فتح القبول للطلبة في الجامعات دون الحصر على المنطقة الإدارية    «مسام» يشارك في ندوة جهود نزع الألغام في جنيف    زوار المسجد النبوي يغرسون أشجار الإيتكس وكف مريم    22.7 % نمو قطاع التأمين في المملكة خلال 2023    أمير جازان يرعى فعاليات مهرجان الحريد في النسخة 20    نائب أمير مكة يقف على غرفة المتابعة الأمنية لمحافظات المنطقة والمشاعر    إيقاف نشاط تطبيق لنقل الركاب لعدم التزامه بالأنظمة والاشتراطات    إطلاق اختبارات "نافس" في المدارس الابتدائية والمتوسطة    «الجوازات»: 41 مليون عملية إلكترونية لخدمة المستفيدين داخل السعودية وخارجها.. في 2023    مناقشة أثر بدائل العقوبات السالبة للحرية على ظاهرتي الاكتظاظ السجني    جراحة ناجحة تٌعيد الحركة لطفل مُصاب بالشلل الرباعي ببريدة    سعود بن طلال يرعى الاحتفال بانضمام الأحساء للشبكة العالمية لمدن التعلم باليونسكو    هيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبدالعزيز الملكية بحائل تنظم حملة للإصحاح البيئي    أمير تبوك يستقبل أبناء علي بن رفاده البلوي    نائب أمير حائل يزور "مركز انتماء"للرعاية النهارية ويطلع على تقارير أعمال الأمانة    إيقاف 166 متهماً بقضايا فساد في 7 وزارات    حظر تكبيل المتهم عند القبض عليه    أمطار الرياض تروي أراضيها لليوم الثاني    ارتفاع أرباح مصرف الإنماء إلى 1.3 مليار    الذهبان الأصفر والأسود يواصلان التراجع    سمو محافظ الخرج يكرم المعلمة الدليمي بمناسبة فوزها بجائزة الأمير فيصل بن بندر للتميز والإبداع في دورتها الثانية 1445ه    «العالم الإسلامي»: بيان «كبار العلماء» يؤصل شرعاً لمعالجة سلوكيات مؤسفة    النصر والخليج.. صراع على بطاقة نهائي كأس الملك    سعود عبدالحميد: الطرد زاد من دوافعنا.. وهذا سر احتفالي    تغريم ترامب لازدرائه المحكمة والقاضي يهدّد بسجنه إن لم يرتدع    مصر: استدعاء داعية بعد اتهامه الفنانة ميار الببلاوي ب«الزنا»    نائب أمير مكة: مضامين بيان «كبار العلماء» تعظيم لاحترام الأنظمة    انهيار صفقة الاستحواذ على «التلغراف» و«سبيكتاتور»    5 فواكه تمنع انسداد الشرايين    خسرت 400 كلغ .. فأصبحت «عروسة بحر»    النشاط البدني يقلل خطر الاكتئاب بنسبة 23 %    أمير الرياض يستقبل ممثل الجامعات السعودية في سيجما    الأمم المتحدة تشيد بالدعم السعودي لمكافحة الإرهاب    فيصل بن نواف: دعم القيادة وراء كل نجاح    حق التعويض عن التسمّم الغذائي    نتانياهو: سندخل رفح «مع أو بدون» هدنة    طلاب تعليم جازان يستكشفون الأطباق الوطنية السعودية في معرض الطهي المتنقل    مجلس الوزراء: التحول الاقتصادي التاريخي رسخ مكانة المملكة كوجهة عالمية للاستثمار    في موسم واحد.. الهلال يُقصي الاتحاد من 4 بطولات    جيسوس يعلن سر غياب سلمان الفرج    بحث مع عباس وبلينكن تطورات غزة.. ولي العهد يؤكد وقوف المملكة الدائم إلى جانب الشعب الفلسطيني    في ختام الجولة من دوري" يلو".. ديربي ساخن في الشمال.. والباطن يستضيف النجمة    مرسم حر في «أسبوع البيئة»    الأساطير الحديثة.. نظريات المؤامرة    الانتماء والتعايش.. والوطن الذي يجمعنا    محمد عبده الأول.. فمن العاشر؟    في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.. حلم باريس سان جيرمان يصطدم بقوة دورتموند    السعودية تنضم للتحالف العالمي للذكاء الاصطناعي    ازدواجية الغرب مرة أخرى    «جوجل» تطلق شبكة تعقب الهواتف    نائب أمير منطقة مكة المكرمة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج    ينجو من فكي دب بفضل احترافه الكاراتيه    تعزيز الأمن المائي والغذائي    وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة "37 بحرية"    الهلال والأهلي في قمة مبكرة والاتحاد يلتقي الابتسام    إنقاذ حياة معتمر عراقي من جلطة قلبية حادة    أمير منطقة الباحة يشهد اتفاقية تعاون بين تجمع الباحة الصحي والجمعية السعودية الخيرية لمرضى ( كبدك )    وزير الدفاع يحتفي بخريجي كلية الملك فهد البحرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تركيبة معرفية... وعقلانيات مبعثرة
نشر في الحياة يوم 21 - 01 - 2012

مقالي اليوم تتمة لما تناولته في مقال الأسبوع الماضي بعنوان «الفلسفة وحفاظها على أولويات التفكير النقدي»، والرابط هنا هو «الاستقلال العقلي بالتفكير»، وابتداءً بنظرية العلم الإدراكي التي تشير إلى أن أفكار الشخص ومعلوماته هي «لغة دخيلة»، وأنها «نتيجة تحكم بالتركيبات التمثيلية في الفكر، وهذه التمثيلات هي تركيبات رمزية تشكل جزءاً من تكوين الحل للمسألة». «Winsgrad Flores, 1986, p.20»، إذ إن الإدراك أيضاً يتعامل مع هذه الرموز على أنها «معلومات» حينما يتفهمها المتلقي يقوم بمعالجتها وتحليلها وفق منظوره الشخصي حتى يصل إلى البناء عليها ويكوّن منها نموذجاً عملياً.
وبعد خروج البعض من دائرة الانتاج المعرفي واقتصارهم على خطاب الوعظ والتسلف واسترجاع التاريخ ومن ثم إنشغالهم بالصراعات الاجتماعية على اختلاف أوجهها، وهنا يتمحور الحديث بين فرضية العقل المثلى والأولية وحفاظها على النقد الفلسفي وبين تأثير الخطاب المعرفي السائد متعدد المنهجية الذي يؤدي إلى جعل كل طريقة منهجية في معزل عن الأخرى، وهذا الأمر يؤثر سلباً ويؤدي إلى الشتات العقلي والتشظي الاجتماعي.
ولو ألقينا الضوء على المجتمع في ظل صراعاته الفكرية، يُلاحظ أن كل خطاب يوظِف كل ما لديه من طاقة وقوى لخدمة المشكلات التي تواجهه وتعوق أهدافه ليصل إلى تحقيق مصالحه حينما يكرس اهتمامه في شحن «تيار فكري مستقل» ليكون الأبرز والأقوى، وهذا الخطاب تتعدد شكلياته وطريقته من خلال محور المؤثِّر وفاعلية تأثيره حتى بلوغه العقل المتلقي، فلكل طريقته الملائمة له أيضاً في ما تكوِّنه هذه اللغات الدخيلة على عقله وفي طريقته لفهمها ومدى قابليته لفاعليتها، وفي هذا المقام أنا ألوم من ابتدأ بوضع خطابه وحشد آرائه في الضد وجعل من الآخر نقيضاً، وأن ما يظهر لنا من الصراعات ابتدأها السلفيون، وعلى المقابل كان رد الفعل ناقماً من بعض التنويريين.
إن العقل المهيمن «التكراري الاجتراري» يفرض سيطرته بمدى فاعلية ما يكرره عن طريق فرض ما يقوم بتعيينه طبق توجهه ومقاييسه فقط، الذي يتبنى أيضاً في خطابه الفرضيات والمسلمات التي يؤمن بها ويقوم بترديدها، وتتضح هنا ضرورة التعلم واستخدام التفكير الفلسفي خارج مدرسة ذلك العقل السلطوي عن طريق إنتهاكه والخروج عليه.
إن الأساس العلمي الذي يدفع صاحبه للبحث يقتضي تفكيك هذا الموروث المعلوماتي والتراكمي المتحجر، ويفتح الباب للجهد العقلي بالعمل وصولاً إلى «نتيجة أفضل»، وطبقاً لمعيار «الصحيح والخاطئ»، وتبعاً للبنية العقلية والمعرفية لدى أي باحث.
ولو استدركنا تاريخاً من النزاعات الفكرية التراكمية، ووصولاً إلى التي حدثت أخيراً على صعيد الواقع الثقافي السعودي، وتناولها أيضاً بعض ممن يتمثل الخطاب الديني بطريقة سلبية، وفي ما اتضح من انعكاساتها السيئة، نجد أن العقل الاجتماعي الحركي يقع على ضدين متناقضين لهما القوة نفسها من التطرف في إظهار المواجهة بإقصاء الآخر، فبعض ممن يقدس الدين ويتعامل بأجندة النصوص الشرعية يتعالى بذلك وينظر بالدونية لمن هو غيره، وعلى النقيض يسخر أيضاً من لا يناقش بمبدأ الإيمانيات والروحانيات باعتبارها يقينيات تفتقر للبعد المادي، الأمر الذي من شأنه أن يخلق الفجوات والانشقاق بين افراد المجتمع، فقد أصبحت الطريقة التي تُسخَر لها الأدوات تسعى في تكريس استبدادها والتطرف في سبيل النيل من الآخر بالانتهازية والمحاسبة والترصد في ظل إطار توصيفي لهذا الفاعل بأنه المالك الأوحد للحقيقة والمعرفة.
وتتجلى ضرورة «الإصلاح الفكري» بالمعنى الصرف للكلمة بالبحث في صلاحية المعلومة التي ينتجها العقل ضمن الإطار الميتافيزيقي، والفصل بين العقل المعرفي النقدي وبين المؤثرات الأخرى.
إن المثقف الواعي يُدرك منهجية النقد، وماذا تعني ثقافة الاختلاف، وكيف يمكنه إنجاح حواره، وكيفية الحصول على فوائد العمل بمنهج المغالطات المنطقية أثناء الخلاف، وهذا على عكس أسلوب المواجهة والصدام وخروجه التام عن أهداف إيصال الفكر أو إصلاحه.
الأمر الأكثر ضرورة من التحزب هو تقديم العقل الذي يعبر عن كيان صاحبه واستقلاله ذاتياً حتى لا يكون ملكية وتبعة لغيره، فمن السهل جداً التأثير على عواطف الناس بأي طريقة واستهلاكهم وفق ما لا يدركونه، وهذا السلوك يمكن أن يُعد ضمن ممارسات العبودية، فلا جدوى من صناعة النسخ الفكري وتعليبه تبعاً لخدمة التوافق لرأي واحد. وهذا هو الفرق بين فاعلية التعليم ارتباطاً بالفكر الحديث، وإفساد التلقين ارتباطاً بالفكر التقليدي، ذلك بما يؤدي إليه الأخير من انتاج محتوى عبارة عن خليط من المناهج والآراء والتناقضات التي لا تنتج لدينا سوى ثقافة مركبة ومشوهة، فيلزمنا بالضرورة أن نسلك الطرق الصحيحة لتحقيق هدف الوحدة والانتماء، وأن يعمل كل باحثٍ على جهده من دون أن ينبذ الآخر، وهذا من شأنه الحد من الصراع الفكري لأجل إيقاف كل ما يناهض عقل الإنسان وتفكيره، بحيث نجد السبيل لتحقيق إنتاجيتها وتميزنا الحضاري والثقافي.
هذا المشروع كثير الجدية، وقد أخذ منه التعقيد قسمته، وبالطريقة السليمة يمكن لنا أن ننتج المعرفة ونروج لها خارج حدودنا، ويمكن أيضاً أن نكوّن منظومة ثقافية تحمل سمواً للهدف الواحد ذاته والنبض الواحد في أن تسير ثقافتنا وفق منطق عقلي ومعرفي متوازن مهما كلف الثمن.
* كاتبة سعودية.
[email protected]
Twitter | @alshehri_maha


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.