"ثالث أوكسيد الكربون"

الدجاجة تنقر
القطة تموء
الضفدع ينق
الكلب ينبح
الفأر يعضّ
وهذه الأمة، لا من فمها، ولا من كمّها، ولا من عباءتها، ولا من ملاءتها،
ولا من جبالها، ولا من سهولها،
ولا من أنهارها، ولا من صحاريها،
ولا من شوارعها، ولا من أزقتها، ولا من دهاليزها
أيتها العجوز الصامتة
أيتها العجوز... المحنة...
بمعجن أمي
ومغزل جدتي
وميازيب التنك، وقرميد السطوح
بفتات الخبز، ودْحَل الأعياد
بدفاتر الرسم وأقلام التلوين
بغرّتي المرجّلة
والحب الصادق الأمين
ورسائل الانتحار
بقمل الرأس، وشجار الأوبئة
باللحف الممزقة
والأطراف المطوية أو الممدودة تحتها
وذكريات المتقاعدين والمحاربين القدماء
بثياب السهرة وثياب الحداد
بمقهاي المفضّل، وأصدقائي المقربين
بأجرة السينما، وبطاقات المسرح
بيقظة الفجر
وزوادة الخبز والماء القراح
بالأراجيح ومشانق الحور
بنزهتي الصباحية، وأمسيات السجون
بالجراح العميقة، والخدوش السطحية
ومراهم المرفقين والركبتين
بالحداء، وأنين الصنوبر
بالعتابا والميجانا، وصوت فيروز، والسيمفونية التاسعة
والمقامات والمدائح والموشحات
والقال والقيل والشائعات
بالقلاع والحصون والمغاور
بالبيوت البلاستيكية، والغابات البدائية.
بنزق الطفولة وحكمة الشيوخ
بالمستضعفين، والمشوهين وحوادث الطرق.
بضجر المقيمين ولوعة المسافرين
بالحروب الإقليمية، والشجارات العائلية
برقصة الخيول، ورقصة السماح
بالتحف الشرقية، والصناعات اليدوية
ودهشة السياح والمستشرقين
بمجزرة قانا، وزلزال أغادير
ودماء أنطون سعادة، وفرج الله الحلو، وغسان كنفاني، وكمال ناصر، وكمال خيربك
ومحمد الدرة، وسلام الشجعان.
بالشعر والنثر والسجع والتجويد
والبلاغة والخطابة والتلعثم والتأتأة والمناغاة.
بالعلم والعولمة،
والرماح الملتحية على قمم تعز وظفار...
راهنت على نهوضكِ لا على موتكِ.
آه يا وطن الأسلاك الشائكة والحدود المغلقة
والشوارع المقفرة
والستائر المسدلة
والنوافذ المطفأة
أما من حل وسط بين الكلمة والسيف؟
بين بلاط الشارع وبلاط السجن؟
سوى بلاطة القبر؟
أيتها الأمّة الكذوب
أين أجدادي الصناديد، الكماة، الفاتحون المغيرون؟
ما الذي يؤخرهم؟
إشارات المرور؟؟