تزامن احتفال مجلس الشورى السعودي الاسبوع الماضي ببدء اعمال السنة الثالثة من دورته الاولى مع الذكرى الرابعة عشرة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد مقاليد الحكم في شهر شعبان من عام 1402ه. واذا كان اجتماع هاتين المناسبتين في شهر شعبان من قبيل الصدف، فإن السعوديين لا يزالون يذكرون ذلك الخطاب السياسي الذي ألقاه الملك فهد بن عبدالعزيز بعد نحو أربعين يوماً من توليه مقاليد الحكم قبل 14 سنة, حيث قال: "إن الحكم في الاسلام شورى يتلمس فيه الحاكم آراء أهل الحل والعقد ويطلب مشورتهم ويستعين بهم في ادارة دفة الحكم، ولما تطورت الحياة في مجتمعنا اصبح من الضروري ان يتطور معها اسلوب الشورى". وبالفعل أصدر العاهل السعودي قراراته الخاصة بتطوير انظمة الحكم والشورى ومجالس المناطق في 27 شعبان 1412 ه. وأكد في كلمة له في تلك المناسبة ان الدستور الذي تعتمده المملكة العربية السعودية في الحكم في كتاب الله وان الانظمة الثلاثة ما هي إلا توثيق لشيء قائم موضحاً انها "ستكون خاضعة للتقويم والتطوير". آلية النظام ويشير المراقبون السياسيون الى ان الشورى ظلت من أهم آليات النظام السياسي السعودي في السعي لإرساء قواعد العدالة والتوصل الى خيارات وطنية صحيحة، ويستندون في ذلك الى الخلفيات التاريخية للسياسة السعودية حيث عرفت المملكة حالة الشورى منذ بداية تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز آل سعود الذي أمر في عام 1346 ه بتشكيل أول مجلس شورى مكون من ثمانية اعضاء ثم ازداد عددهم فيما بعد الى ثلاثة عشر عضواً. وفي عام 1372 ه صدر مرسوم ملكي بتشكيل مجلس للشورى يضم 20 عضواً بدلاً من 13 عضواً، وأخيراً بادر الملك فهد قبل نحو عامين الى تطوير المجلس وتحديثه بما يتناسب مع واقع العصر ومعطياته. ويستند المراقبون في تأكيدهم ان الشورى ظلت من أهم ركائز النظام السياسي السعودي وآلياته الى حقيقة اخرى معروفة للجميع لدرجة انها اصبحت من الامور البديهية التي يدركها كل من يعيش ضمن النسيج الاجتماعي والسياسي في السعودية، وهي تتمثل في اسلوب المجالس اليومية والاسبوعية المفتوحة التي يستقبل فيها الملك وولي عهده وكبار أمراء الأسرة المالكة المواطنين للنظر في شكواهم والعمل على حلها والاطلاع على مقترحاتهم وآرائهم مباشرة من دون اي وسيط وهو تقليد يحرص العاهل السعودي على اتباعه ويحض الوزراء وكبار المسؤولين على ممارسته. وبعد انقضاء عامين على افتتاح مجلس الشورى في اطاره الجديد، اكد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي في الكلمة الملكية التي ألقاها نيابة عن الملك فهد الذي يقضي فترة من الراحة، أمام مجلس الشورى لمناسبة بدء أعمال سنته الثالثة التزام الشورى والدعوة الى "قول الكلمة المخلصة من دون اي تردد". واتسمت الكلمة الملكية التي ألقاها ولي العهد السعودي في المناسبة التي حضرها اكثر من 300 مدعو من الأمراء والعلماء والوزراء واعضاء المجلس وكبار المسؤولين بالوضوح والايجاز حيث لم تستغرق اكثر من اربع دقائق، الا انها تركزت على محاور عدة اهمها: - استحضار خطابات الملك فهد التي ألقاها في المجلس لأنها استوفت اهم مرتكزات السياسة السعودية الداخلية والخارجية اضافة الى انها تطرقت الى بيان اهمية الشورى وفضائلها في الاسلام وتناولت مقتطفات من تاريخ الدولة السعودية الحديثة ومؤسسها الملك عبدالعزيز آل سعود. - تأكيد اهمية النصيحة والكلمة المخلصة ودعوة اعضاء المجلس الى قولها لأنها مسؤوليتهم الاساسية "لا مجال للتردد في النصيحة والمشورة، نقول ذلك ونلتزم به خدمة لله ولدينه ثم للوطن والمواطنين مخلصين لهذه الخدمة إن شاء الله". - الاستشهاد في هذا الصدد بما قاله الملك فهد في وقت سابق من "أن الابواب مفتوحة والقلوب والعقول واعية ان شاء الله للمواطنين وذوي الحاجات". وعلى رغم ان عمر مجلس الشورى السعودي الحالي لم تتجاوز العامين إلا بقليل، وهي مدة قصيرة وغير كافية في اعتقاد المحللين السياسيين للحكم على اعماله، الا انه تمكن من عقد اكثر من 130 اجتماعاً انجز خلالها 106 مواضيع أحيلت اليه، كما اصدر اكثر من 91 تقريراً وأوصى في شأنها. ولاحظ المراقبون انه على رغم فعالية أداء لجان المجلس الثماني، إلا ان اللجنة الاقتصادية كانت من اكثر لجان مجلس الشورى اجتماعاً وانجازاً، وهذا ما أكده ل "الوسط" مصدر مطلع. صلاحيات المجلس ولوحظ ان المجلس الذي يتمتع بصلاحية استدعاء اي مسؤول واستجوابه حتى ولو كان وزيراً حيث يرفع طلب حضوره الى الملك ليصدر أمراً بما يراه في هذا الصدد لم يستخدم هذه الصلاحية حتى الآن إلا مع وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، اضافة الى وزيرين من القطاع الاقتصادي السابق والدكتور عبدالوهاب عطار وزير التخطيط، وذلك للمشاركة في بعض اجتماعات المجلس وبحث القضايا ذات الصلة بوزارتيهما. ويقول مسؤول سعودي ل "الوسط": "ان مجلس الشورى يمارس دوراً حيوياً في الحياة السياسية في المملكة اضافة الى كل ما يتعلق بحياة المواطنين السعوديين كالمسائل التنموية والاقتصادية والاجتماعية والخدمات العامة وغيرها. ولكن الكثير من الناس لا يدركون حقيقة ذلك الدور لعدم رغبة الدولة في الحديث عن انجازاتها في مختلف المجالات". وعلى رغم ان مداولات مجلس الشورى لا تنقل عبر وسائل الاعلام ولا يعرف احد من المواطنين تفاصيل المواضيع التي تبحث فيه حيث ان جلساته تكون مغلقة وقراراته سرية، حسب نظامه، الا ان بيانات مقتضبة تصدر من وقت لآخر تتضمن ما توصل اليه المجلس من توصيات. وحسب النظام فإن هذه التوصيات ترفع الى رئيس مجلس الوزراء الذي يحيلها بدوره الى مجلس الوزراء للنظر فيها، فإذا اتفقت وجهات نظر المجلسين صدرت بعد موافقة الملك عليها، وفي حالة اختلاف وجهات النظر يكون للملك إقرار ما يراه مناسباً. كما يجيز نظام المجلس امكان عقد اجتماع مشترك مع مجلس الوزراء اذا استدعت الضرورة ذلك. وان كان اجتماعاً من هذا النوع لم يتم حتى الآن.