ولي العهد يستقبل مستشار الأمن القومي الأمريكي    شهداء ومصابون في قصف لقوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    الأوكراني أوزيك يتوج بطلاً للعالم للوزن الثقيل بلا منازع    في الأحساء تنفيذ 10 مشاريع في اختتام "أساطيل المستقبل"    رفضت بيع كليتها لشراء زوجها دراجة.. فطلقها !    خبير سيبراني: تفعيل الدفاع الإلكتروني المتقدم يقي من مخاطر الهجوم    «هيئة العقار»: 18 تشريعاً لمستقبل العقار وتحقيق مستهدفات الرؤية    الأهلي يضمن الثالث.. الحزم يحرج الرياض.. التعاون رابع الكبار    لقب الدوري الإنجليزي بين أفضلية السيتي وحلم أرسنال    السفارة السعودية في تشيلي تنظم حلقات نقاش بعنوان "تمكين المرأة السعودية في ظل رؤية المملكة 2030"    مقتل 3 فلسطينيين على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على رفح    تنظيم جديد لتخصيص الطاقة للمستهلكين    «التعليم».. تكشف شروط نجاح الطلاب والطالبات بجميع المراحل    خادم الحرمين يأمر بترقية 26 قاضيًا بديوان المظالم    سلة الهلال تُتوّج بلقب المربع الذهبي    اطلع على مشاريع التطوير لراحة الحجاج.. نائب أمير منطقة مكة المكرمة يتفقد المشاعر المقدسة    زيارات الخير    محتالة تحصل على إعانات بآلاف الدولارات    طبخ ومسرح    سمو ولي العهد يستقبل الأمراء والمواطنين    مواقف مشرّفة    «تيك توك» تزيد مدة الفيديو لساعة كاملة    330 شاحنة إغاثية إلى اليمن وبيوت متنقلة للاجئين السوريين    البرق يضيء سماء الباحة ويرسم لوحات بديعة    الماء (2)    جدول الضرب    «التعليم»: حسم 15 درجة من «المتحرشين» و«المبتزين» وإحالتهم للجهات الأمنية    قرى «حجن» تعيش العزلة وتعاني ضعف الخدمات    المقبل رفع الشكر للقيادة.. المملكة رئيساً للمجلس التنفيذي ل "الألكسو"    27 جائزة للمنتخب السعودي للعلوم والهندسة في آيسف    انطلاق المؤتمر الأول للتميز في التمريض الثلاثاء    «باب القصر»    اشتباك بالأيدي يُفشل انتخاب رئيس البرلمان العراقي    عبر التكنولوجيا المعززة بالذكاء الاصطناعي.. نقل إجراءات مبادرة طريق مكة إلى عالم الرقمية    للسنة الثانية.. "مبادرة طريق مكة" في مطار إسطنبول الدولي تواصل تقديم الخدمات بتقنيات حديثة    تحدي البطاطس الحارة يقتل طفلاً أمريكياً    دعاهم إلى تناول السوائل وفقاً لنصائح الطبيب.. استشاري: على مرض الكلى تجنّب أشعة الشمس في الحج    مختصون ينصحون الحجاج.. الكمامة حماية من الأمراض وحفاظ على الصحة    كيلا يبقى تركي السديري مجرد ذكرى    وزير التعليم: تفوّق طلابنا في «آيسف 2024» يؤسس لمرحلة مستقبلية عنوانها التميّز    كيان عدواني غاصب .. فرضه الاستعمار !    أهمية إنشاء الهيئة السعودية للمياه !    أمير عسير يُعزّي أسرة «آل مصعفق»    الهلال يحبط النصر..    الخبز على طاولة باخ وجياني    جماهير المدينة (مبروك البقاء)!    المملكة رئيسا للمجلس التنفيذي للألكسو حتى 2026    نيابة عن ولي العهد.. وزير البيئة يرأس وفد المملكة في المنتدى العالمي للمياه    الرئاسة العامة تستكمل جاهزيتها لخدمة حجاج بيت الله الحرام هذا العام ١٤٤٥ه    التخصصي: الدراسات السريرية وفرت نحو 62 مليون ريال    "إرشاد الحافلات" يعلن جاهزية الخطط التشغيلية لموسم الحج    توطين تقنية الجينوم السعودي ب 140 باحثا    البحث العلمي والإبتكار بالملتقى العلمي السنوي بجامعة عبدالرحمن بن فيصل    قائد فذٌ و وطن عظيم    رئيس جمهورية موريتانيا يغادر جدة    بتوجيه الملك.. ولي العهد يزور «الشرقية».. قوة وتلاحم وحرص على التطوير والتنمية    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكثر اللاعبين غموضاً في حرب لبنان يروي قصته . حبيقة : خسرت وقررت الهجرة الى البرازيل لكن اتصالاً من خدام أعادني الى اللعبة 2
نشر في الحياة يوم 27 - 01 - 2002

في إحدى الجلسات بدا إيلي حبيقة متعباً وشبه يائس، على رغم حرصه الدائم على صورة الشاب القوي البارع. سألته إن كان صدره يتسع لأسئلة مزعجة فردّ مبتسماً ومبدياً الاستعداد. قلت له كيف تستطيع ان تنام بعد كل الذي فعلته؟ وجاء الجواب: "ليست هناك حروب نظيفة خصوصاً الحروب الأهلية. اذا كنت مجرماً فالبلد في عهدة مجموعة مجرمين. غيري ارتكب ايضاً ما ارتكبت. امروا بالقصف العشوائي والخطف والتصفيات. ضلعوا في الفساد وما هو اخطر منه. انا تركزت الحملات عليّ. لو كتبت قصة الحرب بانصاف لظهرت ادوار الآخرين أيضاً. للأسف انها الحرب. القذارة جزء منها حتى ولو دخلها المرء صاحب قضية".
وأضاف: "صحيح انني اليوم رئيس حزب ونائب ووزير. لكن للمسألة وجهها الآخر. عشت وسط الأخطار والتهديدات واتخذت قرارات صعبة وخطيرة. خرجت على قبيلتي لمصلحتها ومصلحة الوطن فلم تفهمني. وخرجت الى الشركاء في الوطن فلم يقدروا ما فعلت. ما يؤلمني هو ان منطق المزرعة يترسخ وكل فريق ينهش جزءاً مما تبقى من الدولة. تعرف بعد سقوط الاتفاق الثلاثي فكرت جدياً في الذهاب الى البرازيل لكن سامح الله الرئيس رفيق الحريري طلب رقم أبو جمال عبدالحليم خدام فتغيرت وجهة الاحداث وعدت الى اللعبة".
ابتسمت لدى سماعي الرواية فسارع بظرفه الى القول: "يبدو انك تقول في نفسك ليتك ذهبت. اطمئن لن أذهب الى أي مكان. قد يكون القدر رسم مصيري منذ اطلقت الرصاصة الأولى على رغم قناعتي ان مصير الرجال والشعوب تصنعه الارادات".
روى حبيقة قصة "الاتفاق الثلاثي" الذي وقعه في دمشق مع رئيس حركة "أمل" نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والذي اسقطه الدكتور سمير جعجع في عملية عسكرية في 15 كانون الثاني يناير 1986. وتسلط رواية حبيقة الضوء على ادوار مهمة لعبها في الثمانينات كل من رفيق الحريري الذي كان يعد نفسه لتسلم مفاتيح الجمهورية في التسعينات فضلاً عن لاعبين آخرين مثل العماد ميشال عون ورئيس حزب الكتائب كريم بقرادوني والنائب اللواء سامي الخطيب والنائب جان عبيد والوزير السابق ميشال سماحة فضلاً عن لاعب بارز هو الرئيس أمين الجميل الذي اصطدم على مراحل بسائر اللاعبين "المسرعين والمتسرعين".وهنا نص الحلقة الثانية:
وافقت على مغادرة المجلس الحربي فماذا حصل هل طلبوا الاموال والمعلومات؟
- كان ارشيف جهاز الامن ضخماً جداً فاتلفناه وكنا اتخذنا قبل فترة احتياطات لضمان عدم حصولهم عليه وذلك حرصاً على سلامة من كانوا على علاقة معنا. صورنا نسخة عن الارشيف ووضعناها في مكان آمن. عندما وصلت قوة الجيش كنا اتلفنا كل شيء. كنت محتاراً فأنا لا استطيع اخذ "القوات" بالقوة الى السلم. واثارت حملات التخوين شعوراً بالقرف لدي. صار همي سلامة المجموعة التي كانت معي. ونحن نغادر قال كثير من الشباب: لماذا نغادر ولا يزال لدينا ثلاثة آلاف شاب في الاشرفية، كل المشكلة بالنسبة الينا هي الاوتوستراد الذي يفصل بين موقعنا والاشرفية. المهم ان نصل الى الاشرفية ثم ننطلق منها. وكنت اجيبهم: لماذا نفعل ذلك؟ هل نخوض حرب جسور جديدة بين جسر الواطي وجسر الكرنتينا ونقيم خطوط تماس جديدة؟ لا اريد التسبب في وضع شبيه بالذي كان قائماً بين الكتائب والاحرار. وتوجهنا الى وزارة الدفاع تواكبنا عناصر من الجيش.
في وزارة الدفاع
عندما كنت في وزارة الدفاع بدأ الصراع على من سيتسلم "القوات". زارني بقرادوني وقال لي هناك مشكلة الصندوق الوطني والاموال موجودة لدى بول عريس فاجبته: انا سأغادر وانت ترى من يغادر معي وهؤلاء كلهم من "القوات" وحين اغادر افعلوا ما تريدون. قال: أليس من الافضل ان تقوموا بعملية تسلم وتسليم وتحويل الحسابات قلت: بول سيبقى يومين او ثلاثة لانهاء العملية ثم يقرر ماذا سيفعل وهل يبقى ام يذهب؟ قال: سمير لا يضع فيتو على احد ولكن هناك بضعة اشخاص ازعجوه ومن الافضل الا يبقوا.
هل اصر على مغادرة اسعد الشفتري؟
- لا، كان يريد جهاز الامن لكنه كان منزعجاً من بعض القيادات العسكرية التي وقفت ضده. قلت لكريم: لا استطيع المناقشة وبالي مشغول، زوجتي وابني محاصران في ادما. قال: انا اذهب وآتي بهما. ذهب كريم وعاد بهما. عدنا وجلسنا وسألته: بكرا شو، انا ساغادر وانتم الغيتم "الاتفاق الثلاثي" ولكن ماذا ستفعلون؟ اجاب: انا قرفان، اقدم سمير على خطوة انتحارية وسيأخذنا وسيأخذ المسيحيين الى الهلاك، انا سأجمع اغراضي واسافر. هذا البلد لم يعد يطاق. المحاولة الجدية الوحيدة هي التي قمتَ بها ولن ينفع شيء بعدها.
تنازعتني افكار كثيرة. حاولنا طي صفحة الحرب واقامة السلام لكننا لم ننجح. في هذه الاحوال يفكر المرء في مصيره ومصير رفاقه ورحت افكر في المستقبل ايضاً فيما كان الشباب ينقلون الي شكاواهم. هذا لا يعرف شيئاً عن زوجته وذاك لا يعرف شيئاً عن امه. سقط الكثير من القتلى والرقم كان بالمئات. سقط قتلى على مداخل مكتبي.
كنا في 15 كانون الثاني يناير وسبق ذلك التاريخ اسبوع من الازمات. وفي رأس السنة كان الصندوق قد دفع الرواتب وهو لم يكن في الواقع مثل صندوق جورج انطون لاحقاً ففي ايامنا كانت الجبايات خجولة. بول عريس اخذ معه الى فرنسا حوالي 800 الف دولار اي اننا انقذنا من الحسابات نحو مليون دولار. يومذاك ظهرت شائعات أننا اخذنا 200 مليون دولار والحقيقة هي مليون دولار بالكاد كانت كافية لثلاثة اشهر اذ غادر معنا نحو 200 شاب.
ألم توقع اي ورقة؟
- لا. في اليرزة زارني فريق آخر من "القوات" يمثله فؤاد ابو ناضر القائد السابق ل"القوات" وطلب مني عدم تسليم الاموال الى سمير فقلت لهم: سأترك البقرة في الارض وليستول عليها من يستولي. وهنا اريد ان اكشف حقيقة هي انني غادرت البلد ولم اكن انوي العودة. اعتبرت انني فعلت كل ما استطيع ولم انجح.
ساعة الحريري
التقيت ميشال عون في الوزارة فقال عندنا مشكلة: جبهة الدوار مهددة وجبهة سوق الغرب ولا عسكر هناك. جاء شباب وطلبوا مني التوجه الى الاشرفية او الحازمية فلم اوافق لانني لم اكن راغباً في قتال بلا افق يتسبب في سقوط المزيد من الضحايا. صباحاً سافرت الى قبرص في طائرة هليكوبتر ومنها الى باريس. التقيت هناك رفيق الحريري فسألني عما حصل وقال: هل تريد اي مساعدة؟ فقلت: نعم، هل يمكنك مساعدة الشباب على الاقامة لفترة قصيرة في انتظار ان يتدبروا امرهم؟ وتجاوب فعلاً.
وهل كان دفع ل"القوات" قبل التوقيع لتشجيعها على خيار السلام؟
- لم يدفع بهذه الصورة. كان لدي مشروع وهو تغيير الصبغة العسكرية ل"القوات" وتحويلها مؤسسة انتاجية. كان لدي مشروع طموح. اشترينا قطعة ارض كبيرة في طرزيا قضاء جبيل واردنا ان نشيد هناك بيوتاً للمقاتلين الراغبين في التحول إلى العمل الزراعي. وكنت طلبت من المسؤول عن سلاح المدرعات ان يدرس ماذا نستطيع ان نفعل بالمدرعات، هل نبيع الدبابات ونشتري جرارات زراعية ام يمكننا تحويلها الى جرارات. هنا اتصلت برفيق الحريري وتستطيع القول انه كانت للاتصال علاقة ب"الاتفاق الثلاثي" كما تستطيع القول ان لا علاقة له بذلك. وقلت له اننا نحتاج الى مليون ومئتي الف دولار لتشييد 65 مسكناً في طرزيا. فرد: انا جاهز. وسأل الحريري: هل ستعمرون ثكنة؟ فأجبت: لا انها بيوت سكنية ونحن نحاول تحويل الآلة العسكرية الى آلة اقتصادية. وتجاوب الحريري. وبعد خروجنا توجه شبان الى ايطاليا وسواها من البلدان وبقي نحو 25 شاباً فدبر لهم الحريري مكاناً للاقامة في باريس. اما زوجتي وابني وزوجة اخي وابنه وزوجة أسعد شفتري وابنه وزوجة أحد الرفاق وأولاده الثلاثة والمجموع اربع نساء مع اولادهن فقد اعطاهم شقة في باريس ثم اقاموا في فيلا له في سويسرا نحو سبعة اشهر.
اتصال من خدام
امضيت اربعة ايام في باريس. وخلال زيارة للحريري كنا نتحدث فيها عن الاوضاع قال لي اتصل ابو جمال عبدالحليم خدام ويحب ان يتحدث اليك. فقلت: انا خسرت المعركة. فقال: يريد ان يقول لك الحمد لله على السلامة. طلب الحريري ابو جمال وتحدثنا فقال لي: ما بدنا نشوفك؟ فقلت: انا خسرت المعركة ولم اعد مسؤولاً عن "القوات"، انا صرت ما حدا. فقال: في الصداقة ليس هناك ما حدا، انت وضعت يدك في يدنا فتفضل لنقول لك الحمد لله على السلامة ثم سافر. وهناك بعض الاشياء نريد ان نخبرك اياها وقد لا تكون على علم بها.
في هذه الاثناء كان ميشال المر لحق بنا الى باريس فبحثت معه في الموضوع وسألني عن رأيي فقلت: نذهب في زيارة لياقة ونطلع على الاوضاع. توجهنا الى دمشق والتقينا خدام. بعد الحمد لله على السلامة قال لي: انا اعرف انك تراجع حساباتك حالياً. فأجبت: انا لا اراجع شيئاً انا قررت ان اتحول الى مزارع، سأقتني ابقاراً وقد لا يكون التعامل معها متعباً.
زحله لا البرازيل
الى اين كنت تنوي التوجه؟
- الى البرازيل. قال لي ابو جمال: ربما كانت لديك شكوك في ما كنت تفعله وهل هو محق ام لا. فقلت: نعم. قال: اريد ان اطلعك على ورقة ارسلها الينا كريم بقرادوني ويقول فيها ما معناه ان ايلي حبيقة كان يملك 70 في المئة من "القوات" واعطاكم مئة في المئة من الاتفاقات نحن نملك مئة في المئة من "القوات" ومستعدون لأن نتناقش على 80 في المئة من الاتفاقات. تعرف كريم يحب هذا النوع من المعادلات. سألته: ماذا يعني ذلك؟ اجاب: يعني ان الخط الذي كنت سائراً فيه هو الصحيح، والآن الشباب "القوات" يريدون فتح صفحة معنا ومناقشتنا. نحن ليست لدينا ثقة. كانت كل الابواب مفتوحة لهم وكان كريم هنا وطرح علي اسئلة ورددت بأجوبة صريحة.
سألت خدام: ما قصة سمير جعجع وسليمان فرنجية؟ فأجاب: رددت على كريم اننا سنتساعد على حل هذا الصراع. لم يطرح معي موضوع نيابة او وزارة. سألني: ما هو وضع سمير؟ فأجبته مثل وضع كل الناس واذا كانت امامه عقبات اكثر من غيره نتساعد في ازالتها.
انا في الحقيقة كنت افكر في القيام بزيارة لمدينة زحلة بعدما بلغتني انباء عن ممارسات سمير ضد من كانوا الى جانبي. واعتبرت ان هؤلاء يحتاجون الى من يتحدث اليهم ويطمئنهم. سألت ابو جمال: هل استطيع الذهاب الى زحلة؟ فرد: اكيد. قلت: سأذهب الى هناك لرؤية الشباب وبعدها ارد على سؤالك عما سأفعل.
نزلت الى زحلة وابلغني الشباب بالاضطهاد الذي يمارس على من ايدونا. وهنا اقول ان سمير جعجع كان السبب في عودتي الى لبنان وتحديداً بسبب ما مارسه ضد المؤيدين لي. كنت راغباً فعلاً في التوجه الى البرازيل. لكنني شعرت بمسؤولية تجاه الشباب الذين يتعرضون للأذى بسببي. وقررت البقاء لمدة اسبوع ثم تبعه اسبوع وبقينا.
الى متى استمرت مساعدات الحريري لكم بعد خروجكم؟
- اعتقد نحو سبعة اشهر.
هل كان لديكم تمويل آخر؟
- لا، لكن ميشال المر ساعدنا لفترة. بعدها بدأنا نستدين ونبيع بعض الاملاك. هناك اقارب لي باعوا منازلهم لنستطيع الاستمرار.
بشير ودمشق
لكنك التقيت السوريين في ايام بشير؟
- كان ذلك في العام 1981 ابان حرب زحلة فقد التقى اللواء محمد الخولي بشير الجميل في القصر الجمهوري ثم التقينا في منزل جوني عبده الذي كان مديراً للمخابرات في الجيش. في الاجتماع الاول جاء الخولي مع سامي الخطيب وكان يومذاك قائداً لقوات الردع العربية، وعقد الاجتماع في حضور الرئيس الياس سركيس. وكنت انا وزاهي البستاني مع بشير الجميل. في الاجتماع الاول سأل الخولي ماذا تريد "القوات اللبنانية" وكيف تنظر الى العلاقات مع سورية؟
وابلغ بشير اركان "القوات" ان اتصالاً حصل مع السوريين وربما تكون فيه فائدة، وقال ان السوريين طلبوا من "القوات" ان تحدد نظرتها الى العلاقات السورية - اللبنانية والى مستقبل الوضع في لبنان. هنا اقترح جان ناضر الذي قتل لاحقاً مع بشير وربما جوزف ابو خليل الاستعانة بكريم بقرادوني. وقال ناضر ان كريم افضل شخص يمكن ان يسأل عما يريده السوري وماذا يرضيه وماذا يمكن ان نقدم له، ونستطيع في ضوء مقترحاته اعداد ورقة عن تصورنا.
وأثار الاقتراح جدلاً وعارض فريق الاستعانة بكريم وقالوا انه غير موثوق به. واذكر ان بشير دافع عن الاستعانة بكريم وقال ان المطروح ليس ادخاله الى "القوات" بل الاستفادة من خبرته في التعامل مع السوريين خلال السبعينات وهو يستطيع ان يقدم افكاراً حول ماذا يريدون وطريقة التعاطي معهم.
وأعتقد بأن كريم نصب يومذاك كميناً وقع بشير فيه. وخلاصة القصة هي تصوره ان السوريين يريدون جزءاً من لبنان في البقاع والشمال وانهم اذا وعدوا بالحصول عليه سيوافقون في المقابل على ان تأخذ "القوات" حصتها، اي حصة المسيحيين من ارض لبنان. طبعاً هذا التفكير موجود لدى بعض المسيحيين، وزادت "حرب السنتين" اقتناع بعضهم به، وكانت خارطة المنطقة المسيحية المفترضة تتمدد وتتقلص تبعاً لهوية المحاور وموازين القوى. مرة تمتد من عندقت في الشمال الى جزين، مع اعتبار زحلة من ضمن الجبل، ومرة اخرى تتغير حدودها. وعندما انتخب بشير، وقبل ذلك على طريق الانتخاب، رفع شعار ال10452 كلم مربعاً وتراجعت الخرائط الاصغر.
في الاجتماع الثاني كنت مع زاهي البستاني في غرفة جانبية. وراح بشير يقرأ للخولي، واذا بوجه الاخير يتغير. سألنا بشير بعد الاجتماع فقال: "نحن اعطيناهم الرسالة والآن علينا ان ننتظر الجواب". في اليوم التالي جاء الجواب عبر الاذاعة السورية في صورة حملة على "المشروع التقسيمي للقوات". واعتقد بأن بشير لم تكن لديه آنذاك رؤية نهائية وواضحة لمشروع "القوات". كان يعرف ما لا يريده ولم يكن يعرف تحديداً ماذا يريد. كان يائساً من النظام القديم وربما الصيغة، لكنه لم يكن يملك تصوراً بديلاً.
واتصالاتك انت مع السوريين؟
- ابان الازمة المتعلقة باتفاق 17 ايار اللبناني - الاسرائيلي في 1983 كانت الفكرة لدينا انه يجب العثور على منطق آخر غير المنطق الذي كنا نسير فيه، وكانت العلاقات الاسرائيلية - القواتية في عزها. طلبت يومذاك من ميشال سماحة استكشاف امكان فتح خط مع السوريين، واعتبرنا ان مثل هذا الاختراق ضروري. تحرك سماحه في ضوء علاقته بسامي الخطيب مستفيداً من علاقات قديمة اقامها اثناء عمله في الارتباط بين الكتائب والسوريين ونجحت المحاولة. وجاءت الرسالة من سورية على الشكل الآتي: لماذا تتخذ الكتائب و"القوات" موقفاً معادياً من العرب وسورية في حين ان العرب لا يريدون هذا العداء ولا سورية تريده؟ ولماذا اخترتم اسرائيل لتعادوننا؟ اذا كنتم اخترتم الاسرائيليين لاعتقادكم بأنهم يدافعون عنكم في وجه الفلسطينيين تذكروا من انقذ عكار وزحلة وبكفيا، فالمبادرة السورية هي التي انقذت هذه المدن والبلدات وليس الاسرائيلي.
عبور الحدود
مع من كان الاجتماع؟
- مع مسؤول سوري رفيع. عدت الى بيروت وابلغت فادي افرام الذي كان قائداً ل"القوات" بما حصل معي فظهرت شكوك. قلت له ان الرسالة التي سمعتها لم تكن عدائية والدليل انني عبرت الحدود ورجعت. وأوضحت له ان الاجواء تدفع الى الاعتقاد بأن الابواب ليست موصدة في وجهنا وان الانفتاح ممكن. وعقدت اجتماعاً ثانياً مع المسؤول نفسه وتبلغت فيه رسمياً ان سورية لن تسمح باجتياح دير القمر وتدميرها وانها ستسعى الى حل الموضوع. وفي الاجتماع الثالث كانت اجواء اتفاق 17 أيار مسيطرة على البلد وسمعت مجدداً السؤال: "لماذا تختارون الخصومة معنا وتذهبون الى الاسرائيليين؟".
وجدت صعوبة في اقناع قيادة "القوات" بما يجري. وقلت لهم اننا لا نتعاطى مع طرف محلي او مع فريق صغير. نحن نتعاطى مع دولة هي سورية وقد قدموا ادلة على نياتهم وهذه قصة دير القمر قد حلت. طبعاً كان هناك من يعتقد بأن الاسرائيليين هم الذين ضمنوا سلامة دير القمر لكنني كنت مطلعاً على الوقائع. لم تأخذ قيادة "القوات" الموضوع على محمل الجد وكانت العلاقة بينها وبين اسرائيل قائمة وشعرت بأن تسريب هذا الموضوع قد يؤذيني. جمدت الى حد ما العلاقة مع قيادة "القوات" وقررت ان افاتح امين الجميل بما يجري. وذات يوم كنت عائداً من سورية فمررت على بكفيا وقلت لأمين انا عائد من سورية واحمل اليك رسالة. قال: كيف ذهبت الى سورية ومن قابلت هناك؟ قلت: ذهبت مع ميشال سماحة وبامكانه ابلاغك الرسالة.
من كانت القناة في هذه المرحلة؟
- ارسلنا الرسالة الى احد المسؤولين السوريين الذي كان على علاقة بميشال سماحة، وعدنا ايضاً الى جان عبيد وآخرين. وحاول امين الجميل ان يعمل ضد هؤلاء فوصفهم بكل الاوصاف واتهمهم بالخيانة وبمساعدة الخط الاسرائيلي.
كان امين يفاوض نبيه بري ووليد جنبلاط والسوريين معتبراً "القوات اللبنانية" في جيبه وانهم اولاد و"كل ما اتفق عليه معكم، أحلُّه معهم"، وبدأت الازمة عندما فقد امين السيطرة على "القوات". وقتذاك ارسلنا رسائل مباشرة الى الفريق الآخر عن استعدادنا للحوار من دون شروط مسبقة.
هنا دعوت الى اجتماع واتخذت قراراً؟
- لا، الاجتماع الذي اتخذت فيه القرار نتج من معركة شرق صيدا. اما في تلك المرحلة فكان القرار اعادة تشكيل "القوات اللبنانية"، الغاء تسمية قائد القوات ليصبح رئيس الهيئة التنفيذية للقوات لاعطاء القيادة الطابع الجماعي.
كيف كنتم تتفاوضون وعبر من؟
- تبدأ الحركة عادة بالاعلام وبوسائل مستترة ونقل رسائل، ثم دخل رفيق الحريري على الخط.
دور الحريري
كانت هذه المرة الاولى التي ترى فيها رفيق الحريري؟
- نعم، لم يكن هناك أي اتصال، وقد التقيته في بيت ميشال سماحة في الاشرفية سنة 1985.
ماذا كان رفيق الحريري يريد؟
- كان يقول ان اتجاهنا الجديد صحيح، اما اذا كنا غير جديين فلا لزوم للدخول فيه لأننا نكون في الطريق الى احراق البلد للمرة الثانية، اما اذا كنا جديين فربما كان باب الخلاص وتنتهي الحرب من خلاله، ولكن يجب ترتيب العلاقة مع رئيس الجمهورية. لم اعد اذكر التفاصيل بدقة، على كل حال الرجل موجود وكلامه ملكه فهو يقرر اذا كان يريد ان يتكلم في الموضوع أم لا. هكذا بدأت العملية ودخل ميشال المر على الخط ودخل جوني عبده وآخرون.
ماذا كان دور جوني عبده؟
- كان معنا في الفريق المفكر عندما بدأنا التفاوض حول النقاط كنا نلتقي ونبحث في ما يمكن ان نقدمه اذا طلب منا هذا الامر وما لا يمكن ان نقدمه.
هل رأيت جوني عبده في جنيف؟
- رأيته في جنيف وفي فرنسا وفي امكنة عدة. خلال التفاوض على الاتفاق الثلاثي حاولنا ضم بعضهم الى خط التفاوض كالرئيس شمعون الذي كان في الجو وكان يطلع على اجزاء من المفاوضات.
ما هي قصة الاجتماع في منزل الحريري في دوردان؟
- صحيح. كان الاجتماع مهماً. كان هذا اول اتصال لفتح الباب واعلان النيات، بماذا تقبل "القوات اللبنانية" ان تبحث وما هي رؤيتها للحل في شكل عام والعلاقات بين اللبنانيين ومع سورية.
من شارك في خلوة دوردان؟
- شارك جوني عبده وميشال سماحة وجان غانم ورفيق الحريري بالطبع.
هل بلورتم تصوراً؟
- يومذاك سألت جوني عبده ما المطلوب لتقف الحرب ولندخل في الحل فقال: المطلوب لا تستطيع ان تحققه. فانت لا تستطيع تغيير المعادلة من موقعك الحالي، العملية خطيرة. قلت له: دعني اقدر الخطورة، ما هو المطلوب؟ بحثنا في الموضوع وتبين ان المطلوب هو ما يبحث مع امين الجميل. وهي امور بحثت في ايام الرئيس الياس سركيس وفي ايام الرئيس سليمان فرنجية. وقال لي: المطلوب من الرئيس الجميل سيطلب منك فهل انت مستعد؟
تحدثنا عن العلاقات المميزة بين لبنان وسورية علماً ان "القوات اللبنانية" جاءت من موقع مناقض، وكان مستغرباً ان يوافق رئيس "القوات" على البحث في علاقات مميزة مع سورية. سألته هل يمكن ان تنتهي الازمة من دون هذه الامور؟ فأجاب: لا. فقلت: نحن اذاً امام حل من اثنين: اما استمرار الازمة واما القيام بنقلة نوعية تفتح لنا ثغرة في الجدار للتحاور مع الفريق اللبناني الآخر ومع السوريين، فقال نعم. سألته ايهما اسهل؟ فأجاب: الخيار لك اذا كنت تستطيع احتمال ذلك. فقلت: استطيع وخياري الانفتاح والتحاور. عندها اعددنا الرسالة وبعثنا بها.
كيف كان رفيق الحريري يتصرف وبأي صفة؟
- كطرف لبناني وسيط. كان على علاقة جيدة مع سورية وكان راغباً في دخول "القوات اللبنانية" على الخط، معتبراً ان من شأن ذلك ان يفتح باب الحل. لقد جرب الحريري ذلك من قبل مع الرئيس الجميل وربما مع الرئيس سركيس.
هل كانت للحريري علاقة مع بشير الجميل وهل التقاه؟
- بحسب معلوماتي لا، لم تكن بينهما علاقة ولم يلتقيا.
ماذا بعد وصول الرسالة؟
- حركت الرسالة الجو مع السوريين وطلبوا توضيحاً فبعثنا برسالة ثانية عبر القناة نفسها، اي الحريري والمجموعة التي كانت معه. بعد الرسائل اقترحوا السوريون عقد لقاء مع الأطراف اللبنانية الأخرى برعاية سورية فأوفدنا ميشال سماحة الوزير والنائب السابق الذي شارك مع محمد عبدالحميد بيضون الوزير الحالي من حركة "امل" وأكرم شهيب الوزير الحالي من الحزب التقدمي الاشتراكي في اجتماع مع السيد عبدالحليم خدام نائب الرئيس السوري، ثم اجتمعوا في ما بينهم.
بدأ سماحة ينقل الينا اجواء اللقاءات وجرت عملية بحث وتفاوض واعداد مشاريع.
متى ذهبت الى دمشق في اطار عملية "الاتفاق الثلاثي"؟
- حين ذهبت الى التوقيع.
ألم تلتق خدام قبل ذلك؟
- لا.
ولا نبيه بري ووليد جنبلاط؟
- لا.
الجنرال شريك
لماذا فشلت في المواجهة العسكرية؟
- انا كان لدي شريك كنت متكلاً عليه في موضوع "الاتفاق الثلاثي" وهو شريك يفترض ان يمشي الاتفاق اذا وقف على رجليه وهو ميشال عون.
انا كنت استبعد الحسم العسكري بسبب وجود هذا الشريك. كان عون مطلعاً على تفاصيل الاتفاق والى اين نذهب، وكان مطلعاً ايضاً على تحركات استخبارات الجيش وبدايات التنسيق بينها وبين سمير. والحقيقة ان لقاءات سرية كانت تعقد ليلاً بيني وبين العماد عون مرة في حالات واخرى في منزله وكان الواحد منا قريباً من الآخر. وذكرت لك ان الجانب العسكري في الاتفاق الثلاثي اعده عون وتسلمناه بخط الضابط فؤاد الاشقر وهو كان المسؤول عن امنه ومن اقرب الناس اليه وضابط التنسيق بيننا.
وقبل ان يتوجه امين الجميل الى دمشق تحدثت مع الجنرال. قلت له: امين سيذهب الى دمشق وسيعود. في حال عدم الاتفاق اعتقد بأنه لن تكون هناك زيارة ثانية وستتصاعد الازمة الى حد ان احداً لن يستطيع ان ينام في اي مكان من الامكنة. سيحصل توتر وحذر داخل "القوات" وبين وحدات الجيش والاستخبارات وعلينا ضبط الوضع. الطريقة الوحيدة لضبط الموقف هي ان تنزل الالوية التي تثق بها بشكل مباشر على الارض. قال عون: كيف انزل هذه الالوية وماذا سيحدث بعد ذلك؟ قلت: "اذا مشى الاتفاق ولم يمش امين نوحد القوى ويمكن ان نصل الى حدود تشكيل مجلس ثورة او صيغة اخرى ولا يعود امين رئيساً للجمهورية فنحن يمكننا ان نرغمه على الاستقالة ويمكن ان نصعد الى قصر بعبدا وتتسلم انت القيادة في انتظار انتظام الاوضاع".
هذا الاجتماع عقد في حالات قبل يومين من توجه امين الى دمشق. قلت له: "القوات" لن تشتبك مع الجيش، اذا نزلت الالوية سترسم حدوداً بين الفريقين ونكمل مشروعنا. "قوات" سمير ستكون موجودة في الشمال وغير قادرة على الوصول الى بيروت. الجيش موجود على الارض ونحن موجودون في بيروت. وفي هذا الوضع لن يحصل اتصال على الارض بين سمير وأمين وحين يشعر امين بأننا معاً في مواجهته سيضطر الى التسليم بالامر الواقع. قال عون: كيف؟ قلت: ينزل جيشك على الطريق. فاجاب: انا جيشي منتشر على الجبهات ولا استطيع اتخاذ قرار بانزال الجيش على الطريق فكيف افرغ الجبهات؟ قلت: وماذا لو اخترعنا مشكلة امنية كبيرة الى درجة يصبح معها انزال الجيش الحل الوحيد لضبط الوضع فهل تمشي؟ قال: نعم. فقلت: امين سيكون في دمشق ولن يتمكن من الغاء امرك بانزال الجيش، نحن نقوم بعمل عسكري محدود في المتن وتنزل انت جيشك على الطريق. واذا سألك امين تستطيع ان تقول له انا حميت جماعتك او منعت الناس من الاقتتال؟ فقال: انا جاهز.
اتفقنا على ان يتم انزال اللواءين الثامن والعاشر اي الاقل تأثراً باجواء استخبارات الجيش.
غداً: الاخوة الأعداء تحت سقف الحريري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.