نائب أمير مكة يؤكد اكتمال توافد الحجاج لمشاعر منى بكل يسر وسهولة وطمأنينة    المملكة من أكبر المستثمرين في الطاقة النظيفة    120 مليون نازح في العالم    الأخضر تحت 21 عاماً يخسر من بنما بركلات الترجيح في بطولة تولون الدولية    خير يوم طلعت فيه الشمس    فيلم "نورة" من مهرجان "كان" إلى صالات السينما السعودية في رابع العيد    الخط الأحمر    ضيوف الرحمن يقفون بصعيد عرفات    هيئات الأمر بالمعروف في منطقة الباحة تنشر محتوى برنامج "أيام معلومات" في الميادين العامة والطرق    محافظ الطائف يتفقد نقاط الفرز في الخالدية والهدا والمحمدية    لوتشيانو سباليتي: باريلا جاهز    مودريتش: كرواتيا «الحصان الأسود»    حج 1445ه: لا تهاون ولا تساهل... الأمن خط أحمر    نقل أول حالة إسعافية من مهبط برج الساعة    خارطة طريق فرنسية لاحتواء التصعيد في جنوب لبنان    مجموعة السبع تتجنّب حربًا تجارية مع الصين    «مبادرة الطائف» توزع ثلاثة آلاف هدية على الحجاج    الذهب يستقر وانتعاش الدولار يحد من المكاسب    الدوسري يتفقد مقار منظومة الإعلام في المشاعر المقدسة    «نزاهة» تباشر قضية انهيار مبنى سكني في جدة    اللواء العتيبي يتفقد «أمن المنشآت» بمحطات قطار الحرمين في جدة    تشكيلة ألمانيا واسكتلندا لمباراة افتتاح بطولة أوروبا 2024    الصحة: نسبة تحصينات حجاج الداخل بلغت 99 %    غدا.. ضيوف الرحمن يتوجهون إلى صعيد عرفات لأداء ركن الحج الأعظم    الرئيس المصري يصل إلى جدة لأداء مناسك الحج    الصحة: على الحجاج استخدام المظلات للوقاية من ضربات الشمس    النيابة العامة تطور جهاز «ترجمان» لترجمة مجريات التحقيق خلال موسم حج 1445ه    المملكة تتسلم علم استضافة أولمبياد الفيزياء الآسيوي 2025 وتعزز مكانتها عالمياً    الكشافة يساندون أطقم وزارة الصحة في مستشفيات المشاعر المقدسة    صحفيو مكة يشيدون بمضامين ملتقى إعلام الحج    في كتب الرحلات    النصر يستهدف التعاقد مع فان دايك    سجن وتغريم 18 مخالفًا نقلوا 91 غير مُصرَّح لهم بالحج    رقابة صحية ومباشرة ميدانية.. مكتب البيئة ينهي استعدادات عيد الاضحى في الخرج    مواكب حجاج صندوق الشهداء والمصابين والأسرى والمفقودين تتجه إلى المشاعر المقدسة    رونالدو.. أرقام قياسية عبر تاريخ اليورو    المملكة تشارك في المؤتمر الأوروبي لتقويم الأسنان    «صفقة» غزة.. مرهونة بالانسحاب الكامل وإنهاء الحرب    القادسية يتحرك لضم حارس منتخب مصر    "واتساب" يتيح المكالمات بسطح المكتب    "لينكدإن" تستعين ب"الذكاء" لجلب الوظائف    اتفاقية تمويل لربط الكهرباء الخليجي العراقي    الذكاء يدعم خدمات الدفاع المدني بالمشاعر    إعادة التوطين تُكثر 9 حيوانات بمحمية الإمام تركي    هدايا بروح التراث السعودي لضيوف الرحمن    روبوتات هجينة لعلاج سرطان الرئة    وزير الحرس الوطني يطّلع على استعدادات القوات    حزم وقوة    سفير كازاخستان السابق: قضيت أجمل أيام حياتي في السعودية    22000 من القطاع البلدي يشاركون في الخدمة    العيسى: تنوع الاجتهاد في القضايا الشرعية محل استيعاب الوعي الإسلامي    «أرامكو» توقع اتفاقية مدتها 20 عاماً لشراء غاز أمريكي    57 سيجارة كافية لتفجير رئة المدخن    أمن الطرق.. حرّاس المنافذ    الحقد والمظلومية يصيبان بالأمراض ويعطلان التشافي    «الجراح المغناطيسي» أحدث جراحات السمنة    العليمي: المنحة السعودية تمكن الدولة من الوفاء بالتزاماتها الحتمية    رئيس هيئة الأركان العامة يتفقد وحدات القوات المسلحة وقطاعات وزارة الدفاع المشاركة في مهمة الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



احتكار «النهضة» للسلطة يهدد أهداف الثورة
نشر في الحياة يوم 13 - 01 - 2012


إذا كان على الربيع العربي ان يحقق نجاحاً، فلا بدّ أن يفعل في تونس. فعلى رغم سقوط 300 قتيل، كانت الثورة التونسية الأكثر «سلميةً» وسط موجة الثورات التي انتشرت في العام 2011 من شمال أفريقيا إلى الشرق الأوسط، وهي سلمية بالمقارنة مع الحرب الكارثية في ليبيا المجاورة، التي حصدت حوالى 50 ألف ضحية، أو مع أعمال القتل المستمرة في سورية حتى الآن. وقد اضطلع الجيش التونسي بدور إيجابي في إرغام زين العابدين بن علي، الذي حكم البلاد لمدة 23 عاماً، على الرحيل عن السلطة، لينسحب، ويفسح في المجال أمام تشكيل سلطة سياسية، بعكس مصر حيث يستمر الجيش في إحكام السيطرة على الوضع. علاوةً على ذلك، أقدمت تونس على خطوتين ناجحتين في سياق العملية السياسية، أولهما انتخاب مجلس تأسيسي بطريقة حرة وعادلة، في حين أن الإنجاز الكبير الآخر قام على تمكّن أكبر تيارين سياسيين تونسيين، «الإخوان المسلمين» والمحدثين العلمانيين، ورغم الاستقطاب المسجل في أوساطهما، من الاتفاق وتشكيل حكومة ائتلافية تدير البلاد في هذه المرحلة الانتقالية. أما الميزة الأخرى لتونس، فهي عدد سكانها القليل والمستقر نسبياً عند 10.5 مليون نسمة، ويسجل نمواً بنسبة تقل عن 1 في المئة. كما أن شعب البلاد متعلم نسبياً، إذ تصل نسبة معرفة القراءة والكتابة فيها إلى 75 في المئة (مقابل 52 في المئة في المغرب، أو 71 في المئة في مصر)، ناهيك عن بنيتها التحتية التي تم تطويرها بشكل جيد بالمقارنة مع الدول المجاورة. ومن ناحية أخرى، يشهد الاقتصاد التونسي تنوعاً ولا يعتمد على مورد أو ريع واحد، ما يشكل مصدر استقرار بنيوي إضافي. إلا أن العام 2012 سيكون جوهرياً لاتخاذ قرار حول ما إذا كانت الإنجازات الأولية للثورة التونسية ستثمر عن دولة مستقرة وديموقراطية تتّسم بميدان سياسي تنافسي، تكون فيه سلطة القانون مرجعاً، وتخدم فيه السياسة مصالح المواطنين. وخلال هذه السنة، تحتاج البلاد إلى تخطي مجموعتين من المشاكل، أولهما سياسية، والثانية اجتماعية - اقتصادية. من وجهة سياسية، يبقى الاستقطاب الإسلامي - العلماني مستمراً، ويسود الاعتقاد على نطاق واسع بأن الائتلاف السائد عموماً هو ذاك الذي أنشأته حركة «النهضة». وكشفت مرحلة ما قبل الانتخابات كيف يمكن النقاش السياسي أن يُختَطَف أن يتم تحويله إلى «مناقشة للهوية»، وذلك من خلال أحداث عنيفة تُقدِم عليها جماعات سلفية متطرفة، على غرار الهجوم على شركة تلفزيونية خاصة بعد عرض فيلم «بيرسيبوليس» الذي يتناول موضوع إيران، أو حق المرأة بدخول الجامعات وهي ترتدي النقاب. ولا تواجه تونس اليوم أي تهديد من قوى خارجية، وستأتي أي محاولة استحواذ على مساحة سياسية، بالاستناد إلى تغييرات من هذا القبيل، على حساب المشاكل الفعلية التي تواجهها البلاد. مجلس دستوري أم مجلس حكم؟ ومن الأمور الأكثر خطورة توقعات المجلس الدستوري، ويفترض بهذا المجلس المنتخب في 23 تشرين الأول (أكتوبر) 2011 أن يعمل على تطوير دستور وقانون انتخابي جديدين، من أجل إفساح المجال أمام انتخابات جديدة. وقد عمد الائتلاف الذي تشكّل ضمن المجلس إلى تقسيم السلطة التنفيذية بين أعضائه، بوجود الرئيس منصف المرزوقي، والأهم من ذلك بكون رئيس الوزراء حمادي الجبالي من حركة «النهضة». وأعلن رئيس الوزراء في 19 كانون الأول (ديسمبر) عن تشكيل حكومته الجديدة. وبكلام آخر، أُثقِل كاهل المجلس الدستوري بثلاث وظائف، من صياغة دستور جديد، وأداء دور تشريعي (وسن القانون الانتخابي الجديد، الذي سيكون مرهوناً بطريقة تحديد النظام السياسي للبلاد، ليكون إما رئاسياً، وإما برلمانياً)، وأخيراً الاضطلاع بدور تنفيذي. وكان من الممكن ترك الدور التنفيذي للحكومة الانتقالية السابقة، لتستمر في أداء مهماتها خلال الفترة المذكورة، إذ إن الحكومة السابقة المؤلفة من تكنوقراطيين أبلت بلاء حسناً، وعلى الأصعدة كافةً. ولكن يبدو أن القوى التي انبثقت من المجلس الدستوري تبدو على عجلة من أمرها، ليس فقط لتحديد قواعد اللعبة السياسية المستقبلية في تونس، ولكن أيضاً لتطبيقها على الفور. وعدت القوى الرئيسية داخل المجلس الدستوري خلال حملتها السابقة للانتخابات بوضع الصيغة النهائية للدستور الجديد بعد سنة على أبعد تقدير، من أجل إفساح المجال أمام انتخابات عامة. والآن، وبعد أن بدأ المجلس بأداء مهماته، امتنع عن صياغة هذا الوعد كتابياً، مفسحاً المجال أمام استمراره لفترة تزيد على مهلة العام الواحد. وتجدر الإشارة إلى أن منى الدريدي، خبيرة في القانون الدستوري، ترى أن المجلس سيواجه صعوبات جمّة لوضع الصيغة النهائية للدستور في غضون سنة. وقالت إنه في العام 1953، تطلّبت صياغة الدستور السابق، في ظل بورقيبة، وعندما كانت قوة سياسية واحدة تسيطر على الأمور، ثلاث سنوات، فماذا عن الآن، في دولة ذات تصورات وتحرّكات سياسية متنافسة؟ ولكن بالنظر إلى أن قوى الائتلاف في المجلس الدستوري وضعت يدها على المهمات التنفيذية، يمكن تفسير أي تأخير في وضع الصيغة النهائية للدستور كطريقة للبقاء في الحكم لفترة أطول. وبعد الثورة، بات التونسيون يشككون إلى حد كبير بكل من هو في الحكم، ومنذ الآن، تم استبدال الاستقطاب الإسلامي - العلماني بالانقسام بين الائتلاف الحاكم والمعارضة. فهل تتجه البلاد نحو أزمة سياسية مبرمجة بعد عام من الآن؟ يبدو الأمر مرجحاً إلى حد كبير. أما المشكلة الأكثر خطورة، فاقتصادية، إذ بلغ العدد الرسمي للعاطلين من العمل 800 ألف، فيما تفيد الإشاعات بأنه قد يصل إلى المليون. وكانت الإحصاءات السابقة التي صدرت عن النظام القديم وتناقلها «صندوق النقد الدولي» مقتطفات من نسج الخيال – أو مجرّد أكاذيب. وقد ولّدت الثورة توقعات كبيرة في أوساط الشباب الذين تأملوا أن تُحَل مشاكلهم الاجتماعية بشكل سريع. إلى ذلك، تسببت الثورة في مقدار كبير من عدم الاستقرار والاضطرابات غير المؤاتية للنمو الاقتصادي: لقد بات شعار «ديغاج»، أي «ارحل»، على كل لسان، حيث يعمد العاملون والأعضاء المنتسبون إلى اتحادات العمال إلى تحدّي رؤسائهم والسلطة السياسية بعد سنوات من القمع. ولم يقتصر تأثير هذه الظاهرة المعروفة في تونس باسم «الديغاجية» على التسبب باضطرابات اجتماعية في الميدان السياسي، بل نتج منها أيضاً جمود في الدورة الاقتصادية، بدءاً بإنتاج الفوسفات (ويدخل في عداد أهم المنتجات المدرّة للسيولة النقدية في تونس)، مروراً بالشركات الصغيرة والمتوسطة الأكثر تأثراً بالمخاطر. ومنذ كانون الثاني (يناير) 2011، أوقفت 153 شركة أجنبية عملياتها بسبب الوضع غير المستقر. السياحة تراجعت 55 ٪ وخلال مؤتمر صحافي عقده وزير السياحة في كانون الأول (ديسمبر)، قال إن القطاع سجل تراجعاً بنسبة 55 في المئة «فقط»، بالمقارنة مع السنة السابقة. واعتبر الوزير هذا الأمر إيجابياً، إذ أشارت التوقعات إلى تراجع بنسبة 70 في المئة. وتسببت الحرب في ليبيا بمشكلة كبيرة أخرى، لم يقتصر ضررها على الصادرات الصناعية التونسية – كون ليبيا سوقاً رئيسياً للصادرات التونسية – فقد رحل 200 ألف عامل تونسي عن ليبيا بسبب الحرب. وستتطلب عودتهم إلى العمل، ومعها تحويل الأموال إلى الوطن، بعض الوقت. يغيب النظام في إدارة الدولة، وتشير الحسابات المستقلة إلى أن مستويات الفساد في النظام البيروقراطي لم تتراجع. وفي معظم البلدان التي تختبر مرحلة ما بعد الثورة، تشكّل العائدات التي تم تحريرها من الفساد مورداً رئيسياً بالنسبة إلى السلطات، وهنا، من الضروري أن تحسّن الحكومة الجديدة أداءها. وبمعنى آخر، ستختبر البلاد سنة صعبة، قبل أن تبدأ الأمور بالتحسن. لقد كشفت انتخابات تشرين الأول (أكتوبر) أن القوى السياسية الراهنة تمثّل المدن والمناطق الساحلية، فيما تغيب عن الريف الذي تجتاحه المشاكل الاقتصادية. وكانت المناطق التونسية النائية والمتأذية بشدّة هي التي أشعلت فتيل الثورة، والربيع العربي برمّته عن غير قصد، واليوم، تتطوّر هذه المناطق خارج الميدان السياسي الذي ترتسم معالمه في تونس العاصمة. ستختبر تونس سنة اقتصادية صعبة، ليتزايد حجم التحديات السياسية التي يواجهها المجلس الدستوري أصلاً. وسيكون من الضروري الاضطلاع بمهارات كثيرة في مجال الحكم لحل هذه المشاكل، وإلا، فستكون إمكانية الغرق مجدداً في النقاشات حول الهوية كبيرة، ولن تؤدي إلا إلى زيادة الاستقطاب داخل مجتمع يشعر بالانزعاج.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.