انطلاق الدورة 56 للجنة العربية لحقوق الإنسان بالقاهرة    الدكتور الربيعة: استقرار حالة التوأم الملتصق السعودي (يارا ولارا) بعد 4 أيام من إجراء عملية فصلهما الناجحة    دول الخليج تدعو لتحرك دولي عاجل لفك الحصار عن غزة    مقتل 27 فلسطينيا في قصف الاحتلال الإسرائيلي على غزة    القبض على (12) مخالفًا لنظام الحدود لتهريبهم (216) كيلوجرامًا من "القات"    بارتفاع طفيف.. قطاع البنوك يدعم تعاملات سوق الأسهم السعودية    انوفست العقارية تحصل على تصنيف ائتماني بدرجة (BBB-) من وكالة "تصنيف" مع نظرة مستقبلية مستقرة    نائب أمير جازان يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    نائب أمير جازان يطّلع على التقرير السنوي لفرع صندوق التنمية الزراعية بالمنطقة    أمير جازان يستقبل مدير فرع إدارة المجاهدين بالمنطقة    الشؤون الإسلامية في جازان تواصل تنفيد مناشطه الدعوية ضمن برنامج الأمن الفكري في المملكة العربية السعودية    مفردات من قلب الجنوب 5    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل سفير دولة الإمارات لدى المملكة    دمج 267 منصة حكومية ضمن "الحكومة الشاملة" لتحسين الخدمات الرقمية    السفارة السعودية في الفلبين تحث المواطنين على البقاء في مساكنهم خلال فترة هطول الأمطار    القيادة تهنئ ملك بلجيكا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    مركز التنمية الاجتماعية بحائل يفعّل مبادرة "تعرف علينا"        جمعية نجوم السياحة وفريق "صواب التطوعي" يوقعان اتفاقية تعاون    جمعية عين لطب العيون تطلق مشروع "اعتلال الشبكية    فريق EVOS Divine الإندونيسي يفوز بلقب بطولة Free Fire    توزيع أكثر من 1.3 مليون وجبة إفطار صائم في المسجد النبوي    تراجع صادرات كوريا الجنوبية    ارتفاع أسعار النفط    طريقتان سريعتان لتخفيف التوتر    الثقافة العلاجية: بين التمكين والمبالغة    تأثير القهوة على نشاط الدماغ    قائد يصنع المستقبل    فرنسا: الإفراج عن اللبناني جورج عبدالله بعد 40 عاماً في السجن    "اتحاد القدم" يتلقى اعتذاراً رسمياً من الهلال عن المشاركة في كأس السوبر السعودي 2025    الردّف.. عبق التاريخ وجمال التطور    خادم الحرمين يتلقى رسالة من ملك إسواتيني    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الوليد بن خالد    فهد بن سلطان يشيد بأعمال "الأمر بالمعروف"    الأمن الداخلي ينتشر والمساعدات تتدفق.. عودة تدريجية للاستقرار في السويداء    دراسة: الهواتف الذكية تساعد في الكشف عن الزلازل    مكافحة التعصب الرياضي    محمد بن عبدالعزيز يتسلم تقرير التعليم    المرور: 300 ريال غرامة قيادة الدراجة الآلية بدون رخصة    "قبول" تكشف مزايا الفرص الإضافية ل"تسكين الطلاب"    إدانة نائبة أمريكية في قضية سرقة قطة    الإكوادور تسلّم الولايات المتحدة زعيم أخطر عصابة لتهريب المخدرات    رصد 18 مكتب استقدام مخالفاً في الربع الثاني    تفقد مشروع صفوى- رأس تنورة.. وزير النقل يقف على مستوى تقدم المشاريع بالشرقية    «قصبة المضمار»    نجوم الغناء العربي يشاركون في موسم جدة    أرملة محمد رحيم تتهم عمرو دياب بسرقة لحن    " الثقافة" تطلق منحة الأبحاث المرتبطة بالحرف اليدوية    تقرير "911" على طاولة نائب أمير الرياض    جمعية "واعي جازان " ومركز مسارات يسلطان الضوء على ظاهرة الطلاق العاطفي    بعد غيبوبة طويلة مؤثرة في المشاعر.. الأمير الوليد بن خالد بن طلال إلى رحمة الله    انطلاق منافسات بطولة العالم للبلياردو 2025 في جدة    الكابتن عمر الثاقب ل«الرياض» بعد فوزه بالذهبية: تنظيم بطولات البادل بالمملكة يرفع مستوى الوعي بها ويشجع على ممارستها    ريال مدريد لا يمانع رحيل روديغر للدوري السعودي    صفقتان فرنسيتان تعززان دفاع نيوم    أمير تبوك يستقبل مدير فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمنطقة    61 ألف مستفيد من الإرشاد بالمسجد النبوي    مطلقات مكة يتصدرن طلبات النفقة المستقبلية باستقطاع شهري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عالم الاجرام الروسي : يستبيحون كل شيء ... باسم الديموقراطية
نشر في الحياة يوم 22 - 08 - 1994

سيارة "بي. ام . في." حمراء تطارد سيارة "فورد سكوربيو" يقودها رجل في الثلاثين وإلى جانبه فتاة. ينهمر الرصاص على "الفورد"، لكن سائقها ينجو من أول زخة فتواصل السيارة طريقها. ويضاعف القتلة سرعتهم ويتجاوزون الهدف ويفتحون النار مجدداً ليصيبوا من سائق "الفورد" مقتلا، فتفقد السيارة توازنها وتخرج عن الطريق وتصطدم بعمود.
مشهد مثير من فيلم مغامرات هوليوودي جديد؟ لا، انه واقعة من حياة موسكو الليلية. اسأل اي انسان في الشارع في اية مدينة روسية ما الذي يقلقه اكثر من اي شيء آخر فيجيبك اكثرهم: عدم الاطمئنان إلى الغد وازدياد حوادث الاجرام. ولعل موجة العنف المتعاظمة هي التي تفقد اهالي روسيا توازنهم النفسي الماضي، اذ ليس مضموناً لأحد الا يتعرض للسرقة في الشارع في اي وقت من النهار او الليل او ان تسرق شقته. ولهذا فليس عجيباً ان يحقق القومي المتطرف فلاديمير جيرينوفسكي فوزاً مبيناً في الانتخابات البرلمانية الاخيرة. فمكافحة العناصر الاجرامية مكافحة لا هوادة فيها كانت من البنود الرئيسية في برنامجه الانتخابي.
وتحاول السلطات الروسية التصدي لتأثير العناصر الاجرامية المتزايدة في حياة المجتمع، لكن مكافحتها تجري في جبهة يتحول فيها مردود هجوم واحد الى اختراق في قطاعين آخرين. وحتى الآن فان حصيلة هذا التصدي ليست واضحة.
في كل 18 دقيقة ترتكب في روسيا جريمة قتل او محاولة قتل. وزاد عدد هذه الحوادث بنسبة الثلث، قياساً الى السنة الماضية، وبنسبة 250 في المئة قياساً الى ما كانت الحال قبل خمس سنوات. وكما قال احد المخرجين السينمائيين ورجال المجتمع الروسي البارزين ستانيسلاف غوفوروخين: "في البلاد ثورة اجرامية كبرى".
يمكن الآن فعلاً الحديث عن ثورة في وسائل عمل عالم الاجرام في موسكو. فقد مضت منذ زمان الايام التي كان العشاق فيها يستطيعون التنزه حتى الصباح في شوارع العاصمة وهم يراقبون النجوم. اما الآن ففي احسن الحالات يجازفون بالبقاء من دون محفظة نقودهم. اما رجال الامن فيواجهون بدورهم جرائم لم يسمع احد بها من قبل او كان يحسب أنها لا تحدث الا في الغرب، كالقتل مثلا اثناء نهب القطارات، وخطف الناس من اجل الفدية، والحيل المصرفية الضخمة.
وقال موظف كبير في شرطة موسكو ل "الوسط": "ان اصلاحات السنوات الاخيرة اوجدت جواً ملائماً لتزايد الاجرام. فالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والقومية تتفاقم. وفضلاً عن ذلك رأى مجرمون كثيرون ان الديموقراطية تعني استباحة كل شيء".
ومعروف ان روسيا تعيش الآن مرحلة تغيير لاشكال التملك. ففي الماضي كانت الدولة هي المالك الاساسي، اما الآن فظهر عدد كبير من الاغنياء، والاغنياء جداً الذين يصبحون، طبعاً، موضع انتباه مركّز من جانب عالم الاجرام. اضافة الى ظهور فرص كثيرة لكسب ثروات طائلة بوسائل غير شريفة، وحيث يمكن الربح ان يكون كبيراً جداً لا يتورع عالم الاجرام عن شيء، حتى عن محاولة التسلل الى الاعمال غير الشرعية والى هياكل السلطة العامة.
المافيا لا تموت
"هذا من عمل المافيا". هذه الجملة تتردد الآن اكثر فأكثر على ألسنة الروس عندما يتناقشون في جريمة قتل جديدة لرجل اعمال، او في تلاعب مصرفي كبير. واذا كانت المافيا الروسية والمافيا الصقلية تختلفان في شيء فانهما تتشابهان، قبل كل شيء، في القسوة مع ضحاياهما.
قال فالنتين ديومين نائب مدير معهد قضايا تعزيز الشرعية والنظام القانوني في النيابة العامة في روسيا: "كنا من قبل نواجه اكثر ما نواجه مجموعات من المجرمين تكتفي بارتكاب سرقات واعمال نهب عرضية وتنفق ما تنهبه على حياة اللهو. ومن جهة اخرى كانت مجموعات من اصحاب المناصب تسرق بسوء الاستعمال وبالتزوير املاكاً اشتراكية".
اما الآن ففي البلاد مجموعات اجرامية تتطفل على الاعمال التجارية والبنى الاقتصادية والمالية وتسعى الى السيطرة عليها ولا تتورع عن الابتزاز والقتل.
في الثاني من كانون الأول ديسمبر 1993 قتل نيقولاي ليخاتشوف 55 سنة مدير أحد اكبر البنوك التجارية الروسية، على مدخل منزله برصاصتين في رأسه. وعن طريق هذا البنك كانت توزع تقريباً كل الاموال المخصصة لتمويل الزراعة. وتوقفت كل بنوك روسيا عن العمل يوم تشييعه. ولكن لم يعثر على القاتل حتى الآن وقد لا يقبض عليه ابداً. ويرى خبراء ان هذا المصرفي ذهب، على الارجح، ضحية صراع سري بين مجموعات المافيا على النهب الخفي واعادة توزيع الاعتمادات التسهيلية الحكومية. وكان مديرو ستة بنوك روسية اخرى لقوا المصير نفسه قبل ذلك.
ويعتقد الخبراء ان الممسكين بزمام عالم الاجرام فهموا اية امكانات ضخمة يمكنهم الحصول عليها بالوصول الى الموارد النقدية الصعبة المكدسة في البنوك، وباجراء العمليات غير القانونية بها. وترى المافيا في البنوك واحداً من خزانات ايراداتها الاجرامية. ويدل خطف اصحاب المصارف رهائن وقتلهم على ان المجرمين يريدون السيطرة على المؤسسات المالية ويسعون الى التدخل في السياسة الاقتصادية للدولة وتسيير آلياتها وهياكلها.
3 آلاف مجموعة
والواقع ان المجموعات الاجرامية لا تعمل دائماً بهذا الاتساع. اذ تحصل أحياناً شركة مؤلفة من 2 - 3 اشخاص قرضاً بنصف مليار روبل. وعندما تنتهي المعاملات الرسمية يشهرون على دائنيهم بندقية "كلاشنيكوف" وينصحونهم قائلين: "والآن انسوا اننا مدينون لكم بشيء"!
وتدل معلومات وزارة الداخلية الروسية الى ان في البلاد اليوم أكثر من 3 آلاف مجموعة صغيرة من المجرمين موحدة في 150 مجموعة اجرامية أكبر. وتسيطر هذه المجموعات ال 150، كما يبدو، على كل الاتحاد السوفياتي السابق. واذا كانت رابطة الدول المستقلة لم تصبح بعد بنية فعالة، فان المجموعات الاجرامية من شيشانيا وجورجيا واذربيجان واوكرانيا تعمل بحرية في موسكو. كما تعمل المجموعات الموسكوفية بحرية في القرم واوزبكستان ودول البلطيق والقوقاز.
ولكن كثيراً ما تكون العلاقات بين المجموعات الاجرامية الكبيرة بعيدة عن المثالية فتبدأ المجموعات بتقاسم مناطق النفوذ في ما بينها وتتصارع على مصالحها الحيوية المرتبطة بالسيطرة على عمل معين. وكثيراً ما يصبح المارة عندئذ شهوداً لمعارك شوارع حقيقية يشترك فيها من كل طرف بضع عشرات من الاشخاص المسلحين بكل شيء، بدءاً بالانابيب الحديد وانتهاء بالاسلحة الاوتوماتيكية. ففي النصف الاول من 1993، مثلاً، قتل نتيجة هذه الاشتباكات 32 شخصاً وجرح 88. وعند تقاسم مناطق النفوذ ارتكبت في تلك الفترة نفسها ايضاً 21 جريمة قتل بالاجرة. وكل هذا اتاح لرئيس قسم مكافحة الاجرام المنظم في مكتب التحقيقات الفيديرالي في الولايات المتحدة الفرصة للقول صراحة عند وصوله الى روسيا ان موسكو تشبه الآن نيويورك او شيكاغو في العشرينات.
روس وشيشان وتتر
وكثيراً ما تشترك في الصراع على اقتسام مناطق النفوذ مجموعات تنتمي الى قوميات مختلفة. وتتنازع للسيطرة على موسكو الآن ثلاث مجموعات، روسية وشيشانية وتترية. وتنشب بينها كل فترة واخرى صدامات دموية وقُتل زعيم احدى المجموعات التترية برصاصة قناص عندما خرج من ملهى راق.
وتتميز المجموعات الاجرامية القومية بقسوة خاصة. وتستعمل ضد الضحايا كل اجراءات التأثير الجسدي، بدءاً بعصا البيسبول والمكواة وانتهاء بالسلاح الناري. كذلك تتميز ايضاً مجموعة الاجرام الصينية التي تعمل في موسكو منذ أمد غير بعيد بقسوة شديدة. فقد خطف هؤلاء فتاة صينية واغتصبوها عشرة أيام بكاملها. ولم يكتفوا بذلك بل جرحوها بالسيوف حسب طقوس معينة. ولا تختلف المافيا الفيتنامية عن غيرها ايضاً في معاملة ضحاياها.
أقلام مسدسات وصواريخ!
وعلى رغم انه لا توجد في روسيا محلات تجارية لبيع الاسلحة الحربية، وعلى رغم ان بيعها محظور رسمياً، فان المجرمين من ابناء البلد مسلحون تسليحاً ليس اسوأ من زملائهم الاميركيين او الاوروبيين الغربيين. وفيما كانت ترسانة عالم الاجرام تتألف في السابق من اسلحة مصنوعة بمعظمها قبل الحرب العالمية الثانية او في اثنائها، تفضل المجموعات الاجرامية الآن استعمال اسلحة احدث كمسدسات "ماكاروف" او "باريتا" او "سميث ويسون". وعدا بندقية "كلاشنيكوف" التقليدية ظهر في موسكو، من جملة ما ظهر من الاسلحة الاوتوماتيكية، المسدس الرشاش الاسرائيلي "عوزي" و"ميني عوزي" والمسدس الاوتوماتيكي الالماني "غلوك". والاكثر انتشاراً الآن بين القنابل اليدوية قنبلة "اف - 1" الروسية.
وينتشر ايضاً الجهاز الذي سمي "باركر الروسي" او قلم الحبر الذي يطلق النار. وهو يصنع من انبوبة عادية مناسبة لخرطوشة صغيرة العيار وذات لولب ومغلاق وتعلق في جيب الجاكيت. لكن رجال المافيا "المحترمين" يستعملون انظمة اكثر ضماناً.
كيف يأتي كل هذا السلاح الى روسيا؟
الاسلحة الغربية تأتي بواسطة التهريب عبر حدود جمهوريات جنوب القوقاز وآسيا الوسطى. لكن رجال المافيا يتسلحون على الاكثر بأسلحة الرماية والذخائر الحربية عن طريق السرقة من مستودعات الجيش الروسي. وفيما سرقت في سنة 1987 من الاسلحة بهذا الشكل 158 قطعة عثر على 135 قطعة منها، سرق سنة 1992 اكثر من 27 ألف قطعة من المسدسات والبنادق الاوتوماتيكية والرشاشات. ولكن كثيراً ما يشتري المجرمون الاسلحة من العسكريين لأن ما يملكونه من اموال طائلة يسمح لهم بذلك، حتى ان عسكريين من احد افواج الاسلحة المضادة للجو في لتوانيا مثلا سرقوا للبيع ثلاثة صواريخ!
ويرى الخبراء ان الاسلحة تأتي ايضاً من "النقاط الساخنة" ومصانع الاسلحة وورشات سرية. وقد تستطيع، اذا اسعفك الحظ، ان تشتري من احد اسواق موسكو بندقية "كلاشنيكوف" بمبلغ يتراوح بين 1200 و1500 دولار، و"عوزي" ب 2500 دولار وقنبلة يدوية ب 80 - 100 دولار. والاسلحة النارية "المستعملة" تكلف اقل بمرتين او ثلاث.
وفي النتيجة ازداد عدد الجرائم التي ارتكبت في موسكو بالاسلحة النارية في خلال 9 أشهر من هذه السنة، الى اكثر من الضعف، بالقياس الى الفترة نفسها من السنة الماضية. ومن كانون الثاني يناير حتى تشرين الأول اكتوبر 1993 مات بالرصاص والانفجارات في العاصمة الروسية 235 شخصاً وجرح 177. ويمكن القول على وجه التأكيد ان عدد هذه الضحايا سيزداد.
القتل بالاجرة
وهناك نوع آخر من الجريمة لم يكن يحدث من قبل الا نادراً جداً، ويزداد الآن انتشاراً في روسيا وهو "القتل بالاجرة". ويذهب ضحية هذه الجرائم على الاكثر نوعان من الاشخاص: التجار ومديرو مشاريع القطاع العام التي هي على عتبة تحويلها الى القطاع الخاص. فالتجار يتقاسمون مناطق النفوذ وتكون كل الوسائل صالحة هنا. اما في ما يتعلق بالمديرين فيعمل هنا ايضاً رجال أعمال ساعون الى اقتطاع اكبر حصة ممكنة لأنفسهم ويحول دونهم ودون ذلك هذا المدير. ولهذا، مثلا، قتل مدير احد اكبر مصانع الصلب والحديد، ونال القاتلان 4 آلاف دولار وسيارة لكل واحد منهما في مقابل "عملهما".
ويقوم بمثل هذا العمل بطيبة خاطر الشبان الطامعون الى الغنى السريع. لكن دافعي الاجرة يبحثون في الغالب عن اناس مجربين في استعمال السلاح، كالعسكريين وحتى رجال الشرطة. وتدل نوعية الكثير من الجرائم وانعدام أثر القاتل الى ان المحترفين يستولون بالتدريج على "سوق الخدمات" هذا ايضاً. ويرى احد خبراء الشرطة "ان ازدياد عدد جرائم القتل بالاجرة يجب ألا يدهشنا لأن هذا مرفق لا مهرب منه للاجرام المنظم الذي لا ينكر احد ازدهاره".
صحيح ان مواطنين عاديين تماماً يلجأون احياناً الى هذا النوع، كأن تستأجر زوجة شخصاً لقتل زوجها رداً على سؤال لماذا لا يحدث العكس يجيب قضاة التحقيق مازحين في عبوس: ان الازواج يقتصدون في هذا الامر لأنهم يستطيعون ذلك بأنفسهم او ان يكون سبب القتل عادة عائداً الى المسكن اذ لا تريد الزوجة ان تقاسم زوجها البيت في حال الطلاق. والاجرة هنا ادنى في المقابل.
تجارة الخطف
كان ابن شقيق احد كبار رجال الاعمال، وعمره 17 سنة، مقيما مع اقربائه في احد فنادق موسكو عندما قرع باب غرفته في مساء أحد الايام مجهولون ابتسموا له ابتسامة عريضة ورجوه ان ينزل معهم لمقابلة أحد معارفه القدامى. وعندما اصبحت الشلة كلها خارج الفندق دفعوا الفتى الى سيارة وأخذوه الى شقة سرية. وبعد قليل رن جرس الهاتف في الفندق وطلب الخاطفون من اقرباء المخطوف، مع التهديدات المألوفة في هذه الحال، 300 ألف دولار اميركي في مقابل إطلاقه.
صحيح ان هذه القصة انتهت بسلام اذ قبض على الخاطفين وأعيد المخطوف سالماً الى اهله، لكن هذه ليست الا واقعة من سلسلة طويلة من الاحداث المماثلة التي جرت في الفترة الاخيرة. وسبب ذلك كله بسيط جداً، فالخاطفون يحاولون الحصول عند خطف الرهائن على اكبر المبالغ، على 10 آلاف او مليون و500 ألف دولار. مثال ذلك ان عصابة جورجية كانت تمارس خطف ابناء جلدتها في موسكو طلبت فدية عن خمسة اشخاص تبلغ خمسة ملايين دولار!
لكن اكثر انواع الخطف انتشاراً هو خطف شركاء العمل غير الشرفاء الذين استدانوا مبلغاً ضخماً او افسدوا صفقة مفيدة. وفي هذه الحال لا تصل القضية الى القضاء، بل تقترح الشرطة على التجار المتنازعين ان يحلوا مشاكلهم بالتحكيم. لكن اعمال الخطف لا تنتهي دائماً بهذا الشكل السليم.
اهتمام خاص بالاجانب
وولت منذ زمن بعيد أيام كان على الاجنبي في موسكو ان يحذر، قبل كل شيء، لجنة أمن الدولة "كي. جي. بي." فالآن يراقب من يريد ان يفهم بتجربته ما هو "الكرم" الروسي اناس معنيون بذلك اكثر بكثير، وهم رجال الاجرام المنظم. وتدل معطيات الشرطة الى انه ارتكبت ضد الاجانب في العاصمة الروسية هذا العام 1420 جريمة، منها 16 جريمة قتل متعمد و3 حوادث اغتصاب و272 هجوماً مسلحاً. اضافة الى ان ضيوف العاصمة استطاعوا التعرف الى ظواهر جديدة كالسرقة والابتزاز وسرقة السيارات على الطريقة الروسية.
وفي رأي خبراء الشرطة ان في موسكو مجموعات محلية "يتخصص" اعضاؤها بالاجانب. وهذا نوع جديد من النشاط الاجرامي تمارسه في الاساس عصابات شباب من ضواحي العاصمة ومن الطرق المستعملة عرض "حماية" مدفوعة الاجر على مكتب شركة غربية متوسطة. فاذا رفضت الشركة، لسذاجتها، هذا العرض دُبر لمكتبها هجوم او تفجير يتبعه عرض مكرر "للحماية"... بشروط اقسى.
ولكن اذا كانت المسألة مجرد نهب او سرقة او هجوم مسلح، فان الاجانب لا يرغبون عادة في اقامة دعوى قضائية على المعتدي، لأن تعويض الخسارة يتم عادة بواسطة التأمين، اضافة الى ان فترة زمنية طويلة نوعاً ما تفصل احياناً بين الجريمة والقبض على الجاني، فلا يكون هناك من يتعرف إلى الجاني لأن المجني عليه يكون قد عاد الى بلاده.
مفكرة خاصة
ووضعت وزارة الداخلية مفكرة خاصة للاجانب القادمين الى روسيا تحذرهم من الخدمات العارضة وتطلب منهم صرف العملة في مراكز الصرف المسجلة رسمياً وعدم عقد صفقات تجارية مع رجال اعمال روس غير معروفين كثيراً ومع شركات مشكوك فيها وتجهيز سياراتهم باشارات انذار وغير ذلك.
وعلى رغم ما في ذلك من تناقض، فان الاجرام الروسي المنظم وغير المنظم هو اكبر المستفيدين من اصلاحات السوق الجارية في روسيا. فهو لم يطور بنجاح اتجاهات نشاطه التقليدية فحسب، بل استوعب مجالات جديدة، كالألاعيب المصرفية، او القتل بالاجرة. وعدا ذلك اتيح له مجال رائع لجمع اموال قذرة بحرية تامة ثم "غسلها" بعد ذلك.
وكانت النتيجة ان اصبح عالم الاجرام يكتسب اليوم مقياساً عالمياً. فهو ينظم انتاج الافلام الخلاعية للتصدير، ويزاحم مصدري المخدرات التقليديين الى اوروبا الغربية. ويتحدث خبراء مكافحة الاجرام المنظم بقلق متزايد عن اتجاه الاندماج بين البنى الاجرامية واجهزة السلطة. ومن يدري فقد تبدو فضيحة "الايدي النظيفة" الايطالية شيئاً بسيطاً بالقياس الى ما يخبئه المستقبل للروس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.