نائب أمير الرياض يقدم تعازيه في وفاة ابن جريس    محافظ حفر الباطن يتفقد المستشفى المركزي والتأهيل الشامل    السديري يفتتح الجناح السعودي في معرض جنيف الدولي للاختراعات    "الرياض الخضراء" يصل إلى عرقة    الذهب يرتفع فوق 2400 دولار مع مخاوف صراع أوسع بالشرق الأوسط    شركات الطيران تغير مساررحلاتها بعد هجوم إسرائيل على إيران    حارس الفيحاء: قدمنا مباراة جيدة أمام أفضل فريق في الدوري السعودي    67 ألف جلسة قضائية رقمية خلال الربع الأول    مدير الجوازات يتفقد جوازات مطار البحر الأحمر    اكتشاف خندق وسور بجدة يعود تاريخهما إلى القرن 12 و13 الهجري    أمير الرياض يعتمد أسماء الفائزين بجائزة الأمير فيصل بن بندر للتميز والإبداع    إخلاص العبادة لله تشرح الصدور    أفضل أدوية القلوب القاسية كثرة ذكر الله    مساعد وزير الدفاع يزور باكستان ويلتقي عددًا من المسؤولين    البنك الدولي يختار المملكة مركزاً للمعرفة لنشر ثقافة الإصلاحات الاقتصادية عالمياً    "الأرصاد" ينبه من هطول أمطار غزيرة على منطقة مكة    كلوب: ليفربول يحتاج لإظهار أنه يريد الفوز أكثر من فولهام    اخضر 23 يكتسح تايلاند بخماسية دون رد    ميتروفيتش يكشف موعد عودته    النصر يخسر ساديو ماني أمام الخليج    أمير منطقة عسير يتفقد اليوم، عددًا من المراكز والقرى الواقعة شمال مدينة أبها.    احتفاءً بقرار الأمم المتحدة بتخصيص عام 2024 «السنة الدولية للإبليات».. السعودية تشارك في مسيرة الإبل بباريس    متحدث الأرصاد: رصد بعض الحالات الخاصة في الربيع مثل تساقط البرد بكميات كبيرة.    جازان تُنتج أكثر من 118 ألف طن من الفواكه الاستوائية.. وتستعد لمهرجانها السنوي    نجران: إحباط تهريب 58 كيلوغراما من مادة الحشيش المخدر    استثناء الجهات التعليمية الأهلية من اشتراط الحد الأدنى للحافلات في النقل التعليمي    بينالي البندقية يعزز التبادل الثقافي بين المملكة وإيطاليا    "أبل" تسحب واتساب وثريدز من الصين    محترف العين: طعم الانتصار على الهلال لا يُوصف    الزبادي ينظم ضغط الدم ويحمي من السكري    ثلث أطفال بريطانيا بين سن الخامسة والسابعة يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي    وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسبب المرض    «CIA» تحذّر: أوكرانيا مهددة بخسارة الحرب    بعد الفيتو الأمريكي.. استياء عربي لرفض عضوية فلسطين في الأمم المتحدة    السينما في السعودية.. الإيرادات تتجاوز 3.7 مليار ريال.. وبيع 61 مليون تذكرة    الشاب محمد حرب يرزق بمولوده الأول    مسح أثري شامل ل"محمية المؤسس"    "الجدعان": النفط والغاز أساس الطاقة العالمية    "العقعق".. جهود ترفض انقراض طائر عسير الشارد    يوتيوب تختبر التفاعل مع المحتوى ب"الذكاء"    فوائد بذور البطيخ الصحية    «الشورى» يناقش تقارير الأداء السنوية لعدد من الأجهزة الحكومية    «استمطار السحب»: 415 رحلة استهدفت 6 مناطق العام الماضي    الطائي يصارع الهبوط    تخلَّص من الاكتئاب والنسيان بالروائح الجميلة    غاز الضحك !    الفقر يؤثر على الصحة العقلية    مصر تأسف لعدم منح عضوية كاملة للفلسطينيين في الأمم المتحدة    سلطان البازعي:"الأوبرا" تمثل مرحلة جديدة للثقافة السعودية    مجلس جامعة جازان يعيد نظام الفصلين الدراسيين من العام القادم    فيصل بن تركي وأيام النصر    الدمّاع والصحون الوساع    المفتي العام ونائبه يتسلّمان تقرير فرع عسير    أمير الباحة: القيادة حريصة على تنفيذ مشروعات ترفع مستوى الخدمات    محافظ جدة يشيد بالخطط الأمنية    شقة الزوجية !    تآخي مقاصد الشريعة مع الواقع !    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على محمد بن معمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«مكتب البريد» لتشارلز بوكوفسكي ... مغامرات كاتب
نشر في الحياة يوم 15 - 07 - 2014

يصف الأميركيّ هنري تشارلز بوكوفسكي في روايته «مكتب البريد»، (ترجمة ريم غنايم، دار الجمل، بغداد 2014) التخبّط الذي يجد المرء نفسه فيه حين يكتشف التناقض بين حياته الداخليّة والخارجيّة، وصراعه اليوميّ بين الواقع والحقيقة، بين الصدق والكذب، بين المغامرة والتقاعس، وذلك عبر انطلاقه من سيرته الذاتيّة التي تشكّل محور روايته.
بوكوفسكي الذي ولد في مدينة أندرناخ الألمانية لأمّ ألمانيّة وأب كان جنديّاً أميركياً من أصول بولندية، يعترف أنّه عاش طفولة بائسة مرعبة، وأنّه يعتمد في معظم كتاباته على سيرته الذاتية ويطعّمها ببعض التخيّل والعناصر الفنّيّة من باب التحسين.
تنقّل بوكوفسكي بين مهن، ظلّ موظّفاً في مكتب البريد قرابة خمسة عشر عاماً، ثمّ استقال ليتفرّغ للكتابة. وفي رسالة كتبها حينها اعترف أنّ أمامه الخيار إمّا أن يبقى في مكتب البريد ويصاب بالجنون، أو أن يواصل الكتابة ويموت جوعاً. وأنّه قرّر أن يموت جوعاً. يتّكئ بوكوفسكي في كتابته لروايته على مثلّث الخمر والجنس والمال، وكلّ قطب يحظى منه باهتمام وتركيز، ذلك أنّه يقتفي آثاره في مختلف جوانب الحياة، وما ترسمه تلك الآثار من مسارات عميقة تبقى تداعياتها الطويلة الأجل متفعّلة باطّراد.
بطله هنري تشيناسكي هو صورته المحوّرة كاسمه المحرّف تماماً من اسمه، يضعه على مسافة منه، يعيد التعرّف إلى نفسه في مرآته الكتابيّة، يناقشه، يسايره، ينتقده، يشوّهه، يفضحه، يعرّيه، يضعه في مواجهة مع القارئ، ينقل هزائمه وخيباته وانكساراته وتخبّطاته وجنونه. يتخفّف من أيّ حذر في تصويره له، يحتمي بالفنّ ليبتعد عنه، وهو القناع الذي يبقي له الباب مشرعاً أمام التنصّل من المساءلة أو الاستجواب.
يدمج بوكوفسكي بين الواقعيّة والتخييل في رواية سيرته الذاتية، يكفل ذلك له الانطلاق في فضاء الكتابة بعيداً عن أيّ رقابة، سواء تلك الرقابة الذاتيّة أو المجتمعيّة، وتكون سيرته مدخلاً لتصوير شخصيات ترزح تحت أعباء الهزائم الكثيرة، وتتقاطع في عالم الهزيمة مع أخريات تظنّ أنّها خارجة عن أيّ طوق، في حين أنّها مبتعدة عن خطوط التماس التي قد تبديها على حقيقتها بعيداً عن أيّ ترقيع أو تجميل.
يقسّم بوكوفسكي روايته إلى فصول قصيرة، تنقل مشهديات مختلفة من عوالم الداخل والخارج، تنتقل من مشهد لآخر بسرعة تحاكي تحوّلات الواقع المتسارعة، وتختصر تفاصيل كثيرة يصّور فيها حياة القاع والهامش بكلّ استنقاعها وتعكّرها وتأسّنها وتأثيرها، ينقل صوراً لبطله التائه بين علاقاته النسائية الكثيرة، وسباقات الخيل، وعالم الكحول والجنس والتشرد والوحدة، وتخبطات مركز البريد، وصولاً إلى قرار الكتابة.
يكتشف تشيناسكي من خلال عمله في مركز البريد كثيراً من الأشياء التي كان غافلاً عنها، يتعرّض لمضايقات كثيرة من بعض رؤسائه الذين ينتقدهم علانية، ويتسبّب في إجراء تغيير على بعض قواعد العمل البريديّ، يصبح مثار سجال بين الموظّفين أنفسهم، ويظلّ محرّضاً على التغيير والتجديد وكسر رتابة العمل وقيوده التي تمنع سعاة البريد من الحركة بحرّيّة.
يبرز بوكوفسكي من خلال بطله تشيناسكي كيف أنّ ساعي البريد يدخل كلّ البيوت ويستكشف تفاصيل سكّانها، ويكون مرآة لأولئك المنتظرين أيّ أخبار تأتيهم، وحين يأتيهم ساعي البريد بالرسائل التي تحوي أخباراً لا تسرّهم يحمّلونه وزرها، وكأنّه من تسبّب بها أو قرّرها. وبالمقابل حين ينقل أخباراً سارّة يعامَل بطيبة وتقدير، وفي الحالين يكون على مسافة من الجميع، لكنّه يقع في فخّ المحاسبة والاستجواب حين التأخّر أو الإخلال بالمواعيد والوعود.
يذكر الراوي أنّ مسارات التحرّك وخطوط العمل والتوزيع لساعي البريد تدلّ على كشف الخريطة السكّانية بالتزامن مع الجغرافيّة، مع واقع تمركز الناس وتقوقعهم، وكيف أنّ كلّ شريحة تلوذ بسلوكيّات تفترض فيها الحماية من الآخرين.
كما تكفل تلك المسارات تقصّي أسرار البيوت والشوارع والناس، لأنّ ساعي البريد يبدو كمن يحمل مجهراً يسلّطه على أصغر الأماكن ليظهر ما يعترك فيها، ويكون تشخيصه واقعيّاً مبنيّاً على مشاهداته اليوميّة.
ينتقل تشيناسكي من حضن امرأة إلى أخرى، تكون زوجته بيتي أكثر امرأة يمكث معها، وتكون المرأة عامل تهدئة وجنون في الوقت نفسه لديه، تراه يستنجد بها حين حاجته إليها، ثمّ لا يلبث أن يبتعد عنها إلى الخمر والرهانات، يخوض مغامراته في مختلف الاتّجاهات، يكون التمرّد سمة مشتركة بين المغامرات كلّها.
بعد مرحلة صاخبة مفعمة بالمغامرات يجد الراوي علاجه في الكتابة، يستعين بها لتكون خاتمة مرحلة من التمرّد الحياتيّ إلى صيغة من التمرّد الأدبيّ.
ويكون استفزازيّاً بكتابته وجرأته، وبخاصّة أنّ قاموسه الكتابيّ يشتمل على العديد من الشتائم التي ترد في سياقات مختلفة، تراه بين الفصل والآخر يكيل بعض الشتائم على لسان بطله للآخرين ويطلقها هنا وهناك وفق تشعّب مسارات جنونه.
يدعم الكاتب روايته ببعض النصوص القانونيّة من قانون البريد، بالإضافة إلى حالات من البيانات والإنذارات التي يرسلها المكتب لموظّفيه في حال تقاعسهم أو تغيّبهم، بحيث تتوعّد بالعقوبات التالية، وتفرض نمطاً معيّناً من التعاطي معها، بحيث تكون أمام مساءلة قانونيّة حيث القانون ناظم للعلاقة بين الفرد والمؤسّسة بغضّ النظر عن الاعتبارات والذرائع المساقة.
يوكوفكسي الذي يعتقد أنّه يجب إجبار الرجل على الكتابة في غرفة تعجّ بالجماجم، وحوله قطع لحم معلّقة، قضمتها الجرذان الكسولة والسمينة، ويصف الكتابة الحذرة بأنّها كتابة ميّتة. يلتزم برؤيته للكتابة على أنّها مساهمة في تحريك المياه الراكدة، ويحرّض على الإقلاق عبرها، لتكون وسيلة لكشف الأقنعة والخبايا، لا قناعاً آخر يضاف إلى سلسلة الأقنعة الكثيرة.
تذكر المترجمة في تقديمها أنّ بوكوفسكي يعدّ ظاهرة احتجاجية في الساحة الأدبية الأميركية. فلم يحظَ باعتراف أدبيّ لائق في الولايات المتّحدة حيث اعتبر كاتباً «تخريبيّاً»، وذلك بحكم اختلافه وتمرّد وعدم رضوخه للعادات الاجتماعية كثيراً. في حين حظي بشهرة واسعة في أوروبا، وترجمت أعماله إلى لغات عدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.