في السنوات الأربعين الأخيرة حدثت تطورات كبيرة على صعيد التغذية، لكنها تطورات سلبية بحيث جعلت صحتنا تسير من سيئ الى اسوأ، فالصرعة الجديدة التي طغت على عقول الناس هي انهم باتوا يبتعدون اكثر فأكثر عن شرب الماء ويعتمدون اكثر واكثر على المشروبات الغازية والسكرية كولا، صودا.... المضحك المبكي ان هذه الصرعة الجديدة لم تؤثر على الماء فقط، بل طاولت أهم غذاء للانسان ألا وهو الحليب، ففي الولاياتالمتحدة سجلت وزارة الزراعة انخفاضاً في استهلاك الحليب ومشتقاته بنسبة 20 في المئة بين 1977 و1996، وهذه الظاهرة لم تقتصر على بلاد العم سام، بل انتشرت الى البلدان الأخرى حتى الفقيرة منها. ان تناول المشروبات الغازية والسكرية بكميات قليلة ومعقولة لا ضير منه، إلا ان تناولها باستمرار هو الضرر بأم عينه لأنها تتدخل في عملية التوازن الغذائي والفيزيولوجي، إما لاحتوائها على منبه عصبي مثل القهوة والشاي والكوكا كولا واما لاحتوائها على مواد محلية سكر. ان شرب الماء بكثرة هو أمر جيد صحياً، لكن تناول المشروبات الغازية والسكرية بكميات كبيرة ومستمرة له ضرر على الجسم. ففي دراسة تناولت 20 ألف اميركي واستغرقت 6 سنوات، وجد الباحثون ان الذين يشربون اكثر من خمسة كؤوس من الماء يومياً قل عندهم خطر التعرض للحوادث القلبية الوعائية بشكل لافت مقارنة مع الذين شربوا أقل من كأسين في اليوم. ماذا يعني ذلك؟ يعني انه يجب عدم المبالغة في استهلاك المشروبات الغازية والسكرية وإلا فإن أمراضاً كثيرة ستقف لصاحبها بالمرصاد ومنها اصابات شتى تتعلق بالكبد والغدد والقلب والجهاز الهضمي والدماغ والاعصاب. ان الماء يجعل لزوجة الدم على أحسن ما يرام، بينما المشروبات السكرية والغازية تجعلها أي اللزوجة عالية على الحد الطبيعي وهذا ما يجعل الدم أقل سيولة واكثر ركودة، الأمر الذي يعرض لحدوث خثرات دموية وعائىة تنطلق من أوكارها لتسبب أزمات قلبية ودماغية. ان الشباب والأطفال مولعون بالمشروبات الغازية والسكرية التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتهم اليومية. وهناك أبحاث تتهم المشروبات السكرية والغازية بتفشي وباء البدانة. وأفادت أبحاث اخرى الى زيادة خطر تعرض الأطفال للكسور العظمية لدى من يشربون مشروبات الصودا بكثرة، ولوحظ الأمر نفسه لدى الجنس اللطيف. اذا القينا نظرة خاطفة على المشروبات الغازية والسكرية لوجدنا انها تتألف من الماء والسكر وملونات ومعطرات ومحمضات وغاز الكربون. إذاً هذه المشروبات لا قيمة غذائية لها، كما انها خالية من البروتينات والفيتامينات والأملاح المعدنية. ان شرب كأس من هذه المشروبات ما بين حين وآخر، لا خطر منه، الا ان شربها يومياً وعلى الدوام يؤدي الى اخطار شتى: 1- ان هذه المشروبات لا تؤمن رطوبة جيدة للجسم على عكس ما يقال ويذاع وينشر عنها، اذ كلما شرب منها الشخص فإنه يطلب اكثر. 2- ان هذه المشروبات تؤخذ دوماً باردة أو مثلجة، وهذا بحد ذاته يقود الى أمرين: أولهما ازالتها جزئياً حاسة الذوق. وثانيهما عدم قدرتها على اثارة الشبع. وهذان الأمران ما هما سوى فخين يدفعان الى استهلاك المزيد من الطعام. 3- المشروبات الغازية والسكرية تعج بالسكر، وهذا الأخير هو من النوع البسيط الذي يمتصه الجسم بسرعة، وبما أنه الجسم ليس بحاجة له فهو غالباً ما يتكدس على شكل أدهان، عدا هذا فالسكر يفعل فعله في الاسنان التي تتعرض للنخر، لأنه نادراً جداً ما يتم تنظيفها بعد الشرب. ان السكر الموجود في المشروبات الغازية والحلوة هو سكر مدمر للصحة لأن احتراقه في الخلايا يتطلب كميات هائلة من فيتامينات المجموعة ب التي تلعب دوراً كبيراً في عمليات امتثال العناصر الغذائية وامتصاصها. ان نقص هذه الفيتامينات يؤدي الى عوارض عدة مثل الأرق والقلق والضجر والكآبة والعصبية والنرفزة ناهيك عن الاضطرابات العصبية والعضلية وتشجيع الإصابة بالداء السكري. 4- يقال عن المشروبات الغازية بأنها هاضمة، والواقع ان هذا القول مخالف للحقيقة. ان غاز ثاني اوكسيد الكربون الذي يضاف للمشروبات هو الذي يعطيها اسم المشروبات الغازية، وهذا الغاز يعمل على "دفش" الاغذية من المعدة الى الأمعاء بشكل قسري قبل انجاز هضمها، ما يعني ان غاز ثاني اوكسيد الكربون مادة مسيئة للهضم لا ميسرة له. 5- ان المشروبات الغازية والسكرية تؤخذ مع وجبات الطعام، فيمر الطعام في الفم مرور الكرام من دون افساح المجال للخمائر الفموية كي تفعل فعلها الهاضم فيها، الى جانب ذلك، فإن هذه المشروبات تعمل على تمديد العصارات المعدية فتؤدي الى عسر الهضم