الخريجي يشارك في الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية للدورة 15 لمؤتمر القمة الإسلامي    الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    رئيس مجلس الشورى يلتقي رئيسة الجمعية الوطنية بجمهورية أذربيجان    لجنة شورية تجتمع مع عضو و رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الألماني    الرياض يتعادل إيجابياً مع الفتح في دوري روشن    في دور نصف نهائي كأس وزارة الرياضة لكرة السلة .. الهلال يتفوق على النصر    الجوازات تبدأ إصدار تصاريح دخول العاصمة المقدسة إلكترونيًا للمقيمين العاملين    136 محطة تسجل هطول الأمطار في 11 منطقة بالمملكة    شَرَف المتسترين في خطر !    انطلاق ميدياثون الحج والعمرة بمكتبة الملك فهد الوطنية    مقتل 48 شخصاً إثر انهيار طريق سريع في جنوب الصين    تشيلسي يهزم توتنهام ليقلص آماله بالتأهل لدوري الأبطال    ليفركوزن يسقط روما بعقر داره ويقترب من نهائي الدوري الأوروبي    الأهلي يتغلب على ضمك برباعية في دوري روشن    اعتصامات الطلاب الغربيين فرصة لن تعوّض    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية ويشهد تخريج الدفعة (103)    كيف تصبح مفكراً في سبع دقائق؟    يهود لا يعترفون بإسرائيل !    قصة القضاء والقدر    تعددت الأوساط والرقص واحد    كيفية «حلب» الحبيب !    من المريض إلى المراجع    ب10 لاعبين.. الرياض يعود من بعيد ويتعادل مع الفتح ويخطف نقطة ثمينة    «التخصصي» العلامة الصحية الأعلى قيمة في السعودية والشرق الأوسط    رحلة نجاح مستمرة    أمير جازان يطلق إشارة صيد سمك الحريد بجزيرة فرسان    « أنت مخلوع »..!    صدور بيان مشترك بشأن التعاون في مجال الطاقة بين السعودية وأوزبكستان    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    وزير الخارجية يستقبل الأمين العام للمكتب الدولي للمعارض    نهاية موسم طارق حامد في ضمك    مركز «911» يتلقى (2.635.361) اتصالاً خلال شهر أبريل من عام 2024    القبض على فلسطيني ومواطن في جدة لترويجهما مادة الحشيش المخدر    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ    الذهب يستقر برغم توقعات ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية    محافظ بلقرن يرعى اختتام فعاليات مبادرة أجاويد2    النفط يصعد ويوقف خسائر ثلاثة أيام    المملكة: الاستخدام المفرط ل"الفيتو" فاقم الكارثة بفلسطين    مباحثات سعودية فرنسية لتوطين التقنيات الدفاعية    تألق سانشو لم يفاجيء مدرب دورتموند أمام سان جيرمان    "شرح الوصية الصغرى لابن تيمية".. دورة علمية تنفذها إسلامية جازان في المسارحة والحُرّث وجزر فرسان    هاكاثون "هندس" يطرح حلولاً للمشي اثناء النوم وجهاز مساعد يفصل الإشارات القلبية    للتعريف بالمعيار الوطني للتطوع المدرسي بتعليم عسير    مستشفى خميس مشيط للولادة والأطفال يُنظّم فعالية "التحصينات"    العدل تُعلن عن إقامة المؤتمر الدولي للتدريب القضائي بالرياض    السعودية تدعو لتوحيد الجهود العربية لمواجهة التحديات البيئية التي تمر بها المنطقة والعالم    المنتخب السعودي للرياضيات يحصد 6 جوائز عالمية في أولمبياد البلقان للرياضيات 2024    سماء غائمة بالجوف والحدود الشمالية وأمطار غزيرة على معظم المناطق    مبادرة لرعاية المواهب الشابة وتعزيز صناعة السينما المحلية    الوسط الثقافي ينعي د.الصمعان    برئاسة وزير الدفاع.. "الجيومكانية" تستعرض خططها    حظر استخدام الحيوانات المهددة بالانقراض في التجارب    هكذا تكون التربية    ما أصبر هؤلاء    زيادة لياقة القلب.. تقلل خطر الوفاة    تعزيز الصداقة البرلمانية السعودية – التركية    أشاد بدعم القيادة للتكافل والسلام.. أمير نجران يلتقي وفد الهلال الأحمر و"عطايا الخير"    أغلفة الكتب الخضراء الأثرية.. قاتلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر الذي كتب على قبره «لا تحاول»
هنري تشارلز بوكوفسكي:
نشر في الرياض يوم 07 - 08 - 2013


"ولدنا إلى هذه الحروب المجنونة بحذر
إلى مشهد نوافذ الفراغ المكسورة في المصانع
إلى حانات لم يعد يتحدث فيها الناس بعضهم إلى بعض
إلى معارك وقبضات تنتهي بإطلاق الرصاص وإخراج السكاكين
ولدنا إلى هذا
إلى مستشفيات مكلّفة جدًا
لدرجة أنه من الأرخص أن تموت
إلى محامين يكلّفون الكثير
لدرجة أنه من الأرخص أن تعترف بأنك مذنب"
هنري تشالرز بوكوفسكي الشاعر الذي مات بالسرطان كما يتمنى لأنه لا يريد أن يرى كيف لهذا الكون في المستقبل أن يملك القدرة في التحول إلى شيء مُستهَلك، إلى شيء لم يعد يُغري للعيش أو للكتابة أو للقصص الحمراء التي كان هو وأفراد جيله يتشبثون بها أثناء مراهقتهم الجميلة ومغامراتهم الصغيرة، مات تشارلز كما يتمنى لأن الإنسان وكما تنبأ في قصيدته - ديناصوراتٌ نحن - سيصبح كل شيءٍ في المستقبل، سيصبح آلة في مصنع، سيصبح عدوانياً كالحيوانات المفترسة، سيصبح حقيراً كمدراء البنوك - الذي يعتنون بكِ حين تكون ثرياً فقط ويلقون بك في السجون حين لا تتمكن من تسديد الفوائد المالية التي عليك - سيصبح قاتلاً مجرماً دون أن يكون في حاجة إلى ذلك، سيصبحُ كل شيء سيء وكل شيء مؤلم غير أنه لن يكون ومهما حاول إنساناً وديعاً وطيباً لهذا أصبح تشارلز ساخطاً، غاضباً، وساخراً بالكتابة التي استطاع من خلالها تغير وجه الحقائق وإعادة الإتزان له ولكل المضطربين الذين كانوا ضحية التربية وطفولتهم الحارقة والبائسة.
* أصبحت شاعراً لأنني
لا أريد أن أموت مجنوناً:
كارل ماركس كان يقول العمل عبودية من نوعٍ فاخر، من نوعٍ يجعلك تصحو في الصباح وأنت لم تشبع من النوم لتبتسم بطريقة محتالة وغارقة في الكذب ورغم ذلك الجميع يصدقونك، أو لنقول الجميع مضطرون لتصديقك حتى وإن لم تكن كذلك، يبدو أن ما قاله كارل ماركس كان أكثر الأوصاف سحرية لحالة هنري تشارلز بوكوفسكي الذي تنقل بين وظائف عدة من غاسل صحون إلى حاجب فندق إلى عامل ملحمة إلى سائق شاحنة ثم ساعياً للبريد إلا أن هنري كان أكثر شجاعة في رسم الطريقة التي يود أن يعيش فيها والمهنة التي سيمارسها من دون أن يضطر إلى الضحك بشكلٍ غير مقنع، ومن دون أن يصحو في الصباح بعينين مثقلتين حيث يقول في رسالته إلى صديقه كارل فيسنر الذي أصبح من أبرز النقاد والشعراء في أمريكا بعد ذلك:"
صديقي الذي أكرهه أحياناً وأحبه أحياناً لدي خياران إما أن أبقى في مكتب البريد وأصاب بالجنون، وإما أن استمر في الكتابة وأموت جوعاً، وقد قررت الموت جوعاً!!!" ومن هنا بدأ نهم الكتابة لديه، التي تمثل الرؤية الأكثر جدارة للاستخدام صانعة له روحاً أخرى تحمل كماً كبيراً من الأغنيات والأمنيات والأحلام التي في الغالب ما يلجأ إليها ليتنفس حين يشعر بالقليل من الحزن وبكثير من الكآبة لإنسانيته المفرطة ولشعوره بالفقراء والبائسين ومفترشو الأرصفة والمخذولون من الحياة فهؤلاء وعلى حد تعبيره لا يمكن أن يُستغنى عنهم في قصائده فهم يجعلونه يقول أشياء بسيطة بأسلوب عميق وبكمية هائلة من العدم اللذيذ، وبعد أن ترك هذا العمل الذي كاد أن يجعله مصاباً بالجنون أنهى روايته الأولى بعنوان "مكتب البريد" ليُلحقها بأكثر من سبعين كتاباً بعد ذلك تراوح في موضوعاتها ما بين الشعر والرواية والقصة القصيرة، خصوصاً بعد أن تبنته دار النشر "بلاك سبارو" لمالكها جون مارتن الذي أعطاه مرتباً لا بأس به فقط من أجل أن يتفرغ للكتابة.
* حين يكون الحب ألطف جرائم الحروب:
في غرب ألمانيا وحين كانت الحرب العالمية الثانية على وشك الخلاص من عبث الدمار الذي أحدثته هاجرت عائلة تشارلز بوكوفسكي إلى الولايات المتحدة الأمريكية بحثاً عن القليل من الأمل، وهناك التقت والدته الألمانية بوالده الأمريكي الذي كان جندياً ضمن القوات الأمريكية، لم يكن هذا اللقاء مشبعاً أو محقوناً بالحب، وإنما كان تعبيراً بائساً لقدرة المحتل في امتلاك كل شيء، في امتلاك الأرض التي تعرف تربتها ورائحتها وطرقها وأشخاصها جيداً.
كان أبوه الأمريكي يزور بيت والدته الفارغ من الغذاء والدواء كأغلب العائلات الألمانية أثناء الحرب ليعرض عليهم قطعة من اللحم دون مقابل، أو ضرائب، إلا أن الأم كانت ردة فعلها أن بصقت على حذائه، لكن هذا الجندي المجهول أُعجب بجرأة الفتاة وظل يأتِ رغم ردة فعلها القاسية التي صدرت منها عارضاً مزيداً من خدماته حتى نال القليل من عطفها لتصبح زوجته بعد ذلك، ولترزق بولدٍ لم تكن تتوقع أنه سيكون الأب الروحي لاحقاً لمدرسة الشعر الاعترافي التي ظهرت في أمريكا بداية خمسينات القرن الماضي، وبعد أن ارتبطا وأصبحا زوجين بمباركة الكنيسة عاد الزوجين إلى أمريكا طامحين في حياة أجمل وأحلام حشوها بداخل وسائد المستقبل لتتحقق إلا أن الأمر لم يكن كذلك بل كان أقسى وأكبر مما توقعا خصوصاً مع الكساد الاقتصادي الذي حل بأمريكا عشرينيات القرن الماضي، ليتحول الأب إلى مجرد عاطل عن العمل ووحشاً لا يجيد سوى تعاطي الكحول رخيصة الثمن وممارسة القسوة والعنف تجاه زوجته، وتجاه ولده تشارلز الذي أعلن وبسبب هذه الذكريات الطفولية القاسية "موت الأب" بداخله ولم يعد يعترف في شبابه وفي كل ساعات يومه بوجوده، لم يكن يعترف سوى بالوحدة والحزن والبكاء والقراءة تحت سرير نومه كي لا يراهُ أبوه فيعاود ضربه دون مبررات عقلانية، ولا وجدانية، وهناك تحت السرير في غرفته السوداء تعرف إلى همنغواي، وتشيخوف، ورسومات كافكا، إذ يقول واصفاً تلك الحالة: "كنتُ أحمل مصباحاً يدوياً صغيراً إلى سريري وأندس تحت الشراشف، نعم كان الجو خانقاً وحاراً هناك لكنه كان يزيد من ألق كل صفحة جديدة أقلبها كما لو أنني أتعاطى شيئاً لذيذاً!"
* مقطعٌ من قصيدته التي حفر
عنوانها على قبره:
إذا لم تخرج منفجرةً منك،
برغم كل شيء
فلا تفعلها
إذا لم تخرج منك دون سؤال،
من قلبك ومن عقلك ومن فمك ومن أحشائك
فلا تفعلها
إذا كان عليك أن تجلس لساعات
محدقًا في شاشة الكمبيوتر
أو منحنيًا فوق الآلة الكاتبة
باحثًا عن الكلمات،
فلا تفعلها
إذا كنت تفعلها للمال
أو الشهرة،
فلا تفعلها
إذا كنت تفعلها
لأنك تريد نساءً في سريرك
فلا.. تفعلها
إذا كان عليك الجلوس هناك
وإعادة كتابتها مرة بعد أخرى،
فلا تفعلها
إذا ثقيلًا عليك مجرد التفكير في فعلها،
فلا تفعلها
إذا كنت تحاول الكتابة مثل شخص آخر،
فانس الأمر
إذا كان عليك انتظارها
لتخرج مدويّةً منك،
فانتظرها.. بصبر
إذا لم تخرج منك أبدًا،
فافعل شيئًا آخر
إذا كان عليك أن تقرأها أولًا لزوجتك
أو صديقتك، أو صديقك
أو والديك أو لأي أحد على الإطلاق
فأنت لست جاهزًا
لا تكن مثل كثير من الكتّاب
لا تكن مثل آلاف من البشر
الذين سمّوا أنفسهم كتّابًا
لا تكن بليدًا ومملًا ومتبجّحًا،
لا تدع حب ذاتك يدمّرك
مكتبات العالم قد تثاءبت حتى النوم
بسبب أمثالك
لا تضف إلى ذلك
لا .. تفعلها.
إلا إن كانت تخرج من روحك كالصاروخ،
إلا إن كان سكونك سيقودك للجنون
أو للانتحار أو القتل،
لا تفعلها
إلا إذا كانت الشمس داخلك
تحرق أحشاءك،
لا تفعلها
عندما يكون الوقت مناسبًا،
إذا كنت مختارًا
ستحدث الكتابة من تلقاء نفسها
وستستمر بالحدوث مرة بعد أخرى
حتى تموت
أو تموت هي داخلك
لا توجد طريقة أخرى
ولم توجد قط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.