تواجه السياسة الأميركية موقفاً حرجاً، إذ يتولى رئاسة الديبلوماسية الأميركية ضابط مدفعية يعارض السياسات الخارجية التي تنطوي على احتمال حدوث اصابات وخسائر في صفوف أي قوات أميركية تنشر خارج الأراضي الأميركية، فيما يقود وزارة الدفاع البنتاغون مدني يرغب في مراجعة استراتيجية الحرب من خلال إحداث زيادة كبيرة في الموازنة الدفاعية. وفي الوقت نفسه، فإن الرئيس جورج بوش الابن كان طياراً حربياً في قوات الحرس الوطني ابان فترة الخدمة الالزامية. كيف يخطط وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد لرسم السياسة الدفاعية الجديدة لبلاده؟ وهل سيستطيع تحقيق طموحاته وأحلامه في هذا الشأن؟ يأمل رامسفيلد باقتناء مزيد من الغواصات للبحرية الأميركية. وتمثل الغواصات الخط الأول لأي هجوم او دفاع نووي يواجه الولاياتالمتحدة. ويريد للبحرية ايضاً ان تمتلك مزيداً من حاملات الطائرات ولكن اصغر حجماً من الحاملات العاملة حالياً، ويعني ذلك ان الحاملات الصغيرة الجديدة ستتطلب عدداً اقل من السفن المرافقة والمساندة، كما انها ستكون أقل عرضة للاصابة بصواريخ العدو. أما في المجال الجوي، فإن الوزير الأميركي يفكر بصنع مزيد من الطائرات التي تطير بلا طيار، على أن تقوم بمهمات هجومية. كما انه يأمل بصنع مزيد من طائرات "ستيلث" التي تستخدم تكنولوجيا التخفي عن أجهزة الرادار، ومزيد من طائرات الاستطلاع الطويلة المدى التي يمكنها التحليق فوق الاجواء مدة تصل الى 24 ساعة. ويؤيد رامسفيلد نظام الدفاع الصاروخي الوطني الذي اقترحه الرئيس بوش الابن ويعارضه وزير الخارجية كولن باول. وأبلغ اندرو مارشال، وهو موظف كبير في البنتاغون مسؤول عن إعادة النظر في الاستراتيجية الدفاعية الأميركية، "الوسط" بأن منطقة المحيط الهادي ستكون على الأرجح منطقة المعارك المقبلة بسبب العداء المتزايد بين الصين وأميركا. وسيعني التركيز على المحيط الهادي ضرورة الهيمنة على الأجواء والبحر باستخدام طائرات مقاومة للرادار وسفن ودبابات، مع تقليل الاعتماد على القواعد الأميركية في اليابان وكوريا الجنوبية. ويقر مارشال بأن توصيات رامسفيلد للرئيس بوش في هذا الشأن تثير جدلاً واسع النطاق بين قادة هيئة أركان القوات الأميركية. غير أن أكثر ما أثار قلق اجهزة الإعلام وأزعج روسيا والاتحاد الأوروبي والصين ودولاً أخرى، اعلان بوش الابن تبني نظام وطني للدفاع الصاروخي، وذلك لتدمير اي هجمات بالصواريخ النووية او البيولوجية او الكيماوية من "دول رعناء" مثل إيران او العراق او كوريا الشمالية. ومع ان هذا هو ما يتمسك به قادة القوات الاميركية، إلا ان من الواضح انهم يهدفون من وراء ذلك الى تخويف الصين. وسينطوي نظام الدفاع الوطني الصاروخي على نصب صواريخ في قواعد ارضية قادرة على تدمير صواريخ العدو قبل دخولها الاجواء الأميركية، وعلى تشغيل صواريخ بأشعة الليزر في الفضاء حرب النجوم، يمكنها أن تهاجم صواريخ العدو قبل ان تصل الى ارتفاعها المنشود، وقد ينطوي على قواعد فضائية لاعتراض الصواريخ المهاجمة وذلك باطلاق صواريخ لتفجير صواريخ العدو ومنصات اطلاق الصواريخ المتحركة او تلك التي على متن سفن العدو. ويستطيع الصاروخ المعترض ان يتعرف على صاروخ العدو والصواريخ الوهمية التي تنشر لإثارة الارتباك في المنظومات الصاروخية العادية. وسيتطلب تنفيذ هذه الشبكة الصاروخية العملاقة فترة قد تصل الى أربع سنوات. أما نشر المنظومة بأكملها فقد يتطلب عقداً. ويعتقد وزير الدفاع رامسفيلد ان ذلك يتطلب موازنة تصل الى 60 مليار دولار. ويبدو واضحاً ان الكلفة ستتصاعد إذا تقرر ان تشمل الحماية الاميركية اليابان وأوروبا وكوريا الجنوبية ومناطق انتاج النفط في الشرق الاوسط. ومن مشكلات هذا النظام التقني الرفيع ان تنفيذه سيشكل انتهاكاً لمعاهدة العام 1972 للحد من الصواريخ الباليستية. ولم تعرب اي دولة عن تأييدها للمشروع سوى اسرائيل. وقال مصدر في وزارة الدفاع الاميركية إن نظام الدفاع الصاروخي سيكون جاهزاً مبدئياً للنشر في جزيرة شيميا قبالة ولاية ألاسكا بحلول سنة 2006. اما التطور الاكثر اهمية في خطط رامسفيلد فيتمثل في التحول الى استخدام "مركبات القتال الجوي التي لا يقودها انسان". وهو الاتجاه الذي رجحت كفته إثر حادث احتجاز طائرة التجسس الأميركية في الصين بعد اصطدامها بمقاتلة صينية. ومن الواضح لخبراء الشأن العسكري ان "احتواء" الصين يتطلب ما هو اكثر فاعلية من الغواصات والأقمار الاصطناعية. وعلى رغم ان القوات الاميركية قوامها من المتطوعين، وفي سلاح الجو يشمل ذلك العاملين من الطيارين حتى المضيفات الجويات، إلا أن الرأي العام الأميركي يرفض بشدة قبول فكرة حصول خسائر. ولذلك فإن فكرة الاستثمار في صنع الطائرات التي تعمل بلا طيار تبدو وجيهة ومقبولة للغاية. ان الطائرات المذكورة التي يطلق عليها اختصاراً اسم "يوفاك" ليست زهيدة الكلفة من ناحية انعدام الخسائر البشرية، بل هي زهيدة الكلفة لجهة التصنيع ايضاً. ويتوقع مارشال ان تتولى طائرات "يوفاك" القيام بثلث مهمات إلقاء القنابل بحلول العام 2010. ويتكهن تقرير صادر عن احدى ادارات البنتاغون بأن تكون 90 في المئة من الطائرات الحربية من النوع الذي يطير بلا طيار بحلول سنة 2025. وتستخدم طائرات تطير بلا طيار، وتبلغ كلفة تصنيعها 3 ملايين دولار لكل منها، في مهمة التصوير الاستطلاعي منذ اكثر من عقد. ما الجديد اذن في استخدامها في المعارك؟ لا جديد... ولعل الفرق الوحيد ان قائد السرب يستطيع ان يتحكم في عدد من تلك الطائرات يراوح بين 4 و10 طائرات مستعيناً بشاشة الكومبيوتر في مكتبه المكيّف الهواء. ان الطائرة التي تطير بلا طيار ليست في حاجة الى كرسي قفز لنجاة الطيار، ولا أجهزة اوكسجين ولا معدات اطفاء حرائق. وتستطيع هذه الطائرة استيعاب قوى الجاذبية الارضية، وبما انها خفيفة، فهي اقدر على مقاومة الرادار اكثر من طائرات "ستيلث". وإذا عادت الى قاعدتها سالمة، فيمكن تجهيزها للانطلاق في مهمة اخرى في غضون ساعة. وفي جعبة وزير الدفاع الاميركي الجديد خطة طموحة لاحلال طائرات تجسس من طراز "غلوبال هوك" محل طائرات "إي -3" التي تحتجز الصين إحداها في جزيرة هانيان منذ مطلع نيسان ابريل الجاري. وتكلف ال "غلوبال هوك" نحو 51 مليون دولار في مقابل 800 مليون دولار يتكلفها صنع طائرات "إي -3". ولا يتكلف صنع طائرة اخرى تطير بلا طيار وجربت بنجاح في تدمير الدبابات اكثر من 3 ملايين دولار. وينوي الخبراء الإعداد لانتاج طائرات اصغر حجماً من طراز "يوفاك". وتعد شركة "بوينغ" لصنع الطائرات، لانتاج مقاتلة مقاومة للرادار وتعمل بلا طيار لمصلحة سلاح الجو الاميركي، وهو طراز اتفق الجانبان مبدئياً على تسميته "اكس - 45/ أ". وتمتاز هذه الطائرة بإمكان تخزينها في حفرة سنوات عدة. ولا يستغرق تجميعها لاطلاقها اكثر من 30 دقيقة حسبما قال ل "الوسط" ريتشارد اولريدج رئيس احدى الشركات التابعة ل "مجموعة بوينغ". وتنوي شركة "نورثورب غرومان" صنع طائرة تطير بلا طيار بما يفوق سرعة الصوت لتكون مهيأة للانطلاق والهبوط على سطوح حاملات الطائرات. غير أن طائرة "غلوبال هوك" الاستطلاعية تعد بلا منازع سيدة الطائرات التي تطير بلا طيار. فقد حلقت بلا توقف من قاعدة هومستيد في ولاية فلوريدا الى البرتغال. وأثناء إعداد هذا التقرير للنشر اقلعت احدى هذه الطائرات من قاعدة في ولاية كاليفورنيا الى استراليا لتقطع مسافة 13 ألف كيلومتر من دون تدخل بشري سوى تحكم الضابط المسؤول الذي يرصد العملية برمتها على شاشة كومبيوتر في مكتب قرب مقر وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية سي. آي. اي في لانغلي ولاية فيرجينيا. لكن مشكلة هذا النوع من الطائرات تتمثل في انها ستسبب صداعاً شديداً لمسؤولي أبراج المراقبة الجوية الذين يتولون تنظيم حركة اقلاع الطائرات وهبوطها. ولا يعني ذلك ان واشنطن تنوي التخلي عن قاذفاتها الأشد تطوراً التي تعتمد على الطيارين الحربيين، خصوصاً "ف - 22" والقاذفة "ب - 2". وأوضح متحدث باسم الجنرال جون جمبار رئيس قيادة قوات القتال الجوي ان الولاياتالمتحدة تخطط لانتاج 12 طائرة اضافية من طراز "ب - 2" و 48 من طراز "ف - 22"، على امل ان تنجح هذه المجموعة في تدمير 270 صاروخ ارض - جو في غضون 24 ساعة، وأكثر من 400 صاروخ مماثل في ظرف يومين. وأوضح المتحدث ان تشغيل تلك المقاتلات من قواعد اميركية وليست اجنبية سيتطلب توفير أنظمة للتزود بالوقود في الجو، وطائرات للسيطرة والقيادة الجوية، وطائرات لجمع المعلومات والتقاط الاشارات والتشويش على اجهزة ارسال الاشارات المعادية. اما الخطوة التالية فتتمثل في انتاج قاذفات تفوق سرعة الصوت مراراً ولا يستطيع رادار العدو اكتشافها. ويجري التفكير حالياً في انتاج قاذفات تفوق في طيرانها سرعة الصوت 7 مرات، اي ان سرعتها ستبلغ 8500 كلم/ الساعة. وستُختبر اول طائرة من هذا الطراز اكس - 43/ ب في حزيران يونيو المقبل. تعتبر الصين المتحدي الرئيسي والمنافس الأوحد لأميركا. ويتوقع ان تؤيد واشنطن مساعي الصين للانضمام الى منظمة التجارة العالمية لأن ذلك يتوافق مع رغبات الشركات ورجال الاعمال الاميركيين وقد يشجع بكين على عدم اساءة التصرف. ولكن يتوقع ان تعارض واشنطن مساعي الصين لاستضافة الألعاب الأولمبية لسنة 2008، وقد وافقت اميركا على تلبية جزء من المتطلبات الدفاعية لتايوان التي تعتبرها الصين محافظة منشقة عن البلد الأم. لكن تسليم المعدات المطلوبة يستغرق عادة 3 - 4 سنوات. وأعلنت واشنطن انها ستسلم تايوان اربع مدمرات من طراز "كيد" اعتباراً من العام 2003 وثماني غواصات تعمل بالديزل و12 طائرة مضادة للغواصات من نوع "بي 3 اوريون" وقطع مدفعية ذاتية الحركة، لكنها قررت ارجاء بيعها مدمرات من طراز "ارلي يورك" المجهز بأنظمة "ايجيس" المضادة للصواريخ المتطورة جداً. وفي اعقاب حادثة طائرة التجسس الاميركية وضع البنتاغون خططاً تقوم بموجبها مقاتلات من طراز "ف - 15" ترابط في قاعدة اوكيناوا - جنوباليابان - بمرافقة طائرات التجسس العملاقة من طراز "اي - 3"، مما قد يؤدي الى مزيد من الاحتكاك مع المقاتلات الصينية. وثمة خطط أخرى لتغيير محركات طائرة "اي - 3" لتكون أسرع وأشد فاعلية في القيام بمهماتها.