ميتروفيتش: لم نحسم لقب الدوري حتى الآن    الاتحاد يتعثر أمام أبها بثلاثية    أبها يهزم الاتحاد بثلاثية قاسية في رحلة الهروب من الهبوط    الهلال يتغلب على التعاون بثلاثية ويقترب من اللقب    إدانة المنشأة الغذائية عن حادثة التسمم الغذائي وإغلاق فروعها بالرياض والخرج    بايرن يُجري عدة تغييرات أمام شتوتجارت    توسيع نطاق الاستثناء الخاص بالتصرف العقاري    31 مايو نهاية المهلة المجانية لترقيم الإبل    نمو الغطاء النباتي 8.5% بمحمية "الإمام تركي"    مدير «الصحة العالمية»: الهجوم الإسرائيلي على رفح قد يؤدي إلى «حمام دم»    "درع الوقاية 4".. مناورات سعودية – أمريكية بالظهران    بعد نحو شهر من حادثة سير.. وفاة نجل البرهان في تركيا    غداً.. منع دخول المقيمين لمكة دون تصريح    تركي الفيصل يرعى حفل جائزة عبد الله بن إدريس الثقافية    مفاوضات بين ناد سعودي وغاتوزو    «الدفاع المدني» محذراً: التزموا البقاء في أماكن آمنة وابتعدوا عن تجمُّعات السيول    موعد مباراة الهلال القادمة بعد الفوز على التعاون    الإنترنت في السعودية.. 99% نسبة الانتشار.. والهواتف المتنقلة الأكثر استخدامًا ب98.9%    الشرطة تفرق اعتصاما مؤيدا للفلسطينيين في معهد الدراسات السياسية بباريس    المعرض السعودي للإضاءة والصوت SLS Expo 2024 يقود التحول في مستقبل الضوء الاحترافي والصوت    القبض على أشخاص لترويجهم المخدرات في عدد من مناطق المملكة    الفوزان: : الحوار الزوجي يعزز التواصل الإيجابي والتقارب الأسري    رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء    جامعة الإمام عبدالرحمن تستضيف المؤتمر الوطني لكليات الحاسب بالجامعات السعودية.. الأربعاء    "ريف السعودية": انخفاض تكاليف حصاد المحاصيل البعلية بنسبة 90%    الجمعية السعودية للإعاقة السمعية تنظم "أسبوع الأصم العربي"    الصحة العالمية: الربو يتسبب في وفاة 455 ألف إنسان    إشعار المراسم الملكية بحالات سحب الأوسمة    سحب لقب "معالي" من "الخونة" و"الفاسدين"    تحويل حليب الإبل إلى لبن وإنتاج زبد يستوقف زوار مهرجان الألبان والأغذية بالخرج    الذهب يتجه للانخفاض للأسبوع الثاني    الأهلي يقسو على ضمك برباعية في دوري روشن    " عرب نيوز" تحصد 3 جوائز للتميز    "تقويم التعليم"تعتمد 45 مؤسسة وبرنامجًا أكاديمياً    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية    المملكة: صعدنا هموم الدول الإسلامية للأمم المتحدة    وزير الطاقة: 14 مليار دولار حجم الاستثمارات بين السعودية وأوزبكستان    وفيات وجلطات وتلف أدمغة.. لعنة لقاح «أسترازينيكا» تهزّ العالم !    ب 3 خطوات تقضي على النمل في المنزل    136 محطة تسجل هطول الأمطار في 11 منطقة بالمملكة    شَرَف المتسترين في خطر !    الخريجي يشارك في الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية للدورة 15 لمؤتمر القمة الإسلامي    لجنة شورية تجتمع مع عضو و رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الألماني    انطلاق ميدياثون الحج والعمرة بمكتبة الملك فهد الوطنية    كيفية «حلب» الحبيب !    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية ويشهد تخريج الدفعة (103)    كيف تصبح مفكراً في سبع دقائق؟    قصة القضاء والقدر    يهود لا يعترفون بإسرائيل !    من المريض إلى المراجع    أمير جازان يطلق إشارة صيد سمك الحريد بجزيرة فرسان    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    مركز «911» يتلقى (2.635.361) اتصالاً خلال شهر أبريل من عام 2024    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ    مباحثات سعودية فرنسية لتوطين التقنيات الدفاعية    ما أصبر هؤلاء    هكذا تكون التربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"شكسبير عاشقاً": جسر من الوهم بين الماضي الحاضر
نشر في الحياة يوم 01 - 03 - 1999

ماذا يفعل الاديب اذا أجدبت مخيلته فجأة وهجرته مصادر الإلهام؟ يبحث عن ملهمة حسناء تأخذ بيده على طريق الابداع، حسب فيلم "شكسبير عاشقاً" الذي أخرجه جون مادن. فبطله، المسرحي والشاعر الناشىء وليام شكسبيرجوزيف فينز الذي استعصت عليه الكتابة، لم يجد مخرجاً من مأزقه الا عندما التقى فيولا دي ليسبس غوينيث بالترو. وحالما تعرف إليها خلال اختبار المتقدمين للقيام بأدوار في مسرحيته "روميو وايتيل ابنة القرصان"، تزهر موهبته وتعود يراعته الى لهوها فوق الورق. يلقي بالنص في سلة المهملات وينكب على كتابة "روميو وجولييت". وبذلك ينقذ مدير فرقته. فالاخير كان في حاجة الى تقديم عرض جديد كي ينفد بجلده من الدائنين الذين كادوا يطعمون قدميه للنار.
تبث فيولا الحياة في الاحداث منذ اطلالتها الاولى. جمالها الهادىء يكتنز أسراراً تغري المرء باكتشافها، وخبثها وجرأتها والشعر الذي ينبجس من ثغرها العذب. كل ذلك خلص الفيلم من برودة رزح تحتها في المشاهد القليلة الاولى. اذن كيف يقوى شكسبير على مقاومة سحر الفتاة التي تنكرت في ثياب شاب له شاربان نحيلان وشبه ذقن؟ وقد اضطرت الى التخفي لأن الوقوف على المسرح كان محرماً على النساء في انكلترا القرن السادس عشر.
تنطلي عليه الحيلة أول الامر. لكن شيئاً غريباً يشده الى الشاب الذي لايلبث أن يخلع أقنعته فيعترف شكسبير أنه متيم يحمل لها حباً متأججاً هو "كما المرض وعلاجه في آن ... أو الماء والنار" وقد جُبلا معاً.
تتوالى فصول المغامرة العاطفية بعيداً عن العيون وعلى خشبة المسرح حيث تواصل فيولا التدرب على دور الشاب روميو! الا أن والد فيولا الثري يعقد "صفقة" زواجها مع اللورد ويسيكس تاجر التبغ النافذ والمغرور. يبدي الأخير غيرة مجنونة إزاء خطيبته. وعندما يستجوب ويسيكس شكسبير، المتخفي على هيئة خادمة بعد ليلة حمراء قضاها مع فيولا، عن هوية المسرحي العاشق الذي يتردد على مخدع خطيبته، يقول له ان اسمه كريستوفر مارلو. ولايطول الوقت حتى يسقط الاديب الشاب مارلو مضرجاً بدمائه ضحية غيرة الاحمق ويسيكس على حسنائه وغيرة الخبيث شكسبير من موهبته الفذة.
في يوم العرس ترافق فيولا خطيبها على مضض. غير أنها تفر منه حالما تعلم أن الستارة على وشك أن ترتفع عن عرض "روميو وجولييت". وفي المسرح لاتتردد في المشاركة انقاذاً للعرض من مأزق مفاجىء. واللافت أنها لم تؤدِ دور روميو، بل لعبت أمام شكسبيرشخصية جولييت من دون تنكر، بدلاً من الشاب الذي تدرب على الدور. وكادت العقوبة القاسية أن تنزل بها وبشكسبير لخرقهما القوانين المرعية في تلك الايام. لكن الملكة اليزابيث الاولى تدخلت في اللحظة الاخيرة لحمايتهما من الرقيب الذي ادعى أنه يمثلها آمرة اياه "كفَّ عن استعمال اسمي لئلا يهترىء على يديك". وقبل أن تغادر، توصي الملكة فيولا قائلة "دعي الممثلة جولييت في المسرح وابعثي فيولا كي تلحق بعريسها اللورد ويسيكس".
حصة الوهم وحصة الحقيقة
هكذا ترسم الملكة خطاً فاصلاً بين المسرح والحياة اللذين تداخلا طويلاً. لابل يختلط الامر أحياناً ويبدو أن المسرح يقود الحياة في "روميو وجولييت" وليس العكس. من هنا يبدو الهدف من تدخل الملكة احلال النظام بعدما شاعت الفوضى جراء تماهي الفن والواقع. واعادة النظام الى نصابه قبيل اسدال الستارة هي عادة شكسبيرية بامتياز. ولعلها واحدة من نتف انتقاها المؤلفان توم ستوبارد ومارك نورمان من تاريخ العصر الاليزابيثي وحياة العبقري وبعض أعماله لصياغة حكاية كان الشطر الاكبر منها متخيلاً.
لاندري اذا كان شكسبير خرافة أو شخصية حقيقية. هذا أمر لم يُحسم بعد تماماً كميول العبقري الجنسية. لكن الاكيد أنه لم يعشق شابة اسمها فيولا. ولم يكتب لها السوناتة الشهيرة التي يقول في مطلعها "هل أقارنك بيوم صيفي؟"، وقد ألقاها في الفيلم على مسامع الممثلة الحسناء. فهذه القصيدة القصيرة موضع خلاف. بعضهم يعتبرها دليلاً على مثلية شكسبير الجنسية فهي مكتوبة لشاب آخر حسب تفسيراتهم، فيما يؤكد آخرون أنه نظمها لملهمته الملقبة "سيدة السوناتات الغامضة". ومن المؤكد أيضاً أنه لم يكتب نصاً عنوانه "روميو وايتيل ابنة القرصان" الذي خرجت "روميو وجولييت" من رحمه، حسب الفيلم. صحيح أن لغطاً دار حول علاقة غير مباشرة لشكسبير بمقتل كريستوفر مارلو. لكن هذا يمثل أضعف النظريات التي حاولت حلّ لغز جريمة أودت بحياة أديب ربما نافس شكسبير على عرش المسرح الانكليزي لو عاش سنوات أخرى.
جاء الفيلم مستودعاً للوهم لا منجماً للحقيقة عن شكسبير وعصره. ومعروف عن أعمال توم ستوبارد المسرحية أنها تتجنب الالتصاق بالواقع. ونسب اليه قوله إنه يعكف على تخيل الاحداث عندما يكتب عن حياته أو حياة الآخرين بدلاً من تسجيل الوقائع بدقة.
ومن جهة ثانية، فإن اعادة الخلق على أساس شذرات من نصوص أخرى طريقة مألوفة لدى ستوبارد. لذلك يبدو اتهامه بسرقة بعض تفاصيل الفيلم من مصادر شتى أبرزها رواية "لاسرير لبيكون"، التي ألفها كاريل برامز وسي جى سيمسون في العام 1941، مجحفاً. لكن ما ضرّ إن افتقر نص يتصل بشكسبير الى الجدة، اذا كان العبقري ذاته نفر من هذه الصفة واستعار معظم مسرحياته من آخرين؟
والاديب التشيخي الاصل توم ستوبارد ولج عالم النجاح متكئاً على عكاز شكسبير. كان ذلك في 1966 حين قدم مسرحيته الشهيرة "روزنكرانتس وغيلدنسترن ميتان". وهي تسلط الضوء التراجيكوميدي على شخصيتين ثانويتين من "هاملت" بقصد اضاءة عزلة الفرد وسخف الحياة، على طريقة أديبه الاثير صاموئيل بيكيت. ثم وقع عشرات المسرحيات والقصص وبعض النصوص التلفزيونية والسينمائية. وشغلته موضوعات كثيرة من أهمها الحياة السياسية والبرلمانية "الغسيل الوسخ"، والصحافة بسلوكها وقيمها في "الليل والنهار"، ومصادرة الحريات في اوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي سابقاً في "فاول مهني"، فضلاً عن أسئلة الحب والغربة والانتماء في "اركاديا" . بعد هذا الرصيد الكبير ونحو 30 عاماً على تاريخ ظهور باكورته الشكسبيرية، عاد ستوبارد الى المنهل ذاته. اذ قدم نسخته من "هاملت" في 15 دقيقة، مع أن وقت المسرحية الاصلية يربو على 4 ساعات.
وهاهو يعب من جديد من النبع الشكسبيري ليساهم في نسج نص متعدد الوجوه. فالفيلم حكاية رومانسية من جهة، وقصة مأسوية يسقط فيها القتلى وتتكشف بعض جوانب الضعف الانساني من جهة أخرى. وهو يصل الماضي بالحاضر، على أكثر من مستوى. خصوصاً عبر معالجة الصعوبات المادية التي واجهها مسرحيو تلك الايام، ولاتقل شدة عما يعانيه زملاؤهم حالياً.
في الوقت ذاته، يبدو الشريط مابعد حداثي. عدا الكوميديا والسخرية التي تأخذ تجليات ومفارقات غريبة، يثير الفيلم أسئلة الهوية وهشاشتها. تنتقل فيولا بخفة بالغة بين شخصيتي المرأة والرجل. وشكسبير يؤدي مرة دور المرأة على مسرح الحياة أمام الملكة ولورد ويسيكس. والاديب الشاب الذي اعتقدت حبيبته أنه قُتل على يدي خطيبها يعود الى الحياة في شكل فاجأ فيولا ودفع لورد ويسيكس الى الهرب مذعوراً.
وهل ثمة مفارقة أبلغ من جعل شخصية الملكة اليزابيث الاولى المعروفة ببأسها وجبروتها أقرب ماتكون في الفيلم الى المهرج الشكسبيري التقليدي؟ فالملكة جودي دينش بوجهها البلاستيكي، تبدو أكثر الشخصيات حكمة وذكاء وسخرية حادة، على طريقة مهرجي شكسبير الكبار، وإن حافظت على رصانتها "الرسمية".
فريق الممثلين كان متميزاً، مما يفسر ترشيح الفيلم ل 13 أوسكاراً. جودي دينش بين الذكاء ووضوح الرؤية والتعالي والجدية وخفة الدم في آن. لذلك فهي تستحق أوسكار أفضل ممثلة مساعدة. وربما عوضها ذلك خيبة العام الماضي حين لم تعد من المهرجان بأوسكار أفضل ممثلة عن دورها في "مسز براون". والارجح أن كثيراً من معالم فيولا واسمها مستقى من احدى الشخصيات الرئيسية في مسرحية "الليلة الثانية عشرة" التي تعيش جزءاً من الاحداث الرومانسية -الكوميدية متنكرة في زي شاب. وقد فاضت غوينيث بالترو حناناً في دور الشابة الحسناء، فهل تُكافىء هي الاخرى بأوسكار الممثلة الأولى؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.