أمير تبوك يطلع على التقرير الإحصائي لمديرية مكافحة المخدرات بالمنطقة    جائزة الأمير محمد بن فهد لأفضل أداء خيري تؤثر إيجابيا على الجمعيات والمؤسسات    مدرب ميلان يُعلن انتقال ثيو هيرنانديز إلى الهلال    أمير القصيم يستقبل رئيس مجلس إدارة مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع "موهبة"    مكاسب النصر من رحيل دوران إلى فنربخشة    مهاجم الهلال.. أمل أوسيمين وفكرة فلاهوفيتش    نائب أمير جازان يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة "تراحم"    نائب أمير جازان يطّلع على تقرير عن أعمال فرع الشؤون الإسلامية بالمنطقة    ألمانيا تسجل 2137 حالة وفاة مرتبطة بالمخدرات العام الماضي    أمير جازان يستقبل مدير فرع الشؤون الإسلامية بالمنطقة    126% نسبة زيادة التراخيص المهنية الصادرة خلال خمس سنوات الماضية    الشؤون الإسلامية في جازان تُطلق الدورة العلمية الأولى بجامع راجحي صبيا    الخارجية الفلسطينية ترحب بما تضمنه بيان قمة "بريكس" بشأن القضية الفلسطينية    648 جولة رقابية على جوامع ومساجد مدينة جيزان    القيادة تهنيء الحاكم العام لجزر سليمان بذكرى استقلال بلاده    المدينة الطبية الجامعية بجامعة الملك سعود تسجل براءة اختراع عالمية لابتكار "أداة تثبيت الأنسجة"    وكالة الفضاء السعودية تطلق جائزة «مدار الأثر»    إسقاط 91 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    بدءاً من الشهر القادم وحسب الفئات المهاريةتصنيف رخص عمل العمالة الوافدة إلى 3 فئات    شقيقة رونالدو تكشف سبب غيابه عن جنازة جوتا    السلطات التايلندية تنقذ طفل العزلة من"النباح"    هيئة "الشورى" تحيل 26 موضوعاً للمناقشة    الجحدلي وعبدالمعين يزفان سلطان وحنين    ضبط 10 مخالفين و226 كجم من المخدرات    قمة فرنسية – بريطانية بأجندة معقدة.. قضايا الدفاع المشترك تتصدر المشهد    "تاسي" يغلق على ارتفاع    335 ألف متدرب في برامج التدريب التقني خلال عام    (1.7) مليون سجل تجاري في المملكة    «الحارس» يعيد هاني سلامة إلى السينما    كيف يخدعنا الانشغال الوهمي؟    السلمي مديراً للإعلام الرقمي    وسط فجوات كبيرة بين الطرفين.. جولة مفاوضات جديدة لوقف النار في غزة    الحب طريق مختصر للإفلاس.. وتجريم العاطفة ليس ظلماً    لسان المدير بين التوجيه والتجريح.. أثر الشخصية القيادية في بيئة العمل    نيوم يعزز التواجد الفرنسي في دوري روشن بالتعاقد مع غالتييه    علماء يكتشفون علاجاً جينياً يكافح الشيخوخة    "الغذاء والدواء": عبوة الدواء تكشف إن كان مبتكراً أو مماثلًا    اعتماد الإمام الاحتياطي في الحرمين    إنقاذ مريض توقف قلبه 34 دقيقة    «السجون» توقّع مذكرة مع «التعليم» لتطوير برامج النزلاء    تلاشي المخاطر الجيوسياسية في سوق النفط    التحذير من الشائعات والغيبة والنميمة.. عنوان خطبة الجمعة المقبلة    العلاقة بين المملكة وإندونيسيا    «التخصصات الصحية» تعتمد دبلوم تمريض العناية القلبية بتخصصي تبوك    «مركز الملك سلمان» يدشّن المرحلة الثالثة لدعم الأمن الغذائي في باكستان    الهلال.. مشاركة مشرفة تجسد الطموح والهوية    مستشفى الملك فهد بالمدينة يقدم خدماته ل258 ألف مستفيد    توزيع 1.200 سلة غذائية في السودان ل 8.874 مستفيدًا    بين التخزين والامتثال.. معركة الوعي في قلب المدينة    ناغلسمان: إصابة موسيالا صدمة كبيرة للمنتخب    تركي بن هذلول يلتقي قائد قوة نجران    أحداث تاريخية وقعت في جيزان.. معركة الضيعة وشدا    تمكين الهمم يختتم عامه القرآني بحفل مهيب لحَفَظَة القرآن من ذوي الإعاقة    ترحيل السوريين ذوي السوابق الجنائية من المانيا    الرياض تستضيف مجلس "التخطيط العمراني" في ديسمبر    ألف اتصال في يوم واحد.. ل"مركز911"    911 يستقبل 2.8 مليون اتصال في يونيو    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين افلاس الخطاب السائد والتقديس الاعمى للمنهج . "المسكوت عنه" في أزمة النقد
نشر في الحياة يوم 27 - 06 - 1994

منذ سنوات عدة، تُطالعنا الملاحق والمجلات الأدبية بموضوعات وأسئلة تقرر "أزمة النقد الأدبي العربي". ومفهوم الأزمة، في هذا السياق، يأخذ معنى سلبياً ويخبّئ نوايا تتقصد إصدار الحكم بفشل النقد الحديث. وبحكم طبيعة الأسئلة المطروحة على المختصّين والكُتّاب، تأتي الأجابات سابحة وراء مفهوم تجريدي لأزمة النقد، بعيداً عن أي تحديد دقيق لمجالات الكتابة النقدية: هل تشمل الأبحاث الجامعية أم "المحاولات" المكتوبة خارج النطاق الأكاديمي؟ هل يتعلق الأمر بنقد الصحف والمجلات، أم بالنقد "الصَّالوني" والشفوي المتداول في الأندية ولقاءات السمر؟
وأظن أن الذين يسْتَحلون الحديث، من حين الى آخر، عن "أزمة النقد"، لا يتصورون أن التأزم شرط طبيعي، ملازم لطبيعة الممارسة الابداعية والنظرية، خاصة عندما تتصل في مجال أوسع هو الخطاب الثقافي لمجتمع ما. ذلك أن الأزمة، تعني من بين ما تعنيه، أن السائد، المتدثر بالوضوح، والمتوفّر على الأجوبة، لم يعد كذلك، وأن الخطابات - على اختلاف مجالاتها - فقدت مصداقيتها أو على الأقل، قدرتها على الاقناع. والذين يتحدثون عن أزمة نقدية غالباً ما يفعلون ذلك بالقياس الى "نموذج" معيّن من النقاد العرب في الثلاثينات والأربعينات والخمسينات، كان له القول "الفصل" في قضايا المجتمع وصراعاته انطلاقاً من النص الأدبي المتخذ، في معظم الأحيان، بمثابة تعلَّة لتناول موضوعات أخرى. كان الوضع الاعتباري للناقد في نظر الجمهور يُضفي عليه طابع "الضمير" المدرك لذبذبات وجدان الأمة، القادر على الافصاح عما يخالجها... وكان هذا الفهم للنقد ووظيفته مرتبطاً بفهم مقارب للأدب ودوره، ومن ثم لا بأس أن تكون كتابات الناقد صدى للخطاب الايديولوجي السائد باتجاهاته المتعددة! وحتى حين أخذ مفهوم الأدب يتبدَّل، نتيجة لتحولات الثقافة العربية وتبلور الشعر الحداثي وانتظام الانتاج الروائي والقصصي خارج الاطار "الكلاسيكي"، فإن نوعاً من الالتباس ظل يطبع مفهومي النقد والأدب. هكذا نجد نصوصاً كثيرة حققت "استقلالها" عن الايديولوجي وعن شعارات الالتزام التبسيطية، ومع ذلك لم تستطع الكتابة النقدية أن تبلور هذا التحول وظلت - رغم تغيير مصطلحاتها ومقارباتها - مستظلة بالنقد الايديولوجي الذي لا يفترض احتمال مجابهة النص الابداعي للايديولوجيا السائدة.
وإلى الآن - وهذه المرة من داخل الجامعة - نجد باحثين يصرون على أن أزمة النقد عندنا مردها الى "غياب المنهج والمنهجية" غير منتبهين الى هذا التقديس الأعمى للمنهج الذي انجرفوا اليه، طامسين جوهر الاشكالية!
على العكس من ذلك، أرى أن مظاهر التأزم في النقد العربي - بعد الستينات - تكمن، قبل كل شيء، في عدم التحول الكلي للناقد من "مراقب" للنص وضابط لمعاييره وقواعده، الى كاتب لنص ينتج معرفة، ويكتشف تحولات الأدب وعلاقاته بالعالم. فالنقد العربي الحديث عرف "ثوراته" الصغيرة من روحي الخالدي الى حسين مروة ومحمد مندور ولويس عوض، واستطاع أن يعيد الاعتبار الى التعليق بوصفه اعادة قراءة للنصوص ورسم ملامح أخرى للثقافة الموروثة، وتهميش النقد البلاغي المدرسي...
لكن السبعينات وما عرفته من اهتزازات ونكسات، ومن اتساع في مناهج النقد العالمي الوافدة الى كلياتنا ومعاهدنا، أعادت صوغَ الاشكالية من جديد بترابط مع أزمة الخطاب العربي في مجموعه. لذلك لم يعد التعليق النقدي الذي أفرزته المرحلة السابقة قادراً على الاسهام في تحريك سيرورة الأسئلة والاجوبة الموجهة الى ثقافتنا، وبات واضحاً أن هناك "مسكوتاً عنه" يتضخم وينفخ في أزمة الكتابة النقدية. ومن مظاهر هذا التأزم، الانتقال من التعليق النص النقدي الى تحليلات لشعرية النصوص، تعتمد التشريح والموضوعية "العلمية"... وهذا التحول، بسلبياته وايجابياته، أظهر النقد الجديد مستعصياً على الفهم، مغرقاً في استعمال المصطلحات، مبتعداً عن انتاج ترتيب الخطابات، ومحاورة مدلولاتها، وتأويلها من جديد.
لو بقينا في نفس الدائرة لما استطعنا أن نقترب من مكونات هذه الأزمة الجديدة، لأن "أصحاب" كل منهج نقدي يستطيعون الدفاع عن مسلكهم ومشروعهم. ولكننا إذا استحضرنا دور الأدب والنقد داخل حقل الثقافة، ودورهما في نسج المتخيّل وتجديده، فإننا سندرك أن الأمر يتعلق بموقفنا النقدي الملتبس من القديم والحديث: من النصوص المقدسة الموروثة، ومن المعرفة المعاصرة التي لا تسهم في انتاجها إلا بالنزر اليسير.
فإذا كان بعض النصوص الابداعية العربية الحديثة يرتاد مناطق "محرمة"، لتشخيص الذات العربية المعاصرة في تمزقاتها الراهنة وتشظيها ويوزعها بين "الأصل" والكوني المنفلت من يقينية اللغة، فإن النص النقدي، في معظمه، لا يزال يبحث عن تعليق يحقق توازناً مخصباً بين الدنيوي والمقدس، بين الموروث والمكتسب. ذلك أن الحداثة - في أحد معانيها - ترتبط بإعادة تحديد علاقاتنا بما هو قديم، على نحو أشار الى ذلك فيليب لاكو - لابارت: "في الواقع، لا حديث يتكوَّن من دون ابتداع علاقة بالقديم، بل إن الحديث كله يتمثل في مثل ذلك الابتداع".
ولا شك أن مبادرة طه حسين "في الشعر الجاهلي" هي من أهم المحاولات في ابتكار علاقة بالقديم تبتعد عن افتعال المجابهة بين "الأصلي" والكوني، وتطمح الى استعادة الموروث انطلاقاً من التفكير الحر في مكوناته ووضعه الاعتباري، بهدف انعاش القوى الحيوية الداخلية المتوفرة في شعرنا القديم، وفتحها على المعاني المتجددة من خلال أسئلة الحاضر... لكن ثنائية الرؤية للمجتمع المصري آنذاك وحتى الآن؟ بين اتجاه أصولي وآخر متغرّب غير متمثل لمرجعية الغرب، حالت دون فرض الرؤية التاريخية التنسيبية التي تربط الهوية بالصيرورة وبتحولات الزمان.
لكن عمق الأزمة لا يقتصر على النقد الأدبي وانما يمتد ليشمل مجموع انتاجنا في العلوم الانسانية والخطابات المكوّنة للثقافة والسياسة والايديولوجيا. شيء ما، يجعلها خطابات غير مطابقة للذات الفردية والجماعية كما نحسها على مستوى المعيش وتفاصيل تجربة الوجود التي تحولت الى مجرد تشبث بالبقاء والاستمرار. مع ذلك يمكن أن أزعم بأن بعض نصوص الابداع العربي وبعض الكتابات النقدية التي تسعى الى تغيير تفكيرها عن الأدب ووظيفته، هي التي تقربنا من "التجربة الباطنية" حيث تنتفي الحدود المصطنعة بين قوى العقل وقدرات التخييل. من خلالها، نقترب من ذلك "الما بَيْنَ" المكتنز لامكانات توليد لغة مغايرة ومعرفة تسمي الذات والهوية والآخر، هنا والآن.
هل سبيل خروج النقد من "أزمته" هو أن يأخذ على عاتقه الانتساب - مهما تميَّز عن الأدب - الى عوالم التخييل؟
* روائي وناقد مغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.