يجتاز "التجمع الوطني الديموقراطي" السوداني المعارض أزمة داخلية تهدده بالتفكك، اذ دعا بونا ملوال، أبرز مثقفي الجنوب من قبيلة الدينكا ووزير الاعلام السابق في عهد الرئيس جعفر نميري، الى فك التحالف بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والأحزاب الشمالية في "التجمع" التي اعتبرها اقرب الى "الجبهة القومية الاسلامية" بزعامة الدكتور حسن الترابي منها الى الحركة الشعبية. وتكمن خطورة دعوة ملوال في انه عضو لجنة التنسيق العليا في "التجمع" وسياسي مستقل يمثل الشريحة الجنوبية المثقفة الأكثر اقتراباً من الدوائر الغربية المهتمة بالوضع في السودان خصوصاً في واشنطن ولندن. وكان "التجمع" تأسس عقب اطاحة حكومة الصادق المهدي في نهاية حزيران يونيو 1989 وضم احزاب الأمة والاتحادي الديموقراطي والحزب الشيوعي، وما لبثت الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة العقيد جون قرنق ان انضمت اليه في آذار مارس 1990. وانجز "التجمع" مجموعة وثائق دستورية مهمة، أبرزها "اعلان نيروبي" و"اعلان القاهرة". واقر الدستور البديل الذي سيعمل بموجبه بعد تغيير الحكومة الحالية على قاعدة الاقتناع بأن نصوص الدستور تحل اشكالية العلاقة بين الدين والدولة في السودان وعملية تقاسم الثروة والقرار السياسي بين شمال السودان وجنوبه. الا ان "التجمع" واجهته عقبات، فالعلاقة بين المعارضة الخارجية، ممثلة في "التجمع"، وقيادات المعارضة في الداخل، في طليعتها السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة، ومحمد ابراهيم نقد زعيم الحزب الشيوعي، وسيد أحمد الحسين الرجل الثاني في "الاتحادي"، هذه العلاقة لم يحكمها الانسجام دائماً، خصوصاً حيال مسائل شائكة، مثل العلاقة بين الدين والدولة، وحق تقرير المصير لجنوب السودان. وجاء "اعلان واشنطن" في تشرين الأول اكتوبر 1993 الذي اعترف بحق تقرير المصير للجنوب كأكبر تحدٍ لپ"التجمع" الذي لم يستطع الاجتماع حتى الآن لاتخاذ موقف موحد حيال الحركة الشعبية. "الوسط" حاورت العقيد جون قرنق، وممثل الحزب الاتحادي الديموقراطي في "التجمع" وزير الاعلام السابق السيد التوم محمد التوم، فيما تخلف حزب الأمة والحزب الشيوعي بعد ان وافقا مبدئياً. جون قرنق لم يتمكن "التجمع الوطني الديموقراطي" من عقد مؤتمره المقرر، منذ صدور اعلان واشنطن، لاتخاذ موقف موحد من مبدأ حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان والمناطق المهمشة، على رغم ان "الحركة الشعبية" بفصيليها، تعتبر تقرير المصير موقفاً استراتيجياً غير قابل للنقض ستفاوض على اساسه الحكومة السودانية برعاية مجموعة دول "ايفاد". هل ان فشل احزاب "التجمع الوطني الديموقراطي" في بلورة موقف موحد من مبدأ حق تقرير المصير يسبب لك قلقاً؟ - كل الوثائق الدستورية التي أقرها "التجمع" تتضمن مبدأ حق تقرير المصير للجنوب والمناطق المهمشة. وآخر هذه الوثائق اعلان نيروبي. ومن هذا المنطلق فان عدم اتفاق احزاب "التجمع" على الاجتماع لاعادة صياغة قبلته سابقاً يعتبر تعثراً سياسياً غير مفهوم. علماً ان مبدأ حق تقرير المصير قيمة اساسية من قيم الديموقراطية وحقوق الانسان. ورفض "التجمع" الاعتراف بهذا الحق لشعب جنوب السودان والمناطق المهمشة يضع احزاب "التجمع" في خانة المضطهدين لابناء الجنوب واقلياته العرقية والمذهبية الأخرى. وانا اعتقد ان المسألة الاساسية التي يتوجب البحث فيها ليست مبدأ حق تقرير المصير وصوابيته بقدر ما هي الظروف الموضوعية التي فرضت على قطاعات واسعة من الشعب السوداني المطالبة بحق تقرير مصيرها. ان الاجتماع المقرر لپ"التجمع الوطني الديموقراطي" لن يبحث في مبدأ حق تقرير المصير الذي اتفقت عليه احزاب "التجمع" بل للاتفاق على افضل السبل لاسقاط النظام السوداني، والتفاهم على طريقة تسيير البلاد في المرحلة التي ستلي سقوط النظام. وكنت في السابق اقترحت عقد لقاء "التجمع" في هراري، ثم تردد اسم القاهرة كمكان بديل وسيعقد الاجتماع عندما تتوفر الظروف الملائمة. 38 سنة عمر استقلال السودان منها 28 سنة حروب اهلية ومجاعات، ما دفع بعدد كبير من السودانيين الى المطالبة بالانفصال في حين اختار آخرون مبدأ حق تقرير المصير الأمر الذي يبرهن ان الوطن السوداني الحالي بتركيبته الحالية غير قابل للاستمرار بوضعه الراهن. والتحدي الأكبر الذي نواجهه كسودانيين هو كيف نعيد صياغة العلاقة التي تربط شرائح البلاد المميزة عرقياً ومذهبياً. الحكومة السودانية الحالية تتحمل مسؤولية ارغام غالبية السكان على التدافع لطلب الانفصال او مبدأ حق تقرير المصير، كما تحملت الحكومات السودانية السابقة مسؤولية الحرب الأهلية الأولى التي خاضتها حركة انيانيا - واحد في الجنوب ضد الخرطوم وكذلك تجدد الحرب عندما وقفت الحركة الشعبية عام 1983 للدفاع عن حقوق المواطنين المهمشين هناك. ولم يكن مبدأ حق تقرير المصير بنداً رئيسياً في ادبياتنا السياسية الأولى، لكن الحركة الشعبية اضطرت الى تعديل ثوابتها وتبني حق تقرير المصير لأن الحكومة السودانية عجزت عن تقديم بديل مقنع للسودان في صيغته القديمة الذي ارهق جنوبه بثماني عشرة سنة من الحروب. انا لست قلقاً من فشل "التجمع الوطني الديموقراطي" في عقد مؤتمره العتيد، سواء في هراري او القاهرة. فنحن في الحركة الشعبية نبحث منذ فترة في مبدأ حق تقرير المصير، وعلى مستوى ثنائي مع احزاب "التجمع". خطر التفتت أواخر تشرين الثاني نوفمبر الماضي بعث حزبا "الأمة" و"الاتحادي الديموقراطي" رسالة مشتركة الى الرئيس الكيني دانييل آراب موي بوصفه رئيس لجنة "ايفاد" بخصوص مبدأ حق تقرير المصير وقضايا اخرى. ولوحظ ان الحزبين لم يتشاورا مع الأحزاب الاخرى في "التجمع" بصدد هذه الرسالة، هل يقلقك غياب التنسيق بين حلفائك في "التجمع"؟ - تم التشاور معنا بخصوص رسالة "الامة" و"الاتحادي" الى رئيس لجنة "ايفاد". كما تشاورت معنا احزاب "التجمع" الاخرى في شأن رسالة مماثلة بعثت بها الى الرئيس موي. وكان من الأفضل لو تبنى التجمع موقفاً واحداً وتحدث بصوت واحد مع لجنة "ايفاد". ولقاء هراري كان مخصصاً للبحث في طريقة التنسيق بين احزاب "التجمع". لقد صار لزاماً على "التجمع" ان ينسق مواقف احزابه ويعتمد الصراحة والوضوح حتى يتمكن من اطاحة الحكومة الحالية وتسيير المرحلة التي ستلي ذلك والا فان قوى سياسية اخرى بديلة ستقوم بهذه المهمة، واذا تعذر هذا الأمر فان السودان سيكون عرضة للتفتت. وعلى رغم خطورة هذه المعطيات على مستوى "التجمع الوطني" فانا لست قلقاً. أعلن بونا ملوال عضو لجنة التنسيق العليا في "التجمع" وزير الاعلام السوداني في عهد جعفر نميري ومن ابرز مثقفي الجنوب ان تجربة العمل المشترك طوال اربع سنوات على مستوى "التجمع" اوصلته الى قناعة راسخة بفشل التجمع كتحالف سياسي شمالي - جنوبي في بلورة مواقف موحدة، الأمر الذي يحتم فك التحالف بين الحركة الشعبية، كممثل للجنوب، واحزاب التجمع الشمالية. ما رأيك في هذا الطرح؟ - في الأساس الحركة الشعبية لتحرير السودان حركة وطنية في الدرجة الأولى، وليست ممثلة للجنوب، وهي لن تنسحب من "التجمع" وتفك تحالفها مع احزابه لأنها تبحث في مبدأ حق تقرير المصير. وخلافاً لما يطرحه بونا ملوال سنواصل تحالفنا مع احزاب "التجمع" حتى اسقاط الحكومة الحالية في الخرطوم. وبالنسبة الى ما قاله ملوال في "سودان غازيت"، في كانون الثاني يناير الماضي فهو تحدٍ مثير يطرح نفسه امام احزاب "التجمع"، فاما ان تبلغ سن الرشد وتطور التنسيق في ما بينها، واما ان تفسح المجال لقوى اخرى قادرة على اقامة التنسيق حتى تسقط النظام السوداني وتستبدله بنموذج آخر للتعايش يحفظ وحدة البلاد الترابية. لقد صبر الشعب السوداني طويلاً بانتظار هذا التغيير المرجو. وعلى احزاب "التجمع" ان تختار اما تطوير نفسها لتصبح معارضة فعّالة واما الاعتزال وترك الساحة لغيرها. وفي هذا السياق فان ما يطرحه ملوال هو بمثابة حافز للتجمع، ولا غضاضة في هذا الأمر، وعوضاً ان يكون البحث في مبدأ حق تقرير المصير نهاية علاقة الشراكة داخل اطار "التجمع"، عليه ان يركز على تطوير "التجمع" نفسه ليتحول الى معارضة حقيقية تتصدى لقضايا مصيرية اخرى. لقد لاحظنا في الحركة الشعبية ان احزاباً معنية واصواتاً محددة داخل "التجمع" تتحدث لهجة قديمة معروفة لدينا لدى البحث في مبدأ تقرير المصير. ومع هذا لن تكون هذه الردة السياسية سبباً كافياً كي تفض الحركة الشعبية تحالفها مع "التجمع". اننا نرحب باقتراحات ملوال ونراها تبعث فينا حيوية ضرورية لتطوير انفسنا. اذا فشل البديل اذا عجز "التجمع" عن تبني موقف مؤيد لحق تقرير المصير الذي تعتبره الحركة الشعبية بنداً اساسياً في استراتيجيتها التفاوضية من الآن فصاعداً، ما مصير التحالف؟ - لا تستطيع احزاب "التجمع" ان ترفض مبدأ حق تقرير المصير بعد ان وافقت عليه في السابق كبندٍ في وثائق دستورية انجزها "التجمع". واعتقد ان سقوط النظام الحالي في الخرطوم سيؤدي بنا الى تجاوز مبدأ حق تقرير المصير بانتفاء الأسباب التي حتمت المطالبة به. اما اذا استمرت المطالبة بحق تقرير المصير بعد سقوط النظام الحالي فمعنى ذلك ان البديل الذي جاء بعد النظام الحالي فشل ايضاً في تقديم حل نهائي لمشاكل السودان. يقول بونا ملوال ان الأحزاب الشمالية في "التجمع" اقرب الى "الجبهة القومية الاسلامية" الحاكمة في السودان منها الى الحركة الشعبية ما رأيك بذلك؟ - كانت الأحزاب السياسية الشمالية خلال فترة تسلمها السلطة في السودان قبل انقلاب البشير اقرب بالفعل الى "الجبهة القومية الاسلامية" منها الى الحركة الشعبية. هذا صحيح. وبلغ التنسيق بين بعض احزاب "التجمع" الشمالية و"الجبهة" مرحلة تشكيل حكومات ائتلافية قاتلتنا في الجنوب وارتكبت اخطاء كبرى ادت الى الحكم الحالي. مع هذا وفي سياق تحالفنا المبدئي داخل "التجمع" تبنت هذه الأحزاب مواقف متطورة مبتعدة بصورة جذرية عن ممارساتها القديمة. اذا واصلت بعض الأصوات الشمالية المؤثرة داخل "التجمع" رفضها مبدأ حق تقرير المصير، على رغم التزامها السابق وثائق دستورية تضمنت هذا المبدأ، وتمسكت الحركة الشعبية بجناحيها بحق تقرير المصير للجنوب والمناطق المهمشة هل سينجو "التجمع"، كاطار تحالفي بين الحركة الشعبية والأحزاب الشمالية، من هذا المأزق الذي يتهدد وجوده؟ وما شكل العلاقة التي ستربطك بحلفائك في الاحزاب الشمالية؟ - علاقتي التحالفية اساساً مع الشعب السوداني هي على قاعدة العمل المشترك لاطاحة النظام الحالي وفي حال تعذر تحقيق هذا الهدف وجب التساؤل عن مصير الاستقرار والسلم الأهلي في المنطقة المحيطة بالسودان حيث يسعى نظامه الراهن الى ايجاد عوامل عدم الاستقرار واشاعة الفوضى السياسية وضرب التعايش في منطقة شرق افريقيا والشرق الأوسط. قال وزير الخارجية السوداني حسين ابو صالح، ان مشاركة "التجمع الوطني الديموقراطي" في المفاوضات بين الحركة الشعبية والحكومة السودانية مسألة تقررها انت شخصياً؟ - لم أتبلغ أي شيء في هذا الصدد. المرة الأخيرة التي التقيت فيها السيد حسين ابو صالح كانت في اديس أبابا عام 1988 حين رافق مولانا محمد عثمان الميرغني للتوقيع على اتفاقية السلام بين "الاتحادي الديموقراطي" و"الحركة الشعبية" لذلك أتصور ان وزير الخارجية السوداني يعرف أكثر مني، بسبب علاقاته الحزبية السابقة، أوضاع الأحزاب الشمالية وكيفية اتخاذها قرارات تتعلق بخطط عملها. التوم محمد التوم على رغم خطورة المستجدات التي طرأت على الوضع السياسي السوداني، واهمها مبدأ حق تقرير المصير للجنوب ومناطقه المهشمة، لم يفلح التجمع الوطني الديموقراطي في عقد مؤتمر يبحث في هذه المستجدات. فهل هذا مؤشر الى أزمة تنسيق بين الاحزاب الشمالية والحركة الشعبية؟ - اتفقت القيادات السياسية على عقد مؤتمر للتجمع لبلورة رأي موحد حيال موضوع تقرير المصير وكان المفروض ان يكون ذلك في آخر تشرين الثاني نوفمبر الماضي. غير ان العقيد جون قرنق اقترح تأجيل الاجتماع الى موعد آخر يتفق عليه فيما بعد، لاسباب تتعلق به في ساحة الحرب، لانه يعتقد ان اجتماعاً يعقد لبحث قضية تقرير المصير لا بد ان يحضره هو أو نائبه على الأقل، وهذا يعني ان الاجتماع تأجل بسبب اقتراح من الحركة الشعبية وليس تهرباً من قوى "التجمع الوطني الديموقراطي". الى جانب غياب معالجة التجمع لمبدأ حق تقرير المصير على مستوى جماعي، تفرد حزبا "الأمة" و"الاتحادي الديموقراطي" في مخاطبة رئيس لجنة "ايفاد" الرئيس دانييل آراب موي من دون التنسيق المسبق والتشاور مع بقية فعاليات "التجمع". هل هذا مؤشر آخر الى غياب التنسيق وضعف الثقة بين فعاليات "التجمع"؟ - ما قام به الحزبان الاتحادي والأمة في مخاطبة رئيس لجنة ايفاد هدفه تحريك المسألة على المستوى الديبلوماسي بصورة أسرع حتى نضع الصورة الكاملة امام اللجنة، وهي ان المسألة لا تهم الحركة ونظام البشير وحدهما فحسب، وإنما هناك قوى أخرى يعنيها الأمر، على رأسها الحزبان الكبيران. كما ان ما قام به الحزبان تكفله لوائح "التجمع" الذي هو منبر يجمع كيانات ولا يلغي دورها الحزبي او يحجر عليها حرية الحركة مجتمعة أو منفردة. وما قيل عن مصالحة مع النظام أمر غير وارد على الاطلاق، فليس هناك عاقل يفكر في مصالحة مثل هذا النظام القائم في الخرطوم. وهناك سابقة في أدبيات "التجمع" تجيز لنا مثل هذا الامر، ذلك ان الميرغني زعيم "الحزب الاتحادي الديموقراطي" خاطب الرئيس النيجيري السابق بابانغيدا من قبل في الأمر ذاته بصفته زعيماً لحزبه ولم يعترض على ذلك أحد. والهدف في كل الاحوال هو وضع الحقائق امام الجهات المعنية لا اكثر ولا أقل. تعثر اتخاذ موقف موحد من مبدأ حق تقرير المصير ثم تفرد الحزبين الرئيسيين في "التجمع"، الامة والاتحادي، بالتعاطي مع رئيس لجنة ايفاد، أضيف اليهما لاحقاً مفاجأة فجرها بونا ملوال، عضو لجنة التنسيق العليا في "التجمع" حين أعلن في افتتاحية مجلة "سودان غازيت" ضرورة فض الشراكة السياسية بن حلفاء "التجمع" الجنوبيين والشماليين. هل يعني ذلك ان "التجمع" يلغي نفسه بنفسه؟ - مع احترامنا للسيد بونا ملوال ودوره النشط في "التجمع" نظراً الى وزنه وقدراته الواسعة، إلا أنه لا يمثل حزباً، كما انه لم يزعم انه يمثل الحركة الشعبية، وما جاء على لسانه من فض الشراكة بين حلفاء التجمع انما كان مجرد رد فعل غاضب قصد منه تحريك قوى "التجمع" في اتجاه حسم الأمر والخروج برأي موحد. وبونا أول من يقدر ان "التجمع" بصورته الراهنة هو أول إطار يجمع الحركة السياسية في الشمال والجنوب في بوتقة واحدة من أجل قضايا السودان. ولا يزال هناك مجال للاتفاق على مختلف القضايا بما في ذلك مسألة تقرير المصير، وعليه فلا مجال لفض "التجمع" الا بقرار جماعي من القوى المكونة له. لا مصالحة مع النظام هل تعتقد ان مبادرة ملوال لم يسبقها تشاور مع قيادات الحركة الشعبية وعلى وجه الخصوص جون قرنق؟ - لا أعتقد ان ما قاله بونا ملوال جرى حوله اتفاق مع الحركة الشعبية، فلقرنق رأي استراتيجي في المسائل كلها ولا تخضع أموره لمسألة المزاج، وحتى حين أثار قرنق مسألة تقرير المصير رأى ان يقرن معها جبال النوبة والمناطق المهمشة. وبهذا تدخل مسألة تقرير المصير نفسها في إطار اكثر تعقيداً مما لو كانت تقتصر على الجنوب وحده، نحن في "التجمع الوطني الديموقراطي" على يقين من ان قناعات قرنق الاساسية لا تزال كما هي. ولكن الرجل يساير مع حركته المستجدات والمتغيرات الاقليمية والدولية ولا يقف في وجه التيارات فهو يضطر احياناً لتعديل هنا أو تبديل هناك من دون ان يؤثر ذلك في قناعاته الاساسية. ونحن نعلم هذا ونقر به ونقدر له ظروفه وظروف حركته. في حال اخذت الحركة الشعبية برأي بونا ملوال، انطلاقاً من أنه يمثل شريحة المثقفين الجنوبيين الذين حاولوا التعايش مع اشقائهم المثقفين الشماليين وفشلوا، ما هو مصير التجمع تنظيمياً وسياسياً؟ - نحن لا نتصور ان تترك الحركة الشعبية "التجمع" بأي حال من الأحوال لأن "التجمع" يمثل إرادة أهل السودان وقواه السياسية. ولو حدث وانفصل شخص فإن "التجمع" سيمضي الى غايته بمن فيه حتى يحرر السودان من حكم "الجبهة"، وقد حقق "التجمع" انجازات ضخمة في المعارضة. في حال قررت الحركة الشعبية التمسك بحق تقرير المصير كخيار استراتيجي غير خاضع للمناقشة، كما قال ملوال، وانفصل الجنوب عن الشمال، ما هو مصير الاحزاب الشمالية المعارضة؟ - مسألة تقرير المصير لا بد ان تتوافر لها ظروف موضوعية اهمها إيقاف الحرب وإحلال السلام وفترة انتقالية وأداة تنفيذية متفق عليها وإجراء عملية استفتاء في أجواء حرة وبوجود مراقبين. وبالطبع فإن هذا أو جزء منه لا يمكن ان يتم تحت ظل الحكومة الحالية. وبالتالي فإن المعارضة الشمالية لن تتفق مع حكومة البشير بأي حال من الأحوال، لا بوجود الحركة الشعبية، ولا في غيابها، وهذا أمر غير وارد على الاطلاق. ما رأيك في ما يتردد عن محاولة الحكومة السودانية اجراء مصالحات تمهد لتوسيع دائرة الحكم واحتواء مناوئيها، وهل تقبل الاحزاب الشمالية محاورة النظام؟ - ليس هناك ما يجمع بين الحكومة الحالية والاحزاب الشمالية مهما كانت الظروف. فهي ظلت لا تعترف بنا ونحن لا نعترف بها. و"الجبهة القومية" تعلم ان نهايتها هي في الاعتراف بالقوى السياسية المختلفة والتعددية. ولهذا فهي تدعي انها تمثل الشعب السوداني كله وان الاحزاب انتهت الى غير رجعة وانفض عنها مؤيدوها، وهو قول باطل ومردود ويدحضه الواقع، ويعرفه القاصي والداني. في حال قررت الحركة الشعبية مواصلة التفاوض مع حكومة البشير على أساس حق تقرير المصير برعاية "ايفاد" ما هو موقفكم من ذلك؟ وهل يؤدي الى تفجير التجمع من الداخل؟ - نحن نستبعد ان تتفاوض الحركة الشعبية مع النظام السوداني برعاية ايفاد على مبدأ حق تقرير المصير. فالحركة لم تنس مصير اتفاقية اديس ابابا عام 1972 بين انيانيا - واحد ونظام نميري الذي عاد وخرق بنفسه الاتفاق الذي توصل اليه مع الجنوبيين. وإذا دعتك قيادة الحركة الشعبية الى المشاركة في المفاوضات المقبلة التي ترعاها "ايفاد"؟ - نحن نعتقد ان "التجمع" يمكن ان يشترك مع الحركة الشعبية وبرعاية "ايفاد" في اي مفاوضات تبحث في مستقبل السودان.