الفريق الروسي يحصل على درع البطولة ومليون دولار بعد تغلبه على السعودي "Team Falcons" في المباراة النهائية    المدينة المنورة.. إرثٌ جيولوجي يمتد إلى أعماق التاريخ    الشرطة الألمانية تقتل رجلا أطلق النار على ضباط ومارة    وفاة الوليد بن خالد بن طلال    المملكة ترحب باتفاق إعلان المبادئ بين الكونغو وحركة 23 مارس    المملكة تحمي أطفال العالم    نقي يتوّج بكأس بطولة منطقة الشرقية 2025 للهوكي    الأخضر الأولمبي يواصل تدريباته في أوزبكستان استعداداً للدورة الدولية    ولي العهد يرحب بإجراءات الشرع لاحتواء الأحداث الأخيرة في سورية    الأخضر السعودي تحت 19 عاماً يواجه ألبورايا الإسباني في بطولة كوتيف الدولية    فتح باب القبول في المعاهد الصناعية وكليات التقنية المسائية    عمالتكم عطشى يا محطات الوقود    زفاف أسطوري لنجل إيلي صعب    الرنين المغناطيسي يقتل رجلا    الداخلية السورية: توقف الاشتباكات في السويداء وإخلاؤها من المقاتلين البدو    روسيا تهاجم ميناء أوديسا الأوكراني    وسط تقييمات متباينة بين الطرفين.. تصعيد متبادل بين واشنطن وطهران بشأن «النووي»    وسط خطة أمنية وإدارية شاملة.. 6 أشهر لإعادة تأهيل الخرطوم    القيادة تُعزّي رئيس جمهورية العراق في ضحايا الحريق الذي وقع في مدينة الكوت    39 % معدل النمو .."ندلب": 986 مليار ريال ناتج الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية    أسعار الذهب تتراجع على وقع قوة الدولار    41% نسبة السعوديات في القطاع الخاص    2700 رخصة بناء بأمانة حائل في شهرين    السعودية مرشحة لاستضافتها العام المقبل.. العالم يترقب مواجهة ميسي ويامال في كأس فيناليسيما    ممثل الوطن يستحق المقعد الآسيوي    الهلال يفاوض آيزاك هداف نيوكاسل    10 % رسوم حديد التسليح    أرامكو: نتائج الربع الثاني 5 أغسطس    الإطاحة بمقيمين لترويجهما مادة الكوكايين المخدر    من البلاغ إلى القبض.. الأمن العام يختصر الزمن ويحسم القضايا    إحباط 1541 محاولة تهريب خلال أسبوع في مختلف المنافذ    الداخلية: ضبط 23 ألف مخالف في الحملات الميدانية    ولي العهد للرئيس السوري: واثقون من قدرة الحكومة السورية بقيادتكم على تحقيق الأمن والاستقرار    أزياء مستلهمة من ثقافة المملكة    حياكة السدو    5 أفلام صيفية تتنافس في الصالات العربية    أكدت أهميتها في بناء المعرفة.. "الدارة" تناقش دور الوثائق التاريخية في صياغة الذاكرة الوطنية    مطلقات مكة يتصدرن طلبات النفقة المستقبلية باستقطاع شهري    86 ألف مكالمة في يوم واحد إلى مركز 911    أشياء يومية تعج بالبكتيريا الخفية    فوائد غير متوقعة للنحاس عند كبار السن    دراسة: البيض لا يرفع مستويات الكوليسترول الضار    وفاة «مؤثر» اتبع حمية اللحوم لمدة 3 سنوات    العلا قديماً.. تناغم الإنسان والطبيعة    "الأمن والحياة" توثّق عاماً من الإنجاز    المملكة تحصد سبع جوائز دولية في أولمبياد الرياضيات والمعلوماتية    أمير القصيم يدشن مبادرة "أيسره مؤونة" للتوعية بتيسير الزواج    خطيب المسجد الحرام: ذِكر الله يُحيي القلوب ويُؤنس الوحشة    أكثر من 11 ألف طن من مياه زمزم لسقيا ضيوف الرحمن في المسجد النبوي    القبض على باكستانيين في المدينة المنورة لترويجهما (الشبو) المخدر    «من الميدان»... القطاعات الأمنية توثّق جهودها اليومية بعدسة الكاميرا    المملكة تقدم مساعدات لنازحي السويداء    ترسيخ الاعتدال ومحاربة التطرف    وفاة الوليد بن خالد بن طلال بعد معاناة مع المرض    السعودية تُرحب بالتوقيع على إعلان مبادئ بين الكونغو وتحالف نهر الكونغو    رغم إعلان وقف إطلاق النار.. خروقات في السويداء وعدد القتلى يرتفع إلى 940    أمير منطقة جازان يستقبل وكيل الإمارة والوكلاء المساعدين الجدد    نيابة عن أمير عسير محافظ طريب يكرم (38) متفوقًا ومتفوقة بالدورة (14) في محافظة طريب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اسامة الباز ل "الوسط" : المسار السوري يستلزم وقتاً
نشر في الحياة يوم 01 - 08 - 1994

كل هذه المشاهد كانت تبدو مستحيلة أو على الأقل مؤجلة الى عقود مقبلة. وكان الاعتقاد السائد ان تعاطي السلام في الشرق الأوسط أشد خطورة من تعاطي الحرب و"ان الانتظار هو أفضل مستشار". لكن ذلك كان، فلغة التسعينات في العالم مختلفة تماماً عن تلك اللغة التي ولدت من ركام الحرب العالمية الثانية وانتصاراتها. وها هو العالم العربي يثبت ان لغته في التسعينات مختلفة عن تلك اللغة التي سادت إثر قيام دولة اسرائيل. لولا هذا الاختلاف دولياً وعربياً لكان العاهل الأردني تمسك بالأسلوب السابق، أي باللقاءات السرية بعيداً عن الكاميرات، لقاءات ترمي الى الاستكشاف من جهة والاحتماء من جهة اخرى من دون الوصول الى حدود المبادرة وإحراق الأصابع.
بموجب اللغة القديمة كان من شأن المصافحة بين الملك حسين ورئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين ان تثير عاصفة من الانتقادات ودعوات الى المقاطعة. لكن عملية مدريد غيرت لغة العرب في التعامل مع النزاع العربي - الاسرائيلي، وهي غيرت الى حد ما لغة الاسرائيليين أنفسهم.
ثم ان المصافحة الجديدة جاءت بعد عشرة شهور من مصافحة في البيت الأبيض نفسه بين رابين والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير التي اعتبرها القادة العرب قبل عقدين الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
غداة المصافحة الأولى تحدثنا عن الانقلاب الكبير وكان هناك من يعتقد بأن الحدث أقل من التسمية وأظهرت الايام ما أظهرته. وحين تحدثنا عن "حرب المسارات" جاء من يؤكد ان التنسيق بين الأطراف العربية أقوى وأعمق مما يعتقد. ولم يعد سراً ان سباق المسارات كان محموماً تحت لافتة التنسيق، وان الأردن تحدث عن غياب التنسيق الفعلي مع منظمة التحرير وسورية في معرض تبريره المصافحة الجديدة واستعداده لاختصار المسافات. وحدهما سورية ولبنان يستطيعان الحديث عن تنسيق بل تطابق، ومن دون سورية يبقى السلام ناقصاً ولا يستحق صفة الشامل أو الدائم.
قراءة هذه المتغيرات من القاهرة نفسها تدفع الى الخوض في ذاكرة السلام. صحيح ان انتصار الولايات المتحدة في "الحرب العالمية الثالثة" هو الذي مكّنها من رعاية عملية مدريد وإقناع الجميع بالصعود الى القطار المحمّل بالمفاجآت والانقلابات. لكن الصحيح ايضاً هو ان محاولات السلام بدأت قبل ذلك بكثير وتخللتها مراحل تفاوض ومواجهة لتمرير سلام ما أو فرضه.
ذاكرة السلام في الشرق الأوسط مثقلة بالعناوين والمحطات. فمن صدور القرار 242 الى حرب تشرين اكتوبر 1973 وصولاً الى محاولات عقد مؤتمر جنيف ترتسم البدايات. هل كان يمكن البحث عن السلام ان يتخذ هذا المنحى لولا الحرب المصرية - السورية ضد اسرائيل؟ وماذا عن زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات للقدس وتوقيع اتفاقي كامب ديفيد والمعاهدة المصرية - الاسرائيلية؟ وماذا عن الغزو الاسرائيلي للبنان وابتعاد المنظمة عن خطوط التماس العربية - الاسرائيلية واضطرارها في المحطة التونسية الى مراجعة حساباتها وخياراتها بالتوازي مع سير الانتفاضة والمتغيرات في العالم؟
لا تكتب قصة السلام من دون التوقف طويلاً عند دور مصر التي كانت ولا تزال شريكاً فاعلاً في تعزيز مناخاته وتسهيل محطاته، خصوصاً انها كانت الطرف العربي الوحيد القادر على التحدث الى اسرائيل، فضلاً عن علاقتها بالولايات المتحدة وثقلها التقليدي.
رافق الدكتور اسامة الباز مدير مكتب الرئيس المصري للشؤون السياسية عملية السلام منذ السبعينات. "الوسط" التقته قبل لقاء الملك حسين ورابين وسألته عن جهود السلام وملفات أخرى. وهنا الحلقة الأولى من الحوار:
انتقلت السلطة الفلسطينية الى غزة وأريحا، هل نحن أمام خريطة جديدة، وهل انتهت هذه القضية التي شغلت المنطقة على مدى عقود؟
- لا نستطيع القول ان هذه القضية انتهت أو حُلت لكننا نقول إنها وضعت على بداية الطريق الى الحل. ما حصل هو خطوة اولى يتوقف على نجاحها تتابع الخطوات التالية. المحطة الثانية هي توسيع النطاق الجغرافي والاختصاصي للسلطة الفلسطينية من غزة وأريحا الى بقية الضفة الغربية. وهذا يفترض ان يتم خلال شهور. ونأمل ان يتم ذلك وفق ما اتفق عليه، أي خلال خمسة أشهر من بدء نقل السلطة.
ويتوقف على نجاح هذه الخطوة الثانية ايضاً الدخول في المرحلة الاصعب والاشق من كل ما تم وهي الاتفاق على الوضع النهائي للاراضي المحتلة. الاتفاق على الوضع النهائي معناه مستقبل الكيان الفلسطيني. هذه مسألة تثير اهتمامنا كثيراً لأن القضايا الاساسية المؤجلة ستطرح فيها: وضع الكيان الفلسطيني من الناحية القانونية والدستورية، ومدى استقلاله وحريته في القرار، ووضعه على الصعيد الدولي، وهل يرتبط بعلاقة فيديرالية أو كونفيديرالية مع الأردن، والعلاقات الاقتصادية بين هذا الكيان والأردن واسرائيل واطراف اخرى، أي مصير الشعب الفلسطيني. هذه المرحلة تتعلق بتقرير المصير. هذه القضية مهمة جداً ومعقدة ومركبة فيها الكثير من الدقة سواء بالنسبة الى الفلسطينيين أو الاسرائيليين.
وهناك قضية القدس وهي مهمة ودقيقة ويبدو صعباً جداً الاتفاق على صيغة ترضي الطرفين رضا كافياً. ونحن نلاحظ استقطاب المواقف في هذا الشأن، وان لكل طرف رؤية مختلفة ومتباعدة عن رؤية الطرف الآخر الى درجة انه يمكن القول إنها ستكون معضلة لن يتسنى حلها بسهولة. ففي هذه المسألة تتداخل عوامل كثيرة، فهي لا تهم الشعب الفلسطيني وحده بل تهم ايضاً الأمة العربية والشعوب الاسلامية، إضافة الى اهتمام الدوائر المسيحية واهتمام اسرائيل واليهود عموماً. وهناك ايضاً مسألة المستوطنات والمستوطنين وقضية عودة لاجئي 1948.
كل هذه القضايا دقيقة جداً ومن الصعب على أي طرف ان يقدم فيها تنازلات كبيرة او عميقة. ولذلك نعتقد بأن كل ما حدث هو خطوة اولى على الطريق. كانت الخطوة مهمة وهي حدث تاريخي لأن الاقدام عليها دل على الجرأة وعلى استعداد القيادة الفلسطينية لتحمل المسؤولية وبعض المخاطرة، خصوصاً انه كان عليها ان تقدم على خطوة من دون التثبت من نجاح الخطوات اللاحقة. لكن هناك بعض الاعتبارات التي جعلت اتخاذ الخطوة ممكناً منها انها تستطيع ان توقف المد الاسرائيلي أو اليهودي في الأراضي المحتلة وان تحاصره وتمهد لانهاء الوجود العسكري الاسرائيلي اولاً ثم الادارة المدنية.
وفي النهاية سيترتب على هذا الاتفاق وقف ادخال مستوطنين جدد او بناء مستوطنات جديدة. وسيجد عدد متزايد من المستوطنين ان من مصلحته اعادة النظر في بقائه على هذه الارض. ويبدأ على الاقل باستطلاع امكانات العودة الى اسرائيل نفسها. وشيئاً فشيئاً سيتوافر هذا الشعور لديهم اذ انه لن يحصل في يوم وليلة. انا اعتقد بأن نسبة لا بأس بها ستجد من الصعب عليها ان تستمر على أرض تخضع لسلطة فلسطينية وحتى وإن تمتعت داخل المستوطنات بمزايا او حماية معينة. فلدى خروج المستوطن من المستوطنة سيشعر بأنه يعيش في أرض تحت السيطرة الفلسطينية ومآلها ان تكون تحت السيادة الفلسطينية.
المسار الأردني
يبدو ان الأردن اختار هو الآخر دفع مساره الى نهايته؟
- هذا التحرك تم في ما اعتقد على خطوتين: الاولى الاتفاق في مرحلة مبكرة على جدول اعمال وقد ناقشوا فيها القضايا الاساسية المطروحة بين الأردن واسرائيل. طبعاً المسألة بين الأردن واسرائيل اسهل من الوضع بين اسرائيل والفلسطينيين وبين اسرائيل والسوريين، اذ ان الأراضي المحتلة ليست كبيرة ولا وجود لمستوطنين، ومجرد الاتفاق على خط الحدود يكفي لازالة عقبات كبيرة. ثم ان الاتفاق على تأمين الحدود لن يكون صعباً بعد الاتفاق الاسرائيلي - الفلسطيني. وكذلك ان الحديث عن مسائل مثل المياه والبيئة واقامة الطريق الارضي الذي ينطلق من مصر ويمر عبر اسرائيل والأردن وصولاً الى المنطقة العربية عموماً، وهي مسألة قديمة، فقد اتفق على جواز شق هذه الطريق منذ اتفاقات كمب ديفيد.
بعد توقيع الاتفاق الاسرائيلي - الفلسطيني اصبحت مسؤوليات الأردن اقل من قبل فأمكن الاتفاق على جدول الاعمال. وكان من الطبيعي ان ينتظر بعض الوقت على امل تحقيق بعض التقدم على المسار السوري ليكون هناك قدر من التنسيق بين اطراف المواجهة العربية التي لم تعقد اتفاقات مع اسرائيل وتحديداً بين الأردن وسورية ولبنان، وان يستمر الجانب الفلسطيني في اطار هذا التنسيق، باعتبار ان ما تم لا يشكل اكثر من 15 في المئة على رغم اثره المعنوي الكبير. الأردن انتظر الى ان عقدت جولات لتنشيط المفاوضات وتحقيق بعض التقدم على المسار السوري وهذه الجولات يضطلع بها وزير الخارجية الاميركي وارن كريستوفر. ويبدو ان الأردن وجد انه بالتوازي مع ذلك يستطيع تحقيق تقدم فواصل الحديث مع الجانب الاسرائيلي لتوسيع نطاق جدول الاعمال واضافة عناصر ومكونات جديدة.
المطالب والمقابل
ماذا يفعل كريستوفر؟
- الواقع ان الكرة اصبحت في الملعب الاميركي. ففي الجولات السابقة ركز كريستوفر على معرفة ما يريده كل طرف بالتحديد وعن المقابل الذي هو على استعداد لتقديمه لكي يحصل على هذا المطلب. حصل على هذا في البداية من اسرائيل ثم ذهب الى سورية وعرض الموقف الاسرائيلي فأبدت سورية تحفظات معينة وآراءها في بعض المسائل. التقويم السوري لاحظ وجود ايجابيات لكنه اعتبرها بسيطة اذا قورنت بالسلبيات في الطرح الاسرائيلي.
وبعدما فعلت سورية هذا بدأت هي بتقديم تصور معين قد لا يكون اتخذ شكلاً نهائياً لأن العرض الاسرائيلي لم يتخذ هو الآخر شكلاً نهائياً وغاب عنه بعض النقاط المهمة مثل ابداء الاستعداد للانسحاب من كل الاراضي السورية المحتلة. ارادت اسرائيل ان تحتفظ لنفسها بقدرة على المناورة في المستقبل في انتظار ان تتعرف إلى استعدادات الجانب السوري وربما لاعتقادها بأنها تستطيع حتى بعد ذلك ان تجادل في بعض الامور وان تطيل الفترة المقررة للانسحاب ومسائل المستوطنات. اي ان اسرائيل احتفظت بعدد من الاوراق للمساومة.
الاشقاء في سورية قدموا رد فعلهم على هذا التصور الاسرائيلي ثم دخلوا في عرض الطرح المضاد وكان اكثر وضوحاً من الطرح الاسرائيلي على رغم انه لم يكن نهائياً وهذا طبيعي لأن المرحلة مبكرة. بعدما حدث ذلك اصبحت الكرة في ملعب الوسيط الاميركي اذ بات عليه ألا يكتفي بالنقل لأن دور ساعي البريد انتهى ولا يمكن ادارة المفاوضات عن بعد. واقروا من جهة اخرى بأنه لم يحدث من التقدم ما يكفي لعقد المفاوضات في واشنطن وتحريكها. لا يمكن الرجوع الى المفاوضات من دون مؤشرات إلى تحرك ولئلا تتوقف عقارب الساعة عند المواقف المعلنة السابقة. تنشيط هذه المفاوضات يستلزم تقديم تصور ولو مبدئياً من الجانب الاميركي لما يمكن ان يقبل به الطرفان كمطلب وكمقابل.
بماذا تطالب اسرائيل وما هو المقابل وبماذا تطالب سورية وما هو المقابل؟ هنا يستطيع الجانب الاميركي ان يقدم شيئاً لا يكون في الضرورة اقتراحاً رسمياً تتمسك به الولايات المتحدة او يعتبر مطروحاً على طاولة المفاوضات بصفة رسمية وإنما يمكن ان يقدم في البداية كأفكار من شأنها ان تظهر ان الشريك الاميركي، وهو مقبول من الطرفين، يرى من مجمل اتصالاته ومن رؤيته الذاتية ما يمكن ان يتخذه الشكل الأولي او المبدئي لاتفاق اسرائيلي - سوري. وهذه العملية نفسها قد تكون مرحلية، اي أن تبدأ بأفكار شفوية ثم الانتقال الى مرحلة الاقتراحات المكتوبة.
التصور الاميركي لن يكون مستقلاً عن الطرفين انما هو عرض وتلخيص وتحسين للطرح الذي قدمه كل طرف حتى يمكن تضييق الفجوة وتسهيل العودة الى المفاوضات في واشنطن وضمان ان تكون واعدة. هذه المسألة لازمة وضرورية لأن غياب التقدم على المسار السوري يمكن ان يسبب نكسة للعملية السلمية كلها. ونحن نتحرك على أساس ان يحصل تقدم على كل المسارات في وقت واحد. ولا يعني ذلك وجوب حصوله في اليوم نفسه بل في وقت متقارب. وبعد الذي حصل على المسارين الفلسطيني والأردني لا بد من تحقيق تقدم على المسار السوري وكذلك على المسار اللبناني حيث سيكون التقدم اكثر سهولة وهو مهم وملح وإن بدا مؤجلاً. التعامل مع المسار اللبناني كمسار هامشي سيكون خطأ كبيراً، لا بد من التقدم على كل المسارات حتى يمكن القول بوجود التزام بالتسوية الشاملة.
هناك من يعتقد بأن النقطة الأصعب في المفاوضات بين سورية واسرائيل ليست الجولان بل حجم الادوار في المنطقة؟
- ليس من حق اسرائيل ان تتحدث مع سورية او مع أي طرف عربي في شأن وضعه الاقليمي. هناك نقاط واردة تحديداً في القرارات التي يتم التفاوض على أساسها. المرجعية في التفاوض هي القرار 242 والمرجعية في الاجراءات هي في القرار 338 ومؤتمر مدريد. ليس من صلاحية اسرائيل ان تسائل سورية عن وضعها الاقليمي او دورها الاقليمي لأن ذلك من اطلاقات السيادة السورية.
ما هي الموضوعات المطروحة بين سورية واسرائيل؟ الانسحاب طبعاً وعلاقات السلام وما تسميه اسرائيلپ"التطبيع" والأمن. وخلال مناقشة موضوع الأمن يمكن التصور ان اسرائيل ستطرح مسائل معينة في هذا الاطار، أي الاجراءات والضمانات وترتيبات الأمن على جانبي الحدود، اي الجولان والمناطق المتاخمة له، ومسائل تتعلق بخفض القوات والتسليح بنسبة معينة ووسائل الانذار المبكر ووجود دولي معين وضمانات من مجلس الأمن. ويمكن ان تطرح اسرائيل في مرحلة ما مسائل تتعلق بنقطة واحدة ليس عن دور سورية الاقليمي. ولكن عن موقف سورية من التهديدات التي يتعرض لها شمال اسرائيل انطلاقاً من الجنوب اللبناني، يمكن التصور ان تقول سورية ان هذا الموضوع يخص لبنان لأن المسألة تدخل تحت بند سياسته وليست من اختصاصات الحكومة السورية. ولكن يمكن مناقشة مثل هذه الموضوعات.
هل تتوقع اختراقاً على المسار السوري - الاسرائيلي خلال الصيف الحالي؟
- نعتقد بأن التوصل الى مثل ذلك سيستغرق بعض الوقت بسبب وجود قضايا حساسة لا بد من حسمها قبل الوصول الى اعلان مبادئ. هناك المدة الزمنية للانسحاب الاسرائيلي واسرائيل تريد اطالة امد الانسحاب وتقول إنها تحتاج الى فترة اختبار للنيات السورية وأن العملية لا تتعلق بالوقت الذي تتطلبه عملية الانسحاب تقنياً. ثم ان اسرائيل لا تريد، على ما يبدو، ان تبدأ بالانسحاب مبكراً من مناطق تحتوي على مستوطنات بل تريد ان ترجئ ذلك لئلا تواجه مسألة المستوطنات والمستوطنين في مرحلة مبكرة ولعلها تريد الاحتفاظ بهذا الوجود الاستيطاني خلال فترة الاختبار.
سورية لا تقبل بهذا الطرح وترى ان لا بد، منذ البداية، من تحديد فترة زمنية قصيرة ومعقولة لعملية الانسحاب الاسرائيلي وأن ليس من حق اسرائيل المطالبة بفترة اختبار لأن من حق سورية ايضاً المطالبة باختبار للنيات الاسرائيلية. التغلب على هذه المسألة يحتاج الى بعض الوقت.
انا اعتقد بأن مسألة الدخول في علاقات سلام لن تكون بصعوبة الاتفاق على موضوع الانسحاب الشامل والكامل وتحديد فترة الانسحاب. عملية الدخول في علاقات سلام ستكون على ما اعتقد أقل صعوبة من مسائل الأمن ايضاً. علاقات السلام هي الأسهل تليها قضية الأمن وترتيباته ثم مسألة الانسحاب. هذا من ناحية الترتيب التصاعدي للصعوبة وليس من حيث الأهمية. يبدو ان اسرائيل ستوطد نفسها على انسحاب كامل عاجلاً أم آجلاً لأنها تعرف ان ذلك شرط ضروري ولا غنى عنه لتحقيق السلام. تقديري الشخصي ان هذه النقاط لا يمكن الاتفاق عليها في غضون الصيف وربما ايضاً في الخريف. وسنكون محظوظين اذا تم الاتفاق عليها قبل نهاية هذا العام او في مطلع العام المقبل.
تقدم على المسار اللبناني
افترقت الحسابات بين المسارات واستمر التطابق اللبناني - السوري، كيف ترى مستقبل لبنان في هذه المفاوضات؟
- أعتقد بأن الفجوة التي حصلت في التحرك على هذه المسارات فجوة تكتيكية وموقتة. ولكن من حيث المبدأ فإن الخطوة التي اتخذها الطرف الفلسطيني، وإن تكن مهمة من الناحية النفسية والسياسية، فإنها من الناحية القانونية ليست بهذه الأهمية. من الناحية القانونية لا تزال المشكلة الفلسطينية بلا حل وهناك بداية لوجود السلطة الفلسطينية وما حدث هو حكم ذاتي في جزء من الأراضي الفلسطينية ولم ينتقل بعد الى باقي الضفة الغربية. بالنسبة الى الأردن فإن مجرد الاتفاق على اعطاء مضمون أوسع لجدول الأعمال يمثل خطوة.
بالنسبة الى المسار السوري يمكن التقدم ان يستغرق بعض الوقت. على المسار اللبناني حصل تقدم معين في المفاوضات لا يمكن انكاره وإن كان غير كاف حتى الآن لتوقيع اتفاق. لو نظرنا الى الصورة بمجملها لا يمكن ان تضع لبنان في وضع مختلف تماماً عن باقي المسارات، خصوصاً أن ثمة التزاماً عاماً بعدم التوصل الى اتفاق نهائي الا في وقت متزامن ومتقارب مع المسارات الأخرى.
استراتيجياً يجب ان تلتزم الأطراف هذا الأمر، اي عدم الموافقة على اتفاقات نهائية الا في اطار من التزامن من دون ان يعني ذلك انها يجب ان تتم في يوم واحد. وهناك الحرية التكتيكية لكل طرف حسب وضعه الخاص. لم يكن هناك بين الأردن واسرائيل خلاف حاد على الحدود فهي معروفة ولا توجد مشكلة مستوطنين وغيرها مثل مشكلة القدس التي سنشارك فيها ونساعد الفلسطينيين لكنهم الطرف الذي سيكون عليه ان يفاوض في شأنها.
بالنسبة الى سورية الوضع اكثر تعقيداً. مع لبنان يفترض ان يكون الأمر أسهل اذ هناك قرار خاص من مجلس الأمن هو القرار 425 الذي يلزم اسرائيل الانسحاب الكامل غير المشروط. اسرائيل تعارض مثل هذا الانسحاب حتى الآن. مع لبنان تترتب على اسرائيل التزامات اكثر اذ هناك الپ425 وليس فقط الپ242 والحدود اللبنانية معروفة. حصل تقدم ولكن يلزم المزيد من الدفع. من الناحية القانونية البحتة ليس هناك ما يمنع لبنان من ان يتقدم بخطوات اوسع وأن يحصل على اكبر قدر من المرونة من اسرائيل وأن يتعرف اكثر إلى استعداداتها لقبول صيغة معينة في ما يتعلق بالأمن وتأمين الحدود وسحب كل أنواع الوجود الاسرائيلي من الأراضي اللبنانية في فترة معقولة. وهذا الانسحاب لن يستغرق فترة طويلة بعد الاتفاق على تأمين جانبي الحدود. يضاف الى ذلك ان اسرائيل تعلن ان ليست لديها مطامع اقليمية او اي اعتراض على خط الحدود الدولية. وتطالب بضمانات لعدم استخدام الأراضي اللبنانية لشن هجمات ضدها وأن تكون الحكومة اللبنانية مسيطرة ومسؤولة.
نحن نعتقد بأن مسألة الدخول في علاقات سلام لن تكون صعبة بعدما أقرت الأطراف العربية الأخرى هذا الموضوع. لا تستطيع اسرائيل ان تفرض على لبنان صيغة خاصة بالتعاون مغايرة للصيغة التي يجري الحديث عنها. يمكن ان تثير خلال مفاوضاتها مع لبنان مسائل مثل وجود "حزب الله" والتسليح وغيره. طرحت هذه المسائل حتى الآن وأثاروا مسألة التدخلات الأجنبية وركزوا على الدور الايراني. ويمكن ان يتحدثوا في مرحلة لاحقة عن الوجود السوري وأثر ذلك في تأمين الحدود اللبنانية - الاسرائيلية. نعتقد بأن تحقيق تقدم على المسار اللبناني ممكن ويرجح ان يكون في وقت متقارب مع التقدم على المسار السوري من دون ان يكون في الضرورة تابعاً او تالياً. لكننا نتوقع ان يكون التوقيع على المسارين متزامناً.
دور مصر
منذ السبعينات عملت الديبلوماسية المصرية في اتجاه السلام؟
- عملنا في عملية السلام في 1974 في مناسبة المحادثات الخاصة بفك الاشتباك. كنت مساعداً لمدير مكتب وزير الخارجية اسماعيل فهمي ثم مديراً للمكتب وكانت وزارة الخارجية تقوم بدور اساسي في هذا الشأن الى جانب وزارة الدفاع. وكان الطرفان يعملان بموجب توجيهات الرئيس انور السادات. شاركنا الى حد ما في الاعداد لاتفاقية فك الاشتباك على الجبهة السورية ثم دخلنا في محادثات أخرى لتوقيع اتفاقية ثانية لفك الاشتباك على الجبهة المصرية. في الوقت نفسه بدأنا نعد عربياً لاستئناف محادثات جنيف. كان مؤملاً ان نحقق فك الاشتباك الثاني في آذار مارس او نيسان ابريل لكنه ارجئ وتأخر الى ايلول سبتمبر 1975.
طوال 1974 و1975 و1976 كنا نعمل من اجل التوصل الى تنسيق بين مصر وسورية والأردن ولبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية بهدف استئناف محادثات جنيف. كانت هذه الاتصالات مهمة لأننا حاولنا وضع الأساس لاستئناف مؤتمر جنيف ليدخله الطرف العربي برؤية واحدة اذ كانت هناك رؤى متنوعة. حتى بعض المسائل الفرعية اتخذ اهمية كبيرة مثل هل يذهب العرب المفاوضون الى جنيف في وفد موحد ام في وفود مختلفة وهكذا. قضينا في هذه المشكلة مدة طويلة وقطعنا شوطاً طويلاً.
ثم دخلنا في مرحلة جديدة حين تعقدت الأمور وأصبح استئناف مؤتمر جنيف مسألة ينظر اليها من زاويتين: الأولى انها قد تتأخر والثانية هل من المقطوع به او هل من المأمول ان تؤدي الى تحقيق تقدم ام تكون مجرد مراسم شكلية كما حدث في مؤتمر جنيف الأول. ودخل في الصورة عنصر جديد عندما زار الرئيس الراحل أنور السادات القدس في تشرين الثاني نوفمبر 1977 فبرزت معطيات جديدة وان لم تتحول الى معطى جديد الا بعد تخلف الأطراف العربية الأخرى عن حضور الاجتماع التحضيري لمؤتمر جنيف الذي عقد في ميناهاوس قبل نهاية العام.
كان التفكير المصري ان زيارة الرئيس السادات للقدس ستعطي دفعة قوية للمحادثات المتعلقة بمؤتمر جنيف، أي ان تأتي الأطراف كلها وتتفق على استئناف المفاوضات في جنيف بقوة دفع جديدة. غابت الأطراف العربية فأصبح هذا الاحتمال معدوماً ثم دارت المفاوضات الثنائية بين مصر واسرائيل مع بقاء مصر ملتزمة مبدأ التسوية الشاملة وارتباطها بالأسرة العربية.
شاركنا في مؤتمر كمب ديفيد في ايلول سبتمبر 1978 ثم في المفاوضات التي تلتها لصياغة معاهدة السلام بين مصر واسرائيل ووثيقة الحكم الذاتي في الأرض الفلسطينية المحتلة. واستغرقت مناقشات الحكم الذاتي وقتاً طويلاً ولم يحدث فيها تقدم ملموس لكننا تمكنا من استطلاع الموقف الاسرائيلي من كل مكوناته.
كانت المسألة صعبة ذلك ان تكتل ليكود كان هو الحاكم في اسرائيل وكان موقفه متشدداً من القضية الفلسطينية بالذات، لكننا تمكنا من ان نتعرف إلى التفكير الاسرائيلي في القضايا الجزئية. ظللنا نتابع ما يحدث على الجبهات الأخرى ونحاول المشاركة مع الأشقاء العرب بالاعداد والمشورة وبعض الخبرة التي حصلنا عليها وأيضاً عن طريق حض الولايات المتحدة والأطراف الأخرى، أوروبا والاتحاد السوفياتي ثم روسيا والدوائر المناصرة والمؤيدة كالدول الاسلامية ومجموعة عدم الانحياز وغيرها.
المحطات الكبرى
اذا شئنا الحديث عن الانقلاب الكبير في النزاع العربي - الاسرائيلي هل هو زيارة الرئيس السادات للقدس أم أوسلو؟
- أنا أتوقف عند محطات معينة. المحطات الكبيرة في رأيي هي الآتية:
أولاً صدور قرار مجلس الأمن الرقم 242 وقبول الأطراف العربية الفاعلة بهذا القرار. ثانياً: حرب تشرين 1973 لأنها هي التي فتحت أمامنا الباب الى السلام. من دون هذه الحرب كان يصعب تماماً ان نزيل عقدة التفوق لدى الاسرائيليين وشعورهم بأن جيشهم لا يقهر. بعد 1973 زالت هذه الاسطورة وأصبح واضحاً لديهم ان عليهم التوصل الى سلام مع العرب اذا كانوا يريدون العيش في هذه المنطقة.
المحطة المهمة بعد ذلك ليست زيارة الرئيس السادات للقدس فالزيارة كانت مهمة من الناحية السايكولوجية فقط، ومن الناحية السياسية والقانونية كان يمكن الا تؤدي الى شيء. ويمكنني القول ان الرئيس السادات كان يعتقد خلال وجوده في كمب ديفيد بأن المحادثات ستفشل. كان لديه اعتقاد جازم بأنه لن يتم التوصل الى اتفاق في كمب ديفيد. اعتقد بأن توقيع اطار السلام في كمب ديفيد وما ورد فيه سواء في الشق المتعلق بمعاهدة السلام بين مصر واسرائيل أو الشق المتعلق بالحل الشامل، وبالتحديد التركيز على القضية الفلسطينية وحلها على مرحلتين الحكم الذاتي ثم الوضع النهائي للأراضي المحتلة أو تقرير المصير... اعتقد بأن هذه المحطة كانت في غاية الأهمية.
وهناك محطة مؤتمر مدريد الذي أعطى لعملية السلام ديناميكية جديدة. صحيح انه لم يكن هناك تغيير في المضمون ولكن كانت فيها ايماءات وبدأت مواقف الأطراف من القضية الفلسطينية تتبلور أكثر، وأخذت الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني دفعاً جديداً. ثم توقيع اتفاقية أوسلو.
مفاوضات أوسلو
متى عرفتم بعملية أوسلو؟
- عرفنا بأوسلو في مرحلة سابقة على توقيعها لكن الوضع كان كالآتي: ما كان يجري في أوسلو لم يكن مفاوضات رسمية واضحة تتم بطريقة ملزمة للطرفين، لكنها كانت لقاءات تجري مع بعض الأشخاص. صحيح ان هؤلاء كانوا مخولين ولكن كان هناك اعتقاد لدى الطرف الاسرائيلي وكذلك لدى الطرف الفلسطيني بأن كل هذا يمكن ألا يسفر عن شيء، وان هذه اللقاءات لا تختلف كثيراً عن لقاءات عدة كانت تعقد في أماكن أخرى.
قليلون من الاسرائيليين والفلسطينيين عوّلوا كثيراً على هذه الخطوة. الغالبية اعتبرتها من جملة اللقاءات. ولم يكن البعد عن الاعلام بغرض السرية بل للحيلولة دون ان يقيد العنصر الاعلامي حركة الطرفين. كنا نعرف ان لقاءات تجري في أوسلو والموضوعات المطروحة عموماً، وكنا نستشار أحياناً في نقاط معينة. مثلاً كان الفلسطينيون يسألوننا بغرض التأكد من نقاط معينة: هل هذا الشخص الاسرائيلي مفوض اليه فعلاً؟ ساعدنا في هذه الحدود.
توقيع اعلان المبادئ في أوسلو في 20 آب أغسطس 1993 والتظاهرة الاحتفالية الكبيرة في واشنطن في 13 ايلول سبتمبر شكلا محطة جديدة. فقد وافقت اسرائيل على التفاوض مع المنظمة بعدما كانت ترفض أي دور لها وتتهمها بالارهاب. ثم بدأت احتمالات حلحلة الأمور على المسار الفلسطيني الذي كان يعتبر الأكثر تعقيداً. حين حصل ذلك راقب الجميع احتمالات النجاح الذي كان يتطلب نقاطاً عدة: الأولى ان توقع، أي أن يأخذ الجانب الفلسطيني المخاطرة ويوقع. الجانب الاسرائيلي كان لديه أيضاً شعور بأن الأمر يتضمن مخاطرة سياسية فصورة منظمة التحرير وياسر عرفات كانت لا تزال سيئة وسلبية لدى الرأي العام الاسرائيلي ولم يكن الناس على استعداد لقبول ذلك. كانت تروج انباء عن اتفاقات سرية وملاحق وتحصل مزايدات بعضها من الجانب العربي وبعضها من اسرائيل. التوقيع شكّل خطوة. والاتفاق على سبل تنفيذ الاعلان في القاهرة 4 أيار/ مايو شكّل خطوة جديدة. أما الخطوة الثالثة فستكون النجاح في التطبيق. ما حدث حتى الآن هو البداية، أي انسحاب الجيش الاسرائيلي والشرطة والادارة المدنية من غزة وأريحا ويبقى الآن ان تمارس السلطة الفلسطينية مهماتها.
أين تضع الغزو الاسرائيلي للبنان ومضاعفاته على المنظمة؟
- اخراج المنظمة من بيروت أخّر تحقيق التقدم، بخلاف ما كان يعتقده بعض الاسرائيليين الذين كانوا معنيين في هذا المجال، اذ تصوروا ان وضع لبنان سيصبح أسهل كثيراً بعد خروج المقاومة الفلسطينية وانه سيكون من السهل التوصل الى اتفاق سلام معه. كان هذا الفريق يعتقد بأن الوجود الفلسطيني العسكري والسياسي يشكل عنصر ضغط على الارادة اللبنانية.
لم يقدر هؤلاء ان هذا العنصر سيعوضه بل سيزيد عنه ما يحدث على الخريطة اللبنانية نفسها، أي ان يخرج شيء من داخل التركيبة اللبنانية وان يكون أكثر قوة وصلابة لأنه لبناني وان كانت له امتدادات معينة مثل علاقة "حزب الله" معپايران. صار هناك وجود لبناني مسلح ومنظم، وهو ليس لاجئاً أو وافداً، ويؤدي وجوده الى تثوير قطاعات واسعة من الشعب اللبناني الذي كان يعتقد من جانب الاسرائىليين بأنه سيكون الأسهل في الاتفاق مع اسرائيل لأنه شعب عملي وسيركز على المصلحة. خابت النظرية الاسرائيلية في هذا الشأن ولم تقبل أي حكومة لبنانية بأن تعمل وفق الارادة الاسرائيلية حتى في الفترة التي أعقبت الغزو.
كان هناك وجود عسكري اسرائيلي على مشارف بيروت وكنا نراه حين نذهب لكن ذلك لم يؤد الى تطويع الارادة السياسية في لبنان، بل أدى الى تثوير فئات واسعة من الشعب اللبناني.
حين ذهب الفلسطينيون الى تونس وغيبت المنظمة من جوار اسرائيل أصبح الوضع معقداً بالنسبة الى تحقيق تقدم لأن اسرائيل بقيت مصرة على تهميش دور المنظمة معتبرة انها صارت بعيدة. اسرائيل أيدت في البداية تشكيل حركة "حماس" ودعمته بوسائل كثيرة من أجل اضعاف المنظمة، باعتبار ان أي عدو للعدو الأساسي يعتبر صديقاً، وان ذلك سيكون مرحلياً وان الطرف الجديد لن يكون له ثقل عربي ودولي. كانوا يحاربون المنظمة ليس لأنها منظمة ارهابية كما كانوا يدعون بل لأن القبول بها يعني في النهاية القبول بكيان فلسطيني.
توقف عرفات في مصر
كيف تنظر الى أهمية اللقاء الذي عقد بين الرئيس حسني مبارك والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بعد خروج الأخير من طرابلس في شمال لبنان؟
- أنا أعتقد انه كان محطة مهمة جداً. حين حصل الخلاف في طرابلس بين المنظمة والجانب السوري وأطراف لبنانية أصبح وجود القيادة الفلسطينية في لبنان مسألة صعبة. حين خرج عرفات من طرابلس، اعتقدت اسرائيل، بعدما كانت صفّت الوجود العسكري والسياسي الفلسطيني في مناطق معينة، بأن المواجهة الجديدة بين المنظمة من جهة وسورية وأطراف فلسطينية ولبنانية من جهة أخرى تعني نهاية الوجود الفلسطيني في لبنان.
اعتبرت إسرائيل ان القيادة الفلسطينية ستذوي وتعيش في المهجر بعيداً عن قواعدها وبالتالي لن يكون هناك قرار سياسي على الساحة الفلسطينية. جاء الرئيس عرفات واستقبلناه في الاسماعيلية واستقبله الرئيس مبارك.
هل كان هناك ترتيب مسبق؟
- نعم. في البداية كان هناك خوف على حياة الرئيس عرفات وهو يعبر البحر المتوسط، ولذلك قطع الاسطول المصري شوطاً كبيراً في المياه الدولية لكي يحمي السفينة التي كانت تقله. نسقنا مع الفرنسيين لتكون هناك غواصات وزوارق وسائر اشكال الحماية. ودخل بور سعيد وتوجه الى منطقة السويس وانتقل الى القاهرة. كان اللقاء مهماً جداً لأن مصر بثقلها العربي السياسي والاعلامي استقبلت الرئيس عرفات لتعطي مؤشراً الى ان حركة المقاومة الفلسطينية لم تنته وان القيادة باقية وملتحمة بالمنطقة من خلال الاطراف العربية وفي مقدمها مصر، وان ذهاب عرفات لا يعني المنفى، بل ان الحركة الفلسطينية ستظل على حيويتها وان القيادة ستمارس دورها كقيادة للشعب الفلسطيني. وقد تم ذلك وأعربت مختلف الاطراف العربية عن تأييدها القيادة وتم تناسي الخلافات وتحسنت لاحقاً علاقات المنظمة بكل الاطراف. ولم ينجح اي تنظيم فلسطيني في الحلول مكان المنظمة. وحتى الدول التي كانت تقيم علاقات مع فصائل معارضة للقيادة لم تستطع سحب اعترافها بالمنظمة ممثلاً شرعياً ووحيداً، وانعكس هذا الأمر على الوضع الدولي للمنظمة.
الى اي حد ساهم ذلك اللقاء في فك الحصار الذي كان مضروباً حول مصر؟
- لم يعتبر اللقاء بمثابة عودة سياسية للعلاقات بين المنظمة ومصر، ذلك ان المنظمة كانت مرتبطة ايضاً بقرار عربي ونحن لا نستطيع تحميل الفلسطينيين اكثر مما يجب. البلد الذي اتخذ الخطوة الأولى في مجال اعادة العلاقات مع مصر هو الاردن. بدأت المسألة بلقاءات غير رسمية ثم عقدت لقاءات رسمية وتزايدت وتصاعدت، ثم اتخذ القرار وبعد ذلك اصبح الطريق ممهداً أمام الآخرين لاصلاح العلاقات.
لا أريد ان اكون شوفينياً لكنني اريد القول اننا لم نكن نشعر بحصار عربي لأننا شعرنا بأن الأوضاع بدأت تتضح امام الناس خصوصاً أن مصر ظلت متمسكة بهدف التسوية الشاملة ولم نفعل اي شيء يلحق الضرر بالاطراف الاخرى. حاول الاسرائيليون في وقت ما ان يربطوا بين الانسحاب الاسرائيلي من سيناء، اي من خط العريش - رأس محمد الى خط رفح عند الحدود الدولية، وبين ان توقع مصر على اتفاق مع اسرائيل في شأن الحكم الذاتي. أيّدت الولايات المتحدة الموقف الاسرائيلي وحضر وزير الخارجية الكسندر هيغ في 1982 وحاول القول ان المطلب الاسرائيلي مشروع فرفض الرئيس مبارك بشدة. قال له الرئيس مبارك ان مصر لا تقبل التهديد او التلويح به وعلى اسرائيل التزام الانسحاب الى الحدود الدولية ولا تستطيع ان تضع شروطاً جديدة، وإذا لم تنفذ اسرائيل هذا الالتزام فاننا سنكون في حل من كل الالتزامات ونحن لا يمكن ان نوقع شيئاً نيابة عن اي طرف عربي آخر وحتى ولو لم يكن ملزماً له. وأفهمه صراحة ان مصر ستتخذ موقفاً حاسماً في حال اصرت اسرائيل على محاولتها.
هذه المواقف لم تكن غائبة عن الاطراف العربية الاخرى. ونحن بقينا نساند القضية الفلسطينية على رغم ما كان يصدر من شخصيات فلسطينية في اجتماعات المجلس الوطني وغيره. تأكد للعرب لاحقاً ان مصر لم تفرط أبداً. طبعاً مجيء ياسر عرفات حسّن الصورة والمناخ.
ألم يكن هناك تشاور بين السادات وعرفات في شأن زيارة القدس؟
- لا.
هل اتخذ السادات القرار فجأة؟
- ليس فجأة بل بعد فترة طويلة من مشاهداته المحاولات التي بذلت في العامين 1975 و1976 والنصف الأول من العام 1977.
ومتى كان اللقاء مع الاسرائيليين للمرة الأولى؟
- في اجتماع ميناهاوس. وكنا التقيناهم في مفاوضات فك الاشتباك، لكن دورنا لم يكن مباشراً معهم لأن الدور الأول كان للجانب العسكري بسبب طبيعة الموضوع المطروح. كنا نلتقي هنري كيسنجر وكان العسكريون التقوا في محادثات ال 101. اللقاء وجها لوجه حصل في ميناهاوس.
شعور مختلط
الى أي حد تثير الارتباك المشاركة في حدث مثل زيارة الرئيس السادات للقدس؟
- في مثل هذه الحالات يكون الشعور مختلطاً. هناك الزيارة في حد ذاتها وهناك النتائج التي يتوقعها المرء في ذهنه وتفكيره. كانت خطوة جديدة ورائدة، ولهذا كان يمكن ان يتصور المرء انها خطوة في المجهول. النتائج غير معروفة. منذ البداية شعرت، انا شخصياً، بأنه ستكون له ايجابيات وسلبيات. يشعر المرء احيانا بأن الايجابيات ستغلب ويتخوف احيانا من ان لا تكفي الايجابيات لمقاومة التخوف من السلبيات.
ماذا تفعل في مثل هذه اللحظة؟ الشعور مختلط والمسألة جديدة وحساسة. في مثل هذا الموضوع المفتوح على احتمالات ايجابية وسلبية يصعب تقويمها بدقة ينتابك شعور بأننا لن نخسر شيئاً من مخاطبة الشعب الاسرائيلي في القدس ومخاطبة الرأي العام العالمي.
طبعاً من الناحية الشخصية ولجهة التغلب على الحاجز النفسي المسألة شاقة وكبيرة. لكنك في الوقت نفسه تشعر بأننا اذا استطعنا ان نتمسك بموقفنا والتزاماتنا المصرية والقومية فإن الايجابيات ستتغلب على السلبيات. ويأتي هنا دور الانسان المشارك في حدث من هذا النوع فيسأل نفسه عن الاسهام الذي يمكن ان يقوم به لجعل الايجابيات تفوق السلبيات ولحماية الموقف المصري والعربي. أي ان يكون طرحنا هناك هو القرار 242 بالتحديد هو الطرح الذي ذهبنا به الى مؤتمر جنيف وتقديم المطلب العربي كاملا.
من يقرأ خطبة الرئيس السادات في الكنيست سيجد انه كان يعبّر عن الرؤية العربية او عن القراءة العربية للقرار 242 أساساً لقيام حالة سلام بين العرب واسرائيل. لم يكن الحل مصرياً ولم تطرح اي عناصر جديدة قياساً على ما كان موجودا. ولهذا شعرنا بالارتياح. وكان الرئيس السادات يستمع ولم يكن يمنع اياً منا من ابداء رأيه. والحق يقال انه كان يترك لنا حق ابداء الرأي وان نشير اليه في مسائل معينة.
هل صحيح انه كان مرتبكا قبل هبوط الطائرة؟
- نعم كان في ظرف نفساني غير سهل هو واعضاء الوفد. لا اذكر ان احدا كان في حالة ابتهاج او يقين فهذه الخطوة جاءت بعد سنوات طويلة من العداء والشحن النفسي.
ماذا قال في رحلة العودة؟
- ما بقي في ذهننا كان السؤال الذي طرحه في طريق العودة وهو ماذا نفعل بعد هذا؟ حين ذهب الرئيس السادات لم يكن ذاهباً بغرض التفاوض لانه يدرك استحالة التفاوض في مثل هذا المناخ وكان الغرض احداث الصدمة. كان الرئيس السادات يعتمد اسلوب الصدمة الكهربائية.
لم تكن فكرة أميركية
ممن جاءت فكرة زيارة القدس؟
- سيبك من كل الكلام الذي يقول ان الاميركيين هم وراء الفكرة. الفكرة فكرته وكان لديه قدر كبير من الجرأة. لكي يفكر المرء في خطوة من هذا النوع عليه ان يمتلك لا الرؤية وحدها بل الجرأة ايضاً. الرؤية وحدها لا تكفي خصوصاً امام الموانع السياسية والقانونية والنفسية والعربية والمخاطر الامنية.
هل فاتحكم بالفكرة قبل تحقيقها؟
- نعم
من كان الفريق؟
- حكى مع كثيرين، كل واحد منهم في دائرة معينة.
مع من تحدث من القادة العرب؟
- مع الرئيس حافظ الاسد وكان الزعيم العربي الوحيد الذي فاتحه في الموضوع خلال زيارة لدمشق. شعرنا بأن الرئيس الاسد اخذ الموضوع بكثير من الانزعاج وبدا مقدرا خطورته وحاول ان يثني الرئيس السادات عن عزمه. لكن الرئيس السادات أصر على موقفه وقال له انه بحكم الشراكة والوقوف في الخندق الواحد حرب تشرين اعتبر ان عليه ان يطلعه على هذا الامر وانه لا يريد ان يلزمه شيئاً ولا يطلب موقفاً او موافقة.
بعدها انقطع الاتصال بين الرئيسين؟
- نعم انقطع الاتصال. وتردت العلاقات السياسية وحصل تراشق اعلامي بدأ مع سورية ثم مع العراق وقامت جبهة الرفض وحدث شرخ في العلاقات وتوقفت الاتصالات مع سورية لفترة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.