المخرج السعودي عبدالله المحيسن صاحب تجربة متميزة في مجال الاخراج السينمائي والتلفزيوني. اشتهر بصفة خاصة في مجال الافلام الوثائقية والتسجيلية التي نال عنها عدداً من الجوائز في المهرجانات السينمائية العالمية. من أبرزها فيلمه "اغتيال مدينة" الذي سجل أبعاد الحرب الأهلية اللبنانية وآثارها برؤية فنان يرفض العنف بأشكاله والحرب مهما كانت اسبابها. وتم عرض الفيلم في العام 1977 في "مهرجان القاهرة السينمائي" الثاني وحصل على جائزة نفرتيتي الذهبية لأحسن فيلم قصير. ومن أعمال المحيسن البارزة ايضاً، فيلم "الاسلام جسر المستقبل" الذي شارك به في مهرجان القاهرة السينمائي السادس عام 1983 ونال هو الآخر جائزة نفرتيتي الذهبية، لأنه "قدم اسلوباً جديداً للاخراج في السينما العربية". ويأتي فيلمه الاخير "الصدمة" تجسيداً حياً لما سببته حرب الخليج الاخيرة من آثار مدمرة لكيان الانسان العربي ومكتسباته الوطنية ومسلماته العربية. ويشكل هذا الفيلم علامة مميزة في تاريخ المحيسن السينمائي وامتداداً لمنهجه الذي يركز على نبذ العنف والسعي لاقرار العدل والأمن والسلام في الوطن العربي. وعبدالله المحيسن 48 عاماً الذي أشرف منذ اوائل السبعينات على انتاج اكثر من 212 فيلماً تناقش القضايا التنموية والوطنية والعربية والاسلامية برؤية فنية معاصرة، تلقى تعليمه الاساسي في السعودية ومصر ولبنان. ثم التحق، بين 1968 - 1972، ب "غلستر كوليدج أوف آرت اند دزاين" في بريطانيا قبل ان يستأنف دراساته في معهد "فيلم سكول" اللندني. حصل على ديبلوم في الاخراج السينمائي عام 1975، والتحق ب "الاكاديمية الملكية البريطانية للتلفزيون" لدراسة الانتاج والاخراج التلفزيوني. وهو عضو في "جمعية الفنون الملكية البريطانية للمصورين" منذ العام 1975. وأخيراً تم اختيار المحيسن ليكون رئيساً للجنة التأسيسية للسينما في دول "مجلس التعاون الخليجي"، وهي اللجنة التي شكلت خلال اعمال الملتقى السينمائي الاول لدول مجلس التعاون الخليجي. وكانت امارة الشارقة في دولة الامارات العربية المتحدة، استضافت هذا الملتقى الهادف الى تكوين تجمع يلم شتات السينمائييين في دول مجلس التعاون، ويوحد جهودهم من اجل اقامة كيان سينمائي خليجي فاعل، ووضع القواعد والنظم التي تحدد اعمال هذا التجمع والدور الذي يجب ان يقوم به لتحقيق اهدافه. "الوسط" التقت عبدالله المحيسن للتعرف عن كثب الى تجربة اللجنة التأسيسية للسينما في دول مجلس التعاون الخليجي. * ما هو الهدف من انشاء اللجنة التأسيسية للسينما في دول مجلس التعاون الخليجي بصفتكم رئيساً لها؟ - كما هو معلوم ان السينمائيين الخليجيين لم يحظوا، حتى الآن، بمثل ما حظي به زملاؤهم العرب من دعم ورعاية يمكنانهم من النهوض بالسينما الخليجية. فهذه الاخيرة أحوج ما تكون الى ما يبرز معالمها ويجعلها تواكب السينما العربية، سواء من حيث الكم او القضايا التي تطرحها والتي تعبر عن راهن الانسان العربي والخليجي. فالجمهور في منطقة الخليج العربي، كما تلاحظ، مستهلك للفيلم السينمائي العربي الحافل بقضايا وملامح البلدان التي انتجت الفيلم. وبالتالي فإن ملامح وقضايا المجتمع العربي الخليجي ظلت مطموسة، ومغيبة على الشاشة، باستثناء بعض الاعمال الذي انتج بجهود مخرجيها ومبادراتهم الفردية، وظل محدود التداول. ومن هذا المنطلق، وبمبادرة طيبة، من دائرة الثقافة والاعلام في الشارقة والزملاء الذين شاركوا في الملتقى السينمائي الاول لدول مجلس التعاون الخليجي، تم الاتفاق على تكوين لجنة تأسيسية للسينما في دول مجلس التعاون تكون مهمتها العمل على ايجاد كيان سينمائي عربي خليجي، يجتمع تحت مظلته السينمائيون الخليجيون، ويكون نقطة الانطلاق نحو اقامة صناعة سينمائية خليجية. مرجعية تأسيسية * ما هي الانشطة التي ستقوم بها اللجنة؟ وهل تم وضع برنامج عمل محدد لها؟ - نحرص حالياً على اجراء مسح شامل لتوثيق البدايات السينمائية في مختلف دول المنطقة. ونهتم بحصر وتبويب وتصنيف المهارات والاختصاصات والخبرات والكوادر والامكانات البشرية والمادية المتوافرة حالياً في منطقة الخليج العربي. وكما هو واضح فان هذه الخطوات اساسية وهامة للتعرف على الامكانات الموجودة، بهدف الوصول الى الكيفية الصحيحة والمناسبة لاقامة الكيان السينمائي الخليجي المأمول. ولهذا دعت اللجنة جميع اصحاب المحاولات السينمائية في دول المنطقة الى الاعلان عن محاولاتهم، وتزويد اللجنة بالبيانات المتوافرة لديهم ونسخ من أعمالهم. ولا بد من الاشارة الى اننا لسنا لجنة دائمة. ما نسعى اليه يمكن اعتباره شكلاً من شكال المرجعية التأسيسية والمرحلية، بهدف الاسهام في ارساء اللبنات الاولى والاساسية اللازمة لتكوين الكيان السينمائي الخليجي. على ان يمثل هذا الكيان للسينمائيين الراغبين في الانضمام اليه من أبناء دول المنطقة. ويتم التنسيق بين الاعضاء للبدء في وضع برنامج عمل اللجنة موضع التنفيذ، وبدء الاتصالات بالسينمائيين الخليجيين ووضع الاسس التي تحكم عمل اللجنة وأولويات عملها. * أين سيكون مقر اللجنة؟ وما هي قنوات الاتصال بها؟ - انطلاقاً مما تم الاتفاق عليه، فإن كل عضو من اعضائها سيكون ممثلاً للجنة في الدولة التي يمثلها، ويرتبط به السينمائيون في تلك الدولة. وأبدى اعضاء اللجنة استعدادهم للقيام بذلك. أما بخصوص اللجنة ذاتها، والمكونة من ثلاثة اعضاء، فإن نقطة ارتكازها في المرحلة الحالية في الشارقة والرياض الى ان يتم وضع الانظمة الاساسية لها، ومنهج عملها واختيار المركز الرئيسي والمراكز الفرعية، وغير ذلك من الامور التي نأمل ان يتم الاعلان عنها في أقرب فرصة ممكنة. * هل تتوقعون اعترافاً ودعماً من وزارات الثقافة والاعلام؟ - حظيت فكرة تأسيس اللجنة وانطلاقتها بدعم من دائرة الثقافة والاعلام في حكومة الشارقة. كما ان رئيس الدائرة، عبدالرحمن حسن عبيد، عضو في اللجنة، وهذه خطوة مهمة في هذا الاتجاه. اضافة الى ذلك، نحن واثقون من ان وزارات الثقافة والاعلام في دول "مجلس التعاون" لن تتوانى عن دعم اللجنة، واحتضان اهدافها، ما دامت تعمل لصالح الثقافة في المنطقة. والسينما، كما هو معروف، مكوّن هام من مكونات الثقافة المعاصرة. وعموماً فان اللجنة ستعمل بتنسيق تام مع الجهات المسؤولة عن الثقافة والفنون في دول المنطقة، قبل ان تبدأ في تنفيذ اعمالها. ونحن متفائلون بأن الاهداف التي تسعى اللجنة الى تحقيقها ستكون محل ترحيب الجهات الثقافية والسنيمائيين والجمهور، في دول مجلس التعاون الخليجي. والمهم ان نعمل وألا نضيع الوقت في التساؤلات النظرية، وفي النظر الى الوراء. مسألة تجاوزها الزمن... * هل تؤمنون بإمكان قيام صناعة سينمائية مزدهرة في مجتمعات محافظة مثل مجتمعات دول الخليج؟ - اعتقد ان مثل هذا السؤال تجاوزه الزمن، لأننا نعمل الآن وأمامنا عدد من التجارب السينمائية الخليجية التي تعتبر مثالاً ناجحاً وطيباً للعمل السينمائي بمفهومه العالمي. وما من دولة خليجية إلا ولديها تجربتها السينمائية، حتى وإن كانت محدودة احياناً. كل ما هو مطلوب الآن، تنشيط وإثراء التوجه السينمائي الخليجي، ووضع الأطر الكفيلة بازدهاره، ليكون مواكباً للقطاعات الفنية الاخرى المزدهرة في المنطقة، مثل المسرح والتلفزيون والقصة والشعر والأغنية. وما دامت المقومات الاساسية متوافرة، فإنه لا يوجد ما يحول دون انطلاقة صحيحة وسليمة للسينما الخليجية. * هل توجد الكوادر الخليجية المؤهلة التي يمكن الاعتماد عليها في انطلاق حركة سينمائية ناشطة؟ - الكوادر متوافرة بطبيعة الحال. سنوات طويلة مرت على البعثات العلمية الاولى التي سافرت من دول الخليج الى الدول المتقدمة، للتخصص في المجالات الفنية كافة، بما في ذلك السينما. لكن الكوادر عاطلة عن العمل حالياً، او تعمل في مجالات اخرى كالتلفزيون مثلاً! وإضافة الى ذلك، فإن من اهدافنا كسينمائيين خليجيين استكمال أوجه النقص في التخصصات التي تحتاجها صناعة السينما. ولكن المهم الآن ان يتم تجميع الطاقات الموجودة، واتاحة الفرصة امامها للابداع والانتاج وتهيئة المناخ الملائم لإقامة صناعة سينمائية فاعلة. وعند اكتمال عمليات التسجيل والتوثيق للكوادر السينمائية الخليجية المؤهلة، ستكون الصورة واضحة ويمكن بعدها استكمال الجوانب الناقصة تدريجاً. * ما هي بتقديركم المواصفات الخاصة التي يمكن ان تميز الأفلام الخليجية المتوقع انتاجها بعد ان تثمر جهودكم، قياساً الى ما ينتج في دول عربية سبقتكم في هذا المجال؟ - بوسع اي متابع للتجارب السينمائية الخليجية، على محدوديتها، ان يلاحظ كيف تحمل كل تجربة منها ملامح مميزة سواء من حيث الشكل او المضمون. وبالتالي فإن السينما في الخليج لن تكون صورة طبق الاصل من السينما العربية المشرقية او المغربية. غير ان السينمائي الخليجي، عندما يتصدى لانتاج عمل سينمائي، فإنه يضع التجارب العربية والعالمية امام ناظريه، ولا بد لانتاجه ان يأتي مواكباً تقنياً لأحدث ما انتجته السينما العالمية والعربية. ومن حيث المضمون، لا بد لأي فيلم خليجي ان يأتي معبراً عن المجتمع الخليجي بتفاعلاته المختلفة، ومتضمناً للأفكار والرؤى النابعة من واقع محدد. فالمشاهد، اي مشاهد، ينتظر من الفن عامة، والسينما على وجه الخصوص، ان يكون مرآة لهمومه وتطلعاته وفلسفته في الحياة. وأنا استطيع ان أؤكد ان السينمائي الخليجي، اذا توافرت له الامكانات، وتأمّن له المناخ الملائم ثقافياً وابداعياً، سيقدم اعمالاً تكون اضافة متميزة الى خريطة السينما العربية. وأملنا ان يتحقق ذلك في القريب العاجل.