النفط يرتفع بدعم من قوة الطلب وبيانات التضخم الأمريكية    إطلاق جامعة طيبة لمعرض "مكين" الهندسي    سمو محافظ الطائف يرعى حفل افتتاح المجمع القرآني التعليمي النسائي    قمة عادية.. في ظرف استثنائي    الأهلي يتحدى الهلال والاتحاد يبحث عن «النصر»    الاتحاد في مأزق الخليج.. نقاط الأمان تشعل مواجهة الوحدة والرائد    «عكاظ» تنشر الترتيبات التنظيمية للهيئة السعودية للمياه    أمير تبوك يطلع على نسب إنجاز مبنى مجلس المنطقة    برعاية ولي العهد.. انطلاق الملتقى العربي لمكافحة الفساد والتحريات المالية    صفُّ الواهمين    «الصحة» تدعو حجاج الداخل لاستكمال جرعات التطعيمات    نريدها قمة القرارات لا التوصيات    مخاطر الألعاب الإلكترونية على الأمن المجتمعي    71 فناناً وفنانة في معرض «كروما» بجدة    حل وسط مع الوزراء !    محاولة يائسة لاغتيال الشخصية السعودية !    معاً لمستقبل عظيم !    أمير تبوك: ليالي الحصاد والتخرج من أسعد الليالي التي أحضرها لتخريج أبنائي وبناتي    «هاتريك» غريزمان تقود أتلتيكو مدريد للفوز على خيتافي في الدوري الإسباني    «الحر» يقتل 150 ألف شخص سنوياً    دعوة عربية لمجلس الأمن باتخاد إجراءات سريعة توقف العدوان الإسرائيلي    شتلات شارع الفن    خارطة طريق سعودية - أميركية للتعاون في مجال الطاقة    معرض"سيريدو العقاري"أحدث المشاريع السكنية للمواطنين    في قمة مواجهات الجولة 32 من «روشن».. ديربي الرياض بروفة نارية لنهائي كأس الملك    توثيق من نوع آخر    خطوة جادة نحو رؤية وزارة الرياضة    القيادة تهنئ رئيس الباراغواي ورئيس وزراء سنغافورة    «حلبة النار»… النزال الأهم في تاريخ الملاكمة    وزير الاستثمار: الاقتصاد السعودي الأسرع نموا وجاذبية    تعزيز التعاون العدلي مع فرنسا وأستراليا    باكوبن والدقيل يزفون المهندس محمد    عبدالملك الزهراني ينال البكالوريوس    طريق الأمير محمد بن سلمان.. أهم مسار لتنقل الحجاج    السفير الإيراني يزور «الرياض»    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    خادم الحرمين الشريفين يصدر عددا من الأوامر الملكية    إنتاج الصقور في الحدود الشمالية    "الدرعية" تُعزز شراكاتها الاقتصادية والسياحية    السلطات الفرنسية تطارد «الذبابة»    بوتين يصل إلى الصين في زيارة «دولة» تستمر يومين    رحالة فرنسي يقطع ثمانية آلاف كلم مشياً على الأقدام لأداء مناسك الحج    رعاية ضيوف الرحمن    سقيا الحاج    استمرار الجسر الجوي الإغاثي إلى غزة    « سعود الطبية»: زراعة PEEK لمريض عانى من كسور الجبهة    لقاح جديد ضد حمى الضنك    مختصون يدعون للحدّ من مخاطر المنصّات وتقوية الثقة في النفس.. المقارنة بمشاهيرالتواصل الاجتماعي معركة خاسرة    5 منافذ في الشرقية تستعد لاستقبال الحجاج    «نافس».. منافع لا تحصى لقياس الأداء التعليمي    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة في سباق للمجد.. الجمعة    المزروع يشكر القيادة بمناسبة ترقيته للمرتبة 14    نائب أمير الشرقية يستقبل منتسبي "طويق"    رئيس جمهورية المالديف يُغادر جدة    وزير العدل يلتقي رئيس المجلس الدستوري في فرنسا    «النيابة»: باشرنا 15,500 قضية صلح جنائي أسري.. انتهاء 8 آلاف منها صلحاً    أمير تبوك يثمن للبروفيسور " العطوي " إهدائه لجامعة تبوك مكتبته الخاصة    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج 2374 طالباً وطالبة من «كاساو»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع صفحة جديدة مع السودان وايران . عمرو موسى ل "الوسط": لا نشارك في اسقاط النظام العراقي
نشر في الحياة يوم 24 - 05 - 1999

رأى وزير الخارجية المصري عمرو موسى أن فوز ايهود باراك برئاسة الوزراء في اسرائيل "يمكن ان يعني الكثير لجهة اطلاق سياسة جديدة تختلف عن سياسة سلفه". ودعا الى إحياء المفاوضات على كل المسارات وتنفيذ الاتفاقات الموقعة. وأعرب عن اعتقاده بأن سورية مستعدة لعلاقات ديبلوماسية كاملة مع اسرائيل في مقابل انسحاب كامل من الجولان.
وشدد وزير الخارجية المصري على وحدة الأراضي العراقية، مؤكداً ان بلاده "لا تشارك في أي جهد لاسقاط النظام العراقي". وتحدث عن "مشروع صفحة جديدة مع ايران والسودان. وانتقد ما جاء على لسان الدكتور حسن الترابي في "الوسط" حول النظرة الاستعلائية المصرية في التعامل مع السودان. وقال: "انها نظرة خاطئة كانت سبباً في الكثير من الأزمات والمشاكل التي عانى منها الشعب السوداني".
وأكد ان العلاقات مع ليبيا "ليست سيئة وإنما قد تكون هناك جهات تسيء فهم الأمور، أو تود أن تسيئ الى العلاقات"، مشدداً على ان مصر ليست مصابة بعقدة الدور.
وقال ان "السياسة الخارجية لمصر في عهد الرئيس حسني مبارك تستند الى ثوابت واضحة". ووصف عهد مبارك بأنه "عهد اعادة بناء مصر وإعدادها للمستقبل"، معتبراً ان التأييد لولاية رابعة للرئيس هو ثمرة الانجازات التي تحققت والتي يستلزم تعميقها استمراراً واستقراراً.
اسئلة كثيرة طرحناها على وزير الخارجية المصري في حوار طويل، لم تغب عنه بعض محطات الذاكرة. وهنا الحلقة الأولى من الحوار الذي سينشر على حلقتين.
* ماذا يعني فوز باراك؟
- ممكن أن يعني الكثير لجهة اطلاق سياسة جديدة تختلف عن سياسة سلفه وهذا هو المعنى المهم، وإذا لم يكن هذا صحيحاً فلن يكون هناك جديد. والمهم هو إتباع سياسة مختلفة تعمل على إحياء عملية السلام وتنفيذ الاتفاقات القائمة والتحرك على جميع المسارات "الفلسطينية والسورية واللبنانية" هذا ما نتوقعه. إذا بدأ تنفيذ اتفاقية "واي" بدأت محادثات المرحلة النهائية في حدود إطار زمني متفق عليه وكذلك اكد الموقف الاسرائيلي السابق مع السوريين بخصوص الانسحاب من كل الجولان وبدء عملية مفاوضات، وكذلك الانسحاب من جنوب لبنان، اعتقد بأن هذا إذا نُفذ أو تم التحرك نحوه بطريقة واضحة ومضمونة سيصبح حركة تاريخية مهمة وتحركاً الى الأمام يقوم به رئيس الوزراء الجديد ليؤكد انه رجل دولة وليس مجرد سياسي.
* هل حدث كلام مسبق بينكم وبين باراك حول مثل هذا التوجه؟
- نعم. كان هناك كلام في موضوع عدم إضاعة الوقت، الوقت اصبح ثميناً جداً خصوصاً ان ثلاث سنوات كاملة ضاعت.
* هل تعهد باراك شيئاً في هذا الصدد؟
- لا أستطيع أن اقول انه تعهد، استطيع ان اقول انه تفهم ضرورة الحركة السريعة وفي الاطار المتفق عليه اي اطار مدريد واطار اوسلو والاتفاقيات التي وقعت وإطار المفاوضات التي اجريت مع السوريين واللبنانيين.
* هناك انطباع بأن التفاوض مع حزب العمل سيكون اصعب قليلاً باعتبار انه اقدر على التعامل مع الولايات المتحدة ولديه دعم اوروبي ولديه علاقات عربية في حين كان نتانياهو شبه معزول؟
- أعتقد بأن وجهة النظر هذه موجودة في كثير من المدارس الفكرية في المنطقة والعالم، نتانياهو كان يقول "لا" ويعطي أقل القليل الذي لا يشبع احداً، سواء من العرب أو الاوروبيين أو حتى الاميركان. في حين ان أكثر من هذا بقليل يمكن ان يشبع بعض الجهات، ولكن هذا يعني اننا على ابواب مرحلة الجد ويجب ان تكون مطالبنا قوية ومفاوضاتنا على كفاءة عالية ومواقفنا واضحة، ويكون معروفاً اننا لا نقبل بسياسة الحد الأدنى وهذا يعني انه سيكون هناك تفاوض على أسس متفق عليها. نحن نقول "الارض مقابل السلام". وان حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والدولة. الدولة لا يمكن ان تكون مجرد علم وطابع بريد وجواز سفر، الدولة يعني AVIABLE STATE أي دولة على ارض ممتدة، على ارضها في الضفة الغربية وغزة ولها حدود وسيادة كاملة... المفاوضات تتركز على الحدود وتخطيطها وعلى العلاقات المستقبلية، هذا كله مفهوم وهذا هو جوهر الموقف، إذا تفاهمنا على الانسحاب الشامل من الجولان مع علاقات سلام شامل، الانسحاب الكامل من لبنان مع أمن اللبنانيين وأمن الاسرائيليين. حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني في ارضه في الضفة الغربية وغزة وحق الدولة، التفاوض حول القدس واللاجئين والأمن وغير ذلك، اعتقد بأن هذا هو الأساس.
اما اذا كان تفاوضاً لمجرد التفاوض على الجبهة السورية مع عدم الالتزام بالانسحاب الى الحدود النهائية، فلا يمكن أن يوافق على ذلك السوريون، كذلك بالنسبة الى لبنان، إذا لم تنسحب اسرائيل، فكيف لها ان تطالب بوقف المقاومة؟ وبالنسبة الى الفلسطينيين اذا لم تكن هناك دولة حقيقية فكيف يقوم السلام؟
* في تقديرك، إذا قال باراك إنه مستعد للانسحاب من الجولان ومن جنوب لبنان هل سورية ولبنان مستعدتان لدفع الثمن مثل علاقات ديبلوماسية كاملة؟
- اعتقد ذلك، لأن هذا هو ما حدث مع مصر حيث تحقق انسحاب كامل وقامت علاقات سلام كاملة، والأخ فاروق الشرع وزير الخارجية السوري اعلن مراراً: "الكل مقابل الكل" الارض مقابل السلام، هذه هي المعادلة المتفق عليها.
* الى أي حد كان التعامل مع نتانياهو صعباً؟
- التعامل مع نتانياهو - وقد يندهش - كان سهلاً، فكلما طرحت عليه مشكلة يعدك بحلها في غضون اسبوع او اسبوعين. فعل هذا كثيراً مع الرئيس مبارك، كان كلما التقاه او حادثه هاتفياً يتعهد أشياء من دون ابداء أي اعتراض ثم لا يفي بشيء، وكان هذا هو عيبه، أو وجه الصعوبة في التعامل معه سواء بالنسبة إلينا، أي الطرف القابل، أو الى حكومته وإلى الاسرائيليين عموماً، الجميع يدركون انه يعد كثيراً ولا يفي بشيء.
* لنفترض أن حرب البلقان انتهت، هناك كلام اميركي مرفق هذه المرة بمواعيد ان السنة الحالية، هي سنة التغيير في العراق، غداً إذا حاولت الولايات المتحدة، وبالأسلوب نفسه، إسقاط النظام العراقي، ماذا سيكون موقفكم؟
- النظام العراقي يتعرض لكثير من التحديات الآن. مع امكانية ان ترى تشابهاً في المواقف، الا ان ثمة تطوراً في موضوع العراق. فمجلس الأمن يدرس هذا الموضوع واتخذ فيه قراراً بعد تشكيل لجان معاينة، وهناك حلول معروضة وأمور محل نقاش ومن ثم هناك عملية سياسية يجب خلق الجو الملائم لها كي تثمر. إذاً موضوع العراق مختلف فهو لم يصل الى المرحلة التي وصل اليها موضوع يوغوسلافيا، بمعنى تهميش الأمم المتحدة، فالعراق يؤكد أنه مستعد لتنفيذ قرارات مجلس الأمن، وأنه ليس ضد التفتيش والمراقبة وهناك تقارير مقدمة الى مجلس الأمن تقول إن هناك مشواراً كبيراً قد قطع في التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، وأنه من الممكن الانتقال من التفتيش الى الرقابة، من خلال كذا وكذا، اذاً هناك نقاش سياسي تفصيلي قائم ويقتضي الأمر خلق الجو المناسب للتوصل الى اتفاق.
* لكن الإدارة الأميركية جعلت إسقاط صدام حسين هدفاً معلناً؟
- هذا شأن الولايات المتحدة.
* وماذا عن الموقف العربي؟
- الموقف العربي استطيع أن اتحدث عنه على مستويين: الأول الموقف المصري، نحن نقول إن تغيير أي نظام يجب أن يكون بإرادة الشعب ومشيئته، ونحن لسنا مع أي محاولات لاسقاط أي نظام، وأن مصير أي محاولات من الخارج، في رأينا، هو الفشل. ومن ثم نحن لسنا جزءاً من الجهود المبذولة لاسقاط أي نظام بما في ذلك النظام العراقي.
* مصر ليست جزءاً من أي جهود لإسقاط النظام العراقي؟
- لسنا جزءاً من أي جهد لاسقاط النظام العراقي، لأن التعامل مع النظام العراقي هو مسؤولية الشعب العراقي، والرئيس حسني مبارك أكد هذا أكثر من مرة، وهذا هو الخط الذي تسير عليه الديبلوماسية المصرية.
المستوى الثاني: أرى فيه اننا كعرب حققنا تقدماً معيناً - ولكن ليس كافياً - لجهة انه للمرة الاولى نجلس سوياً، بما في ذلك العراق، لنبدأ بحث هذا الأمر الخطير جداً والذي لا ينبغي أن يستمر بل أن يتم ايجاد حل له. اجتمعنا وقمنا بصوغ موقف عربي في كانون الثاني يناير الماضي في حضور العراق، ثم في آذار مارس الماضي. خلال الدورة العادية لمجلس جامعة الدول العربية في حضور العراق أيضاً، وأصدرنا بياناً. المهم هنا ليس إصدار البيان، فتعبير "تم اصدار بيان" لم يعد يهزالناس ، المهم هو صوغ موقف، وان يكون لهذا الموقف صفة الشمولية.
والدول العربية كلها، بما فيها دول الخليج، طالبت مرتين بوقف الحظر المفروض على العراق. وأعتقد بأن هذه كانت خطوة على طريق اعادة نظر في الموقف العربي.
* ألا يوجد دعم للمعارضة العراقية؟
- لا، نحن لا نقدم الدعم للمعارضة العراقية.
* ألا توجد لديكم مخاوف من احتمال تعرض النظام العراقي لضربات جوية تغرق العراق في الفوضى او تؤدي الى تقسيمه؟
- بالطبع هناك قلق، موضوع التقسيم يقلقنا كثيراً، وموضوع تهديد سلامة الأراضي العراقية، وسلامة شعب العراق يقلقنا أكثر. العراق جزء مهم جداً من العالم العربي، وإنكار ذلك يعتبر خطأ استراتيجياً وفكرياً. استمرار معاناة الشعب العراقي شيء غير مقبول ايضاً. تهديد سلامة العراق بأي شكل من الأشكال شيء غير مقبول كذلك، وإذا نجح مثل هذا التهديد فإنه سيؤدي الى تداعيات كثيرة في العالم العربي، وفي المنطقة المحيطة به. نحن مع الحفاظ على وحدة العراق بكل ما يعنيه ذلك.
وهذا موقف يعكس منطقيتنا مع أنفسنا ومع الجغرافيا والتاريخ وتشكيل العالم العربي، كما أنه موقف منطقي مع الأحداث ومع مرور الزمن.
* هل ترى أن الرئيس العراقي أضاع فرصة القيام بمبادرة ما عند صوغ هذا الموقف، أو هل ما زالت هناك فرصة ليقوم بعمل ما؟
- هناك امكانية بالطبع.
* هل تقومون باتصالات مع العراق في هذا الشأن؟
- الاتصالات بيننا عادية.
* هل تشجع مصر العراق على القيام من جانبه بمبادرة ما لتسهيل الأمور؟
- ليس ضرورياً أن ندخل في التفاصيل، لم نتطرق الى تفاصيل بهذا الشكل. ولكن الاتصالات قائمة، إذ اننا لا يمكن ان نتجاهل الحديث مع العراق والاتصال به في هذه الظروف.
العلاقات مع ايران
* هناك اشارات على تحسن محتمل في العلاقات المصرية - الايرانية، هل توجد وساطة سورية في هذا الشأن؟
- أنا لا أريد أن أقدم إجابة تعطي انطباعاً اكثر او اقل مما هو قائم. الاتصالات بيننا وبين الاخوة في ايران مباشرة ولم تنقطع منذ سنوات عدة، فلدينا في طهران مكتب للاتصالات الديبلوماسية، وكذلك لهم مكتب في القاهرة، والصلات بيني وبين وزير الخارجية الايراني مستمرة، وهي صلات عملية ووثيقة، والعلاقات في المستويات الاخرى موجودة سواء في إطار منظمة المؤتمر الاسلامي أو بعض العلاقات الاقتصادية.
نحن في الحقيقة لا نحتاج الى وساطة في هذا الشأن ونستطيع ان نتحدث مع الايرانيين مباشرة لحل المشاكل القائمة أو بعض الصعوبات التي نرى ضرورة تذليلها.
وأود أن أؤكد أن مصر وإيران تسيران في اتجاه تعبيد الطريق لإقامة علاقات سوية بينهما.
* هل تظهر قراءتكم للوضع الإيراني أن إيران تغيرت؟
- إيران اليوم هي غير ما كانت عليه قبل 10 سنوات أو من 20 سنة. هناك تطورات تحصل، وفي كل الأحوال العلاقات بين دول مثل إيران ومصر لا تقوم على عنصر واحد، وإنما على عناصر عدة، وتاريخ العلاقة الإيرانية - المصرية طويل، بين الشعبين خصوصاً. وتاريخ العلاقات الايرانية - العربية أيضاً.
ومن الطبيعي والمطلوب أن تكون بيننا علاقات طيبة وغير الطبيعي وغير المطلوب أن تكون هناك علاقات سيئة ومتوترة، نحن نريد أن نعود بالعلاقة الى طبيعتها وننهي الوضع غير الطبيعي القائم. وأنا أرى من اتصالاتي أن إيران ايضاً تبادلنا الرغبة نفسها.
* هل لديكم انطباع بأن سورية الآن أكثر حماساً للسلام مما كانت عليه سابقاً؟
- إذا نظرت الى الأمر نظرة عامة سريعة يمكن ان تراه كذلك، لكن منذ بداية المفاوضات في "واي بلانتيشن" لو كان هناك اتفاق هل كانت سورية ستتردد طالما أن ذلك سيؤدي الى انسحاب اسرائيل من كل الجولان؟
الذي حدث هو أن المفاوضات توقفت منذ شباط فبراير 1996. لو أنها استمرت لما تطلب الامر اكثر من 6 او 7 أشهر لانجاز ال20 في المئة التي اشار اليها الأخ فاروق. وبصرف النظر عما كان يمكن ان يحدث فإنني اليوم اعتقد جازماً ان سورية على استعداد للدخول في عملية سلام واضحة، شرط - وهو شرط مقبول - الانسحاب الشامل من الجولان. وهذا شيء معقول جداً ولا يماري فيه أحد. فلا أحد في أي مكان في العالم يمكنه أن يجد سبباً واحداً يسوغ لإسرائيل أن تأخذ أرضاً سورية.
* سجلت السلطات السودانية بدايات نجاح في تحسين العلاقات مع الدول المجاورة وفتح باب الحوار مع المعارضة، كيف تنظر مثلاً الى لقاء الصادق المهدي والدكتور حسن الترابي؟
- سبق ان علقت على هذا اللقاء بقولي إنه لقاء بين اثنين من الشخصيات السودانية ليس لنا ان نعتبره سلبياً او ايجابياً. لأن العبرة بالنتائج والعبرة بما نريده من خير للإخوة السودانيين، وهو أن يخرج السودان من الورطات الكثيرة المتشابكة التي تشكل تحدياً له ثقيل الوزن، ولذلك نحن نتصل بالحكومة والمعارضة، وكل المعنيين بحل هذه المشكلة، سواء الدول الأوروبية والدول المجاورة للسودان، ومصر دخلت المجموعة المتعلقة بالسودان التابعة لمنظمة "إيغاد" بتأييد من السودان نفسه وعدد كبير من الدول.
موضوع السودان يحتل أولوية عالية على قائمة الاهتمامات السياسية والديبلوماسية المصرية. ولا بد أن ننتهي من هذا الموضوع، فالسودان مهدد بالتقسيم والتمزيق ويواجه صعوبات اقتصادية خطيرة، وهناك مصادمات بين السودانيين: الشمال مع الشمال، والجنوب مع الشمال وغير ذلك. وهناك معارضة شديدة المرارة ضد الحكومة من جانب عدد من التنظيمات.
وداخل الحكومة نفسها آراء متعددة. وهناك مداخلات او تداخلات من الخارج. نحن نشعر ان الأمن السوداني يمس أمننا مباشرة، العلاقة المصرية - السودانية هي اقدم وأعرق العلاقات في هذه المنطقة. ولهذا أتوقع دوراً مصرياً اكبر يقوم على لم الشمل والمساهمة قدر المستطاع في توجه مشترك تغلب فيه الايجابيات على أي سلبيات.
* قال الدكتور حسن الترابي ل "الوسط" إن عدم استقرار العلاقات المصرية - السودانية سببه نظرة استعلائية مصرية في التعامل مع السودان وأن مصر لا ترغب في أن ينهض السودان، وحمّل مصر مسؤولية التدهور في العلاقات، هل ترى مثل هذه المشكلة؟
- النظرة الاستعلائية التي تحدث عنها الأخ الترابي أنا اعتقد انها نظرة خاطئة وانها بالذات كانت سبباً في الكثير من الازمات والمشاكل التي عانى منها الشعب السوداني.
الأخ الترابي ربما لا يعرف مصر والمصريين جيداً ولا يعرف الرئيس مبارك جيداً. وحديثه عن النظرة الاستعلائية يعبر عن اعتقاده هو شخصياً وليس اعتقاد كثير من السودانيين ولا اعتقادنا نحن. والعلاقة المصرية - السودانية لا يجب ان تكون رهناً بمثل هذه النظرات السلبية الخطيرة، فذلك من شأنه ان يوقعها في براثن قوى كبيرة لا قبل للسودان بها تلعب على هذه النغمة. لأن ما بين المصريين والسودانيين هو علاقة نسب ومصاهرة وأخوة وعمل مشترك وماض مشترك. والماضي المشترك فيه السلبي والايجابي لكن هذا ما جعل مصر والسودان صنوين... كلمتين لا تنفصلان عندما كنا اطفالاً وصغاراً كنا نغني في المدارس لمصر والسودان وليس مصر فقط. نظرة الشيخ الترابي حسبما عبر عنها في حديثه معكم هي نظرة خاطئة وغير بناءة، وتضر بالكل وعلى رأسهم السودان نفسه.
وأود ان اطمئن الشيخ الترابي قبل اي احد آخر ان هذا ليس له وجود إلا في ذهنه وانه لو راجع الأمر قليلاً وهدأت نفسه وفكر - وهو رجل مفكر - لاكتشف مقدار الخطأ الخطير الذي يقع فيه باتهاماته هذه التي وجهها الى مصر.
* هل مصر تعرض على السودان علاقة شبيهة بالعلاقة التي تقيمها سورية مع لبنان؟ والى اي حد العلاقة وثيقة؟
- مع الأسف العلاقات الآن ليست وثيقة، نحن نريد علاقة وثيقة مثل التي بين مصر وأي دولة شقيقة فما بالك بالسودان؟
وحكاية سورية ولبنان او لبنان وسورية وتشبيهها بالعلاقة ما بين بلدين بعينيهما، لا اعتقد بأنها مفيدة، العلاقة بين مصر والسودان هي علاقة قائمة بذاتها وأعمق بكثير من كثير من العلاقات الاخرى.
* هل هناك جديد في شأن تسليم الممتلكات المصرية في السودان؟
- هناك اتصالات حالياً في هذا الشأن.
* هي يعني ذلك أن هناك مشروع صفحة جديدة بين القاهرة والخرطوم؟
- نعم هذا التعبير في محله.
* هل هناك نية لعقد لقاء قمة قريباً بين الرئيسين مبارك والبشير؟
- ليس هناك ما يمنع من عقد اللقاءات المصرية - السودانية على مختلف المستويات ومنها القمة.
* هل هناك امكانية لأن توقفوا دعمكم للمعارضة السودانية على صعيد استضافتها وان تزيل حكومة الخرطوم المعسكرات التي سبق ان شكوتم من وجودها في السودان؟
- انا أرى في ذلك خلطاً للأمور، هناك سودانيون كثيرون في مصر يزيد عددهم على أربعة ملايين نسمة منهم مثلاً السيد الصادق المهدي الذي التقى اخيراً السيد الترابي، والسودانيون في مصر وضعهم طيب لا نستطيع ان نعتبرهم أغراباً، وطبيعي أن يكون من بينهم المعارض ولكن من بينهم أيضاً المؤيد.
ثم اذا كنا نحن نتحدث مع المهدي ويتحدث معه الترابي أيضاً فأين وجه الغرابة؟ ولماذا لا يقيم المهدي في مصر، أم أن الأخ الترابي يريد أن يحدد للأخ المهدي أين يعيش؟
أما ان مصر تطرد سودانيين فهذا لم يحدث في تاريخها كله ولذلك هذا الموضوع خارج المعادلة وخارج الحديث.
* هناك عروض سودانية شمالية، وهناك آراء أخرى بخصوص فصل جنوب السودان؟
- الشيخ الترابي قال كده.
* هل مصر ترفض فصل جنوب السودان بسبب مياه النيل؟
- لماذا ... أوغندا مستقلة والمياه تمر من أوغندا، غير صحيح، المياه ستمر سواء كان جنوب السودان اسمه جنوب السودان او اسمه غير ذلك، لا اريد ان اسميه، فموضوع المياه ليس مشكلة اطلاقاً، اذا كان اشخاص في السودان ممن تحدثت معهم يقولون ذلك فإنه يضاف الى الخطأ، الموضوع ليس موضوع مياه، هو موضوع التزام قومي ووطني تجاه السودان، لا دخل لموضوع المياه فيه.
* وقفت مصر طويلاً الى جانب ليبيا. في الآونة الاخيرة لم تبد العلاقات المصرية - الليبية في أحسن حالاتها فلم تستأنف الرحلات الجوية وفرضت التأشيرة، وهناك من فسر عتب العقيد القذافي على العرب بأن جزءاً منه هو عتب على مصر، خصوصاً ان تسوية ازمة لوكربي لم تأتي على يد مصر، كيف هي العلاقات المصرية - الليبية؟
- أولاً نحن لا نبحث عن دور ولا نريد ان نؤكد كل يوم ان الدور المصري فاعل هنا وهناك، نحن كبرنا على ذلك. لقد قمنا بدورنا الذي تمليه اعتبارات كثيرة في ما يتعلق بليبيا، وهو حديث طويل عن اتصالات مكثفة ونشطة وطويلة، بيننا وبين الاميركان والبريطانيين والفرنسيين. والاخوة في ليبيا يعلمون هذا. وفي ما يتعلق بالاقتراح الذي بدأ حل الازمة بمقتضاه كنا من انصاره الاوائل، بل من المفكرين فيه من بداياته لأنه شيء معقول وعبيء الموقف عربياً وعبيء افريقيا بوجودنا وبمشاركتنا، الأخ الرئيس القذافي يأخذ على العرب جميعاً أنهم في مرحلة ما لم يأخذوا برأي الافارقة بمعنى تجميد قرارات مجلس الامن، نحن كان لنا رأي آخر، في تلك المرحلة تحديداً طوال العام الماضي كنا نحن نشعر - بحكم وجودنا داخل المطبخ - بأن هناك شيئاً يمكننا ان نحصل عليه بصلابتنا وان الامور تتطور فعلاً نحو اقتناع واشنطن ولندن بصفة خاصة بمعقولية المحاكمة في بلد ثالث، وأنا نفسي تحدثت في هذا مع المسؤولين الاميركيين والمسؤولين البريطانيين. وأنا ذكرت لوزيرة الخارجية الاميركية غير مرة وفي أحاديث مباشرة اننا في افريقيا والعالم العربي تعبنا من موضوع العقوبات على ليبيا. فموضوع العقوبات اصبح كما اسميته يعاني من "SANCTIONS FATIGUE" وهذا ينطبق على ليبيا والعراق. الرأي العام العربي غير متقبل لموضوع العقوبات.
* حتى في ما يتعلق بالعراق؟
- حتى بالنسبة الى العراق. لكن حديثي في هذا الامر مع أولبرايت كان بمناسبة الموضوع الليبي أساساً. وأعتقد انني اول من تحدث معها في هذا الامر. ولكن هناك من المؤكد آخرون تحدثوا في الامر نفسه.
وقمنا بعمل مهم للغاية مع البريطانيين للدفاع عن ليبيا وأحياناً بشرح بعض الامور وأحياناً لجمع الليبيين مع البريطانيين.
ولكن أن يطلب في مرحلة ما من دولتين شقيقتين الاولى عربية وهي المملكة السعودية والثانية افريقية هي جنوب افريقيا ان تقوما بدور معين في لحظة معينة لظروف يملكانها، فإن هذا لا ينبغي ان يضايق احداً، بالعكس، نحن شعرنا بأن لا مانع من ذلك ابداً وأيدنا العمل السعودي والعمل الجنوب افريقي، وهو دور ايضاً مشكور، وباعتبار انه لم يأت من فراغ وإنما بني وتأسس على عمل طويل الأمد قام به اخوة آخرون وعلى رأسهم مصر.
في الحقيقة هناك خلق لقصة غير حقيقية والحديث عن حساسيات غير موجودة وبالتالي الوصول الى نتائج ليست صحيحة، اي ان هناك نوعاً من الشد والجذب بين مصر وليبيا.
قد تلاحظ وجود بطء في اجراءات استئناف رحلات الطيران وقد تلاحظ انه تردد في لحظة من اللحظات انه ستكون هناك تأشيرات لدخول المصريين الى ليبيا ثم صدر نفي من الجانب الليبي لهذا الامر.
قد يكون هناك بعض السلطات او بعض الجهات لا تقرأ الامور كما أراها. وأعتقد ان ذلك لن يستمر طويلاً، لأن من المهم ان تكون العلاقة المصرية - الليبية وثيقة جداً.
ويجب أن لا تنسى ان العقيد القذافي قام عشية حل مشكلة لوكربي بزيارة لمصر لمدة اسبوع كان خلالها محل حفاوة بالغة، فهل هذا دليل على سوء العلاقة بين البلدين؟ انا أؤكد ان العلاقة ليست سيئة وانما قد تكون هناك جهات تسيء فهم الامور، أو تود ان تسيء الى العلاقات.
* هناك جهود لتحسين العلاقة الليبية - الاميركية فهل لمصر دور في ذلك؟
- العمل على تحسين العلاقة الليبية - الاميركية بدأ منذ سنة، ولسنا بعيدين عن ذلك.
* هل يتوقع عقد قمة مصرية - اميركية قريباً؟
- نعم هناك زيارة متوقعة قريباً للرئيس مبارك لواشنطن.
* هل هناك متاعب في العلاقات المصرية - الأميركية: ملفات حقوق الانسان التعامل مع الاقليات؟
- العلاقة المصرية - الأميركية علاقة مركبة ومتشعبة تغلب عليها الايجابية. بيننا علاقات اقتصادية متطورة وكذلك علاقات عسكرية وتسليح وتدريب. هناك علاقات سياسية تتناول من خلالها مشاكل كثيرة وعلى رأسها مشكلة الشرق الاوسط. ونحن نرى ان دور اميركا في عملية السلام رئيسي ولم تتغير رؤيتنا هذه ابداً. الموقف الاميركي اخيراً في ما يتعلق بالمسار الفلسطيني - الاسرائيلي وتوقيع اتفاق واي وحديث الولايات المتحدة عن المستوطنات وخطرها على السلام والخطاب الذي ارسله الرئيس كلينتون الى الرئيس عرفات وبيانه امام المجلس التشريعي الفلسطيني في غزة، هذا كله نحن نؤيده. وهناك في المقابل جزئيات في هذه القضية قد نختلف في شأنها، مثلاً مسألة الأمن. المهم هو ان لدى مصر اقتناعاً كاملاً بأولوية العلاقة المصرية - الأميركية وأهميتها.
* حققت مصر نجاحاً كبيراً في اقناع دول بتسليم المتطرفين وهناك خطوات جديدة مع بريطانيا ومع دول أخرى؟
- الحقيقة ان موضوع الارهاب تحرك عالمياً نتيجة لاقتناع الجميع بأن الارهاب ضد سلامة المجتمعات العالمية كلها، ولم يعد هناك احد على استعداد ان يستخدم الارهاب ضد دولة اخرى، او على الاقل ارجو ذلك، لأنه سترتد اليه، الجرائم التي وقعت ضد المدنيين وأمن المواطنين السائحين وآخرين وهي جرائم شنيعة بكل معانيها، لا يمكن أن يكون هذا عملاً بناء او عملاً باسم الدين أو باسم فكر معين، هذا فكر تدميري والارهاب أصبح عدو البشرية كلها، لا يمكن ولا يصح ان يتسامح مجتمع واحد مع اعمال قتل وتدمير باسم الدين، كيف ينتج عن القتل والدمار شيء ايجابي ...؟ هناك تحرك ايجابي من الكل ضد الارهاب، سببه ما قام به الارهابيون، لقد اعتقدوا في مرحلة ما انهم يستطيعون "هز" أنظمة والعودة الى نظم متطرفة او فرض نظم متطرفة ... هذا كلام غير معقول في نهاية القرن العشرين، الناس غير متقبلة أبداً أن تعود الى الأفكار غير المدروسة، التي يرددها المتطرفون ... المتطرفون شيء والمتدينون شيء آخر ... التطرف شيء والدين شيء آخر ... التطرف غير مقبول دينياً، الناس الآن على وعي أن الأمرين مختلفان، الارهاب والجرائم التي يقوم بها الإرهابيون شيء مرفوض، والدين بريء تماماً من الارهاب وتدمير الحياة ولا يمكن لأي مجتمع ان يقبل بالتطرف تحت أي عباءة من العباءات.
* مثلاً من التحقيقات والأشياء التي تنشر، تبين أن اسامة بن لادن له دور في العلاقة مع الجهاد؟
- ممكن.
* هل هناك تحرك مع أفغانستان في شأن اسامة بن لادن؟
- لا أدخل في تفاصيل، هذه ليست مهمتي ولا دور وزير الخارجية، إنما دورنا هو ان نقف ضد الارهاب الذي يدمر المجتمع وأن نعمل على المستوى الدولي لتأمين العالم - الارهاب مسألة غير مقبولة ولا يمكن أبداً تبرير أي تعاون مع مثل هؤلاء أبداً.
* هل يوجد تقدم مع السودان في هذا الشأن، خصوصاً انه كانت هناك مآخذ على السودان أنه يؤوى مصريين هاربين ومطلوبين؟
- اعتقد ذلك.
* ومع اليمن مثلاً هل من نتائج؟
- هناك تقدم عام في هذا الموضوع على كل المستويات في كل أنحاء العالم.
* في المحادثات الايرانية - السورية كانت هناك اشارة ايرانية الى المخاطر في المنطقة من الحلف التركي - الاسرائيلي، كيف ترى ذلك؟
- هناك حالة مخاض في هذه المنطقة لبلورة نظام اقليمي جديد، تحاول فيه قوى معينة أن تعطي إسرائيل دوراً أقوى وأكبر مما تستطيع ان تلعبه، ومجرد ان يكون هناك دور اسرائيلي - في الظروف الحالية خصوصاً - تظهر علامات الاستفهام على الشاشات تتحدث عن مغزاه وما وراءه، ثم لماذا الأحلاف والمحاور، وعندما نتحدث عن الأحلاف والمحاور يجب الا نتكلم عن السلام، والعكس صحيح.
تركيا دولة مهمة في المنطقة مثل إيران، وتركيا قريبة منا نحن الدول العربية ويمكن أن نقيم معها علاقة بناءة ليس فقط علاقة ثنائية وإنما اقليمية، ولكن يجب الدخول الى منطقة الشرق الاوسط من الابواب الصحيحة والسلمية التي يجب قرعها، أما الدق على الباب الخطأ وتداعياته فهذه ليست مسؤوليتنا ... العلاقة العربية التركية علاقة عادية، ولا دخل لنا في علاقة تركيا واسرائيل ولا نتدخل مع تركيا او مع اسرائيل لتحديد شكل العلاقة بينهما، ولكن اذا كانت هذه العلاقة تشكل محوراً فهنا يصبح الخطر، والاتراك اكدوا لنا اكثر من مرة ان هذا غير صحيح بلسان رئيس الجمهورية السيد سليمان ديميريل وبلسان مسؤولين آخرين، ونحن نصدق الاتراك، والحقيقة أن بعض المسؤولين الاسرائيليين تحدث عن التحالف الاستراتيجي وكرره وحاول إثارته دائماً، فانتهز بعض الاتراك المناسبة، وأعتقد بأن تركيا الآن تفهم ان الخمسين سنة الماضية شهدت توتراً عربياً - تركياً كبيراً والخمسين سنة المقبلة يجب أن تشهد هدوءاً وتعاوناً بين تركيا والعرب، وسبب التوتر السابق معروف، وبالتالي أساس التفهم المقبل يجب أن يكون مفهوماً.
* لأنه تم نزع الفتيل بين سورية وتركيا؟
- طبعاً، هذا جزء مهم لكنه ليس كل القصة، نزع الفتيل السوري - التركي مسألة ايجابية طبعاً. إنما أيضاً يجب ان تقوم علاقة عربية - تركية بناءة، وتركيا جزء من تاريخنا مهما كانت الايجابيات او السلبيات، ويجب ان نرحب بدور تركي بناء ليس عن طريق العودة الى الأحلاف، إنما عن طريق تعاون اقليمي واضح وواسع.
* هناك دول تحمل هاجس الدور، فإيران ذاكرتها امبراطورية، وكذلك تركيا، وهناك من يقول إن مصر لديها عقدة الدور في العالم الجديد، ما هي أوراق القوة للعب دور، الاقتصاد؟
- الاقتصاد، الأمن، المصالح المشتركة، الهوية... كلها مهمة وإذا كانت بعض الدوائر لا تعجبها الجامعة العربية فهذا لا يعني ان نقوم بحلها، فالدول العربية لها هوية معينة، لا بد من الحفاظ على الروابط والثقافة المشتركة لأنها تمثل أمننا جميعاً وحفاظاً على المصالح المشتركة ... المسألة ليست هتافات او شعارات إنما خلق المصلحة المشتركة بين المجتمعات العربية حتى يمكن ان نقيم علاقة تعود بالفائدة على المواطن البسيط ... في مرحلة ما كانت الرومانسية تتحكم فينا لمجرد سماع نشيد او شعار. لكن اليوم يجب ان نقدم لكل مواطن ما يريده وإشباع حاجاته من مسكن وتعليم ... وأكثر من ذلك ان تشعره انه عضو في مجتمع فعال يتقدم نحو التكنولوجيا، نحو العصر الجديد. أما عقدة الدور فهي غير صحيحة وتدور في بعض الأذهان فقط، مصر مجتمع قديم جداً منذ آلاف السنين لا يمكن ان يعيش بعقدة، إنما بإيجابيات معينة، فمصر مجتمع "ظهره دافئ" لأنها لم تخلق فجأة باعتبارها تجمعاً يحوي ثروة معينة، مصر تشكلت عبر العصور والثقافات وغزوات وانتصارات واختلاط بين الشعوب ... أوضاع كثيرة وتاريخ طويل جداً.
في توشكى في شرق العوينات وجدنا آثار إشارات الى وجود حضارة عمرها 9 آلاف سنة في هذا الجزء من مصر، نحن نعلم ان هذا بلد مستقر ومستمر، جاء من جاء وذهب من ذهب، فهذا الاستقرار يجعلنا نلعب الدور الذي يضمن استمراره، نتطلع الى شرق مصر ونتعامل معه وهنا تأتي المشكلة الاسرائيلية وعملية السلام، ونتطلع الى الغرب فنجد عرباً مثلنا. مهما كانت الازمات، فهناك دائماً امتداد، والدولة الفاطمية المصرية انطلقت من تونس وهذا يعني الترابط التاريخي، وفي الجنوب السودان والصومال والتاريخ معهما طويل وهو الذي يحدد ويقر الدور المصري، لا ليس لدينا "عقدة" ودورنا يأتي نتيجة طبيعية للاستمرارية الطويلة مع وجود متغيرات عديدة من حولها.
* هل لدى مصر حساسية من تنامي أدوار أخرى في العالم العربي، مثلاً العراق وسورية؟
- على العكس، هذا يضيف الى الدور المصري، وأكدت منذ يومين أن دور العراق استراتيجياً لا يمكننا إسقاطه من حساباتنا نحن لا نتحسس من الأدوار الأخرى، وقلقون على وضع العراق.
* أهم انجازات عهد الرئيس مبارك... هل هو التحسن الاقتصادي؟
- لا شك، أن التحسن الاقتصادي انجاز كبير جداً، وبرأيي أن الانجاز الأعظم للرئيس حسني مبارك هو إعادة بناء مصر سواء في البنية الاساسية او في المشاريع الجذرية ولا أقول الكبرى او الصغرى إنما الجذرية الأساسية، أي التي تسهم في وضع جذور للمستقبل مثل مشاريع توشكى وسيناء ونقل مياه الوادي الى سيناء هذه مشاريع كبيرة، الاهتمام بالسياحة وفتح البحر الأحمر ... المدن الجديدة في سيناء الطرق الجديدة، الانفاق الجديدة.
عصر الرئيس عبد الناصر كان عصر تحديد الهوية وتصفية الاستعمار، وعصر الرئيس أنور السادات كان عصر تحرير مصر من الاحتلال الاسرائيلي، عصر الرئيس مبارك هو إعادة بناء مصر، وهناك مشاريع كبرى خاصة بالتعليم، وبالصحة، وبالتنمية البشرية، كلها مشاريع إعادة بناء رئيسية لأننا نبني بهدف اللحاق بقطار التقدم.
* عصر الرئيس مبارك هو عصر إعادة بناء مصر. هذا المزيج من التقدم والاستقرار يشجع على الاستمرار بولاية جديدة للرئيس مبارك.
- نعم لأننا بدأنا بمشاريع كبيرة في مصر وهذا يستلزم استقراراً واستمراراً وهذا هو الطبع المصري، الاستمرار والاستقرار مطلوبان في مصر ونؤمن اننا على الطريق الصحيح، يعني هذا أن التمديد لولاية رابعة طريق لاستكمال إعادة بناء مصر وإعادة تشكيل المنطقة بإسهام مصري وعربي.
نحن نعيد بناء مصر وأعيننا على المنطقة ومستقبلها لأننا نعيش فيها منذ القرون الأولى حتى الدولة الاسلامية الكبرى، الدولة الأموية والدولة العباسية والفاطمية، ونحن ما زلنا نؤكد اننا عرب، مهتمون بالمنطقة العربية، وما يحدث فيها وهذا يتطلب استقراراً وبناء ويتطلب الكثير من الوعي لمواجهة ذلك.
* الاستقرار والاستمرار... على الديبلوماسية المصرية؟
- الديبلوماسية المصرية مستقرة لها خط واضح وأنا مطمئن تماماً على استقرار الذهن الديبلوماسي المصري.
* هل من حكومة جديدة في نوفمبر بعد الاستفتاء؟
- علينا ان ننظر حتى الى التغيير الحكومي كجزء يساعد على الاستقرار والاستمرار.
* زمان كان حلم التغيير .. اليوم صار التعاطي مع كلمة استقرار؟
- لأن العالم في حالة غير مستقرة قد تؤثر في كثير من الدول بالذات النامية ودليلنا ما يحدث في جنوب شرقي آسيا في دول مثل أندونيسيا وماليزيا وهذه مسألة خطيرة جداً يجب أن نكون على وعي وحذر شديدين في هذه المرحلة.
* هل لديكم قلق من التغيير الحكومي الجديد؟
- ليس لدي اي قلق، ما يهمني هو المصلحة والخط السياسي المصري، وقلت في كلمة منذ ايام امام خريجي الجامعات الاميركية انه بصرف النظر عن الشخص الذي يرأس الديبلوماسية المصرية، هناك خط واضح لن يتم تغييره بسهولة، المسألة ليست شخصية ولا تتعلق بي انا شخصياً انما تتعلق بالخط الذهني والفكري في الديبلوماسية، وأنا اعتقد انه مستقر. والتغيير الحكومي مسألة خارج نطاق نقاشنا.
* هناك صناعة التاريخ وكتابة التاريخ فهل تكتب مذكراتك حالياً؟
- لم أكتبها بعد، لكن الكثير من الأحداث السياسية مسجلة مثل اللقاءات، والخطب والتحليلات والانطباعات، ولكن الاحداث الفردية لم أكتبها بعد.
* عندك هاجس التاريخ؟
- جداً.
* هل انت سعيد لأنك لم توقع على اتفاق السلام مع اسرائيل ولم يسجل التاريخ ذلك لأن غيرك وقعها؟
- لم أكن وقتذاك وزيراً لكي أوقع على اتفاق السلام.
* هل تقرأ تاريخاً؟
- انت تحثني كمصري ووزير للخارجية، والمصري لديه وعي تاريخي عميق جداً، وأنا واحد من هؤلاء. التاريخ مهم جداً لصياغة الفكر وكنت أقرأ كثيراً من كتب التاريخ، ليس فقط في التاريخ المصري او العربي إنما التاريخ العالمي. تاريخ الحرب العالمية الثانية، مذكرات الساسة احب قراءتها جداً، لكن مع الأسف لا أقرأ الكثير في الوقت الراهن لانشغالاتي، وأحرص على قراءة المقالات، وفي الطائرة كثيراً ما أقرأ الكتب وأحياناً احتاج الهدوء وأقرأ الشعر العربي، لشوقي والمتنبي وحافظ ابراهيم وبشارة الخوري وجبران خليل جبران.
* عندما تذكر المتنبي ماذا يخطر على بالك؟
- يخطر على بالي شوقي وبيت الشعر الذي يقول: ما نيل المطالب بالتمني.
* ظننت أنه على قلق كأن الريح تحتي؟
- اذكر عندما كنت في نيويورك ممثلاً مناوباً في الأمم المتحدة كنت اشتري كتباً كثيرة، لكن لم يكن لدي وقت لقراءتها، وعندما عُينت سفيراً في الهند بدأت اقرأ هذه الكتب، حالياً عندي كتب كثيرة لكن أحتاج الى الوقت لقراءتها واكتفي بالقراءة في الطائرة وفي الاجازة الصيفية.
* هل قرأت كتاباً سياسياً وتمنيت لو انك كتبته، مثلاً مذكرات غروميكو وكيسنجر؟
- قرأت جزءاً من مذكرات كيسنجر وجزءاً من مذكرات غروميكو وكتباً عن الرايخ، وعن التاريخ الاسلامي والتاريخ المصري والاميركي، والاخير يتضمن متعة لأنه يتناول تكوين الدولة وإنشاء الحضارة، وسوف أكتب مذكراتي وأرجو ان يسمح الوقت والعمر بذلك، لأن لدي الكثير الذي يجب أن أسجله وأقوله.
* هل كان عندك حلم أن تصبح وزير خارجية؟
- والله عايز أقولكم المسألة ليست حلماً، كان فيه طموح في مرحلة ما، ودخلت وزارة الخارجية في العام 1958.
* وتصعدت في عهد السادات؟
- ترقيت في عهد عبدالناصر ثم عهد الرئيس السادات ثم عهد الرئيس مبارك من ملحق الى سفير لعدة سنوات. كنت مجرد عضو في السلك الديبلوماسي وما يمكن ان اقوله هو انني احببت هذه المهنة من اليوم الاول وأدركت انها مهنة وليست رحلة. ويجب اجادتها مثل مهنة المهندس والمحامي، وهناك ديبلوماسي ناجح وآخر غير ناجح.
* الكفاءة عنصر مهم في تقدم الشخص، ماذا عن دور الحظ؟
- مؤكد هناك نسبة معينة من الحظ، منها ان تلتقي شخصيات ينصحونك ويعلمونك، وحظي كان لقاء هؤلاء.
* والحظ مع صاحب القرار؟
- هذا يأتي فيما بعد، ولكن أتحدث عن تكوين الديبلوماسي.
* متى تعرفت على الرئيس مبارك؟
- كان ذلك في العام 1975 عندما كان نائباً للرئيس.
* أين؟
- في مصر، كان الرئيس مبارك معنياً بمتابعة العلاقات المصرية - الافريقية، وكنت أجد العاملين في هذا الموضوع ومن هنا بدأت معرفتي بالرئيس، والتقيته وقتذاك مرة او اثنتين وكان وزير الخارجية آنذاك السيد اسماعيل فهمي.
* من بين اسلافك وزراء الخارجية من تراه علامة بارزة ومحطة يمكن الوقوف عندها؟
- هناك محطة رئيسية قبل ثورة 1952 هي الدكتور محمد صلاح الدين وزير خارجية من 1949 الى 1951 في وزارة الوفد التي ألغت معاهدة 1936 ورفض دخول مصر في الحرب الكورية والانضمام الى حلف بغداد الذي دعت إليه تركيا وبريطانيا وفرنسا وكندا. ومحمود فوزي المحطة الثانية وهي محطة مهمة لأنه عاصر الاحداث الضخمة في عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وكانت اتصالاته الدولية في غاية الاهمية ونجحت في تهدئة الامور وأحياناً احتواء المشاكل، وطوال مدة توليه وزارة الخارجية ترك أثراً وبصمة على الديبلوماسية المصرية، ثم محمود رياض وزير خارجية وهو اول وزير "ضابط" وكان رجلاً يفهم ويعي البُعد العربي بالذات وله دور كبير في الوحدة المصرية - السورية ورسخ البُعد العربي في قيادته للديبلوماسية المصرية، ثم اسماعيل فهمي ودوره في تحديث النظرة للديبلوماسية المصرية، والسنوات الاربع التي قضاها كوزير للخارجية تركت اثراً كبيراً جداً في هذا التحديث والنظرة الى مجمل المواضيع المدرجة على جدول اعمال الامم المتحدة ومواضيع نزع السلاح والاستعانة بالمتخصصين. هذه اربعة اسماء من عصور مختلفة تحضرني حالياً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.