السعودية.. دور حيوي وتفكير إستراتيجي    تعديلات واستثناءات في لائحة ضريبة التصرفات العقارية    «الجمارك»: استيراد 93,199 سيارة في 2023    وزير الخارجية: القضية الفلسطينية أولوية تُعبّر عن صوت الأمة الإسلامية وضميرها الحي    يسله وجيسوس يحذران المهددين من «الإنذارات»    بأمر خادم الحرمين.. تعيين 261 عضواً بمرتبة مُلازم تحقيق في النيابة العامة    «المظالم» يخفض مدد التقاضي و«التنفيذ» تتوعد المماطلين    الأرصاد: توقعات بهطول أمطار على أجزاء من منطقة الرياض    «مهندس الكلمة» عاصر تحولات القصيدة وغيَّر أبعاد الأغنية    ميدياثون الحج والعمرة يختتم يومه الثالث "يوم الماراثون"    «MBC FM».. 3 عقود على أول إذاعة سعودية خاصة    لا تظلموا التعصب    معالي الفاسد !    أنقذوا «سلة الحقيقة»    عضوية فلسطين بالأمم المتحدة.. طريق الاستقلال !    القبيلة.. وتعدد الهويات الوطنية    «كاكا» الصباغ صرخة سينمائية مقيمة    الأمم المتحدة تغلق ممر المساعدات إلى دارفور    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية    الذهب يتأرجح مع تزايد المخاوف بشأن أسعار الفائدة    تقدير الجهود السعودية لاستقرار السوق العالمية.. المملكة تعزز تعاونها مع أوزبكستان وأذربيجان في الطاقة    70 % نسبة المدفوعات الإلكترونية بقطاع التجزئة    الهلال يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة الأهلي    رونالدو: لا أركض وراء الأرقام القياسية    الطائي يتعادل مع الخليج سلبياً في دوري روشن    بتنظيم وزارة الرياضة .. "الأحد" إقامة المؤتمر الدوري للقطاع الرياضي    القيادة تعزي رئيس الإمارات وتهنئ رئيس بولندا    مجلس الشؤون الاقتصادية يشيد بالنمو المتسارع للاقتصاد الوطني    أبعاد تنموية    مليون وظيفة في «السياحة» عام 2030    وفاة صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز آل سعود    منح تصاريح دخول العاصمة المقدسة    ضبط أكثر من 19600 مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    أمر ملكي بتعيين (261) عضوًا بمرتبة مُلازم تحقيق على سلك أعضاء النيابة العامة القضائي    رعى حفل التخرج الجامعي.. أمير الرياض يدشن مشروعات تنموية في شقراء    تحت رعاية ولي العهد.. وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل ويشهد حفل التخرج    مفاوضات هدنة غزة.. ترقب لنتائج مختلفة    «الأوروبي» يدين هجمات موسكو السيبرانية    "زرقاء اليمامة".. أول أوبرا سعودية تقدم تفسيراً لإحدى أقدم الأساطير    ملتقى الصقارين ينطلق في الرياض بهدف استدامة هواية الصقارة    رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء    يجنبهم التعرض ل «التنمر».. مختصون: التدخل المبكر ينقذ «قصار القامة»    انطلاق فعاليات «شهر التصلب المتعدد» بمسيرة أرفى    سفير خادم الحرمين في الفلبين يستقبل التوءم السيامي وأسرتهما    طريقة عمل بسكويت النشا الناعم بحشو كريمة التوفي    «ذبلت أنوار الشوارع.. وانطفى ضيّ الحروف»    النملة والهدهد    ضبط مواطن في حائل لترويجه مادة الإمفيتامين المخدر    لا توجد حسابات لأئمة الحرمين في مواقع التواصل... ولا صحة لما ينشر فيها    الديوان الملكي ينعى الأمير بدر بن عبدالمحسن    أمير الجوف يعزي معرّف جماعة الشلهوب بوفاة شقيقه    السعودية تؤكد ضرورة إعادة هيكلة منظمة التعاون الإسلامي وتطويرها    وزير الخارجية: السعودية تؤكد ضرورة إعادة هيكلة «التعاون الإسلامي» وتطويرها    بيان «الصحة» عكس الشفافية الكبيرة التي تتمتع بها الأجهزة الحكومية في المملكة    محمية عروق بني معارض.. لوحات طبيعية بألوان الحياة الفطرية    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    كيفية «حلب» الحبيب !    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة في حياة بطلة "طيور الظلام" التي هزت القاهرة اخيراً . يسرا ل "الوسط": أنا وحيدة ! 2 من 4
نشر في الحياة يوم 29 - 01 - 1996

بين المحاكمة التي تتعرض لها، بسبب نشر الصحف لصورة من فيلمها الاخير "طيور الظلام"، والعملية المدهشة التي حصلت في بيتها في الزمالك اخيراً، واثارت ضجة واسعة في القاهرة تعيش الفنانة يسرا على وتيرة قلق دائم وشعور بهول الاحداث الغريبة التي تتعرض لها. في خضم ذلك كله التقتها "الوسط" في القاهرة وسألتها عن ذكرياتها وافلامها ومسرحياتها، وكانت النتيجة هذه الرحلة الهادئة والمؤثرة في حياة تلك الفنانة التي تعتبر اليوم واحدة من ابرز سيدات السينما المصرية والعربية. في الحلقة الأولى تابعنا طفولة يسرا ومراهقتها وأفلامها الأولى وهنا نواصل الرحلة.
على الرغم من عدد الافلام الذي شاركت فيه يسرا والذي فاق الثلاثين فيلماً حتى اليوم، وتنوع الادوار والشخصيات التي لعبتها، ومن تعدد المخرجين الذين عملت معهم منذ خرجت من المراهقة ودخلت عالم السينما اثر اكتشاف حسن الإمام ثم عبدالحليم نصر لها، كما شاهدنا في القسم السابق من هذا الحوار، على الرغم من هذا تقول يسرا طواعية اليوم، انها تحب من بين كل الذين عملت معهم ان تتوقف عند فنانين تحولا الى صديقين اساسيين في حياتها: عادل امام ويوسف شاهين. فهي مع عادل امام عرفت اقصى درجات نجاحها الشعبي ولعبت شتى الادوار المتنوعة، أما مع يوسف شاهين فعرفت طعم الفن الحقيقي والافلام الخالدة والادوار الصعبة.
مع عادل امام تتكامل يسرا، فمقابل نجوميته المطلقة وحساسيته الشعبية الهائلة تأتي يسرا أشبه بنصف آخر له، يعطي افلامه نكهة أنيقة ويدفع بالفيلم الى مستويات اجتماعية مختلفة، وهذا ما يجعل يسرا قادرة على ان تحتفل وتفرح بكل دور تمثله الى جانب عادل امام. أما مع يوسف شاهين فالمسألة تختلف، حيث يبدو من الواضح ان ما يقرب يوسف من يسرا هو الشبه بينهما، وهو شبح يحسه شاهين اكثر مما تحسه يسرا، ويدفعه الى ان يجعلها في الافلام القليلة التي مثلتها معه، اناه الآخر، والناطقة باسمه: القلق نفسه، التلعثم نفسه، والعلاقة المضطربة مع العالم، ومع الآخر ذاتها، كما مع فن السينما. هنا، في هذا القسم الثاني من حوارنا المطول مع يسرا، تتنقل هذه الفنانة في الحديث، بين مرحلة انطبعت بعملها مع عادل امام، ومرحلة تالية وأساسية انطبعت بعملها مع يوسف شاهين. وها هي تواصل رحلة الذكريات.
- أول فيلم مثلته مع عادل امام كان اسمه "اذكياء لكن اغبياء" واتبعناه بفيلم ثانٍ هو "شباب يرقص فوق النار"، وفي هذين الفيلمين كنا نعمل تبعاً لأسلوب البطولة الجماعية، حيث ليس هناك بطل واحد، أو بطلة واحدة في الفيلم، بل توزع البطولة على عدد لا بأس به من الممثلين والنجوم. وبعد ذلك كانت سلسلة الافلام التي اصبحنا فيها، عادل وأنا، أشبه بثنائي نتحمل عبء الفيلم كله. ومن أول افلامنا في تلك المرحلة "الانسان يعيش مرة واحدة" ثم "ليلة شتاء دافئة" هذا الفيلم الذي حقق من النجاح ما أدهشنا جميعاً. قبله كنا بالكاد نسمع عن فيلم استمر عرضه عشرة أسابيع، باستثناء افلام نجوم الغناء الكبار. ثم بدأ عرض "ليلة شتاء دافئة" ورحنا نعد الأسابيع: 5 أسابيع ثم 10 و15 وعشرين ووصلنا الى 35 اسبوعاً واذا بالفيلم "يكسّر الأرض"، وكانت معجزة فنية صغيرة لم تتبين ابداً سرها. وهكذا ختمت عقد السبعينات من حياتي السينمائية بالمشاركة في قطف ذلك النجاح الذي حققناه معاً. وكان لعادل امام، بالطبع، دور رئيسي في الحقيقة. دور لن انساه ابداً...
شعري الأشقر صار أسود
نعرف ان عادل امام هو واحد من فنانين تقولين دائماً ان لهما فضلاً كبيراً عليك وعلى النجاح الذي حققتيه...
- صحيح، الثاني هو، بالطبع، المخرج الاستاذ يوسف شاهين. والحال انني اذا كنت ختمت السبعينات مع عادل امام، فانني بدأت الثمانينات مع يوسف شاهين الذي فتح لي مرحلة اساسية ومهمة في حياتي. مرحلة اعتقد ان في امكاني ان اطلق عليها اسم "مرحلة الاكتشاف الجديد"، المرحلة التي بدأت بدعوتي للعمل معه، فكانت مفاجأة لم أفق منها بسرعة...
هل كنت تعرفين سينما يوسف شاهين قبل ذلك؟
- طبعاً. كنت اعرف سينماه وأحبها. تصور، من قبل ان اتعرف عليه كنت شاهدت "باب الحديد" عشرين مرة، و"الناصر صلاح الدين" مئة مرة، و"الأرض" و"العصفور"، وكنت أحس ان العمل تحت ادارة يوسف شاهين سيكون تحقيقاً لحلم لذيذ في حياتي... ثم حدث كل شيء بأبسط ما يكون: ذات مرة اتصل بي شخص وقال لي، من دون مقدمات، ان الاستاذ يوسف شاهين عايزك. بسرعة ركضت الى حيث الموعد وأنا لا أكاد اصدق نفسي. وحين التقيت به، وقفت أنظر اليه وأنا لا أدري ما الذي سيقوله لي، أما هو فقد نظر اليّ بهدوء وراح يتفرس في شعري. كان شعري أشقر منذ طفولتي، وكنت أشعر انه يجب ان يبقى أشقر. أما شاهين فكانت أول عبارة قالها لي: انتِ يا بنت طويلة كده ليه؟ اجبته: طويلة يعني ايه؟ ما هو نور الشريف طويل قوي مش هو اللي حاوقف قصاده؟ فقال لي شاهين وهو يواصل النظر الى شعري: إخرسي... ما تتكلميش! ثم ليه شعرك أصفر كده؟ قلت له: وماله شعري... هو كده، طبيعته كده. قال لي: ايه يعني طبيعته كده؟ انت حتصبغيه، حيصير أسود! قلت له: ابداً، لن أرضى بذلك. فقال: ايه؟ ماترضيش بإيه... ما قلت لك انتي تخرسي خالص ... في النهاية رضيت طبعاً بتنفيذ ما طلبه مني. لكنه لم يكتف بذلك بل واصل اوامره قائلاً: انت ستبقين ثلاثة أشهر من دون ان تعملي شيئاً، ومن دون ان تكلمي أحداً في أي عمل. وأنا احسست بالرضى التام، كنت فرحة بكل الاوامر التي راح يصدرها اليّ، وكنت أقول لنفسي: لو سقطت مع شاهين يبقى حاسقط على طول، يبقى انتهيت. لو سقطت في امتحاني مع يوسف شاهين سأكون فشلت نهائياً. وأنا في طبيعتي لا أحب الفشل، حتى ولو كان عابراً. الفشل يعني الاحباط، وأنا لا اريد ان أفشل مع انسان فنان أحبه، واحب عمله. ثم طالما انه هو يحب عمله فانه سوف ينجح بالتأكيد وسوف انجح معه، لذلك سأستسلم لما يطلبه مني، فنياً، لأنه يعرف ماذا يريد. وهكذا بدأت بقراءة السيناريو...
سيناريو "حدوتة مصرية" طبعاً...
- طبعاً. قرأت السيناريو المكتوب 10 مرات فلم أفهم شيئاً. فكرت طويلاً واحسست بحيرة شديدة، ثم في لحظة صدق مع نفسي قررت ألا أقبل الدور، فجلست في واحدة من أصعب لحظات حياتي وكتبت رسالة اعتذار أقول فيها: يا جماعة، أنا احبكم كثيراً وأحب العمل معكم، ولكني على غير استعداد للفشل في عمل لا افهم منه شيئا. ثم أقول لكم بصراحة ان الدور الذي عرضتموه عليّ لم يعجبني. كانت رسالة صادقة المشاعر على رغم ما قد يبدو فيها من "قلاطة". ففي البداية كان لي في السيناريو رابع دور بعد سعاد حسني ونادية لطفي ونور الشريف، ورحتُ اسأل نفسي عما يمكن لي ان افعل بين هؤلاء العمالقة... وقررت انه لن يمكنني ان افعل شيئاً. فبعثت الرسالة ونسيت الموضوع معتقدة انني اضعت الى الأبد فرصة العمل مع يوسف شاهين. مرت ثلاثة أشهر، ثم ذات يوم وكنت في سريري فاذا بيوسف شاهين يدخل، من دون ان اعرف كيف وصل، وشدني من سريري صارخاً: ايه يا بنت... انتي مش عاجبك الدور؟ مش عاجبك السيناريو؟ انت مالك قليطة كده لديه؟ فقلت له متلعثمة: الحقيقة يا استاذ يوسف انني قرأت السيناريو عشر مرات من دون ان افهم. المهم ان الدور الوحيد الذي أحببته وفهمت ماهيته هو دور آمال. فقال لي يوسف شاهين ببساطة: خلاص حتعملي دور آمال، شرط ان تصبغي شعرك أسود، ثم فتح دولاب ملابسي وراح يختار من ثيابي ما يلائم كل مشهد في الفيلم. كان القرار اتخذ اذاً وما عليّ الا ان اتبع قدري...
اريد ان احقق شيئاً جديداً
الم يكن عندك احساس بالخطر لأنك ستدخلين طريقاً جديداً، بعد طريق السينما الشعبية التي حققت فيها نجاحاتك الاولى مع عادل امام خصوصاً؟
- ابداً، لم أكن اشعر بأي خطر. كنت اشعر ان ما انا مقدمة عليه لا علاقة له بالسينما الشعبية ولا علاقة له بالنجاح الجماهيري. كنت راغبة في ان احقق شيئاً مختلفاً. ان اخوض فن السينما من باب جديد. كنت مسحورة بذلك ومصممة عليه. قبل ذلك كنت اشتغلت مع بركات وحلمي رفلة وغيرهما، ونلت جائزة احسن ممثلة، ثم عرفني الجمهور على نطاق واسع من خلال عملي مع عادل امام واحبني الجمهور برفقته، وأنا احببت عملي معه... كل هذا حسن. ولكني الآن أريد ان أحقق شيئاً جديداً. هكذا كان شعوري وهذا ما حصل بالفعل. ودخلت عالم السينما الصعبة...
السينما غير الشعبية؟
- ليس تماماً. ترى أفلم يكن "باب الجديد" في نهاية الامر فيلماً شعبياً؟ ومع هذا يفهمه الناس بما فيه الكفاية حين عرض للمرة الأولى... لكن الجميع عادوا وأحبوه وقدروه بعد عشرين سنة. كان كل هذا في ذهني وأنا أقبل، بكل فرح، على العمل، للمرة الاولى، مع شاهين. اتذكر ان أول ما ادهشني خلال العمل معه هو اننا قبل التصوير بفترة كنا نمضي وقتاً كثيراً ونحن نجري تجارب بروفات على الاداء والحوار ونقرأ السيناريو معاً. قبل ذلك، مع المخرجين الآخرين، كنا نراجع المشهد مباشرة قبل التصوير ونطلع على بعض حركات "الميزاتسيت" ثم تدخل التصوير على طول. هنا اختلفت الأمور كثيراً. ولم تكن الطريق مفروشة بالورود. اذكر انني في أول يوم تصوير في "حدوتة مصرية" انهرت تماماً ورحت اصرخ: أنا لا انفع لهذا الفيلم وبدأت أبكي. لماذا؟ لست ادري. شعرت بخوف كبير، فاذا بيوسف شاهين يأخذني باللطف والهدوء، واصطحبني الى الشرفة في البيت الذي كنا نصور فيه، وراح يهدئ من روعي طالباً مني ان أبكي كما اشاء. ثم اعطاني حبة منوم قوية المفعول وطلب مني ان اتمدد على مقعد عريض قائلاً: سنصور اللقطة الأولى بعد قليل فان لم يعجبني عملك سوف اغيرك على طول. وتركني نائمة ثلاث ساعات كاملة، كان هو خلالها يصور لقطات من دوني ثم يعود يتفقدني فيجدني ما زلت مستغرقة في النوم فيتركني. وفي لحظة ما، ايقظني بكل لطف قائلاً: ياللا، يا حبيبتي، انت نمت كثير، اشربي كباية قهوة وحنشتغل على طول. فقمت ومثلت اللقطة الأولى، فكانت اجمل لقطة مثلتها في حياتي. انت فاكرها طبعاً، اللقطة التي افتح فيها باب الغرفة وأقول لنور الشريف: اذا كنت رايح عند بابا، سلم لي على ماما. وقفني يوسف كدة ملتفتة ثلاثة أرباع جسمي ناحية الكاميرا وصوّر تعبير وجهي، ثم صرخ: اوكي... رائع. لم أكن واثقة من ذلك فسألته عما اذا كان صادقاً، فقال بكل بساطة: واكذب ليه؟ ومنذ تلك اللحظة صرنا أصدقاء. هذه هي قوة يوسف شاهين. قوته تكمن في انه قادر على ان يأخذ من ممثليه ما يريد ان يأخذه منهم في الوقت الذي يريد ذلك. في فيلم "حدوتة مصرية" تعرفت، ايضاً، على يسري نصر الله الذي لعبت معه، بعد ذلك في واحد من اجمل افلامي: "مرسيدس".
بعد "حدوتة مصرية" احسست انني حققت من النجاح ما يرضي تطلعاتي الفنية. وشعرت ان الناس بدأوا يقولون: يسرا ليست امرأة جميلة فقط، وليست ذات مظهر ارستقراطي وحسب، بل انها تمثل بشكل جيد. انها موهوبة. عندها ما تريد ان تقوله. وشعرت في تلك اللحظات انني وحيدة: عليّ ان اختار بنفسي من الآن وصاعداً، وعليّ ألا اقترف اية أخطاء. يجب ان اختار وان اكون بعيدة النظر في اختياراتي. ولم أعد احمل أية اوهام حول النجاح التجاري. تعرف طبعاً ان فيلم "مرسيدس" الذي اعتبره، وتعتبرونه انتم النقاد واحداً من اجمل الافلام، لم يعرض أمام الجمهور العريض سوى أيام قليلة...
لكننا نعرف انه سيعيش طويلاً بعد ذلك.
- طبعاً، سيعيش طويلاً. فكما ان "باب الحديد" كانت له حياة جديدة بعد عرضه الأول بعشرين عاماً. كذلك "مرسيدس" ستكون له حياة جديدة. لقد شاهدت "باب الحديد" قبل أيام وشعرت، بكل صدق انه لم يفقد ذرة من سحره وقوته. بعد ذلك هل كثير عليّ ألا ارغب في ان اكون مجرد امرأة جميلة؟ انني ارغب في ان اكون فنانة حقيقية. ما دام ربنا اعطاني الموهبة لماذا لا استخدمها بشكل جيد ومفيد وصحيح؟ اضافة الى هذا كان العمل مع يوسف شاهين متعة حقيقية، متعة تضاهي لدي متعة العمل مع عادل امام. ويوسف، مثل عادل، ما ان تبدأ العمل معه حتى تصبحان صديقين. واخبرك كم ان يوسف صديق حقيقي، فهو جاء في مرة، بعد النجاح الذي تحقق في "حدوتة مصرية" وقال لي: يسرا... من الآن وصاعداً خليكي غالية. سألته: غالية يعني ايه؟ قال: إفرضي انك اليوم مفلسة وليس عندك اي قرش وجائعة، فجاءك عرض للعمل في فيلم لا يستجيب لمستواك الفني. أرجوكِ لا تقبلي العمل فيه. ابقي شهوراً من دون عمل ومن دون فلوس، تعالي لي وأنا أطعمك سندويتش طعمية، بس لا تبتذلي نفسك في أفلام هابطة. الفيلم شريط يتسجل عليه كل ما تفعلين، ولا يمحي ابداً، يظل قاعداً على قلبك حتى موتك... وبعد موتك. لذلك عليك ان تختاري وتحسني الاختيار مهما كان الثمن. منذ تلك اللحظة بدأت ادقق في الاختيار، وادرس كل موضوع بعناية، واتخيل دوري في الفيلم، ودور الفيلم في مسيرة السينما المصرية.
امثل على قدر ما تطلبه الشخصية
حسناً... انتهينا من "حدوتة مصرية"... اين صرتِ بعده؟
- بعد "حدوته" عملت "ارزاق يا دنيا"، وهنا حدث تحول أساسي في أسلوبي الفني، في هذا الفيلم الجديد خرجت من ثوب السيدة الارستقراطية، لأتحول الى بنت بلد. "ارزاق يا دنيا" كان مختلفاً عن كل ما عملته قبل ذلك. لكنه اخرجني من مرحلة كنت فيها ابدو دائماً في اعلى مستويات الاناقة اختار كلامي بكل عناية. هنا ارتديت الملابس الريفية ورحت اتحدث بلكنة أهل الريف، وكنت تعودت ان امثل في كل فيلم على قدر ما تطلبه الشخصية لا اكثر ولا أقل. ومرة اخرى حققت نجاحاً طيباً، ثم رحت اتنقل من مرحلة الى مرحلة، وبدأت اكون ليسرا شخصية متنوعة ولسان حالي يقول: الحمد لله الجمال موجود، بس لازم استعمل هذا الجمال بأفضل طريقة. وادركت اكثر واكثر ان لكل شخصية امثلها مفاتيح خاصة بها. والمتفرج يجب ان يراني في كل حالاتي. مرتاحة وتعبانة، زعلانة وفرحانة، يجب ان يحب المتفرج ويفهم كل الوجوه التي تظهر لي على الشاشة. والمرأة، التي هي أنا يجب ان تكون متعددة الوجوه والزوايا وفهمت اكثر من هذا ان المبالغة في الماكياج ممنوعة في السينما. والرموش الاصطناعية لا يجب اللجوء اليها الا حين العب دور امرأة تضع تلك الرموش. وحين تستيقظ المرأة من النوم لا يجب بالضرورة ان يكون شعرها مصففاً.
وبالتوازي مع ذلك الادراك الجديد رحت أصر على ان انوِّع الادوار: ادوار صعبة، ادوار سهلة، ادوار مضحكة، ادوار اجتماعية، ورومانسية، ولا بأس بشيء من الاثارة بين الحين والآخر.
ولا اخفاك ان هذا كله خلف لدي كمية هائلة من القلق...
اعتقد ان القلق جزء أساسي من شخصيتك أساساً. وهذا القلق هو الذي يخلق لديك ذلك التلعثم الذي يدفعني الى تشبيهك بيوسف شاهين. وأنا ارى ان اختياره لك لم يكن من قبيل المصادفة، فانتما تتشابهان، ومما لا شك فيه ان القلق والخوف الدائم هما القاسم المشترك بينكما...
- معك حق. أنا، زي يوسف شاهين، من الناس الذين يحملون الهموم بصورة متواصلة. مرة في لندن، وكنت أحس بتعب شديد ارعبني، توجهت الى طبيب مشهور فحصني كثيراً ودرس حياتي وحالتي ثم قال في تقريره ان ما اعاني منه هو قلق وخوف رهيب من الغد. واصارحك ان هذا الخوف هو الذي دمر حياتي في بعض مراحلها ورمى بي الى وهاد الوحدة والألم. فالذي لا يعرفه الكثيرون عني هو انني امرأة وحيدة، يرعبني ما يخبئه لي الغد. حين اكون على وشك الدخول لتصوير فيلم جديد، من المستحيل ان اتمكن من النوم، اظل ساهرة طول الليل، افكر بالدور وبحياتي واستعرض صور طفولتي ومراهقتي واستعيد في ذهني ذكرى الأفلام التي احبها والمواقف الصعبة التي عرفتها في حياتي. وأكاد في بعض اللحظات ارغب لو ان كل شيء ينتهي.
ألا تحاولين هنا ان ترسمي لنفسك صورة غريبة بعض الشيء؟
- ابداً، ابداً. اتكلم بكل صدق وصراحة. بل أقول لك اكثر من هذا، انني كلما حققت مزيداً من النجاح، يزداد خوفي وقلقي. اخيراً حين عدت من التكريم الخاص الذي اقيم لي في مدينة نانت الفرنسية انتابني خوف كبير لم يسبق لي ان شعرت بمثله في حياتي وقلت: الآن... لا بد لك يا يسرا من ان تحققي شيئاً جديداً مختلفاً بشكل كلي. وازداد رعبي...
ضائعة بين عملاقين؟
ما رأيك لو أقول لك انني رغم هذا كله لا أشعر انك مثلت في فيلم يمكن اعتباره فيلماً خاصاً بك... حتى الآن...
- كثير من الناس يقولون لي هذا مشيرين الى ان ليست هناك في حياتي حتى الآن افلام كثيرة تتمحور من حول شخصيتي في الفيلم. هذا صحيح، ولكن ما العمل ومعظم الفرص التي اتيحت لي حتى الآن، اتتني اما مع عادل امام واما مع يوسف شاهين؟ لو فكرت في نفسي وحدي، سأكون انانية. ومع هذا تذكر انني في فيلم "امرأة آيلة للسقوط" أُعطيت فرصة القيام بدور هو محور الفيلم كله. لعبت الفيلم ونجحت ولم أقل لا... حدث شيء مثل هذا في "جلسة سرية" وفي "الصعاليك" وفي "درب الهوى"... لو جاءني سيناريو حلو واحببته، سوف لن أقول لا. ترى ألا يمكنك ان ترى ان فيلم "حرب الفراولة" يدور من حول الدور الذي العبه...
الى حد ما صحيح. على أي حال أصارحك بأن "حرب الفراولة" لخيري بشارة كان فيلماً لم أحبه أول الامر ولم أحب دورك فيه، بعد ذلك شاهدته مرة اخرى وابتدأت اكتشف بعض ما فيه من جمال وقيمة...
- افهم ما تعنيه. المهم. في "حرب الفراولة" هناك مشاهد في غاية الجمال منها المشهد الذي اضرب فيه الولد فأحوله الى رجل. لقد هزني هذا المشهد ولعبته بصدق وعفوية، لسبب بسيط وهو انني امرأة احب ان يكون لي ولد، وان اراقب ولدي وهو يتحول الى رجل، لكن الله لم يرزقني بولد، رغم زواجي الذي انتهى الى كارثة عاطفية اصابتني... لقد اجهضت اكثر من مرة وظلت الرغبة في ان اكون أماً تأكلني. ومن هنا جاء المشهد عفوياً، واحسست في طول "حرب الفراولة" وعرضه وكأن الفيلم كله لم يصنع الا من اجل ذلك المشهد.
الاسبوع المقبل: الحلقة الثالثة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.