هوس الجوالات الجديدة.. مراجعات المؤثرين ترهق الجيوب    كيف يقلل مونجارو الشهية    تراجع في أسعار الذهب    أوكرانيا تعلن تلقيها مسودة خطة سلام أمريكية لإنهاء الحرب مع روسيا    الاتحاد الأرجنتيني يعلن فوز روزاريو سنترال بلقب "بطل الدوري"    مواجهات قوية وتأهل لنجوم العالم في بطولة "موسم الرياض للسنوكر 2025"    حريق في مقر "كوب 30" يتسبب في إخلاء الوفود وتعليق المفاوضات    "الخزانة الأمريكية" تعتزم طرح سندات طويلة الأجل بقيمة (183) مليار دولار    السعودية والإمارات من النفط إلى تصدير الكربون المخفض    من واشنطن.. الشركة السعودية للاستثمار الجريء تعلن عن مليار ريال استثمارات مشتركة    تجهيز 150 حديقة لاستقبال الزوار خلال الإجازة بالطائف    العراق يواجه الفائز من بوليفيا وسورينام في ملحق مونديال 2026    المنتخبات السعودية تقفز رابع ترتيب التضامن الإسلامي "الرياض 2025"    «سلمان للإغاثة» يجعل من الطفل محورًا أساسيًا في مشاريعه وبرامجه    ضبط يمني مخالف لنظام أمن الحدود في جازان لنقله مخالفين لنظام أمن الحدود من الجنسية نفسها    المملكة توزّع 1.125 سلة غذائية بإقليمي البنجاب والسند في باكستان    المودة تطلق حملة "اسمعني تفهمني" بمناسبة اليوم العالمي للطفل    في صحة كلما ازددنا علما ازددنا جهلا    من أي بوابة دخل نزار قباني    جنازة الكلمة    أمين المتحف.. موجّه المعرفة الرقمية    العبيكان رجل يصنع أثره بيده    نائب وزير الخارجية يؤكد دعم المملكة الكامل للخطة الشاملة لإعمار غزة    23 لاعبًا في قائمة المنتخب السعودي لكأس العرب 2025    7 اتفاقيات بين سدايا وشركات أمريكية في الذكاء الاصطناعي    تشكيل الأهلي المتوقع أمام القادسية    "8" فعاليات مصاحبة تخاطب زوار كأس نادي الصقور السعودي 2025 بالظهران        الأنصاري: 87% من خريجي جامعة محمد بن فهد يلتحقون بسوق العمل    الجمعة.. انطلاق الجولة التاسعة من دوري يلو    ولي العهد يبعث برقية شكر لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية    نائب أمير حائل يستقبل د.عبدالعزيز الفيصل ود.محمد الفيصل ويتسلم إهدائين من إصداراتهما    التخصصي و"عِلمي" يوقعان مذكرة تعاون لتعزيز التعليم والابتكار العلمي    العوالي توقع اتفاقية مع سدكو لإنشاء صندوق عقاري بمليار ريال    هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنظم لقاء بعنوان (تحديات الأمن الوطني)    تعليم مكة يكرّم المتفوقين والمتفوقات    أمير تبوك يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة نجاح الزيارة التاريخية لسمو ولي العهد للولايات المتحدة الأمريكية    أمير تبوك يكرم شقيقين لأمانتهم ويقدم لهم مكافأة مجزية    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل العام لجمهورية الصومال    محافظ جدة وأمراء يواسون أسرة بن لادن في فقيدتهم    ثمن جهودهم خلال فترة عملهم.. وزير الداخلية: المتقاعدون عززوا أمن الوطن وسلامة المواطنين والمقيمين    فلسطين تبلغ الأمم المتحدة باستمرار الانتهاكات الإسرائيلية    غارة إسرائيلية تقتل شخصاً وتصيب طلاباً.. استهداف عناصر من حزب الله جنوب لبنان    وسط غموض ما بعد الحرب.. مشروع قرار يضغط على إيران للامتثال النووي    تامر حسني يكشف تفاصيل أزمته الصحية    مهرجان الديودراما المسرحي يحتفي بالثنائية الفنية    الجوازات تستقبل المسافرين عبر مطار البحر الأحمر    تعمل عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي.. درون وروبوت لمكافحة الحرائق بالمباني الشاهقة    إبراهيم إلى القفص الذهبي    انطلاق النسخة ال9 من منتدى مسك.. البدر: تحويل أفكار الشباب إلى مبادرات واقعية    دراسة: دواء السكري يقلل فوائد التمارين    أمير الرياض يستقبل سفير المملكة المتحدة    14 ألف جولة رقابية على المساجد بالشمالية    فيصل بن مشعل يتسلّم تقرير لجنة الحج الفرعية    «الجوف الصحي» يقدّم الفحوصات الدورية المتنقلة    لماذا يبدع ضعيف الذاكرة؟!    120 ألف شخص حالة غياب عن الوعي    استقبل وزير الحج ونائبه.. المفتي: القيادة حريصة على تيسير النسك لقاصدي الحرمين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روسيا : يقظة الدور التاريخي وشهية العقود
نشر في الحياة يوم 23 - 02 - 1998

في نهاية شهر آب اغسطس 1990، ومباشرة بعد اعلان الحصار الاقتصادي ضد العراق عقاباً على غزوه الكويت، اضطرت سفينتان تجاريتان سوفياتيتان الى وقف رحلتهما نحو العراق والعودة من عرض البحر. وكانت تلك العودة ايذاناً بخسارة روسيا سوقاً استهلاكية ضخمة ليس للصناعات الخفيفة بل وللصناعات الثقيلة.
وتعود أول اتفاقية تجارية تم توقيعها بين الطرفين الى سنة 1958، وبعد 17 سنة تضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين 26 مرة وبلغ 238 مليون دينار عراقي، وهو ما شكل حينها بين 10 و12 في المئة من التجارة الخارجية العراقية، واحتل الاتحاد السوفياتي بذلك المرتبة الأولى بين شركاء العراق الخارجيين.
وكان للاتحاد السوفياتي دور كبير في تزويد العراق ببنية تقنية متطورة، حيث ساهم في بناء سدود ومحطات توليد الطاقة من بينها محطة "القادسية" على نهر الفرات القادرة على توليد 660 ألف ميغاواط، كما كان السوفيات وراء مد العراق بالتجهيزات المتطورة لاستخراج النفط وتكريره، وقد شيدوا أنابيب عدة لضخ البترول، من بينها الأنبوب الممتد بين بغداد والبصرة بطول 540 كلم ويضخ 5.1 مليون طن من النفط سنوياً ويعتبر الأول من نوعه في الشرق الأوسط.
اضافة الى ذلك زود الاتحاد السوفياتي العراق بالخبراء والتقنيين، الذين بلغ عددهم في نهاية الثمانينات حوالى ستة آلاف شخص. وقبيل حرب الخليج الثانية كان العراق قد وقّع مع الحكومة السوفياتية آنذاك بروتوكولاً يلتزم بموجبه دفع 6.1 مليار دولار على شكل نفط و350 مليون دولار نقداً، إلا ان موسكو لم تنجح قبل اندلاع "عاصفة الصحراء" في الحصول إلا على 5.6 مليون طن نفط و46 مليون دولار نقداً، وفشلت محاولاتها لاستعادة ديونها عن طريق البنوك الأميركية بعدما تم تجميد الأموال والودائع العراقية فيها.
وبذلك فقدت روسيا - وريثة الاتحاد السوفياتي - بسبب العقوبات امكانية مهمة لاغناء خزينتها المفلسة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لذلك تسعى بكل جهدها وفي حدود ما تسمح به التزاماتها الدولية الجديدة لمرحلة ما بعد نهاية الحرب الباردة، الى التسريع بانهاء العقوبات الدولية ضد العراق على أمل ان يتيح لها ذلك فرصة لاستعادة ديونها، كما تسعى في الوقت نفسه الى عدم الابتعاد عن المنطقة لأنها تعلم تماماً انه حالما تُرفع العقوبات المفروضة على العراق ستتهافت الشركات النفطية لوضع يدها على ثاني أكبر احتياطي من البترول في منطقة الخليج بعد المملكة العربية السعودية، وليس عبثاً ان توقع شركات روسية عقوداً لاستغلال النفط العراقي تصل قيمتها الى 10 مليارات دولار تنتظر فقط لحظة الاعلان عن عودة العراق الى الحياة الطبيعية.
فمع انتقال روسيا الى اقتصاد السوق ظهرت في البلاد مجموعات مالية واقتصادية ضخمة، خصوصاً في مجال الصناعات النفطية، أصبحت تشكل لوبياً سياسياً قوياً له مصالح في الشرق الأوسط ويدفع الحكومة الروسية للاستماتة في الدفاع عن حصتها من "الكعكة" النفطية في العراق. وقد حققت تلك المجموعات خطوات لا يستهان بها في كسب حقوق استثمار النفط العراقي مستقبلاً، وقد مُنحت شركات النفط الروسية الأولوية لتسويق البترول العراقي في اطار اتفاقية "النفط في مقابل الغذاء" بعد الزيارة التي قامت بها الى بغداد لجنة روسية خاصة يتقدمها وزير الطاقة، لذلك تبذل موسكو جهوداً حثيثة لرفع حصة البترول المسموح للعراق ببيعه والتي لا تتعدى حتى الآن ما قيمته ملياري دولار كل 6 أشهر. وقد أغرى هذا السبق شركات النفط الروسية وأهمها "زاروبيج نفت" و"لوك اويل" و"روس نفت" لاعداد مشاريع ضخمة لمرحلة ما بعد رفع العقوبات. وبموجب هذه المشاريع ستتمكن تلك الشركات من استغلال 25 مليون طن من النفط العراقي سنوياً. فلا غرابة إذاً ان تطالب روسيا بالاسراع في رفع العقوبات عن العراق، إذ سيفتح لها امكانية واسعة لاستعادة بعض مواقعها الضائعة، خصوصاً ان العراق يتوافر على احتياطي يبلغ 110 مليار برميل ما يمثل 11 في المئة من الاحتياطي العالمي، لذا لا تقبل تلك المؤسسات التسليم بكل هذه الثروة لمصلحة المؤسسات الأميركية.
والى جانب ضغط المؤسسات الاقتصادية، تمثل التيارات القومية والشيوعية ذات الغالبية البرلمانية قوة ضاغطة مهمة على الحكومة، ليس حباً بالعراق وانما لعدم التفريط بالمصالح الروسية فيه، خصوصاً ان للعراق موقعاً استراتيجياً يجعله ممراً سياسياً يربط الشرق الأوسط بآسيا الوسطى مروراً بالخليج العربي. وليس صدفة ان حوّل جيرينوفسكي زعيم الحزب الليبرالي الديموقراطي مهمته الانسانية الى حملة سياسية صاخبة لمصلحة العراق، بل وطالب بارسال قوات روسية الى الخليج لحماية العراق استناداً على معاهدة الصداقة التي تجمع البلدين.
وتقف هذه الضغوط التي تطرحها مصالح روسيا السياسية والاقتصادية والجيوستراتيجية وراء موقف موسكو الحازم الذي يدعو الى ضرورة ايجاد حل سلمي للأزمة العراقية. وإذا نجحت الجهود الديبلوماسية الروسية فإن موسكو تكون نجحت في حماية جزء من مصالحها الاستراتيجية.
قبل بضعة أيام نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالاً أثار ضجة واستياء في الأوساط السياسية الروسية، إذ اتهم المقال موسكو ببيع العراق معدات قادرة على انتاج الأسلحة الجرثومية وذلك بناء على اتفاق وقعه الطرفان في صيف 1995 مما يعني خرق قرارات الحظر والعقوبات المفروضة ضد العراق، ويؤكد كاتب المقال ان موسكو لم ترد حتى الآن على سؤال وجهته اليها الأمم المتحدة عن هذه الصفقة منذ ستة أسابيع.
وبالطبع نفت وزارة الخارجية الروسية جملة وتفصيلاً ما جاء في الصحيفة الأميركية واعتبرته محاولة لاجهاض الجهود الديبلوماسية التي تبذلها موسكو لايجاد حل سلمي للأزمة. وبغض النظر عن حجم الحقيقة فيما جاء في المقال المذكور والتوقيت الذي اختير لنشره، فالمؤكد ان هناك تعاوناً عسكرياً بين موسكو وبغداد، إلا انه تراجع كثيراً بسبب الحصار المفروض على العراق. لكن من الصعب القول انه انقطع تماماً، كما ليس من المستبعد ان تتم بعض الصفقات "الصغيرة" من وراء ظهر الحكومة الروسية نفسها التي أصبحت تجد صعوبة كبيرة في مراقبة كل مبيعات السلاح الروسي بعدما اسند جزء من تجارة السلاح الى مؤسسات خاصة، وكذلك بسبب الانفلات الذي يسود هذا القطاع الخطير على غرار ما يجري في قطاعات حيوية أخرى كثيرة.
لقد كانت روسيا - وقبلها الاتحاد السوفياتي - شريكاً أساسياً للعراق في مجال الأسلحة، وشكل السلاح الروسي - الى جانب الفرنسي - جزءاً رئيسياً من الترسانة الحربية العراقية. وفاقت العلاقة الروسية - العراقية في مجال التسليح كل مجالات التعاون الأخرى، وبلغت أوجها خلال الحرب العراقية - الايرانية، خصوصاً بعد توقيع معاهدة الصداقة بين موسكو وبغداد. وعلى رغم التعاون العسكري الوطيد بين الطرفين إلا انه لم يصل الى مستوى الدعم او المساعدة في التصنيع النووي.
وكان العراق يقتني خصوصاً الطائرات الحربية الروسية من نوع "ميغ" و"سوخوي" وكذلك الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى ومن أشهرها صواريخ "سكود" التي استعملت في حرب الخليج الثانية تحت اسم "الحسين". اضافة الى ذلك كان الاتحاد السوفياتي يمد العراق بالتجهيزات والتكنولوجيا الحربية والخبراء والتقنيين العسكريين، كما ان العديد من العسكريين العراقيين هم خريجو المعاهد والاكاديميات الحربية الروسية.
وقد وجدت الصناعة الحربية الروسية في "الهوس" العسكري لدى القيادة العراقية واندفاعها المحموم لتصبح قوة عسكرية ضاربة في المنطقة مجالاً خصباً ومشجعاً لتحويل العراق الى أحد أهم الأسواق استهلاكاً للسلاح الروسي. وقد حرم الحصار والعقوبات روسيا من هذه السوق وكبدها خسائر جسيمة، اضيفت الى الخسائر التي لحقتها في كثير من الأسواق الأخرى التي كانت تحتكرها، مثل ليبيا والجزائر ومصر وأثيوبيا.
لقد شكل العراق بالنسبة الى الاتحاد السوفياتي سابقاً حليفاً في منطقة الخليج، إلا ان العلاقة بينهما لم ترقَ في أي وقت الى حد التحالف الاستراتيجي وظلت في حدود التعاون الاقتصادي والعسكري. وكانت موسكو من الناحية السياسية تتعامل بحذر مع الرئيس صدام حسين وتعتبره رجلاً مغامراً لا يؤمن جانبه وقادراً على تغيير تحالفاته باستمرار، اضافة الى ذلك شكل التنكيل بالشيوعيين العراقيين والأكراد عوامل ألقت دائماً بظلالها على العلاقات بين الكرملين وبغداد، ولم تسمح بتطورها الى مستوى الشراكة الاستراتيجية فظلت علاقة مصالح متبادلة محدودة في الزمان والمكان.
ومنذ نهاية حرب الخليج الثانية التي تزامنت مع انهيار الاتحاد السوفياتي تحلم روسيا باستعادة "حظوتها" لدى العراق كشريك أول ومنحها الأفضلية في العلاقات الاقتصادية، وترى موسكو في منحهما الأولية في استيراد البترول العراقي في اطار اتفاقية "النفط في مقابل الغذاء" مؤشراً ايجابياً على امكان تطور العلاقات بين البلدين هذه المرة الى مستوى استراتيجي، خصوصاً بعدما انتهى عصر الايديولوجيات ليحل محله عصر التسابق على موارد الطاقة. وتراهن موسكو على بغداد كجزء من سياستها الخارجية التي تتجه نحو الشرق لتعويض المواقع الكثيرة التي خسرتها خصوصاً في أوروبا الشرقية، ويراهن صانعو السياسية الروسية على امكان خلق تحالف استراتيجي في المنطقة مع العراق وسورية وايران لوقف الزحف الأميركي الآخذ في التمدد والذي يهدد بالاستحواذ على ثروات المنطقة وتهميش روسيا التي تحاول الآن بكل جهدها الديبلوماسي، ليس انقاذ العراق ولكن انقاذ وجودها قبل كل شيء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.