مصادر «عكاظ»: الشهري يدرس عروض أندية «روشن»    النائب العام يجري جولة تفقدية على مركز القيادة والتحكم للإشراف المباشر على أعمال النيابة العامة بالحج    حجاج بيت الله يؤدون الركن الأعظم    عرفة البيضاء.. تتهيأ لأضخم تجمّع بشري    افتتاح قصير ل«يورو 2024» وتكريم بيكنباور    وزير الداخلية يقف على سير العمل في مركز القيادة لأمن الحج بمشعر منى    ألمانيا تدك شباك إسكتلندا بخماسية في افتتاح اليورو    الأولوية لفيرتز    النقد الدولي: المملكة تحرز تحولا اقتصاديا غير مسبوق    إصابة لابورت قبل انطلاق يورو 2024    غياب لابورت عن إسبانيا في مباراة كرواتيا    إنقاذ حاج صومالي وحاجة تركية من مضاعفات خطيرة    وزير الداخلية يؤكد اعتزاز المملكة بخدمة ضيوف الرحمن واهتمام القيادة البالغ بحجاج بيت الله الحرام    الأخضر تحت 21 عاماً يخسر من بنما بركلات الترجيح في بطولة تولون الدولية    نائب أمير مكة يؤكد اكتمال توافد الحجاج لمشاعر منى بكل يسر وسهولة وطمأنينة    المملكة من أكبر المستثمرين في الطاقة النظيفة    خير يوم طلعت فيه الشمس    فيلم "نورة" من مهرجان "كان" إلى صالات السينما السعودية في رابع العيد    وزير الداخلية يقف على سير العمل في مركز القيادة والسيطرة لأمن الحج في مشعر منى    الخط الأحمر    ضيوف الرحمن يقفون بصعيد عرفات    وزير الإعلام: في المملكة الأفعال تسبق الأقوال.. مبدأ راسخ في خدمة ضيوف الرحمن    هيئات الأمر بالمعروف في منطقة الباحة تنشر محتوى برنامج "أيام معلومات" في الميادين العامة والطرق    120 مليون نازح في العالم    نقل أول حالة إسعافية من مهبط برج الساعة    الذهب يستقر وانتعاش الدولار يحد من المكاسب    خارطة طريق فرنسية لاحتواء التصعيد في جنوب لبنان    مجموعة السبع تتجنّب حربًا تجارية مع الصين    اللواء العتيبي يتفقد «أمن المنشآت» بمحطات قطار الحرمين في جدة    "نزاهة" توقف وتكشف هويات المتورطين في انهيار المبنى السكني بحي الفيصلية في جدة    الدوسري يتفقد مقار منظومة الإعلام في المشاعر المقدسة    الرئيس المصري يصل إلى جدة لأداء مناسك الحج    الصحة: على الحجاج استخدام المظلات للوقاية من ضربات الشمس    المملكة تتسلم علم استضافة أولمبياد الفيزياء الآسيوي 2025 وتعزز مكانتها عالمياً    النيابة العامة تطور جهاز «ترجمان» لترجمة مجريات التحقيق خلال موسم حج 1445ه    محافظ الطائف يتفقد نقاط الفرز في الخالدية والهدا والمحمدية .    مواكب حجاج صندوق الشهداء والمصابين والأسرى والمفقودين تتجه إلى المشاعر المقدسة    سجن وتغريم 18 مخالفًا نقلوا 91 غير مُصرَّح لهم بالحج    المملكة تشارك في المؤتمر الأوروبي لتقويم الأسنان    صحفيو مكة يشيدون بمضامين ملتقى إعلام الحج    في كتب الرحلات    رقابة صحية ومباشرة ميدانية.. مكتب البيئة ينهي استعدادات عيد الاضحى في الخرج    «صفقة» غزة.. مرهونة بالانسحاب الكامل وإنهاء الحرب    تشكيل ألمانيا المتوقع أمام اسكتلندا    "لينكدإن" تستعين ب"الذكاء" لجلب الوظائف    اتفاقية تمويل لربط الكهرباء الخليجي العراقي    هدايا بروح التراث السعودي لضيوف الرحمن    إعادة التوطين تُكثر 9 حيوانات بمحمية الإمام تركي    "واتساب" يتيح المكالمات بسطح المكتب    وزير الحرس الوطني يطّلع على استعدادات القوات    العيسى: تنوع الاجتهاد في القضايا الشرعية محل استيعاب الوعي الإسلامي    22000 من القطاع البلدي يشاركون في الخدمة    57 سيجارة كافية لتفجير رئة المدخن    أمن الطرق.. حرّاس المنافذ    الحقد والمظلومية يصيبان بالأمراض ويعطلان التشافي    «الجراح المغناطيسي» أحدث جراحات السمنة    العليمي: المنحة السعودية تمكن الدولة من الوفاء بالتزاماتها الحتمية    رئيس هيئة الأركان العامة يتفقد وحدات القوات المسلحة وقطاعات وزارة الدفاع المشاركة في مهمة الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القمة العربية : النجاح ، الامتحان ، وناقوس الخطر
نشر في الحياة يوم 01 - 07 - 1996

يلفت الانتباه أن ثمة قدراً مشتركااً من الارتياح والقبول العامين في الساحة العربية، سواء على مستوى الحكومات او مستوى الشعوب، لما اسفرت عنه اجتماعات القمة العربية في القاهرة.
هذا امر نادر الحدوث بالنسبة الى غالبية القمم العربية السابقة. فقد جرت العادة على وجود فروق متراوحة في اتساعها او ضيقها، حول اجتماعات القمة السابقة، وذلك بين ما استطاعت الحكومات انجازه خلالها، وبين مجمل التوقعات الشعبية العربية منها. وكان الانجاز الرسمي دائما اقل في نوعيته عما تأمله وتدعو اليه الارادات الشعبية.
هذه المرة تلاشت الفروق بين الطرفين حتى كادت ان تنعدم تقريباً. ظل هناك من يقول كنا نأمل في أكثر مما تحقق، ولكننا في نهاية المطاف نقدر الظروف الصعبة والمعقدة، ونقبل وندعم ما توصلت اليه القمة من مواقف وقرارات. واذا كانت مثل هذه التعبيرات قد صدرت عن مختلف القوى او الاحزاب المعارضة للحكومات في البلدان العربية، بما في ذلك البلدان التي توصف عادة بالتطرف والمعادية لنهج التسوية السياسية السلمية للصراع العربي-الاسرائيلي، فإن معنى ذلك ان قمة القاهرة بمواقفها وقراراتها بلورت للمرة الأولى منذ ما يقرب من 20 عاماً، حالة من الاجماع السياسي العربي أمام التحديات الراهنة.
واذا ما طبقنا المقاييس السياسية، فإن حالة الاجماع السياسي العربي الذي خلقته القمة رأسياً وافقياً، تمثل وضعاً لا نظير له في تاريخ القمم العربية، ربما باستثناء أول قمة عقدت عام 1964 لمواجهة أزمة تحويل مجرى نهر الاردن. ففي كل مؤتمرات القمة السابقة كانت هناك حكومات تتحفظ على هذا القرار او ذاك، او هذه الفقرة او تلك من البيان الختامي. وكانت هناك انتقادات متفاوتة من الجماعات والاحزاب في الساحة الشعبية. علاوة على مقاطعة دولة او اكثر من البداية، ولاسباب مختلفة، لاجتماعات القمة.
من هنا يمكن القول موضوعيا إن قمة القاهرة حققت نجاحاً. لكن يبقى سؤالان: اين يكمن نجاحها تحديداً؟ وكيف نجحت رغم ان وعورة الظروف وتعقدها كانت ترجح الفشل الكلي او النسبي إن لم يكن اليأس من عقدها أصلاً؟
في تقديري ان جوهر نجاح القمة هو توافق المؤتمرين على طرح برنامج عمل واقعي، يتعامل بصورة مباشرة مع تحديات جرى تحديد طبيعتها وابعادها، وذلك انطلاقاً من تأسيس موقف مشترك منها، في حدود ما تستطيع كل دولة عربية ان تتحمل تكلفته.
في هذا البرنامج، انطلق جمع المؤتمرين من قاعدة وفاق الحد الادنى، حتى ممن له اعتراض على مبدأ عملية التسوية السياسية السلمية للصراع العربي الاسرائيلي ككل، مثل ليبيا والسودان، او من له تحفظات عن الاسلوب والمدى اللذين بلغتهما الاتفاقات مع اسرائيل، مثل موقف سورية من الاردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، او من له ملاحظات على إقدام بعض الدول الخليجية او دول المغرب العربي الانخراط في اجراءات تطبيع مع اسرائيل قبل اتمام التسوية الشاملة للصراع.
تأسست قاعدة وفاق الحد الادنى على اساس اعتبار ان ما حدث من هذه الدولة العربية او تلك مع اسرائيل في اطار عملية التسوية السياسية قد اصبح واقعاً ليس من صالح الامة العربية التراجع عنه او الضغط هنا وهناك لايقافه او تجميده. لماذا؟ لأن مثل هذا التراجع العربي يصبح مبرراً اقليمياً ودولياً للتراجع الاسرائيلي عن مواصلة التسوية، وحصار وتخريب ما تم باسم "الامن الاسرائيلي"، وهو جوهر التحدي الذي يمثله صعود الليكود الى السلطة بقيادة بنيامين نتانياهو، والعودة بالتالي الى مشروع "اسرائيل الكبرى".
من هنا اعتمدت قمة القاهرة نهج الاصرار على التقدم على طريق التسوية السياسية، وإحكام الحصار على التراجع الاسرائيلي، عربياً واقليماً ودولياً، وايضا، وهذا مهم وجديد في السياسة العربية للمرة الأولى، في داخل اسرائيل ذاتها التي انشطرت رأسيا الى قوتين متناقضتين، بينهما دم اسحق رابين في سابقة لا مثيل لها في تاريخ اسرائيل.
تطابق برنامج العمل الذي طرحته القمة تطابقاً تاماً مع نهج صياغة مؤتمر مدريد التي تستند الى قرارات مجلس الامن الرقم 242 و338 و425، ومبدأ الارض مقابل السلام، وهو النهج الذي اعتمده المجتمع الدولي بالاجماع، بما في ذلك الولايات المتحدة الاميركية، و"الدولة الاسرائيلية" ممثلة في حكومتها العمالية، وبالتالي فإن برنامج عمل القمة لا يحشد العرب في موقف واحد فحسب، بل يضع "الدولة الاسرائيلية" ممثلة في حكومتها الليكودية الراهنة في قفص الاتهام وخصومة لا فكاك لها منها مع المجتمع الدولي، خصوصاً الولايات المتحدة، وكذلك مع نصف المجتمع الاسرائيلي الذي كشفت عنه الانتخابات الاخيرة.
قد يقال هنا ان هذه ليست المرة الاولى التي توضع فيها اسرائيل في قفص الاتهام او في خصومة مع المجتمع الدولي. هذا صحيح، ولكن هذه هي المرة الاولى التي يحدث فيها ذلك واسرائيل منقسمة بصورة حادة على ذاتها، وكذلك اللوبي اليهودي العالمي، خصوصاً في الولايات المتحدة. والجديد ايضاً ان الهياكل الاقتصادية-الاجتماعية الاسرائيلية التي شرعت في التكيف مع عملية التسوية والخروج من قيود المقاطعة العربية الى المشاركة في اقتصاديات المنطقة، باتت مهددة، مع السياسة الليكودية، بالانحسار والانهيار. وهو امر يفوق طاقة اسرائيل على تحمله او تعويضه في الوقت الراهن من المصادر الاميركية والاوروبية.
ويتصاعد برنامج عمل القمة العربية الى تحديد امرين على نحو واقعي، متطهراً من الشعارات التقليدية، التي غالبا ما كانت تتمخض جبالها الشاهقة عن فئران جرباء:
- الاول: اذا لم تتصرف اسرائيل تحت حكم الليكود باعتبارها دولة تحترم تعهداتها والتزاماتها في التسوية السياسية وفق قواعد مدريد، فإن الدول العربية كافة - على حد التعبير الذي استخدمه بيان القمة - "مضطرة الى اعادة النظر في الخطوات المتخذة تجاه اسرائيل". هذا فضلا عن مخاطر وتداعيات العودة بالمنطقة الى دوامة التوتر والعنف. وفي اطار تحديد بيان القمة للعنف، حرص على ان يميز بين المقاومة الوطنية المشروعة وبين الاعمال الارهابية.
الجديد هنا هذه المرة، ان الدول العربية بات في ايديها من القدرات الاقتصادية والسياسية والحركية الضاغطة بسبب ما جرى على طريق التسوية ما يمكنها فعلياً من ترجمة برنامجها الى وقائع من شأنها ان تفجر وتعمق ازمة اسرائيل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتربك وتخل بمصالح وأمن المنطقة والعالم على نحو غير مسبوق في تاريخ الصراع.
- الامر الثاني: يتجسد في الصحوة العقلانية التي شملت دول القمة، بعد ما يزيد على خمس سنوات من الشقاق والصراعات الفادحة الثمن، من اجل العمل بصورة واقعية ومتدرجة على بناء الذات العربية سياسياً واقتصادياً على نحو يتفاعل مع تحدي المتغيرات الاقليمية والدولية، ويعتمد على ميثاق شرف للامن والتعاون العربي بعد أزمة وحرب الخليج الثانية، وانشاء آلية جماعية ضمن الجامعة العربية للوقاية من النزاعات وادارتها وتسويتها بين الدول العربية. وكذلك محكمة العدل العربية، والشروع في منطقة حرة للتجارة بين البلدان العربية.
واذا ربطنا ما يمكن قراءته بين سطور البيان والقرارات وبين ما التقط من اشارات وتلميحات عن اجتماعات الرؤساء ووزراء الخارجية المغلقة، فإنه يتسنى للمرء ان يستنتج انه قد تم الاتفاق على انشاء جهاز لمتابعة تنفيذ برنامج عمل القمة، فضلا عن تفويضات محددة لعدد من الرؤساء للقيام بأعمال محددة في مجالات محددة، ابتداء من الساحة الاسرائيلية حتى الساحة الدولية، مرورا بالساحة الاميركية والاوروبية واليابانية والصينية والعالم الاسلامي على وجه الخصوص.
واذا كان علينا في هذه العجالة ان نجيب عن السؤال: كيف نجحت القمة؟ فيمكن، اعتماداً على ما هو متاح من معلومات، التركيز بايجاز على النقاط الأربع التالية:
- النقطة الاولى: ان القمة امتلكت منذ البداية ما يمكن ان نطلق عليه "محرّكاً دافعاً وفاعلاً" تجسد في المسؤولية المشتركة للدول الثلاث مصر وسورية والسعودية. وتردد ان الجزائر قد شاركت في هذا المحرك بقدر او بآخر قبيل القمة وخلالها. وثمة مصادر تؤكد ان المغرب التحق ايضا بهذا المحرك خلال جلسات القمة.
النقطة الثانية: تتعلق باللغة السياسية الرصينة ذات الدلالات الموزونة واقعياً التي تعامل بها مؤتمر القمة سواء في خطابات الرئيسين حسني مبارك وزين العابدين بن علي العلنية او المداولات غير العلنية او البيان الختامي والقرارات.
النقطة الثالثة: تركيز أعمال القمة على جبهتين دون فتح جبهات اخرى، سواء أكانت رئيسية او فرعية. وتمثلت الجبهتان في كل من الواقع الاسرائيلي والواقع العرب ايضا. وعندما جرى التعامل مع الازمات العربية الاقليمية في شأن تركيا وايران فقد تم التخاطب معهما من موقع الصداقة والمصالح المشتركة وامكانات التعاون رغم الخلافات.
النقطة الرابعة: تدور حول الكفاءة التي تميز بها "محرك المؤتمر" في اقناع المؤتمرين بجدول الاولويات وعدم اثقاله بالفرعيات مهما كانت أهميتها بالنسبة الى هذه الدولة او تلك. وكذلك في نزع فتيل الخلافات وربما الصراعات التي كانت قيد التفجير في المؤتمر. خصوصاً في ما يتعلق بسورية وكل من الاردن والسلطة الوطنية الفلسطينية، مصر والسودان، ليبيا والكويت ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وحين اتيح لي، خلال حوار مع بعض المؤتمرين، ان اعبر عن ان هذا النجاح الذي حققته القمة، يظل امتحانه الحقيقي في الواقع وعلى ارض التحديات، كان الجواب بالايجاب. ومن خلال الجواب يتعرف المرء الى واقعتين مهمتين.
الاولى: ان لبرنامج العمل توقيتاته المحددة والمتتابعة في مراحلها، وانها بالنسبة لعملية التسوية تبدأ مع اليوم التالي للقمة. وتمتد بمراحلها المختلفة حتى موعد اقصاه كانون الثاني يناير 1997. ومن الواضح ان هذه المراحل تشمل عددا من اختبارات المواقف وانتخابات الرئاسة الاميركية وجمع وإعداد وتنسيق ادوات تنفيذ البرنامج.
الواقعة الثانية: ان التفكير في القمة الشاملة كان يتردد بين وقت وآخر، وكان بنداً دائماً من بنود اجتماعات الرئيس حسني مبارك مع رؤساء الدول العربية. غير ان العمل الجدي لتوفير الظروف والامكانات لعقد القمة بدأ منذ قيام اسرائيل بحكومة العمل بقيادة شمعون بيريز بهجومها الشامل على لبنان في نيسان ابريل 1996 قبل انتخاباتها، واعتُبر ذلك مؤشراً خطيراً على ادخال اسرائيل للعنصر العسكري مرة اخرى في ادارة الصراع بأسلوب التسوية السياسية السلمية. وهذا المؤشر قد يمثل سابقة يستحيل معها ضمان مواصلة طريق التسوية. وجاء نتانياهو بمواقفه وسياساته المدعمة بقوة الجنرالات والمستوطنين ودعاة اسرائيل الكبرى ليضاعف حجم هذا المؤشر الى درجة دق ناقوس الخطر في كل أرجاء العالم العربي في وقت واحد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.