعر أني واقف على أرض صلبة يكون وطني».
اجراءات روتينية
يقيم ملهم في منزل عند اقاربه في عائشة بكار مساحته 40 متراً يؤوي 23 شخصاً وإيجاره 800 دولار، محاولاً أن يشعر أولاده بالأمان من النواحي كافة ف «العيشة في عائشة بكار أحسن من حي السلم. مستوى الحارة فوق الوسط. وتنقطع الكهرباء في اليوم 3 ساعات فقط». وهوينتظر قبوله للعمل في إحدى الشركات في لبنان وبناء عمله من جديد.
لا يجهد المار في شارع مركز المفوضية فكره ليتعرف إلى الأسر والأطفال المنتشرين حول المكان وداخله، سيُخبر الوجه الذي أحرقته شمس الصيف والجسد الهزيل والعين اللامعة بدمعة تترجم المعاناة والحسرة، إن هؤلاء هم الوجه الأكثر تعبيراً عن نتيجة صراع الأطراف كافة في سورية.
قصص من واقع الحال عن أناس أجبرتهم الحرب السورية على الرحيل لترتسم معهم حكاية نازحين من منبج، دير الزور، الصفيرة، الحسكة، وغيرها. تداهمهم ذكريات ما بنوه في وطنهم وطريقة عيشهم وأملاكهم وأراضيهم فتتحوّل الغصّة في حناجرهم الى دموع إذ يشعرون أنهم عالة على المجتمع اللبناني من ناحية المنافسة في سوق العمل وهم يدركون ما يشكوه العامل اللبناني من ضيق حاله الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. ولكن يقول أحد النازحين «ما في يدنا شيء فلتدعمنا أكثر الدول الأجنبية والعربية. معهم الكثير ونحن في شهر رمضان و بدل صرف تلك الأموال القليلة علينا فليفتحوا أي شركة وليشغلونا فيها».
أسر سورية بأكملها، تشكو من إجراءات روتينية للتسجيل في المفوضية يصفها المراجعون بالمملة والمعقدة. يحمل النازحون بطاقات عليها أرقام. يعلو صوت موظف المفوضية من الداخل «الرقم 305» لينظر كل واحد منهم إلى البطاقة في يده. يملأ أحد النازحين الذي رفض الكشف عن اسمه وهو عسكري متقاعد يقطن في انطلياس وطلب التسجيل لأخيه ذي ال 60 سنة. وكتب في الفقرة التي تسأل عن سبب تواجده في لبنان: «هرباً من نار الميليشيات المسلّحة والدم». ويقول إن لديه 4 أولاد، اثنان منهم «يعملان خارج القطر يرسلان له ايجار المنزل واثنان معه في لبنان ويتلقى تغطية صحية وغذائية قيمتها 38 ألف ليرة على كل فرد».
ينتظر عمور الحسن (من الرقة) أمام المفوضية. أتى منذ الساعة الثامنة صباحاً ليكون في مقدمة الطابور لكنه تفاجأ بعدد الواقفين والسبب تدقيق ممل يفرضه المسؤولون هنا، يدخّن السيجارة وهو الذي ترك زوجته في الداخل بمفردها تنتظر دورها لتضيف طفلها ذا السبعة أشهر إلى لائحة المساعدات. يكلّف ايجار الملجأ حيث يسكن في دوحة عرمون 300 دولار يدفعها عنه شخص يعمل فوتوغرافياً ويؤمن له الكهرباء والماء، إذ يعمل الحسن في الباطون مرتين أو ثلاثة في الشهر وفق الطلب، ويحرص على اختيار المناطق التي يتجول فيها خوفاً من ملاحقته لأسباب سياسية. وأكد أنه سيعود إلى مدينته في «حال هدأت الأوضاع فيها». وأنهى الحسن حديثه باكياً.
عودة مستحيلة
لسان حال هؤلاء يقول إن «طريق العودة إلى الديار مستحيل وإن عدنا الى مكان ما في ذلك الموطن الذي جمعك يوماً ما مع من تحب فلن تجد فيه غير الأطلال وبقايا عمر رحل وذكريات لن تعود».
إبراهيم الذي يسكن شقة في ريفون لا تتجاوز مساحتها ال 30 متراً مربعاً اعتبر أن بناء مخيمات على الحدود «متل واحد مخنوق بقبر وعم يخنقوه أكثر وعم بيكملوا عليه. سيفرضون علينا منع التجوال في ساعات محددة. لسنا أغبياء لنقبل. أما من ناحية الأمن فستنفجر تلك المخيمات بالمشاكل السياسية: هذا مع المعارضة وذاك مع النظام. لتعمل المفوضية على تسفيرنا من هذا البلد الصغير فكندا وأستراليا لديهما أراض لا يسكنها أحد بدلاً من الصرف على المعونات».
يعمل إبراهيم الآتي من دير الزور منذ سنة ونصف السنة، طاهياً في أحد مطاعم بيروت، ويشكو من استغلال إدارة المطعم للسوريين، فهي تختار منهم من يقبل براتب منخفض «فحتى السوريين يضاربون على بعضهم بعضاً لأنهم صاروا كتار وين ما عم نروح ما منلاقي شغل». قصد المفوضية بغية تجديد بطاقة التسجيل لأنه يحصل على الرعاية الصحية (تغطية 4 في المئة) وفق الحالة فقط. وقال إنه جاء إلى لبنان «لأنهم يريدون أن ألتحق بالجيش الإلزامي وهنا الوضع مريح» على رغم أنه ترك والده وأخاه في سورية و لا يعرف عنهما شيئاً.
وأضاف إبراهيم أن المفوضية رفضت مراراً طلبه السفر إلى السويد أو ألمانيا لأنهم يدركون أنه «إذا بقينا هناك سنطلب اللجوء». ويحصل إبراهيم على راتب شهري بقيمة 450 دولاراً يقسمه على الإيجار وفاتورة الكهرباء والبلدية والمياه.
إلى جانب إبراهيم، يقف رجل في فيء الشجرة حاملاً طفلته غزل التي لا تتوقف عن البكاء حيناً والعنين حيناً آخر ويلهيها بهاتفه الجوال، ما إن ينتهي من سيجارة حتى يشعل أخرى. ينتظر حسن الآتي من منبج (حلب) قبل 15 يوماً زوجته التي تضيف ولدها الذي لا يتجاوز عمره أياماً معدودة والذي أنجبته في مسشفى الساحل ودفعت المفوضية 75 في المئة من التكلفة. ويسعى إلى الذهاب إلى السفارة السورية للحصول على شهادة سورية للطفل تؤكّد أنه ابنه بعد الحصول على وثيقة ولادة من المستشفى وسجل من مختار الغبيري حيث يقطن، وذلك على رغم الحديث عن أن معظم النازحين لا يجرأون على قصد السفارة خوفاً من الملاحقة. ويضيف حسن أنه «إذا أردنا جواز سفر ندفع 300 دولار للسفارة للحصول عليه».
هرب إبراهيم من مدينته بسبب دخول «داعش» إليها ويقول: «ممنوع كل شيء، ممنوع الدخان وإذا خالفنا قواعدهم قصاص وإعدامات بالجملة، عشت معهم شهرين. وحتى في طريقنا إلى لبنان أجبرت زوجتي على تغطية وجهها وجسدها حتى وصلنا إلى حواجز النظام. وإذا فعلنا عكس ذلك علقت أنا. ممنوع على المرأة أن تذهب إلى أي مكان وتشتري شيئاً».
ويكمل: «في وقت الصلاة علي أن أقفل محل البلياردو. ممنوع أن أقف على الشرفة لأدخّن وإذا فعلت يجبرونني على رمي نفايات المنطقة لمدة 15 يوماً في الشارع الذي أسكن فيه ليربّونا. وتتم عملية الإعدام وفق الجنحة المرتكبة. سرقة أو خطف، ورأيت إعدامات في الطريق لرجال فطروا في شهر رمضان».
ويروي أن «داعش عرفوا أنني كنت أستقبل أصحاباً من الجيش الحر مرات عدة في المحل وأصبحت أنا المطلوب ولكنني استطعت الهروب منهم عبر سلوك حواجز أخرى».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.