كانت الثمانينات عقد الأسرار وصناعة الأدوار. إيلي حبيقة سيذهب سراً إلى سورية بعدما تولى سامي الخطيب وميشال سماحة تمهيد الطريق. وفي منزل سماحة في الأشرفية سيلتقي رفيق الحريري وإيلي حبيقة ليعقب اللقاء موعد سري في سويسرا في حضور جوني عبده، وآخر في دوردان قرب باريس وثالث في الجزر اليونانية. وفي طائرة محلقة في أجواء سردينيا سيبحث الرئيس أمين الجميل مع الحريري تنشيط الاتصالات والجهود لإنهاء الحرب. بعدها سيدخل سمير جعجع على خط اللقاءات السرية عبر لقاءين بارزين في سويسرا. وقائمة اللقاءات السرية طويلة. ولعل أفضل وصف لما حدث في ذلك العقد قول الوزير وليد جنبلاط، على هامش مشاركته في سلسلة يتذكر "تعقد الوضع فتحركت طائرة الحريري". والطائرة نفسها استخدمها مبعوث اللجنة الثلاثية العربية العليا الأخضر الابراهيمي للذهاب إلى بيروت وعلى أمل أن يعود إلى جدة مصحوباً بالعماد ميشال عون والدكتور سليم الحص، وهي الطائرة التي استخدمها الرئيس الراحل رينيه معوض للقيام بزيارة سرية لدمشق قبيل انتخابه. في هذه الحلقة يروي الوزير حبيقة قصة الطريق التي اجتازتها فكرة انهاء الحرب وصولاً إلى توقيع "الاتفاق الثلاثي". وتسلط روايته الضوء على مواقف عدد من اللاعبين السابقين والحاليين، وهنا نص الحلقة الثانية: من اين جاءت فكرة "الاتفاق الثلاثي"؟ لا بد من العودة قليلاً الى الوراء. كانت "القوات اللبنانية" طرفاً اساسياً في الحرب اللبنانية، وهذا يعني انها يجب ان تكون شريكاً في السلام او التسوية. ولكي تتمكن من ذلك يجب ان يكون قرارها في يدها. عندما تولى امين الجميل رئاسة الجمهورية ظهرت مشكلة جدية فهو بدأ يتصرف كأن "القوات" ورقة في جيبه يستطيع ان يلعبها في الاتجاه الذي تمليه مصلحته. يدفعها الى التشدد حين يريد التملص من موقف معين ويصور انه يرغمها على الاعتدال في مواقف اخرى. وكان لدى امين الشعور نفسه حيال حزب الكتائب الذي كان بزعامة والده بيار الجميل. حصل تململ داخل "القوات" اذ كان هناك فريق يعتقد بأن على رئيس الجمهورية ان يتعاطى مع "القوات" كفريق سياسي اسوة ببقية الفرقاء، من دون ان يعني ذلك حكماً الصدام مع رئيس الجمهورية. وكان هذا الفريق يرى ان العلاقة مع الرئيس يجب ان تحكمها معايير التقارب او التباعد، انطلاقاً من رؤية "القوات" للاحداث. هذا الفريق الذي كنت انتمي اليه كان يضم ايضاً كريم بقرادوني وسمير جعجع وانطوان بريدي وسجعان قزي، اي المجموعة التي كانت الى جانب بشير الجميل وكانت لديها نزعة للتحرر من حزب الكتائب. الفريق الآخر كان يضم فؤاد ابو ناضر ابن شقيقة امين الجميل ومجموعة صغيرة. عندما انتخب بشير الجميل رئيساً للجمهورية بدأت "القوات" تعد نفسها للدخول في مشروع بناء الدولة، واعتبرت ان الحرب انتهت وعليها بالتالي ترك السلاح ودخول اللعبة السياسية. قتل بشير الجميل وعادت الحرب وصادر امين قرار "القوات" وجعله ورقة في التجاذب مع الاطراف الاخرى. كان يُبرز "القوات" اذا كان الغرض تأجيج الصراع، ثم يضعفها اذا ظهرت امامه احتمالات تسوية. وتزايد الشعور داخل "القوات" بضرورة استعادتها قدرتها على رسم خطها السياسي والتصرف كحالة مستقلة. وعلى هذا الاساس حصلت الانتفاضة في 12 آذار مارس 1985 ونجحت. ومرة جديدة ظهرت التساؤلات داخل الفريق الذي استقل عن وصاية امين: ماذا تفعل "القوات" والى اين تتجه؟ طبعاً كان هناك من يعتبر ان على "القوات" العودة الى ما كانت في ايام بشير، على رغم ان الفترة الاخيرة من عهده شهدت تغييرات وان لم تتبلور تماماً. وكان هناك من لا يزال يفكر في مشروع "لبنان المسيحي". والواقع ان تلك العودة كانت متعذرة فهناك تغييرات في الداخل فضلاً عن ان حالة بشير التقت فيها عوامل داخلية مع عوامل اقليمية ودولية. كان هناك اتجاه يزايد على امين برفع شعار الوطن المسيحي واتجاه يدعو الى اعداد "القوات" لدخول اللعبة السياسية وكنت انا من الفريق الذي يعتبر ان على "القوات" ان تراجع خياراتها وتعيد تقويم حساباتها وان تفتش عن مخارج. الغائب الوحيد في تلك الايام كانت هناك حكومة يشارك فيها كميل شمعون وبيار الجميل ونبيه بري ووليد جنبلاط. وكان هذا الوضع لافتاً: كل الاطراف حول طاولة مجلس الوزراء باستثناء "القوات اللبنانية"، وهذا يعني انها موضوعة خارج الحوار الدائر بين الاطراف. وبدا واضحاً ان استبعادها او بقاءها بعيدة لن يؤدي الى شيء سوى محاولة امين تحويلها ورقة تخدم مصالحه. هنا بدأت أفتش عن الطريقة التي يمكن ان تؤدي الى ادخال "القوات" التركيبة السياسية. واتضح لنا ان عملية الدخول متعذرة ما لم يخترق الجدار المنتصب امامها او الحصار المفروض عليها. وبصورة اوضح لا بد من اختراق الجدار الذي كانت سورية قد وضعته. وبدأنا نفكر في اذابة الجليد لفتح الباب مع سورية تمهيداً لفتحه مع الافرقاء اللبنانيين. في الفترة التي كنت فيها مسؤولاً عن جهاز المعلومات في "القوات" جرت محاولة للاتصال بالمسؤولين السوريين ساعدنا فيها اشخاص كثيرون بينهم اللواء سامي الخطيب النائب الحالي. بشير ودمشق لكنك التقيت السوريين في ايام بشير؟ - كان ذلك في العام 1981 ابان حرب زحلة فقد التقى اللواء محمد الخولي بشير الجميل في القصر الجمهوري ثم التقينا في منزل جوني عبده الذي كان مديراً للمخابرات في الجيش. في الاجتماع الاول جاء الخولي مع سامي الخطيب وكان يومذاك قائداً لقوات الردع العربية، وعقد الاجتماع في حضور الرئيس الياس سركيس. وكنت انا وزاهي البستاني مع بشير الجميل. في الاجتماع الاول سأل الخولي ماذا تريد "القوات اللبنانية" وكيف تنظر الى العلاقات مع سورية؟ وابلغ بشير اركان "القوات" ان اتصالاً حصل مع السوريين وربما تكون فيه فائدة، وقال ان السوريين طلبوا من "القوات" ان تحدد نظرتها الى العلاقات السورية - اللبنانية والى مستقبل الوضع في لبنان. هنا اقترح جان ناضر الذي قتل لاحقاً مع بشير وربما جوزف ابو خليل الاستعانة بكريم بقرادوني. وقال ناضر ان كريم افضل شخص يمكن ان يسأل عما يريده السوري وماذا يرضيه وماذا يمكن ان نقدم له، ونستطيع في ضوء مقترحاته اعداد ورقة عن تصورنا. وأثار الاقتراح جدلاً وعارض فريق الاستعانة بكريم وقالوا انه غير موثوق به. واذكر ان بشير دافع عن الاستعانة بكريم وقال ان المطروح ليس ادخاله الى "القوات" بل الاستفادة من خبرته في التعامل مع السوريين خلال السبعينات وهو يستطيع ان يقدم افكاراً حول ماذا يريدون وطريقة التعاطي معهم. واعتقد بأن كريم نصب يومذاك كميناً وقع بشير فيه. وخلاصة القصة هي تصوره ان السوريين يريدون جزءاً من لبنان في البقاع والشمال وانهم اذا وعدوا بالحصول عليه سيوافقون في المقابل على ان تأخذ "القوات" حصتها، اي حصة المسيحيين من ارض لبنان. طبعاً هذا التفكير موجود لدى بعض المسيحيين، وزادت "حرب السنتين" اقتناع بعضهم به، وكانت خارطة المنطقة المسيحية المفترضة تتمدد وتتقلص تبعاً لهوية المحاور وموازين القوى. مرة تمتد من عندقت في الشمال الى جزين، مع اعتبار زحلة من ضمن الجبل، ومرة اخرى تتغير حدودها. وعندما انتخب بشير، وقبل ذلك على طريق الانتخاب، رفع شعار الپ10452 كلم مربعاً وتراجعت الخرائط الاصغر. في الاجتماع الثاني كنت مع زاهي البستاني في غرفة جانبية. وراح بشير يقرأ للخولي، واذا بوجه الاخير يتغير. سألنا بشير بعد الاجتماع فقال: "نحن اعطيناهم الرسالة والآن علينا ان ننتظر الجواب". في اليوم التالي جاء الجواب عبر الاذاعة السورية في صورة حملة على "المشروع التقسيمي للقوات". واعتقد بأن بشير لم تكن لديه آنذاك رؤية نهائية وواضحة لمشروع "القوات". كان يعرف ما لا يريده ولم يكن يعرف تحديداً ماذا يريد. كان يائساً من النظام القديم وربما الصيغة، لكنه لم يكن يملك تصوراً بديلاً. واتصالاتك انت مع السوريين؟ - ابان الازمة المتعلقة باتفاق 17 ايار اللبناني - الاسرائيلي في 1983 كانت الفكرة لدينا انه يجب العثور على منطق آخر غير المنطق الذي كنا نسير فيه، وكانت العلاقات الاسرائيلية - القواتية في عزها. طلبت يومذاك من ميشال سماحة استكشاف امكان فتح خط مع السوريين، واعتبرنا ان مثل هذا الاختراق ضروري. تحرك سماحه في ضوء علاقته بسامي الخطيب مستفيداً من علاقات قديمة اقامها اثناء عمله في الارتباط بين الكتائب والسوريين ونجحت المحاولة. وجاءت الرسالة من سورية على الشكل الآتي: لماذا تتخذ الكتائب و"القوات" موقفاً معادياً من العرب وسورية في حين ان العرب لا يريدون هذا العداء ولا سورية تريده؟ ولماذا اخترتم اسرائيل لتعادوننا؟ اذا كنتم اخترتم الاسرائيليين لاعتقادكم بأنهم يدافعون عنكم في وجه الفلسطينيين تذكروا من انقذ عكار وزحلة وبكفيا، فالمبادرة السورية هي التي انقذت هذه المدن والبلدات وليس الاسرائيلي. اعتقد بأن دير القمر كانت محاصرة او على ابواب الحصار. قال السوريون اذا كانت اسرائيل هي الحليف فلماذا دير القمر محاصرة والقوات الاسرائيلية توزع السلاح على افرقاء كثيرين وهي موجودة على بعد بضعة كيلومترات؟ نحن سنعطيكم دليلاً جديداً على حسن نياتنا وهو ان دير القمر لن تسقط وسنتدخل لحمايتها. اننا نعطيكم هذا الشيء لنقول لكم مرة اخرى اننا لا نضمر العداء للمسيحيين ولا للكتائب ولا لپ"القوات". اما اذا اخترتم التحالف مع اسرائيل ضدنا فان سورية لا تستطيع الا ان تدافع عن موقعها العربي ورؤيتها ومبادئها وتخاصمكم وتقاتلكم. عبور الحدود مع من كان الاجتماع؟ - مع مسؤول سوري رفيع. عدت الى بيروت وابلغت فادي افرام الذي كان قائداً لپ"القوات" بما حصل معي فظهرت شكوك. قلت له ان الرسالة التي سمعتها لم تكن عدائية والدليل انني عبرت الحدود ورجعت. وأوضحت له ان الاجواء تدفع الى الاعتقاد بأن الابواب ليست موصدة في وجهنا وان الانفتاح ممكن. وعقدت اجتماعاً ثانياً مع المسؤول نفسه وتبلغت فيه رسمياً ان سورية لن تسمح باجتياح دير القمر وتدميرها وانها ستسعى الى حل الموضوع. وفي الاجتماع الثالث كانت اجواء اتفاق 17 أيار مسيطرة على البلد وسمعت مجدداً السؤال: "لماذا تختارون الخصومة معنا وتذهبون الى الاسرائيلين؟". وجدت صعوبة في اقناع قيادة "القوات" بما يجري. وقلت لهم اننا لا نتعاطى مع طرف محلي او مع فريق صغير. نحن نتعاطى مع دولة هي سورية وقد قدموا ادلة على نياتهم وهذه قصة دير القمر قد حلت. طبعاً كان هناك من يعتقد بأن الاسرائيليين هم الذين ضمنوا سلامة دير القمر لكنني كنت مطلعاً على الوقائع. لم تأخذ قيادة "القوات" الموضوع على محمل الجد وكانت العلاقة بينها وبين اسرائيل قائمة وشعرت بأن تسريب هذاالموضوع قد يؤذيني. جمدت الى حد ما العلاقة مع قيادة "القوات" وقررت ان افاتح امين الجميل بما يجري. وذات يوم كنت عائداً من سورية فمررت على بكفيا وقلت لأمين انا عائد من سورية واحمل اليك رسالة. قال: كيف ذهبت الى سورية ومن قابلت هناك؟ قلت: ذهبت مع ميشال سماحة وبامكانه ابلاغك الرسالة. كنت اعرف ان امين الجميل لن يتقبل مني ما اقول كوني من الفريق المخاصم له داخل "القوات". كان هدفي في تلك المرحلة تأمين اتصال مباشر بين الجميل والمسؤولين السوريين. وكانت الرسالة السورية مطمئنة، وبعدها دخل جان عبيد الوزير والنائب الحالي على الخط لتأمين الاتصال المادي والتحضير لزيارة امين الجميل لسورية. وطلب الجميل من سماحة ان يكمل معه الطريق وان ابقى انا خارجاً، اراد فتح علاقة مباشرة مع السوريين من دون المرور بأحد من "القوات". بالطبع بقيت على علم بتفاصيل العملية ومجرياتها من دون ان اظهر ذلك لأمين الجميل. وعندما وصلت المرحلة الى الغاء اتفاق 17 ايار، زرت امين الجميل وأبلغته ان يترك امر "القوات" عليّ وان لا يخشى اية مشاكل او صدمة على الارض اذا الغى الاتفاق. ان كان أمين يصور للسوريين أن القوات متمسكة بالاتفاق وانها قد تقدم على أي عمل للخربطة، في محاولة منه للحصول على دعم يقوي موقعه ويضعف "القوات". وبعدما فتح امين الخط وتركنا جانباً، انقطعت علاقتي مع السوريين وصارت مباشرة بين الرئيس الاسد والرئيس الجميل. ومن اسباب انقطاع العلاقة ايضاً انضمام ميشال سماحة الى فريق الرئيس الجميل وعدم رغبة المسؤولين السوريين في "تجاوز" على رئيس الجمهورية. استمر هذا الانقطاع حتى الانتفاضة، وأول عمل قمنا به كان توضيح حقيقة أهدافنا وحمايتها من التشويه ومن الحملات التي رافقتها والتي صورت مجموعة المنتفضين على أنهم مجموعة عسكرية متشددة تسير في الخط الاسرائيلي وترفض أي حل وأي انفتاح على الفريق اللبناني الآخر وترفض الخيار العربي للحل. أطلعنا المدبر الرسولي المطران ابراهيم الحلو على موقعنا وتوجهنا، وكذلك القيادة الروحية وأرسلنا رسالة إلى السوريين نقول فيها ان الانتفاضة ليست خطاً اسرائيلياً ضد التوجه العربي كما يحاول امين الجميل تصويرها. من كانت القناة في هذه المرحلة؟ - ارسلنا الرسالة الى احد المسؤولين السوريين الذي كان على علاقة بميشال سماحة، وعدنا ايضاً الى جان عبيد وآخرين. وحاول امين الجميل ان يعمل ضد هؤلاء فوصفهم بكل الاوصاف واتهمهم بالخيانة وبمساعدة الخط الاسرائيلي. كان امين يفاوض نبيه بري ووليد جنبلاط والسوريين معتبراً "القوات اللبنانية" في جيبه وانهم اولاد و"كل ما اتفق عليه معكم، أحلُّه معهم"، وبدأت الازمة عندما فقد امين السيطرة على "القوات". وقتذاك ارسلنا رسائل مباشرة الى الفريق الآخر عن استعدادنا للحوار من دون شروط مسبقة. هنا دعوت الى اجتماع واتخذت قراراً؟ - لا، الاجتماع الذي اتخذت فيه القرار نتج من معركة شرق صيدا. اما في تلك المرحلة فكان القرار اعادة تشكيل "القوات اللبنانية"، الغاء تسمية قائد القوات ليصبح رئيس الهيئة التنفيذية للقوات لاعطاء القيادة الطابع الجماعي. في 12 آذار مارس انتخبت رئيساً؟ - كانت قيادة برأسين، ايلي حبيقة وسمير جعجع، وهذا ما سبب مشكلة ظهرت فعلياً خلال احداث شرق صيدا. فقد قرر سمير جعجع الانسحاب بعد يومين من المعارك على رغم معارضتي، لأنه لا يجوز الانسحاب من دون تأمين دخول الجيش والدولة لتحل مكان "القوات اللبنانية". وقتذاك تصرف سمير جعجع بشكل آخر واعطى اوامره بسحب العسكر من المنطقة فخلق هذا القرار مشكلة اجتماعية كبيرة بتهجير السكان نتيجة الرعب وليس نتيجة عملية عسكرية. وفي الوقت نفسه ارسل سمير جعجع وكريم بقرادوني رسالة الى امين الجميل يفوضان اليه فيها التفاوض باسمنا واستعدادهما للموافقة على ما يوافق هو عليه. اكتشفت هذه الورقة وطلبت عقد اجتماع للمجموعة القيادية في "القوات اللبنانية" وطرحت عليهم الورقة وقلت لهم: لم نقم بالانتفاضة على هذا الاساس، واذا كنا نريد التفاوض فنحن من يفاوض، واذا كنا نريد الاتفاق او المخاصمة فنحن من يتفق او يخاصم، لم نقم بالانتفاضة لتغيير فؤاد ابو ناضر بآخر وتبقى ورقة "القوات" في جيب امين الجميل، فأنا لن اقبل بهذا ولا يمكن ان تستمر القيادة برأسين او من دون قيادة فعلية. وأنا اطرح هذا الامر على التصويت وارشح نفسي لرئاسة الهيئة التنفيذية. فوافق سمير جعجع وقال: انا امشي بالموضوع. وهذا ما حصل، وعين جعجع رئيساً للاركان. وافترضت ان التركيبة لا تزال ضعيفة حتى نعود ونفتح معركة داخل "القوات" لذلك يجب ايجاد حلول للجميع وان لا يكون سمير جعجع خارج التركيبة واعتبرت انه اذا نجحت العملية سيقبل سمير جعجع الواقع وينضبط فيه. تم ذلك بالاجماع. اما قصة الصوت الواحد فترتبط بالاتفاق الثلاثي لاحقاً. هذه حدثت في 9 ايار مايو؟ - نعم، وهنا فقد امين الجميل السيطرة كلياً على "القوات اللبنانية". وفي هذه المرحلة بدأت احرر نفسي من الوجود الاسرائيلي فأقفلت مكتب واشنطن وطلبت من المسؤول عن مكتب القدس العودة، فلبى فوراً، وكان لا يزال هناك مركز للمخابرات الاسرائيلية في منطقة طبرجا فطلبت منهم الرحيل ولوحت بفتح الحدود الشمالية وازالة حاجز البربارة فأتت المروحيات واجلتهم خلال 24 ساعة. الحقيقة انهم عندما اقفلوا مركزهم في ضبية استعاضوا عنه بمكتب سري في طبرجا وعندما ابلغتهم أن "القوات اللبنانية" لم تعد في الاتجاه الذي كانت فيه وطلبت منهم الرحيل، غادروا المكان. بعد مواقف ايجابية اتخذناها تجاه سورية والفريق الآخر قررت سورية ان تعرف ماذا نريد وهل نحن جديون؟ وبدأوا معنا بالبحث في الملف الذي كان يبحث مع امين الجميل. كيف كنتم تتفاوضون وعبر من؟ - تبدأ الحركة عادة بالاعلام وبوسائل مستترة ونقل رسائل، ثم دخل رفيق الحريري على الخط. دور الحريري كانت هذه المرة الاولى التي ترى فيها رفيق الحريري؟ - نعم، لم يكن هناك أي اتصال، وقد التقيته في بيت ميشال سماحة في الاشرفية سنة 1985. ماذا كان رفيق الحريري يريد؟ - كان يقول ان اتجاهنا الجديد صحيح، اما اذا كنا غير جديين فلا لزوم للدخول فيه لأننا نكون في الطريق الى احراق البلد للمرة الثانية، اما اذا كنا جديين فربما كان باب الخلاص وتنتهي الحرب من خلاله، ولكن يجب ترتيب العلاقة مع رئيس الجمهورية. لم اعد اذكر التفاصيل بدقة، على كل حال الرجل موجود وكلامه ملكه فهو يقرر اذا كان يريد ان يتكلم في الموضوع أم لا. هكذا بدأت العملية ودخل ميشال المر على الخط ودخل جوني عبده وآخرون. ماذا كان دور جوني عبده؟ - كان معنا في الفريق المفكر عندما بدأنا التفاوض حول النقاط كنا نلتقي ونبحث في ما يمكن ان نقدمه اذا طلب منا هذا الامر وما لا يمكن ان نقدمه. هل رأيت جوني عبده في جنيف؟ - رأيته في جنيف وفي فرنسا وفي امكنة عدة. خلال التفاوض على الاتفاق الثلاثي حاولنا ضم بعضهم الى خط التفاوض كالرئيس شمعون الذي كان في الجو وكان يطلع على اجزاء من المفاوضات. ما هي قصة الاجتماع في منزل الحريري في دوردان؟ - صحيح. كان الاجتماع مهماً. كان هذا اول اتصال لفتح الباب واعلان النيات، بماذا تقبل "القوات اللبنانية" ان تبحث وما هي رؤيتها للحل في شكل عام والعلاقات بين اللبنانيين ومع سورية. من شارك في خلوة دوردان؟ - شارك جوني عبده وميشال سماحة وجان غانم ورفيق الحريري بالطبع. هل بلورتم تصوراً؟ - يومذاك سألت جوني عبده ما المطلوب لتقف الحرب ولندخل في الحل فقال: المطلوب لا تستطيع ان تحققه. فانت لا تستطيع تغيير المعادلة من موقعك الحالي، العملية خطيرة. قلت له: دعني اقدر الخطورة، ما هو المطلوب؟ بحثنا في الموضوع وتبين ان المطلوب هو ما يبحث مع امين الجميل. وهي امور بحثت في ايام الرئيس الياس سركيس وفي ايام الرئيس سليمان فرنجية. وقال لي: المطلوب من الرئيس الجميل سيطلب منك فهل انت مستعد؟ تحدثنا عن العلاقات المميزة بين لبنان وسورية علماً ان "القوات اللبنانية" جاءت من موقع مناقض، وكان مستغرباً ان يوافق رئيس "القوات" على البحث في علاقات مميزة مع سورية. سألته هل يمكن ان تنتهي الازمة من دون هذه الامور؟ فأجاب: لا. فقلت: نحن اذاً امام حل من اثنين: اما استمرار الازمة واما القيام بنقلة نوعية تفتح لنا ثغرة في الجدار للتحاور مع الفريق اللبناني الآخر ومع السوريين، فقال نعم. سألته ايهما اسهل؟ فأجاب: الخيار لك اذا كنت تستطيع احتمال ذلك. فقلت: استطيع وخياري الانفتاح والتحاور. عندها اعددنا الرسالة وبعثنا بها. كيف كان رفيق الحريري يتصرف وبأي صفة؟ - كطرف لبناني وسيط. كان على علاقة جيدة مع سورية وكان راغباً في دخول "القوات اللبنانية" على الخط، معتبراً ان من شأن ذلك ان يفتح باب الحل. لقد جرب الحريري ذلك من قبل مع الرئيس الجميل وربما مع الرئيس سركيس. هل كانت للحريري علاقة مع بشير الجميل وهل التقاه؟ - بحسب معلوماتي لا، لم تكن بينهما علاقة ولم يلتقيا. ماذا بعد وصول الرسالة؟ - حركت الرسالة الجو مع السوريين وطلبوا توضيحاً فبعثنا برسالة ثانية عبر القناة نفسها، اي الحريري والمجموعة التي كانت معه. بعد الرسائل اقترحوا السوريون عقد لقاء مع الأطراف اللبنانية الأخرى برعاية سورية فأوفدنا ميشال سماحة الوزير والنائب السابق الذي شارك مع محمد عبدالحميد بيضون الوزير الحالي من حركة "امل" وأكرم شهيب الوزير الحالي من الحزب التقدمي الاشتراكي في اجتماع مع السيد عبدالحليم خدام نائب الرئيس السوري، ثم اجتمعوا في ما بينهم. بدأ سماحة ينقل الينا اجواء اللقاءات وجرت عملية بحث وتفاوض واعداد مشاريع. متى ذهبت الى دمشق في اطار عملية "الاتفاق الثلاثي"؟ - حين ذهبت الى التوقيع. ألم تلتق خدام قبل ذلك؟ - لا. ولا نبيه بري ووليد جنبلاط؟ - لا. تصور عون حصلت عملية اخذ ورد، ماذا جرى في "القوات"؟ - كنا كلما حمل ميشال سماحة صيغة نعقد لقاء، خصوصاً في حضور سمير جعجع وكريم بقرادوني. كنا نجري مشاورات في المواضيع المطروحة اما في شأن الفقرة المتعلقة بالجيش في مشروع الاتفاق. فقد التقيت قائد الجيش العماد ميشال عون في منزل الوزير ميشال المر. قلت له نحن لا نستطيع ان نلتزم من عندنا خصوصاً في ما يتعلق بالعلاقات المميزة والموضوع العسكري من دون ان تعطينا رأيك، هذا هو المعروض علينا وضع ملاحظاتك بهذا الشأن. ارسل لنا رأيه في موضوع الجيش وأرسلناه بدورنا الى سورية وقلنا لهم هذا هو اقصى حد نستطيع القبول به. فوافقوا على ورقتنا من دون تعديل. والواقع ان عون اعد تصوراً كتبه الضابط فؤاد الاشقر وأرسلناه، وهو نفسه ما ظهر في الاتفاق الثلاثي. وطرح آنذاك موضوع المثالثة ضمن المناصفة اي تساوي حصص الشيعة والسنة والموارنة في اطار المناصفة بين المسيحيين والمسلمين وذلك في مجلس الوزراء ومجلس النواب. اعترض سمير جعجع على هذه النقطة واعتبرها بمثابة اضعاف للموارنة. وكان ردي ان الموارنة ليسوا طائفة خارج المسيحيين وان عليهم ان يلعبوا دورهم مع المسيحيين الآخرين مثل الارثوذكس والكاثوليك وغيرهم. طرح هذا الموضوع في اجتماع الهيئة التنفيذية لپ"القوات" واعترض سمير، فقلت لنطلب اذاً من رفاقنا غير الموارنة الخروج من الاجتماع اذا كنا لا نثق بقدرتهم على الدفاع عن لبنان بالمستوى نفسه. وكان بين الحضور جورج قسيس وكريم بقرادوني وطوني بريدي وجورج فريحة. وشرحت موقفي. حصل خلاف على هذه النقطة تخطيناه لاحقاً. كانت هناك عملية مواكبة دائمة من كريم بقرادوني وسمير جعجع للاتفاق. وأكثر من ذلك اطلعنا الرئيس كميل شمعون على ما وصلنا اليه وذهب الى أبعد مما كنا نتصوره. انا لم تكن لديّ علاقات ودية معه. ذات يوم اتصل بي مرافقه عبده جابر، وكانت السابعة صباحاً، وقال نحن في طريقنا اليك. وصلوا الى منزلي في أدما وكان والدي موجوداً فقال له الرئيس شمعون: انا جئت اهنئك. ابنك بطل. انه يعد اتفاقاً سيخلصنا. وقال لي: اذا نجح هذا الاتفاق معك تكون قمت بعمل بطولي. بعد يومين او ثلاثة صدر موقف سلبي من الرئيس شمعون فاتصلنا به وقلنا له نحن اطلعناك وأعطيتنا موافقتك ووصفت ما نقوم به بأنه عمل بطولي فقال: حين ابلغتموني كنت مصاباً بوجع في معدتي ولهذا رحت اجيبكم بنعم ولم استوعب. عندئذ شعرنا بأن عملية التفاف بدأت بواسطة سمير جعجع وأمين الجميل وربما السفير الاميركي ريجينالد بارثولوميو. هذا مع العلم ان السفير الاميركي كان اتصل بي وسألني ماذا نفعل فأطلعته فقال اذا استطعتم التوصل الى اتفاق من هذا النوع فهذا يعني انكم تشاركون في بناء لبنان المستقبل بغض النظر عن المضمون والتفاصيل لأن ما تقرأه اليوم ولا يعجبك قد تقرأه من زاوية اخرى بعد عام. وقال اهنئكم. بعد 48 ساعة اتصل السفير الاميركي ليقول ان الرأي الذي اعطانا اياه هو رأيه الشخصي ولا يمثل رأي الادارة الاميركية، وهنا شعرنا بأن شيئاً ما بدأ يتغير. متى بدأ التوتر بينك وبين سمير جعجع؟ - من موعد الصعود الى الشام للتوقيع، كان جعجع يعقد لقاءات مع المجموعات العسكرية في "القوات" ويقول انه ليس على اطلاع على ما يجري في دمشق وانني قطعت المال عن العسكر في "القوات" وحولته الى جهاز المخابرات. الم تفعل ذلك؟ - لا، صارحته يومذاك وسألته عن سبب هذه الاشاعات. فقال ان بول عريس المسؤول في الصندوق الوطني لپ"القوات" لم يدفع فواتير معينة. فقلت له لنفترض انه تأخر هذا الشهر فماذا فعل الشهر الماضي وقبله؟ الم يدفع؟ لماذا كنت تعتبر التأخير طبيعياً قبل أشهر ومجرد مشكلة سيولة وتعطي التأخير اليوم طابعاً سياسياً؟ وقلت له ايضاً انت تعرف ان قطع المال عن العسكر يدفعهم الى النقمة على الجهة التي قطعته وأنا لست في وارد الدخول مع العسكر في خلاف. اريد ان اعرف هل انت معي ام ضدي؟ فأجاب: انا معك ومستعد حتى للتوقيع. دار هذا الحوار في مكتبي وكان بقرادوني حاضراً. كان لديّ في المكتب لوح كبير اكتب عليه ثم يخرج اللوح بنسخة عما كتب. قلت له لنكتب: انت توافق على كل ما نقوم به من مفاوضات مع السوريين ومع الافرقاء اللبنانيين فقال: سجل لي نقطة اعتراض على المثالثة ضمن المناصفة. فأجبت: نكتب مع اعتراض على هذه النقطة انما في حال جُمد الاتفاق برمته بسبب هذه النقطة ماذا نفعل؟ هل نقبل بها ام نفرط الاتفاق. فقال: كيف نفرط الاتفاق؟ نقبل بها شرط الا يكون الاتفاق ملزماً للمجلس النيابي وان يناقش في المجلس. قلت له: دعنا نحدد الادوار. دورنا نحن ان ننهي الحرب. ودور المجلس النيابي ان يناقش هذا الاتفاق. اذا كانت هناك نقاط نعترض عليها نستطيع بعد التوقيع عليه ان نتحرك في المجلس النيابي لمعالجة هذه النقاط. قال سمير: وافقت وسجلنا ذلك. فسحبنا نسخة من الحوار ووقع عليها سمير ووقعت انا كما وقّع كريم وكان طوني بريدي حاضراً. لقاء بكركي قبل الذهاب الى التوقيع بيوم واحد دعينا الى بكركي وكانت آنذاك في عهدة المدبر الرسولي المطران ابراهيم الحلو. كان الاجتماع موسعاً وحضره الرئيس شمعون والنواب الموارنة والرهبانيات وشخصيات عدة وكان سمير حاضراً وفادي افرام القائد السابق لپ"القوات". جلس الرئيس شمعون نحو عشر دقائق ثم قال انا لديّ ملاحظة فعدد النواب في الاتفاق كبير وأقترح انه بدلاً من ان يكون العدد 198 نائباً او ما يشبه ذلك يجب خفضه الى 128 او 108. وقال انه متعب وغادر الاجتماع. كان المونسنيور اغناطيوس مارون يدوّن المحضر. تحدثت في اللقاء وقلت نحن توصلنا الى حل ولنقل ان هناك فريقين: الفريق الشرعي المشارك في الدولة والميليشيا اي "القوات اللبنانية". الفريق الميليشياوي قرر وقف الحرب وإبرام اتفاق مع فريق ميليشياوي آخر. دعونا نعتبر هذا الاتفاق بمثابة الخطوط الرئيسية للسلام في لبنان وهو يلزم "القوات" ولا يلزم احداً غيرها. اذا كنتم تعتبرون ان الاتفاق يتضمن نقاطاً يجب تعديلها فدوركم كنواب ان تسعوا الى تعديلها في مجلس النواب لأن المشروع ينص على ان المراجع الدستورية هي التي ستبت الاتفاق في النهاية. انا لا ارى ضرورة للخوف او الرعب. نحن قررنا ان نتوقف عن لعب دور الزعران. وهنا وقف احد النواب، ولا اريد ان اذكر اسمه لأنه نائب حالي، وقال: "لا يحق لكم ان تفتحوا الحرب ساعة تريدون وأن تنهوها ساعة تريدون". فأجبته: انا مستعد لأن اقدم استقالتي من "القوات" وأسلمك اياها فتفضل انت وقاتل. انا كپ"قوات" لم اعد أريد أن ارى مشردين او مهجرين. لا اريد سماع كلام عن كرامة المسيحيين بينما هم مشردون نبحث لهم عن مأوى ومستقبل اولادهم غير معروف. وهنا وقف سمير جعجع وقال: "انا مستعد لاعطاء ايلي حبيقة كل شيء شرط ألا يذهب للتوقيع، ماذا يريد انا حاضر. هذا امر خطير". رددت على سمير بالقول: "انا لديّ دور كمسؤول عن القوات. ودوري موضع اعتراف منكم كلكم وهو حماية المسيحيين والدفاع عنهم. انا ارى انه بالطريقة التي نتبعها لم تعد لدينا القدرة على حماية المسيحيين. وأكبر دليل على ذلك اقليم الخروب والشوف وعاليه والمتن الأعلى وشرق صيدا وربما حصل المزيد. هل نتوقف عندما يصبح المسيحيون في فلوريدا؟ اما ان ندخل السلم ونشارك في بناء الحل ونحن لا نزال قادرين على الوقوف على رجلينا وأما ان يبنى السلم وعظامنا مطحونة. السلم آتٍ حكماً الى لبنان. هذا البلد لا يستطيع الاستمرار الى ما لا نهاية في التخبط وفي حروب داخلية. نحن لا تزال لدينا امكانات. ما زلنا قادرين على الرد بنعم او لا. لا تزال لدينا ماكينة سياسية وعسكرية واقتصادية وإعلامية فلندخل الحل السلمي ونحن بهذا الوضع لئلا يمشي الحل السلمي على جثثنا. لم يتحدث احد بعدما قلت ايضاً انني ذاهب الى سورية غداً للتوقيع. اذا اتخذتم موقفاً جماعياً معارضاً لذهابي، وأقول لكم هذا الكلام امام المدبر الرسولي، لن اذهب لكنني سأستقيل من موقعي وليتسلمه سمير او غيره. انا أريد التصرف وفق قناعاتي. فاما ان اذهب وأوقع وأما ان تطلبوا مني عدم الذهاب فأمتنع عن الذهاب وأستقيل. عندها قال لي المدبر الرسولي: الله يكون معكم، بركتنا معكم والله يوفقكم اطلعوا. اتفقنا على المجموعة التي ستطلع. الرئيس الياس الهراوي كان حاضراً. لو اتخذت بكركي آنذاك موقفاً رافضاً لما ذهب الذين ذهبوا. لحظة خروجنا استوقفني الآباتي بولس نعمان وقال لي: انت وسمير هنا، صحيح هناك خلاف في الرأي لكن الاخطر هو ان يصل الخلاف الى الدم. أقسما على الانجيل ان الدم لن يسيل مهما بلغ الخلاف. أقسمنا على الانجيل في غرفة جانبية. يومذاك قلت للآباتي نعمان: أقسمنا لكنني أؤكد لك انو بدو يصير دم... وفي اليوم التالي توجهنا الى دمشق. توجهتم الى دمشق لتوقيع "الاتفاق الثلاثي" ماذا حدث وماذا كان شعورك؟ - قبل توجهنا الى دمشق حصل تشنج داخل "القوات" مع اقتراب الاستحقاق. تردد الكلام في تلك الفترة على تصويت داخل قيادة "القوات" روجت وسائل الاعلام انه جاء متكافئاً وان صوتي هو الذي رجح الكفة باعتباري رئيس الهيئة التنفيذية لپ"القوات"، وقالت ان التصويت دار على التوقيع وعدمه، وهذا غير صحيح. كل الهيئة التنفيذية كانت موافقة على الاتفاق لكن التصويت حصل على نقطة واحدة منه وهي المثالثة ضمن المناصفة اي تساوي الشيعة والسنة والموارنة في اطار التساوي بين حصتي المسلمين والمسيحيين. شرحت موقفي وهو ان توقيع الاتفاق لا يعني تعديل الدستور لأن التعديل من اختصاص مجلس النواب، في حين ان الاتفاق هو بين افرقاء متحاربين سيحاولون اقناع النواب بتأييده. حصل التصويت على هذه النقطة بالذات وانتهى فعلاً بزيادة صوت واحد هو صوتي. عارض المثالثة ضمن المناصفة سمير جعجع وكريم بقرادوني وجورج عدوان اي الموارنة تقريباً. ناقل الهواجس توجهنا الى دمشق وكانت الهواجس الشخصية لسمير حاضرة. قبل الذهاب سألني بقرادوني ما هو مستقبل جعجع فأجبته: سمير مثل إيلي، نحن نذهب كپ"قوات" فأي اتفاق يشمل الجميع. قال: كيف نضمن حقوق سمير، تعرف انت هناك مشكلته مع آل فرنجية وهذه ستبقى عالقة وبالتالي ستمنعه من دخول الحكومة او تولي مراكز وهذا يعني انه سيعامل كالعنزة الجرباء. اجبته: صحيح اننا سنوقع على اتفاق يتضمن بنودا وتعابير، لكن هناك حركة سياسية وسنتضامن كفريق ولن نسمح باختراقنا فاذا شكلت حكومة واشترطوا استبعاد سمير لنا حق الرفض ولسنا فريقاً ضعيفاً. وبدا كريم كأنه ذهب لاستمزاج رأي القيادة السورية في هذه النقطة بالذات وكأن سمير ارسله لهذا الغرض اي الحصول على ضمانات شخصية. وصلنا الى دمشق وذهب بقرادوني ليلاً والتقى السيد عبدالحليم خدام نائب الرئيس السوري وطرح معه موضوع سمير وحين عاد لم يكن مرتاحاً. سألته فأجاب: لا يزالون يطرحون موضوع الخلاف مع فرنجية ويشددون على ضرورة حصول مصالحة بين آل فرنجية وسمير. فقلت: وماذا يعني ذلك؟ اجاب: صعبة. فقلت: ماذا تفعل؟ قال: لم يبق امامنا غير ان نمشي في الاتفاق. الأسد والوحدة في اليوم التالي جلسنا الى الطاولة ووقعنا. كانت المرة الأولى التي التقي فيها وجهاً لوجه نبيه بري ووليد جنبلاط. كان جو جنبلاط مكهرباً، وخلال التوقيع قال: "ربما ينفذ تيمور نجل جنبلاط هذا الاتفاق". في أي حال لم يكن التوتر مستغرباً فقد كان أول لقاء مباشر بين متقاتلين. بري كان متحمساً للاتفاق لكن جنبلاط لم يكن كذلك. استقبلنا الرئيس حافظ الأسد ونحن الفريق الذاهب مما كان يسمى المنطقة الشرقية. اثار كريم موضوع الهواجس فقال له الرئيس الأسد: "يا كريم تقولون أن لديكم هواجس وان سورية تريد ضم لبنان او فرض وحدة عليه. لو كان هذا الشيء حقيقياً لقبلنا العرض الذي قدمته لنا "الجبهة اللبنانية" قبل سنوات. جاءني هذا العرض من الرئيس كميل شمعون ومن الشيخ بيار الجميل وهو يشمل وحدة فيدرالية او كونفيديرالية. اجبت يومذاك ان الوحدة او اي شكل من اشكال جمع الشعوب لا يتم بالفرض بل بالرضى. انتم كنتم تتحدثون تحت ضغط الوضع الامني والمواجهة التي كانت دائرة بينكم وبين المقاومة الفلسطينية. هذه العروض لم تكن وليدة قناعة. سأقول لكم نحن في حزب البعث عقيدتنا وحدوية. وسأقول لكم ان سورية يمكن ان تبرم وحدة مع اريتريا وأن يبقى لبنان الى آخر المطاف لأن للوحدة علاقة بنضج الشعوب وليس بمصالح الانظمة. هذا امر لا نرفضه الوحدة لكنه يتطلب نضجاً وحين تتحدثون الينا في هذا الامر بمنطق ناضج نفكر في هذا الامر وندرس هل هذا ممكن ام لا. آن للحرب ان تنتهي وأن يتسلم المسؤولية جيل جديد". وكان بين الحاضرين فؤاد بطرس وخليل ابو حمد وميشال المر والياس الهراوي وميشال اده ومخايل الضاهر وميشال سماحة وجورج عدوان وجان غانم وغيرهم. واستطيع أن اؤكد أن التمثيل كان واسعاً بالنسبة الى المسيحيين. في تشرين الثاني1985 استهدفت عملية تفجير اجتماعاً لأركان "الجبهة اللبنانية" في دير عوكر هل كانت لجهاز الأمن في "القوات" علاقة بعملية التفجير؟ - سمعت اتهامات من هذا النوع. كانت العملية انتحارية، ولم يسبق أن حدثت عمليات انتحارية داخل المنطقة الشرقية. وأصابع الاتهام اتجهت آنذاك إلى احدى الجهات الأصولية . الحلقة المقبلة: 27 أيلول... وموعد في قريطم