الذهب يتجه لتحقيق مكاسب مع تراجع الدولار    تراجع الدولار واليوان وصعود اليورو أمام الروبل الروسي    الأحمدي يكتب.. في مثل هذا اليوم انتصر الهلال    الجيش الأمريكي: تدمير 8 مسيرات تابعة للحوثيين في البحر الأحمر    ماكرون يتعهد بتقديم مقاتلات ميراج إلى أوكرانيا    الحقيل يفتتح مركز دعم المستثمرين بالمدينة المنورة ويتفقد عدداً من المشاريع البلدية    وزير الدفاع يلتقي رئيس مجلس الوزراء اليمني    فقدت والدها يوم التخرج.. وجامعة حائل تكفكف دموعها !    ابتداءً من اليوم.. حظر دخول واستخدام أسطوانات الغاز المسال بالمشاعر المقدسة خلال حج عام 1445 ه    الفريق سليمان اليحيى يقف على سير العمل بصالات الحج بمطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة    جمعية تعلم ومركز إشراقة يختتمان الدورة الشرعية الثامنة لنزلاء سجن المدينة    أغنيات الأسى    لاعبون بكلية مزروعة    الصيف الساخن يعكر نومك.. 3 نصائح تساعدك    هل نجح الفراعنة في علاج سرطان المخ قبل 4 آلاف عام؟    "بوليفارد رياض سيتي" و" أريناSEF " تستضيف كأس العالم للرياضات الإلكترونية    "ابن نافل" يسعى لكرسي رئاسة الهلال من جديد    "الأخضر" يتغلب على باكستان بثلاثية ويتأهل للمرحلة النهائية لتصفيات مونديال 2026    "الأخطبوط" عبادي الجوهر.. "أرينا" أكبر تكريم والسعودية نعمة    وفد من مجموعة البنك الدولي يزور هيئة تقويم التعليم والتدريب    "الأرصاد": موجة حارة على منطقة المدينة المنورة    وزير التعليم يرعى جائزة الفالح للتفوق العلمي والإبداع    موعد مباراة السعودية القادمة بعد الفوز على باكستان    «سدايا» تنال شهادة مواصفة الآيزو «iso 42001» العالمية    كوبا تعلن أن غواصة نووية روسية سترسو في هافانا الأسبوع المقبل    القطاع الخاص والاستثمار في الفضاء الخارجي    ذبّاح نفسه ما ينبكى عليه    قرض تنموي سعودي بالسلفادور ب83 مليون دولار    وزير التعليم يتفقد القطاع التعليمي بمحافظة الزلفي    الموارد البشرية: إجازة العيد 4 أيام تبدأ من يوم عرفة    مع التحية إلى معالي وزير التعليم    كيف تبني علامة تجارية قوية عبر المحتوى ؟    الركن الخامس.. منظومة متكاملة    انطلاق فعاليات الهاكاثون المصاحب للمنتدى الأول للصحة والأمن في الحج    فضائل الدول الصناعية وعيوب من عداها    «التحيّز».. الداء الخفي    عمارة الحرمين.. بناء مستمر    بحضور وزير الاستثمار ومحافظ الزلفي.. وزير التعليم يرعى حفل جائزة الفهد لحفظ القران    أشهُرٌ معلومات    بن فرحان يبحث مع نظيريه السويسري والكندي مستجدات الساحة    بن نافل يُعلن ترشحه لرئاسة الهلال    الاتفاق يُحدد موقفه من فوفانا وجوتا    حفلات التخرج.. من الجامعات إلى رياض الأطفال    جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تدشن مسرحها الجديد بأحدث التقنيات المسرحية    أمير القصيم يكرّم البشري بمناسبة حصوله على الميدالية الذهبية    وقوف امير تبوك على الخدمات المقدمة في مدينة الحجاج بمنفذ حالة عمار    اختصار خطبة الجمعة بالحج لشدة الحرارة    نجاح فصل التوأم السيامي الفلبيني "أكيزا وعائشة" بعد عملية استغرقت 5 ساعات    بجراحة دقيقة مركزي بريدة يستأصل ورما نادراً ضاغطا على الأوعية الدموية    أمير القصيم يقف على جاهزية مدينة حجاج البر    وزير الداخلية يخرّج "1410" طلاب من "فهد الأمنية"    "العُلا" سحر التنوع البيئي والتراث    انطلاق أيام البحر الأحمر للأفلام الوثائقية    وزير الدفاع يبحث مع العليمي مساعي إنهاء الأزمة اليمنية    رئيس الشؤون الدينية يدشن دورة "هدي النبي في المناسك"    نائب رئيس جامبيا يزور المسجد النبوي    المملكة تدين اقتحام عدد من المسؤولين في حكومة الاحتلال الإسرائيلي وأعضاء الكنيست ومستوطنين متطرفين للمسجد الأقصى    خالد بن سلمان يجري اتصالاً هاتفياً بالرئيس المنتخب وزير الدفاع الإندونيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اسرائيل واميركا وايران : العلاقة الصعبة . تعاون اميركي - اسرائيلي - تركي لاحتواء التهديد الايراني

في الوقت الذي بدأ الاعداء القدامى في الشرق الأوسط السير على طريق المصالحة، واتجه الحلفاء السابقون الى اعادة النظر في تحالفاتهم، بدأت الولايات المتحدة واسرائيل، كل على حدة، وضع استراتيجية جديدة ازاء المنطقة عقب انتهاء الحرب الباردة وفي ضوء نتائج حرب الخليج الثانية. ومع ان اللمسات الأخيرة لم توضع حتى الآن على الكثير من تفصيلات هاتين الاستراتيجيتين، فان هناك اتفاقاً عاماً بين صناع السياسة في اميركا واسرائيل على ان ايران تمثل الخطر الأبرز على المصالح الأميركية في المنطقة وعلى التطلعات الاسرائيلية المستقبلية.
عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية الاسرائيلية، فإن اهتمام العالم الغربي ينصب في معظم الاحيان على "عملية السلام". اما داخل اسرائيل نفسها فإن الاهتمام يتركز حالياً، والى درجة كبيرة، على قضايا أخرى بما فيها التغييرات في الاستراتيجية. ومن العوامل الحاسمة التي تحفز على تلك التغييرات احتمال امتلاك ايران أسلحة نووية الأمر الذي يتطلب من تل ابيب تشكيل تحالفات معادية لطهران ومواصلة الضغط على الولايات المتحدة كي تتخذ الخطوات الضرورية، اما وحدها واما من خلال حلفائها، لزعزعة الجمهورية الاسلامية واثارة الاضطرابات فيها.
في نيسان ابريل الماضي قال البروفسور شلومو اهارونسون احد المستشارين الاستراتيجيين للحكومة الاسرائيلية في صحيفة "هاؤلام هازه": "ان المفهوم الأساسي الذي تستند اليه الاستراتيجية الاسرائيلية هو تصنيف اعدائها الى اعداء قريبين واعداء بعيدين. والبعيدون هم ايران والعراق وليبيا والجزائر، وأخطرهم ايران". ويعترف بأن "اسرائيل لا تستطيع تعبئة كل جيشها لخوض حرب برية ضد ايران انطلاقاً من المبدأ الأساسي الذي تسير عليه اسرائيل وهو توجيه الضربة المسبقة المباغتة". وبالمثل لا يستطيع سلاحها الجوي تدمير طهران بالغارات الجوية التقليدية، اذ ان "هذه المدينة صمدت امام الغارات الجوية العراقية خلال ثماني سنوات من الحرب مع انه لم تكن فيها دفاعات جوية ذات شأن".
كذلك أعرب يو.أف. كاسبي كبير المراسلين السياسيين في صحيفة "عال همشمار" في تحقيق له في شباط فبراير الماضي عن الرأي نفسه حين تحدث عن استحالة شن حرب على ايران بالطرق التقليدية. واشتمل التحقيق على مقابلة مع دانيال ليشهم الذي وصفه كاسبي بأنه "احد كبار ضباط المخابرات العسكرية المتقاعدين ويعمل في مركز الابحاث الاستراتيجية في جامعة تل ابيب". والمعروف ان ليشهم يشترك الآن في تخطيط الاستراتيجية الاسرائيلية، ولهذا فان مقترحاته للتعامل مع ايران تستحق الذكر هنا.
يرى ليشهم ان الغارات الجوية التي شنها الغرب على العراق لم تساهم كثيراً في تدمير قدراته العسكرية، وأن ما دمر تلك القدرات في الواقع هم مفتشو الأمم المتحدة. ومن هذا المنطلق يخلص الى القول: "ليس في وسع اسرائيل وحدها ان تفعل الكثير لوقف تقدم الايرانيين. ففي وسعنا ان نشن غارات من الجو على ايران، ولكن ليس في وسعنا ان نتوقع تدمير جميع قدراتها بهذه الغارات الجوية. وأفضل ما يمكن ان نحققه هو امكان تدمير بعض المرافق والمنشآت النووية الايرانية بهذه الطريقة، لكننا لا يمكن ان ندمرها كلها. ولن نستطيع حتى تدمير مراكز التطوير النووية الرئيسية خصوصاً ان عملية البناء النووي الايرانية تسير في اتجاهات ثلاثة مختلفة وفي صورة غير مركزية، كما ان المنشآت والمصانع النووية تنتشر على نطاق واسع في البلاد. ومن الأمور المعقولة ان نفترض اننا لن نستطيع اطلاقاً معرفة مواقع كل المنشآت والمرافق النووية الايرانية، كما هو الحال بالنسبة الى العراق".
ولهذا يمكن القول ان مثل هذه الاعتبارات أثرت في البروفسور أهارونسون حين خلص الى ان "على اسرائيل ألا تعتمد حين يتعلق الأمر باعدائها البعيدين على العناصر التقليدية للجيش الاسرائيلي بقدر اعتمادها على الرادع النووي والصواريخ البعيدة المدى ورفع مستوى التعاون مع الولايات المتحدة وبعض الدول المجاورة مثل مصر وتركيا".
الاصولية سبب التغيير
والسؤال الذي يطرح هنا: هل الخوف من قدرة ايران النووية هو السبب الرئيسي للتغيرات الاستراتيجية في اسرائيل؟
الواقع ان الاجابة عن هذا السؤال تكمن في كلمة وزير الخارجية الاسرائيلي شمعون بيريز التي القاها في اجتماع الرابطة الايطالية - الاسرائيلية في ميلانو في التاسع والعشرين من تشرين الثاني نوفمبر الماضي حين قال: "ان الغيوم التي تتلبد في فضاء الشرق الأوسط غيوم أصولية اسلامية لا اسرائيلية". وترى الدولة العبرية ان قوة العناصر الراديكالية الاسلامية هذه الايام تمثل أبرز الاخطار على الدولة اليهودية وكذلك على الدول العربية التي لا تشاطر تلك العناصر رؤيتها. واذا كان التطرف في المنطقة هو العامل الأساسي الذي يبعث على الاضطراب فيها فإن الجمهورية الاسلامية في ايران هي منبع هذه القوة غير المرغوب فيها.
وفي وقت سابق من هذا العام قال رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين: علينا ان نأخذ في اعتبارنا الصورة الأوسع وهو ما يعني محاولة منع انتشار الخمينية والتطرف الاسلامي في كل أرجاء الشرق الأوسط. فهذا هو الخطر الحقيقي. وأضاف: "ان موجة الاصولية الاسلامية التي تغذيها ايران تكتسح المنطقة برمتها، وأنا لا اعرف الى أين ستصل هذه الموجة غداً. فهي تهدد الكيان الأساسي للشرق الأوسط بأكمله. ولهذا يجب منع حدوث تلك التطورات التي تشجع عليها ايران".
العداء الاسرائيلي - الايراني
ما هو اذاً مصدر هذا العداء الاستراتيجي الجديد بين اسرائيل وايران؟
من المعروف ان العلاقات الايرانية - الاسرائيلية كانت منذ أوائل الخمسينات حتى اطاحة الشاه المحور الأساسي في "استراتيجية دول الحواف" الاسرائيلية التي قامت على انشاء تحالفات مع دول المنطقة غير العربية في محاولة لموازنة الخطر الذي يمثله العالم العربي، والواقع ان اسرائيل واصلت بذل جهودها حتى بعد الثورة الايرانية عام 1979 من أجل اقامة صلات قوية مع الجمهورية الاسلامية فزودتها الأسلحة في حربها ضد العراق وشجعت انحياز اميركا المشهور الى بغداد خلال سنوات رونالد ريغان في ما أصبح يعرف بفضيحة "ايران - غيت". وحتى المحللون الاسرائيليون، من أمثال الجنرال آمي درور نائب رئيس المخابرات العسكرية، يعتقدون بأن "ايران تعتبر اسرائيل عدواً ثانوياً فقط". كما ان المسؤولين والمحللين الاسرائيليين يبنون عداءهم لايران هذه الأيام على النقاط الآتية:
1 - ان ايران قبل كل شيء منافس لاسرائيل على النفوذ والقوة في المنطقة وتتحدى الأنظمة الموالية لأميركا التي نشأت في المنطقة بعد انتهاء الحرب الباردة. كما انها تسعى الى تقويض مساعي الدولة العبرية الى احتلال مركز الصدارة فيها. وفي هذا الصدد وصف رابين النزعة الايرانية التي تهدف الى جعل ايران الدولة العظمى في المنطقة بأنها نزعة "تنطلق من جنون العظمة وتستند الى استغلال الاسلام المتطرف من جميع الجوانب من أجل زعزعة استقرار المنطقة وعزعة استقرار الأنظمة العربية".
وأوضح مظاهر هذا التنافس على النفوذ ما نشهده في لبنان حيث لا تعتبر اسرائيل "حزب الله" اكثر من "عدو وكيل للمصالح الايرانية". ولهذا فان الجهود الاسرائيلية والاميركية الرامية الى تحقيق مصالحة مع سورية تستند الى منطق وجوب تنصل دمشق من علاقتها مع طهران. كما ان البعد السوري - اللبناني في الاستراتيجية الاسرائيلية نحو ايران كان واضحاً في الاشتباكات التي وقعت خلال الصيف الماضي في جنوب لبنان.
ففي ذلك الوقت كتب افرايم سنيه قائد الجيش الاسرائيلي السابق في لبنان والضفة الغربية والذي يعتبر نفسه المستشار الاستراتيجي الرئيسي لرئيس الوزراء، يقول: "الهدف من الأزمة الحالية هو اعطاء سورية الفرصة لكي تبيّن مدى قوة علاقتها مع ايران أو مدى ضعف تلك العلاقة. فاسرائيل لا تستطيع التوقيع على أي معاهدة سلام، وبالتأكيد على معاهدة ستقدم فيها تضحيات جغرافية، مع دولة تواصل الاحتفاظ بتحالف استراتيجي مع ايران".
2 - تمثل ايران ما وصفه درور أخيراً بپ"خطرين أساسيين" على المنطقة: الخطر الأول التطرف الديني والخطر الثاني القدرات العسكرية من أسلحة تقليدية وغير تقليدية. ولهذا يرى "لا تزال هناك أخطار أخرى جسيمة"، حتى مع تحرك المنطقة نحو تحقيق سلام بين العرب واسرائيل.
ويعتقد رابين بأن ايران هي "مصدر جميع الأخطار التي تمثلها الأشكال المختلفة للتطرف الديني". وهو يعتقد أيضاً ان ايران شرعت بمساعدة من الصين ومن بعض الأوروبيين في تطوير مجموعة واسعة من أسلحة الدمار بما في ذلك الأسلحة الكيماوية والنووية والجرثومية ما يعني انها ستشكل خطراً أعظم كثيراً من سورية على المدى البعيد على اسرائيل.
3 - يعتقد الاسرائيليون بأن ايران لن تستطيع امتلاك ترسانة من الأسلحة غير التقليدية قبل مرور عقد آخر من الزمن ما يعني ان امام اسرائيل الآن فرصة لعزل ايران من خلال تسوية الصراع العربي - الاسرائيلي وتشكيل "جماعة مصالح مشتركة" بين العرب واسرائيل تتحالف مع اميركا ما يساعد على احباط الاهداف الايرانية.
وفي الفترة الأخيرة أشار رابين الى ان "مشكلتنا الحقيقية هي متى نستطيع التوصل الى اتفاقات السلام او تحييد العداوات مع الدائرة المجاورة لنا مباشرة أي قبل ان يتصاعد الخطر علينا من الدائرة البعيدة".
وهكذا فمن الواضح ان البعد الايراني في عملية السلام العربية - الاسرائيلية يعتبر عنصراً حاسماً في النظرة الاستراتيجية الاسرائيلية مع انه لا يرد ذكر رسمي له.
احتواء ايران
ومرة أخرى نجد الجنرال سنيه اكثر جرأة في الاشارة اليه حين يقول: "اذا وجدنا انفسنا على رغم كل تدابيرنا الاحتياطية في مواجهة ايران التي تمتلك مرافق نووية وتتقن أساليب الاطلاق، فان من مصلحتنا ان نكون حيّدنا الشحنة المتفجرة للصراع العربي - الاسرائيلي من خلال معاهدات سلام مع سورية والاردن والفلسطينيين".
وفي هذا ما يبين لماذا اصبحت الحملة من أجل السلام مع العرب تبعاً لشروط رابين محور الجهد الاسرائيلي الرامي الى احتواء ايران وضمان وجود اتفاق عربي - الاسرائيلي على هذا الهدف. كذلك يبذل رابين جهوداً حثيثة لاقناع واشنطن بوجوب توسيع اطار سياسة "الاحتواء المزدوج" الاميركية لتشمل أيضاً ممارسة الضغط على أوروبا - خصوصاً المانيا وسويسرا - واليابان والصين لكي تقلل الى أدنى حد علاقتها الاقتصادية والعسكرية مع الجمهورية الاسلامية. وكذلك دعا بيريز في أواخر تشرين الأول اكتوبر الماضي اوروبا الى "وجوب مساعدة الجهود الاميركية الرامية الى منع ايران من ان تصبح دولة نووية مجنونة".
وكان رابين حصل اثناء زيارته لبكين في تشرين الأول على تأييد الزعماء الصينيين لمحادثات السلام العربية - الاسرائيلية ولكنه اخفق في الحصول على التزام منهم لوقف التعاون العسكري والتكنولوجي مع ايران. وتقول الصين انها لم تبع اي صواريخ لطهران منذ ان وقعت بكين على اتفاق حظر انتشار تكنولوجيا الصواريخ قبل عامين.
لكن بعض الاسرائيليين يحذر من ان ايران المسلحة بالصواريخ النووية ستمثل خطراً غير مسبوق على المصالح الاميركية في المنطقة. ولهذا يدعو بعض المحللين الاسرائيليين الآن الى انتهاج سياسة اكثر جرأة لمنع طهران من استيراد المعدات العسكرية والمنتجات الصناعية، حتى ولو كان ذلك يعني فرض حصار عسكري عليها.
وبدأ رابين أخيراً يأخذ في حساباته العسكرية مواجهة الخطر الايراني المحتمل - ولهذا ينبغي علينا النظر الى طلبه الحصول على المقاتلات الاميركية القاذفة من طراز "ف - 15" اثناء زيارته الأخيرة لواشنطن من هذا المنطلق. وعندما أعلن في السادس عشر من تشرين الثاني الماضي سياسة بلاده ازاء استخدام الأسلحة النووية كانت ايران في ذهنه حين قال: "ان السياسة الاسرائيلية كانت ولا تزال تقوم على اساس اننا لن نكون البادئين بادخال الأسلحة النووية في اطار الصراع العربي - الاسرائيلي أو الصراع الاسلامي - الاسرائيلي". وفي هذا ما يشير بكل وضوح الى ان لعبة الرادع النووي في رأيه أصبحت تشمل الآن ايران.
استراتيجية إثارة القلاقل
وعلى رغم هذا الكلام المعلن، فإن قناعات الخبراء الاستراتيجيين في الدولة العبرية خلصت الى استنتاج واحد: لا بد من احداث ثغرات أمنية داخل ايران واثارة القلاقل والفتن والاضطرابات فيها قبل الاجهاز على النظام باقامة تحالف ضد طهران وتخطيط الدور الذي يجب ان تقوم به الولايات المتحدة للمساعدة في تطبيق استراتيجية "اثارة القلاقل الداخلية".
كيف سيكون ذلك؟
تحدث أخيراً يوسي ميلمان مراسل شؤون المخابرات في صحيفة "ها آرتس"، مقتبساً من الصحف المصرية، عن "بلورة خطة اسرائيلية - مصرية لاطاحة النظام الايراني الحالي بمساندة من واشنطن" في شهر ايار مايو المقبل. وبعدما نقل عن مدير القسم الفارسي في الاذاعة الاسرائيلية ميناشي أمير قوله: "ان هناك بعض الحقيقة في تلك الأنباء"، لكن اطاحة النظام الايراني بالقوة ستكون مسألة صعبة "ما يجعل الخطة الاميركية لذلك صعبة التنفيذ حتى وإن كانت هناك دول عدة في الشرق الأوسط تؤيد الولايات المتحدة وتشعر بالخطر الايراني. ومع ذلك فإن احتمال اطاحة هذا النظام من الداخل في المستقبل المنظور احتمال قائم مع انه ليس احتمالاً قوياً".
ويقول أمير ان افضل سبيل هو العمل على تحقيق تدهور في الأوضاع الاقتصادية للشعب الايراني الذي يعاني اصلاً من ضائقة شديدة. ويضيف: "من الواضح ان الاميركيين لم يبلوروا حتى الآن خططاً كاملة". ولكن يمكن اطاحة النظام الايراني من خلال العقوبات الاقتصادية أو على الأقل من خلال طريقة ما تجعل من الصعب على ايران تصدير نفطها الذي يشكل نسبة 90 في المئة من مجمل دخلها. وكان ميلمان ذكر منتصف العام الماضي وجود تعاون اسرائيلي - تركي لمواجهة "التخريب الايراني" في الدول الواقعة الى الشمال من الجمهورية الاسلامية.
اما الأوروبيون فيساهمون بدورهم في الجهد الاميركي الذي يرمي الى تمويل تركيا من أجل تحقيق اهدافها في آسيا الوسطى. اذ يقول كبار المسؤولين الاسرائيليين ان دولتهم "تساعد تركيا على تحقيق هذه الأهداف بطرقها الخاصة… لأن صناع السياسة في اسرائيل يعتقدون بأن لتل أبيب وواشنطن وأنقرة مصلحة مشتركة في اقامة تحالف اقليمي مستقر من الأنظمة المعتدلة في الشرق الأوسط".
وفي هذا الصدد تؤكد وثيقة اسرائيلية نشرت اخيراً "ان اسرائيل لها مصلحة في دعم تركيا وتقويتها من أجل خدمة الهدف المشترك ألا وهو كبح جماح الأصولية".
في السياق نفسه يضيف البروفسور أهارونسون خلفية تاريخية ومزيداً من الاقتراحات للولايات المتحدة في مجال اقامة تحالف. اذ يقول: "ان الدور الحاسم في صياغة هذه الاسترتيجية قام به رئيس الأركان الاسرائيلي ايهود باراك عام 1985، أي قبل ان تثور الشكوك في تطوير ايران أسلحة نووية. من هنا نجد ان اسرائيل تهتم في الدرجة الأولى باضعاف خصم اقليمي قوي نسبياً لكي تضمن هيمنتها اكثر من اهتمامها بالحصول على الأسلحة النووية". ويذكر انه على يقين بأن الاميركيين يؤيدون "خيار اسرائيل بتهديد اعدائها البعيدين" بالأسلحة النووية.
ولا بد من الاشارة هنا الى جانب مهم آخر من السياسة الاسرائيلية ازاء ايران، اذ ان الصحافي تيلما أدمون كشف في "معاريف" أوائل العام الماضي ان مسؤولاً اسرائيلياً كبيراً تحدث قبل مدة الى رضا شاه بهلوي نجل الشاه الراحل. والافتراض هو انه اراد تقدير مدى فائدة رضا بهلوي لاسرائيل، لكن تقويمه له كان سلبياً لأنه "أظهر قبل كل شيء مدى عصبيته واضطرابه. كما ان ركبتيه كانتا ترتعدان اثناء الحديث. والأسوأ من ذلك كله ان اصدقاءه كانوا يرتدون ملابس مثل الهبيين والبانك، بينما كان رضا يتحدث اليهم كأنهم انداد له". كذلك ندد المسؤول الاسرائيلي بتحرر رضا من "النفوذ الايجابي لوالدته" التي "قامت بعمل رائع وهي تنتقل من عاصمة الى أخرى لكي تقنع كل من يعنيه الأمر بأنها لا تزال تأمل بتتويج ابنها على عرش ايران قبل وفاتها".
اميركا وايران
اذا كانت هذه هي النظرة الاسرائيلية الى ايران، فما هي الرؤية الاميركية ازاء الجمهورية الاسلامية؟
بغض النظر عن المصالحات الأخيرة بين ايران ودول الخليج والجهود المضنية التي يبذلها عدد قليل من الاميركيين الذين يحبّون طهران فإن ادارة كلينتون تظل عنيدة في عدائها للصورة التي تمثلها الجمهورية الاسلامية، فالثورة الايرانية لا تزال حتى في مرحلتها الحالية "المعتدلة" تمثل تحدياً لنمط العلاقات الذي تريد الولايات المتحدة اقامته في المنطقة مثلما هو الحال بالنسبة الى ميليشيات "حزب الله" في لبنان التي ترتبط بايران والفصائل الفلسطينية المعارضة بقيادة "حماس".
ففي الخامس والعشرين من كانون الثاني يناير الماضي أدلى جيمس وولزي مدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية سي. آي. إي بشهادة امام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ وصف فيها ايران بأنها "نظام وغد" وقال انها "الخيط المشترك الذي يربط بين مختلف بواعث القلق الاميركية في عالم ما بعد الحرب الباردة: الارهاب، الانتشار النووي، نقل التكنولوجيا وكوريا الشمالية".
وحدد وولزي احتواء ايران مع ليبيا والعراق وكوريا الشمالية التي وصف كلاً منها بأنها تريد "ان تجعل من هدفنا لتحقيق عالم اكثر سلاماً مثاراً للسخرية" بأنه هدف اساسي لمختلف أجهزة الاستخبارات الاميركية ولا يعلو عليه اي هدف آخر سوى المحافظة على المكاسب التي تحققت نتيجة انهيار الكتلة السوفياتية.
وأشار الى ان ايران ستراقب عن كثب موقف واشنطن من محاولات كوريا الشمالية المحافظة على ترسانتها النووية وتوسيعها "لكي ترى اذا كانت عزيمتنا ستفْتر والتزامنا منع الانتشار النووي سيضعف". وأضاف: "اننا نشعر بالقلق خصوصاً من استمرار ايران في برنامجها للتحديث العسكري الذي يكلف آلاف الملايين من الدولارات ومن برنامجها لتطوير أسلحة الدمار الشامل. إذ أن أوساط الاستخبارات تعتقد بأن ايران ستحتاج الى فترة تراوح ما بين ثماني وعشر سنوات لبناء أسلحتها النووية من دون مساعدة. لكنها ستحاول اختصار هذه المدة عن طريق شراء المواد النووية والصواريخ البعيدة المدى".
كوريا الشمالية وايران
وحذّر وولزي من صادرات الصواريخ الكورية الشمالية الى ايران "بما في ذلك صواريخ يصل مداها الى ألف كيلومتر يمكن تطويرها لحمل الرؤوس النووية او الكيماوية او الجرثومية. وبيع مثل هذه الصواريخ ونشرها سيؤديان الى زيادة القدرات النوعية لكوريا الشمالية وزبائنها في الشرق الأوسط. وفي هذا ما ينطوي على خطر على اهداف في اسرائيل وتركيا ودول الخليج".
وهناك عامل آخر في الجهود التي تبذلها واشنطن من أجل احتواء تطوير ايران الأسلحة النووية، لكنه يعتمد على التعاون الأوروبي لمنع بيع التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج. اذ ان "لجنة التنسيق بين الدول الصناعية" التي كانت تشرف على تصدير التكنولوجيا الحساسة الى الكتلة السوفياتية سيتم حلّها قريباً. لكن وولزي قال ان جهداً مماثلاً سيبدأ لمتابعة اي صادرات تكنولوجية الى ايران وكوريا الشمالية وليبيا. وذكر ان السلطات الايطالية منعت شحن معدات كانت ستساعد ايران على صنع الأسلحة الكيماوية كما ان بولندا منعت شركاتها من تصدير معدات وأجهزة يحتاج اليها احد المفاعلات النووية الايرانية.
الا ان الجهود الاميركية الرامية الى وقف تدفق السلع التكنولوجية الى ايران لقيت معارضة من دول أوروبية عدة ولا سيما منها المانيا. وقال وولزي ان "الحوار بين أجهزة الاستخبارات الذي يهدف الى شرح المخاطر الكثيرة التي تمثلها ايران لحلفائنا الأوروبيين سيتسع نطاقه ليشمل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان خلال العام المقبل".
ايران والخبرات السوفياتية
كذلك أثار مدير "السي. آي. إي" امكان حصول ايران على مواد أو خبرات نووية سوفياتية وقال ان هذا الجانب ربما ساعد في اقناع السياسيين الاميركيين بعدم خفض موازنة التجسس الاميركية التي يقال انها تبلغ ثلاثين ألف مليون دولار في العام. لكنه اعترف في الوقت نفسه بأن كمية من المواد العسكرية خرجت من روسيا والجمهوريات الأخرى من دون ان يذكر الى اين ذهبت، ومع ذلك فهي لا تكفي لانتاج سلاح نووي.
وعلى رغم العداء المستميت الذي تظهره بيانات واشنطن للانتشار النووي فان نجاح كوريا الشمالية ليس سوى أحدث مثال على تاريخ طويل من الجهود التي بذلتها دول مختلفة لامتلاك القدرة النووية على رغم كل العقوبات الدولية. وحذر الجنرال جيمس كلابر من وكالة استخبارات البنتاغون لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ من ان كوريا الشمالية لن تكون الأخيرة. اذ قال: "ان عدد الدول التي تنهمك بالحصول على الأسلحة النووية والكيماوية والجرثومية وعلى انظمة حملها سيزداد. اذ ان الدول التي تشعر بأنها في حاجة ماسة جداً الى هذه التكنولوجيا ستحصل علىها في نهاية المطاف. كما ان الذين ينهمكون الآن في هذا النشاط أصبحوا اكثر حنكة ودهاء في اخفاء جهودهم".
وكان كلابر عاد للتو من زيارة الى مصر حيث تثير أنشطة التطرف المعارضة لنظام الرئيس حسني مبارك الكثير من التساؤلات وتغذي النزعة الاميركية الى رؤية يد ايران الخفية وراء كل تحدٍّ للانظمة العربية الصديقة لاميركا.
وهو يعلق على ذلك بقوله: "أتمنى لو كان في استطاعتي ان أقول لهذه اللجنة انه بعد خمس عشرة سنة من انتصار المتطرفين، بدأت أصوات الكراهية تنحسر امام سياسات الاعتدال، لكن هذا الرأي ليس له أي اساس يستند اليه. اذ ان ايران لا تزال مصممة على مواصلة عدائها الحاقد والقضاء على أي معارضة لها وتقويض مصالحنا الأمنية ومصالح اصدقائنا وحلفائنا في المنطقة. ولا يزال الارهاب أداة مركزية في أيدي زعماء ايران من اجل تحقيق اهدافهم. كما ان التأييد الايراني لحزب الله وغيره من الجماعات المماثلة من الجزائر حتى طاجكستان لا يعرف الهوادة".
وحذا وولزي حذو ادوارد دجرجيان الذي ميّز في العام الماضي حين كان مساعداً لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى بين الاسلام وتلك المنظمات التي تبعئ المعارضة العنيفة للأنظمة تحت الراية الاسلامية. وقال وولزي: "الاسلام نفسه دين عظيم حقاً. فهو بطبيعته دين سلام ودين انساني. وهكذا فإن ما يحصل الى حدّ ما هو ان حكومة دولة مثل ايران تسعى تحت ستار تأييد المعتقدات الأصولية الاسلامية الى تحقيق أهدافها السياسية بل حتى الأهداف الارهابية التي تريد تلك الحكومة تأييدها".
ومع ان واجب مدير الاستخبارات تزويد صناع السياسة الاميركية معلومات استخبارية موضوعية من دون ان تفسدها أي افتراضات سياسية، فإن الحال مختلف بالنسبة الى ايران، اذ يتهمه منتقدوه بأنه "فصّل الاستخبارات هذه المرة لكي تتفق مع الموضة السياسية لهذا العام".
يقول اريك هوغلاند رئيس تحرير "مجلة الشرق الأوسط": "ان معلوماته مليئة بالأخطاء لأنه يعتمد فيها على مجاهدي خلق وجماعات المعارضة الأخرى". ويضيف: "ان هناك قراراً سياسياً بعزل ايران. ولذا كان على وولزي ان يأتي بالأسباب لتبرير ذلك. تذكر ان هؤلاء الناس هم انفسهم الذين تنبأوا في صيف عام 1991 بأن الاتحاد السوفياتي يشكل خطراً بعيد المدى".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.