الديب: إيرادات الميزانية السعودية تعكس قوة الاقتصاد وكفاءة الإنفاق    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الأمير بدر بن عبدالمحسن -رحمه الله-    جثمان الأمير بدر بن عبدالمحسن يوارى الثرى    محافظ الطائف يرأس أجتماع المجلس المحلي    قروض صديقة للبيئة من بنك التنمية الاجتماعية    13 مليون عامل و1.2 مليون منشأة بالمملكة    اصطدام سيارة بإحدى بوابات البيت الأبيض ومقتل سائقها    قربان: قطاع الحياة الفطرية يوفر فرصًا استثمارية ضخمة في السياحة البيئية    "الأرصاد" ينبه من هطول أمطار على منطقة الرياض    المملكة تستضيف اجتماعيّ المجلس التنفيذي والمؤتمر العام ل"الألكسو"    كلوب: مدرب ليفربول المقبل لن يواجه صعوبات    منتدى المشاريع العالمي في يونيو المقبل بالرياض    التجارة غير النفطية تواصل النمو في أبريل    فرص واعدة لصُناع الأفلام في المملكة    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير عام هيئة التراث بالمنطقة    ميسي يسجل ثلاثة أرقام قياسية جديدة في الدوري الأمريكي    هل وصلت حرب غزة إلى طريق مسدود؟    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تطلق جولتها القرائية الخامسة    تدخل عاجل ينقذ حياة سيدة في عنيزة    كاسترو يكشف موقف تاليسكا وغريب من مواجهة الهلال    20 ألف مستفيد من خدمات مستشفى الأسياح    ( مسيرة أرفى ) تعلن عن إنطلاق فعاليات شهر التصلب المتعدد    "باحث": لا يوجد أدلة على أن الاستمطار يحدث هطول أمطار شديد    الأمم المتحدة تكشف: آلاف السودانيين يفرون يوميا من جحيم الحرب    "تعليم تبوك" و"أرامكو" يطلقان حملة توعوية للوقاية من الحرائق    المملكة تعين وتروي المحتاجين حول العالم    "ميدياثون الحج والعمرة" يختتم أعماله    تنمية جازان تفعل برنامجًا ترفيهيًا في جزر فرسان    رونالدو: لا أركض وراء الأرقام القياسية    توقعات بهطول أمطار رعدية خفيفة على معظم مناطق المملكة    اللحوم والبقوليات تسبب "النقرس"    السعودية تؤكد ضرورة إعادة هيكلة منظمة التعاون الإسلامي وتطويرها    القبيلة.. وتعدد الهويات الوطنية    مسؤولون وفنانون وشعراء ينعون الراحل    البدر «أنسن العاطفة» و«حلّق بالوطن» وحدّث الأغنية    آه يا رمل وهبايب.. تدفن جروح الحبايب.. ورحت يا بدر التمام    تعديلات واستثناءات في لائحة ضريبة التصرفات العقارية    بأمر خادم الحرمين.. تعيين 261 عضواً بمرتبة مُلازم تحقيق في النيابة العامة    «المظالم» يخفض مدد التقاضي و«التنفيذ» تتوعد المماطلين    السعودية.. دور حيوي وتفكير إستراتيجي    عضوية فلسطين بالأمم المتحدة.. طريق الاستقلال !    معالي الفاسد !    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية    الذهب يتأرجح مع تزايد المخاوف بشأن أسعار الفائدة    تقدير الجهود السعودية لاستقرار السوق العالمية.. المملكة تعزز تعاونها مع أوزبكستان وأذربيجان في الطاقة    رعى حفل التخرج الجامعي.. أمير الرياض يدشن مشروعات تنموية في شقراء    تحت رعاية ولي العهد.. وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل ويشهد حفل التخرج    موسكو: «الأطلسي» يستعد لصراع محتمل    الهلال يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة الأهلي    منح تصاريح دخول العاصمة المقدسة    الطائي يتعادل مع الخليج سلبياً في دوري روشن    بتنظيم وزارة الرياضة .. "الأحد" إقامة المؤتمر الدوري للقطاع الرياضي    يجنبهم التعرض ل «التنمر».. مختصون: التدخل المبكر ينقذ «قصار القامة»    النملة والهدهد    لا توجد حسابات لأئمة الحرمين في مواقع التواصل... ولا صحة لما ينشر فيها    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    كيفية «حلب» الحبيب !    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صفقة مقاتلات "سوخوي - 30" تعيد الزخم الى التعاون العسكري بين موسكو ودلهي . تعاون اسرائيلي - روسي لتحديث سلاح الجو الهندي إلى ما بعد العام 2000
نشر في الحياة يوم 13 - 01 - 1997

كان لافتاً أن رئيس الدولة الاسرائيلي عيزرا وايزمان حرص خلال زيارته الأخيرة للهند على زيارة احدى قواعدها الجوية حيث دعا الى ضرورة قيام تعاون بين سلاحي الجو الهندي والاسرائيلي. كما لم يكن مستغربا ان تعرب باكستان، في المقابل، عن قلشقها الشديد من نتائج هذه الزيارة وما أحاط بها من معلومات حول وجهات تطور العلاقات العسكرية والتسليحية بين دلهي والدولة العبرية. فالصناعات الجوية الاسرائيلية تخوض حالياً منافسة حادة مع نظيرتها الروسية للفوز ببرنامج تخطط الهند لتنفيذه لتحديث أسطولها الضخم من الطائرات المقاتلة السوفياتية التي حصلت عليها أو انتجتها محلياً بموجب ترخيص من موسكو خلال السبعينات والثمانينات، وهي منافسة قد تنتهي الى قيام تعاون بين الجانبين لتنفيذ هذا البرنامج.
وتعد القوات الجوية الهندية من الأفضل والأكبر حجماً في العالم، اذ تملك أكثر من 900 طائرة قتالية وتتميز بمستويات عالية من التدريب والاستعداد والكفاءة. وتعتمد هذه القوات بصورة أساسية على طرازات سوفياتية الأصل تشكل حوالي 80 في المئة من معداتها وتشمل مقاتلات اعتراضية من طراز "ميغ - 21" و"ميغ - 23"، ومقاتلات هجومية من طراز "ميغ - 27"، ومقاتلات متعددة الأغراض من طراز "ميغ - 29"، فيما تقتصر المعدات الغربية الرئيسية في صفوفها على مقاتلات "جاغوار" البريطانية - الفرنسية الهجومية، ومقاتلات "ميراج - 2000" الفرنسية المتعددة الأغراض، ومقاتلات "سي هاريير" العمودية التي تعمل لدى الوحدات الجوية التابعة للأسطول الهندي. وينطبق هذا الوضع أيضاً على المعدات الجوية في المجالات الأخرى كطائرات الهليكوبتر وطائرات النقل والاستطلاع والذخائر الجوية. كما أنه لا يختلف عن تجهيز فروع القوات المسلحة الهندية البرية والبحرية التي تعتمد بشكل رئيسي على المعدات السوفياتية من دبابات وعربات مدرعة ومدفعية ميدان وأنظمة دفاع جوي وسفن وزوارق وغواصات.
ومنذ انهيار الاتحاد السوفياتي عملت روسيا جاهدة على الاحتفاظ بالموقع المتميز الذي كانت موسكو تتمتع به في سوق السلاح الهندية عندما كان تعاونها العسكري مع دلهي في ذروته. ونجحت القيادة الروسية الجديدة الى درجة لا بأس بها على هذا الصعيد، اذ تمكنت خلال السنوات الماضية من الابقاء على علاقات سياسية وتجارية وتسليحية جيدة نسبياً مع دلهي، على رغم انها ظلت دون مستوى التعاون الوثيق الذي كان يميز هذه العلاقات ابان الحقبة السوفياتية حين كانت موسكو تنظر الى الهند باعتبارها حليفاً استراتيجياً رئيسياً لها في القارة الآسيوية. وظهر هذا التحول النسبي في مستوى علاقات البلدين من خلال اضطرار الصناعات الروسية الى منافسة صناعات عالمية أخرى للفوز بعقود لدى الهند كان مصيرها يعتبر شبه محسوم في الماضي لمصلحة موسكو. وكان أبرز مثال لهذا الوضع الجديد البرنامج الذي بدأ سلاح الجو الهندي في التفكير بتنفيذه قبل حوالي ثلاث سنوات لتحديث مقاتلات "ميغ - 21" العاملة لديه لاطالة حياتها العملياتية حتى ما بعد مطلع القرن المقبل.
كانت الخطط الهندية تقضي أصلاً بالاستغناء عن هذه المقاتلات تباعاً اعتباراً من نهاية التسعينات عندما كان مقرراً ان تحل مكانها طائرة مقاتلة جديدة تعمل الصناعات الجوية الهندية على تطويرها حالياً في اطار برنامج يحمل اسم "الطائرة القتالية الخفيفة" ل. سي. أ، ويهدف الى انتاج 210 طائرات لسلاح الجو الهندي مستقبلاً. لكن البرنامج تعرّض لمصاعب مالية وتقنية عدة أدت الى تأخير موعد البدء في انتاج الطائرة الجديدة الى عام 2002، ما يعني أنها لن تدخل الخدمة في صفوف الأسراب القتالية قبل 2004 - 2005 على الأرجح. وهذا ما دفع سلاح الجو الهندي الى إيلاء المزيد من الاهتمام لفكرة تحديث مقاتلات "ميغ - 21"، وادخال تحسينات الكترونية وقتالية عليها بهدف الاستمرار في استخدامها بفاعلية حتى ذلك الوقت.
وما أن بدأ الحديث عن هذا الاهتمام الهندي بتطوير مقاتلات "ميغ - 21" حتى سارعت شركات صناعة جوية عالمية عدة الى تقديم عروض الى دلهي في هذا الشأن على أمل الفوز بالعقود التي سينطوي هذا البرنامج عليها عند وضعه موضع التنفيذ. وكان طبيعياً أن تعتبر الصناعات الجوية الروسية انها الأحق بهذه العقود لكونها الوريثة الشرعية للصناعات السوفياتية التي عملت على تصميم وانتاج المقاتلة "ميغ - 21". وانطبق ذلك في الدرجة الأولى على شركة "مابو" التي تتولى حالياً انتاج عائلة مقاتلات "ميغ" الشهيرة في أعقاب تخصيص مصانع "ميكويان" التي كانت تقوم بذلك ابان الحكم الشيوعي في الاتحاد السوفياتي.
وكانت "مابو" عرضت قبل أعوام طرازاً جديداً محسناً من المقاتلة "ميغ - 21"، أطلقت عليه اسم "ميغ - 21/ 93"، ذكر انه أعد خصيصاً لتلبية حاجات سلاح الجو الهندي في حال قرر المضي قدماً في تطوير أسطوله من مقاتلات "ميغ - 21". وكان واضحاً ان هدف الشركة الروسية لم يكن يقتصر على الفوز بالصفقة الهندية المهمة، بل أيضاً بصفقات أخرى محتملة مع دول عدة لا تزال تعتمد في قواتها الجوية على مقاتلات "ميغ - 21".
المنافسة الاسرائيلية
لكن سرعان ما برزت المنافسة في وجه الشركة الروسية من جانب الصناعات الجوية الاسرائيلية التي عرضت في الوقت نفسه تقريباً طرازاً محسناً من المقاتلة "ميغ - 21" حمل اسم "ميغ - 21/ 2000"، في ما بدا جلياً ان هذه الصناعات عقدت العزم بدورها على الاستفادة من الفرص الكبيرة التي أيقنت انها باتت متاحة لها في سوق تحديث الأسلحة والمعدات العسكرية السوفياتية التي لا تزال تعمل على نطاق واسع في العالم. وبينما ارتكزت التحديثات التي عرضتها شركة "مابو" الروسية على الاستعاضة عن محرك المقاتلة "ميغ - 21" الأصلي بالمحرك الأكثر قوة الذي يزود المقاتلة "ميغ - 29"، واعتماد نظام الرادار والأجهزة الالكترونية والملاحية والذخائر الجوية الصاروخية جو - جو وجو - سطح المستخدمة على هذه المقاتلة لتجهيز الطراز "ميغ - 21/ 93"، ارتكزت التحسينات في الطراز "ميغ - 21/ 2000" على تزويده أنظمة رادارية والكترونية وذخائر جوية اسرائيلية الصنع مع ترك المجال مفتوحاً أمام تزويده معدات غربية من صنع أميركي أو بريطاني أو فرنسي أو ايطالي للدول التي قد تفضّل ذلك.
وحتى الآن تمكنت الصناعات الجوية الاسرائيلية من الفوز بعدد من العقود مع دول قررت تحديث مقاتلات "ميغ - 21" العاملة لديها. وكان أهمها البرنامج الذي يتم تنفيذه حالياً لتحديث 100 مقاتلة من هذا الطراز تابعة لسلاح الجو الروماني وتحويلها الى الطراز "ميغ - 21/ 2000"، حيث ستحمل هذه الطائرات في الخدمة الرومانية اسم "لانسر". كما تعمل هذه الصناعات على تنفيذ برنامج لحساب كمبوديا التي تعاقدت على تحديث 24 طائرة، وآخر لحساب زامبيا ينطوي على تحديث 14 طائرة، وذلك في الوقت الذي لا تزال تتفاوض فيه مع دول منها المجر والجمهورية التشيكية لتنفيذ برامج مماثلة. لكن "الجائزة الكبرى" في هذا المجال ظلت البرنامج الهندي المرتقب نظراً لضخامته، وللاحتمالات الكامنة فيه بحكم أنه قد يشكل خطوة أولى للتعاقد مع دلهي على صفقات لاحقة تتعلق بالطرازات الأخرى من الطائرات والمعدات السوفياتية العاملة في صفوف قواتها.
احتجاج روسي
وبدا ان الهند تتجه فعلياً الى اختيار العرض الاسرائيلي. وشاعت معلومات قبل حوالي عامين عن ان الجانبين ربما وقعا بالأحرف الأولى اتفاقاً مبدئياً تتولى الصناعات الجوية الاسرائيلية بموجبه تحديث 125 طائرة "ميغ - 21" هندية بالتعاون مع الصناعات الجوية هناك، على أن تزود مزيجا من الأنظمة الالكترونية والملاحية والذخائر الاسرائيلية والفرنسية والروسية الجديدة. إلا أن رد الفعل الروسي على هذه المعلومات جاء سريعاً وحاداً، اذ هددت شركة "مابو" بمقاضاة الشركات الاسرائيلية التي تنافسها على الفوز بالصفقة الهندية باعتبار ان المقاتلات التي ستُحدث روسية المنشأ ولا يحق بالتالي لأي طرف ثالث التصرف بها من دون الحصول على الموافقة المسبقة على ذلك من جانب الشركة المسؤولة أصلاً عن تصميمها وانتاجها، حتى وان كانت هذه الطائرات انتجت في الهند بموجب ترخيص سوفياتي رسمي، وذلك على أساس ان "مابو" هي المخولة حصرا حق منح مثل هذا الترخيص أو توسيع نطاقه ليشمل أطرافاً أخرى بحكم أنها باتت مسؤولة عن أعمال مصانع "ميكويان" الحكومية السوفياتية السابقة.
وتبين في ما بعد ان هذه المعلومات كانت سابقة لاوانها، اذ نفت دلهي بشدة ان تكون وقّعت اتفاقاً في شأن تحديث مقاتلات "ميغ - 21" مع اسرائيل أو غيرها، في انتظار استكمال وضع خطط أكثر شمولية تتعلق بتحديث معدات قواتها الجوية عموماً، وتنفيذ سلسلة من البرامج الهادفة الى تطوير قدراتها الدفاعية في مختلف المجالات خلال السنوات المقبلة. وتقوم الصناعات العسكرية الهندية حالياً بتنفيذ مشاريع عدة أهمها برنامج تطوير الدبابة الجديدة "أرجون" التي بدأ انتاجها وادخالها الخدمة أخيراً، وبرنامج انتاج الصاروخ الباليستي أرض - أرض المتوسط المدى "بريثفي" الذي بدأ في نهاية الثمانينات بطرازين يصل مدى أحدهما الى 150 كلم، والآخر الى 250 كلم، بينما يجري تطوير طراز ثالث يفترض ان يصل مداه الى 450 كلم. وهناك أيضاً برنامج تطوير الصاروخ الباليستي أرض - أرض الاستراتيجي "أغني" الذي تقول المصادر الدفاعية الدولية ان مداه قد يصل الى 2500 كلم، الى جانب برنامج "الطائرة القتالية الخفيفة" ل. سي. أ المعدة لدخول الخدمة مطلع القرن المقبل، وبرنامج آخر يهدف الى انتاج طائرة هليكوبتر جديدة.
"سوخوي - 30"
وفي هذه الأثناء، عادت العلاقات التسليحية بين دلهي وموسكو لتشهد قدراً من الزخم الذي افتقدته خلال الفترة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي مباشرة، فوقّع البلدان خلال العامين الماضيين صفقات عدة شملت تزويد القوات الهندية معدات روسية متنوعة من بينها دبابات وعربات مدرعة وقطع مدفعية وأنظمة دفاع جوي وطائرات مقاتلة من طراز "ميغ - 29" تضاف الى ما كانت الهند حصلت عليه من هذا الطراز أيام الاتحاد السوفياتي، وطائرات هليكوبتر هجومية من طراز "ميل - 24". وحسب المصادر الدفاعية الغربية، تضمنت هذه الصفقات اتفاقاً مهماً حصلت الهند بموجبه على ترخيص بانتاج الصاروخ أرض - جو المضاد للطائرات وللصواريخ "س - 300"، الذي يعتبر المنافس الروسي للصاروخ الأميركي "باتريوت"، خصوصاً من حيث امكان استخدامه نظاماً دفاعياً مضاداً للصواريخ الباليستية أرض - أرض.
وتقول هذه المصادر ان النموذج الهندي الأول من هذا الصاروخ حلّق في الاسبوع الأخير من كانون الأول ديسمبر الماضي، وان عملية ادخاله الخدمة الفعلية لدى القوات الهندية ستبدأ في وقت لاحق من هذا العام.
التحول الاستراتيجي
لكن أهم عقود التسلح الروسية - الهندية الجديدة كان الاتفاق الذي أبرم قبل أسابيع بعد مفاوضات في شأنه استغرقت أكثر من عامين، ونص على شراء سلاح الجو الهندي 40 مقاتلة روسية متطورة متعددة الأغراض من طراز "سوخوي - 30"، قدرت قيمتها بنحو 1.8 مليار دولار، وحصول دلهي أيضاً على ترخيص بانتاج هذه المقاتلة محلياً بعد أن تستكمل عملية تسليم الطائرات التي أوصت عليها من موسكو مباشرة.
والمقاتلة "سوخوي - 30" هي طراز محسّن متعدد الأغراض من المقاتلة الاعتراضية "سوخوي - 27" التي بدأ انتاجها في الثمانينات وأصبحت تشكل منذ ذلك الوقت أساساً لعائلة كاملة من الطائرات القتالية المتقدمة التي تتفق المراجع الدفاعية الدولية على اعتبارها من الأفضل من نوعها في العالم حالياً، وتضم طرازات عدة منها الطرازان الاعتراضيان المحسنّان "سوخوي - 35" و"سوخوي - 37"، والطراز الاعتراضي المخصص للعمل من على متن حاملات الطائرات "سوخوي - 33"، والطراز الهجومي "سوخوي - 34"، الى جانب الطراز المتعدد الأغراض "سوخوي - 30".
وسيشكل حصول سلاح الجو الهندي على مقاتلات "سوخوي - 30" اضافة نوعية بالغة الأهمية على قدراته القتالية. وأعربت المصادر الدفاعية عن اعتقادها بأن دخول هذه المقاتلات الخدمة في صفوفه سيكون التحول الأكثر أهمية في موازين القوى الجوية في شبه القارة الهندية وآسيا منذ فترة طويلة، وذلك بفضل المواصفات العملياتية والأدائية التي تتمتع بها، فهذه المقاتلة معدة أساساً لتحقيق السيطرة الجوية على جميع الارتفاعات والمسافات، وقادرة على تنفيذ المهمات الدفاعية والهجومية على المستويات التكتيكية والاستراتيجية في آن معاً.
وتشير المصادر الى ان "سوخوي - 30" تجمع في مواصفاتها بين القدرات الاعتراضية المتفوقة للمقاتلة "سوخوي - 27" والقدرات الهجومية الاستراتيجية للمقاتلة القاذفة المطورة عنها "سوخوي - 34". كما انها ستحتوي على جميع التحسينات الاضافية التي ادخلت على الطرازين المطورين "سوخوي - 35" و"سوخوي - 37" اللذين لن يبدأ سلاح الجو الروسي نفسه في الحصول عليهما قبل أواخر هذا العقد. وتضيف ان خصائص هذه المقاتلة في مهمات الاعتراض والمطاردة والاشتباك الجوي تجعلها قادرة على التغلب على أي طراز آخر من الطائرات القتالية العاملة في العالم حالياً، في حين أنها قادرة في الوقت نفسه على تنفيذ المهمات الهجومية ضد الاهداف البرية والبحرية على جميع الارتفاعات وفي مختلف ظروف الطقس والرؤية حتى مسافة تزيد على 5200 كلم، مما يمنح استخدامها في هذا المجال طابعاً استراتيجياً واضحاً. وسيحمل الطراز الهندي المحدد من هذه المقاتلة اسم "سوخوي - 30 م.ك"، وستقوم شركة "يابو" الروسية، التي تتولى ادارة أعمال مصانع "سوخوي" السوفياتية السابقة منذ تخصيصها في أعقاب انهيار الشيوعية، بتسليم سلاح الجو الهندي الطائرات الثماني الأولى من هذا الطراز في وقت لاحق من العام الحالي، على ان يستكمل تسليم الطائرات الأربعين الموصى عليها بحلول مطلع 1999. ومن المقرر ان تكون استكملت في هذه الاثناء الاستعدادات لبدء انتاج المقاتلة على يد "هيئة الصناعة الجوية الهندية" هال التي ستتولى اعتباراً من العام 2000 تلبية طلبات سلاح الجو الهندي اللاحقة منها، والتي يقدر ان تصل في مجموعها الى 200 طائرة حتى العام 2010.
تعاون عوضاً عن التنافس؟
وإذا كانت هذه الصفقة المهمة كرست من جديد التعاون الاستراتيجي بين موسكو ودلهي، وأعادت له الوهج الذي افتقده في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، فإنها فتحت الباب في الوقت نفسه أمام الصناعات الروسية للدخول طرفاً جدياً في خطط التحديث الأخرى التي يعتزم سلاح الجو الهندي تنفيذها، ووفرت لها موقعاً أفضل بكثير في المنافسة الدائرة بينها وبين نظيرتها الاسرائيلية.
والواقع ان الخطط الهندية لم تعد مقتصرة على تحديث مقاتلات "ميغ - 21" فحسب، اذ كان العنصر الجديد الذي برز أخيراً ظهور الرغبة لدى دلهي بتحديث جميع طائراتها السوفياتية الأصل العاملة حالياً. ويعني ذلك ان برنامجاً شاملاً كهذا سيتضمن تحديث ما قد يزيد على 600 طائرة من طرازات عدة تشكل العمود الفقري للوحدات القتالية الرئيسية لدى سلاح الجو الهندي في الوقت الحاضر. والى جانب طائرات "ميغ - 21" التي يوجد منها أكثر من 300 معظمها من الطراز المحسن "ميغ - 21 بيس"، تشمل هذه الطائرات نحو 40 مقاتلة اعتراضية من طراز "ميغ - 23"، واكثر من 200 مقاتلة هجومية من طراز "ميغ - 27" وحوالى 80 مقاتلة متعددة الأغراض من طراز "ميغ - 29" المتقدم. وتفيد المعلومات ان الجانب الروسي قدم الى سلاح الجو الهندي اقتراحاً متكاملاً يقضي بتنفيذ برنامج شامل لتحديث هذه الطائرات وتحسين قدراتها القتالية والعملياتية في جميع المجالات، وذلك على أساس تحويل مقاتلات "ميغ - 21" الى الطراز "ميغ - 21/93" وإدخال تعديلات مماثلة على مقاتلات "ميغ - 23" من خلال تزويدها الأنظمة الرادارية والالكترونية والذخائر الخاصة بالمقاتلة "ميغ - 29"، وتحويل المقاتلات الهندية من طراز "ميغ - 29" الى الطراز المحسن "ميغ - 29م" الذي يعرف أيضاً باسم "ميغ - 33"، وادخال تحسينات عامة على مقاتلات "ميغ - 27".
وتقدر المصادر الغربية ان التكاليف الاجمالية لبرنامج شامل كهذا قد تصل، في حال تقرر تنفيذه كاملاً، الى ما لا يقل عن 5 مليارات دولار، بينما سيستغرق العمل على تنفيذه بمراحله المختلفة فترة تراوح بين 5 و6 سنوات، وهو سيضمن لسلاح الجو الهندي الاستمرار في استخدام هذه المقاتلات بفاعلية حتى ما بعد عام 2010، وهي الفترة الزمنية المحددة لاستكمال خطط انتاج المقاتلات الجديدة من طرازي "ل.سي.أ" و"سوخوي - 30" وادخالها الى الخدمة لتحل مكان مقاتلات "ميغ - 21" و"ميغ - 23" و"ميغ - 27" و"جاغوار" لتصبح القوات الجوية الهندية مؤلفة بالكامل عندئذ من طرازات متطورة تشمل "ميغ - 29" و"ميراج - 2000" و"سوخوي - 30" و"ل.سي.أ".
وعلى رغم ان مصادر الصناعات الجوية الروسية أعربت مراراً عن أملها في أن تفوز هذه الصناعات بعقود التحديث الهندية المرتقبة، فإن الاتجاه المرجح في دلهي يشير حالياً الى عكس ذلك. واستناداً الى المعلومات المتوافرة من مصادر دفاعية هندية وغربية، فإن الاختيار النهائي لم يتم حتى الآن، بل ان دلهي تفضل على ما يبدو استمرار المنافسة الدائرة حالياً لتحقيق افضل الشروط المالية والتقنية الممكنة قبل إبرام أي عقود نهائية. وتنقل هذه المصادر عن مسؤولين عسكريين وصناعيين هنود تأكيدهم بأن الصيغة المثلى التي سيتم اختيارها ستكون على أساس اقامة تجمع من الشركات التي ستساهم في تنفيذ هذه العقود من خلال تعاون مشترك، على ان يضم هذا التجمع الصناعات الجوية الهندية والروسية والاسرائيلية، وربما شركات غربية برزت منها شركة "سكستانت" الفرنسية المتخصصة بالالكترونيات. وتضيف المصادر ان هذه الصيغة تبدو الأوفر حظاً في النجاح والفوز بصفقات هذا البرنامج التي ينتظر ان يبدأ ابرامها تباعاً خلال الاشهر المقبلة في اطار ما يمكن ان يصبح واحداً من أضخم برامج التعاون في تاريخ الصناعة الجوية العالمية، ومؤشراً حيوياً على الطريقة التي سيتم من خلالها تنفيذ البرامج الدولية المماثلة مستقبلا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.