سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أول فنان عربي يدخل هوليوود من بابها الواسع ... يتذكر . عمر الشريف يروي سيرته لپ"الوسط" : تهنئة السفير الفرنسي أدخلتني السينما وقبلة سينمائية أدرجتني في اللائحة السوداء وانتهت بالزواج 2
روى عمر الشريف في الحلقة الأولى من سيرته حكايات الطفولة و"شقاواته" في المدرسة والحياة، وأهمية "كلية فيكتوريا" المدرسة الثانوية الانكليزية في حياته التي تركت في نفسه أثراً لا يمحى، فلو لم يلتحق بها لكان شخصاً مختلفاً تماماً، فالرياضة لعبت دوراً حاسماً في تطوره خلال سنوات النضج الأولى وساهمت في رسم المسار الذي اتخذته حياته في ما بعد. كما روى حكاية السيدة اليونانية التي قالت له: "ستقضي عمرك خارج مصر وستغدو رجلاً مشهوراً يتسقط الناس أخباره في أرجاء الدنيا". وفي ما يأتي الحلقة الثانية من سيرة عمر الشريف كما رواها لپ"الوسط". خلال فترة شبابه الأولى، بقي ميشال شلهوب يتحرق شوقاً الى ممارسة التمثيل وطال الانتظار قبل أن يبتسم له الحظ، فبادر بعد سنتين من الترقب الى تأليف فرقة مسرحية صغيرة كان اعضاؤها من طلاب المدرسة الفرنسية والآباء اليسوعيين. وفي هذه التجربة الأولى، كانت متاعب عمر الشريف مادية اساساً كما يدل حديثه عنها: "صرفت على فرقة الهواة هذه، المبلغ الصغير الذي كنت وفرته من عملي في متجر الوالد. واضطرني ضيق ذات اليد الى صرف النظر عن اي مسرحية تتطلب الكثير من الازياء والديكور، والاكتفاء بعروض متواضعة اخرجتها ولعبت ادوار البطولة فيها. ولا أدري اذا كان تمثيلي جيداً في تلك المرحلة، لكني اعتقد ان الجمهور مستعد عادة للاعجاب بالفنان الوسيم ولعل هذا الاعتبار كان لصالحي". ونتيجة لمصاعبها المالية، بقيت الفرقة "متشردة" دون مأوى ثابت، وكانت تجري تدريباتها في أول غرفة فارغة تعثر عليها. وقبل ان يتابع الفنان سرد ذكرياته اللاحقة، استدرك قائلاً: "التمرينات الأولى كانت تتم كيفما اتفق من دون انتظام، اما التدريبات النهائية التي تسبق العرض كنا نجريها في مسرح الجامعة الذي دأبنا على استئجاره لهذه الغاية". "المجد الأول" ولما استنتجت من هذا الوصف ان نشاطات الفرقة لم تكن "لعب عيال"، ابتسم الفنان موافقاً ولمعت عيناه التماعة غامضة لم أدرك انها كانت تعبيراً عن نشوة طاغية غمرت عمر الشريف وهو يستعيد شريط الصور القديمة، الا حين روى لي قصة "المجد الأول" بكلمات آثر ان تكون قليلة تجنباً للعبث بتلك الذكرى الاليفة. قال والبسمة الهادئة ما تزال تعلو وجهه: "بعد سنة ونصف من ولادة الفرقة الصغيرة طرق النجاح الاجتماعي، على الاقل، بابي حين لبّى السفير الفرنسي الدعوة لحضور عرضنا الجديد: مسرحية اعددتها حول اسطورة "يوريداس" الاغريقية، التي اخذت اسمها من زوجة يورفيوس الموسيقار الفذ الذي اطرب بألحان قيثاره العذبة الانسان والحيوان والنبات. وبمحاذاة السفير في الصف الأول، جلس والدي الذي طار فرحاً حين هنأه الديبلوماسي الرفيع على أداء ابنه الجيد" وحذت صحف القاهرة حذو السفير، فأشادت بالفرقة التي استطاعت تقديم عرض متميز رغم امكاناتها المحدودة، وخصت عمر الشريف بالمديح اذ توسمت فيه مخرجاً قدىراً وممثلاً بارعاً. تاجر عديم النفع لكن، هل أقنع كل هذا والده باطلاق سراحه واعتاقه من العمل في تجارة الاخشاب؟ "لا، لم يكفِ الاهتمام الاعلامي وحده لنيلي حريتي".تابع عمر الشريف حديثه: "لما كانت رغبتي في امتهان التمثيل تزداد تأججاً يوماً بعد يوم اثر ذلك العرض المهم، لم اجد وسيلة للافلات من المتجر الا بالحيلة والتظاهر بأني تاجر عديم النفع علّ ذلك يدفع والدي الى الاستغناء عن خدماتي. وصرت أبيع البضاعة بأقل من ثمنها بحجة ان الشاري كان رجلاً مسكيناً استدر عطفي بسبب زوجته العاجزة او ابنته المريضة او حماته المشلولة. وأمعنت في لعبتي "الشريرة"، فلم اعد ابيع احداً بالدين الا اذا كان فقيراً معدماً غير قادر على سداده. ولسوء الحظ، بقي والدي صابراً طوال سنتين كاملتين، وبدأ ضميري يؤنبني فأنا لم اتوقع ان يحتمل بصدره الرحب هذه المهزلة طوال تلك المدة. وأخيراً طفح الكيل بعدما تراكمت الخسائر، فقال لي ما كنت اتحرق الى سماعه منذ وقت طويل: أتريد ان تصبح ممثلاً؟ لا بأس، افعل ما يحلو لك". ويعتقد عمر الشريف ان الوضع السياسي الذي مرت به مصر آنذاك عجّل في مباركة ابيه المترددة لطموحه الفني. اذ انه نال "استقلاله" هذا في وقت عصفت رياح التغيير السياسية بالبلاد، تزامن بدء احترافه التمثيل مع سقوط نظام الملك فاروق على يد الضباط الاحرار بقيادة جمال عبدالناصر اثر ثورة 23 تموز يوليو التي اختارت اللواء محمد نجيب رئيساً موقتاً للجمهورية. فرصة العمر كان ميشال شلهوب يأمل الالتحاق بالاكاديمية الملكية للفن الدرامي في لندن فور موافقة الاكاديمية على طلب الانتساب الذي كان تقدم به بعد اشهر قليلة من احترافه التمثيل. الا انه كان على موعد مع فرصة ذهبية غيرت خططه كلها ومنعته من متابعة مشروع الدراسة في العاصمة البريطانية، فما هي قصة تلك "الخبطة" السينمائية التي كانت هدية ثمينة لم يتوقعها الممثل في ربيعه العشرين؟ بقي الفنان ساهماً للحظات قليلة، كأنه يعيش تلك اللحظات من جديد، ثم ردّ في حيوية بادية: "بدأ الفصل الأول من المفاجأة حين اتصل بين زميل الدراسة القديم المخرج يوسف شاهين طالباً مني القيام باختبار سينمائي يتقرر في ضوئه اذا كنت سألعب دور البطولة في فيلمه الجديد، وكان شاهين العائد لتوه من اميركا حيث درس فن السينما يعد العدة لبدء العمل بفيلمه "صراع في الوادي". ولما كانت الممثلة التي ستلعب الدور النسائي الأول هي النجمة فاتن حمامة، وجب اقناعها بأن الشاب المرشح لمشاركتها بطولة "صراع في الوادي" هو ممثل لائق لهذا الدور. وكي تتحقق من ذلك بنفسها، دعتني فاتن الى تناول الشاي معها وطلبت مني فجأة ان أؤدي جزءاً من دوري امامها. خشيت ألا أنال اعجاب النجمة الكبيرة فلجأت الى الحيلة للخروج من هذا المأزق. اذ قررت ان ألقي عليها مقطعاً من مسرحية هاملت الشكسبيرية باللغة الانكليزية التي لا تجيدها فاتن. وقد تظاهرت بالاصغاء اليّ باهتمام بالغ مع انها لم تفهم كلمة واحدة مما كنت اقوله. ويبدو ان انطباعها كان جيداً، ما جعل المنتج يسارع الى دعوتي لتوقيع عقد فيلمي الأول في غضون ايام قليلة". وأثار الفيلم ضجة اعلامية عادت على ميشال شلهوب بالشهرة التي دفعت ضريبتها حرجاً وضيقاً. وبدلاً من الاستفاضة في سرد الملابسات، تعالوا نسمع التفاصيل من صاحب التجربة، الذي تردد قليلاً كأنه يحاول الامساك بخيوط القصة قبل ان يشرع بالحديث قائلاً: "كان الفيلم عاطفياً يروي قصة حب شبيهة بپ"روميو وجولييت"، تدور في صعيد مصر بين شاب وفتاة وقفت خلافات عائلتيهما في وجه علاقتهما البريئة. والتزاماً بنص الحوار، وافقت فاتن على ان تمنحني قبلة سينمائية على غير عادتها. لكن الصحافيين الذين احتشدوا في موقع التصوير اذاعوا النبأ "الصاعق" في جرائد اليوم التالي التي افردت مساحات بارزة على صفحاتها لصور القبلة "الزائفة". وبين ليلة وضحاها صرت في نظر الجميع وغداً ارتكب فعلة فظيعة، لأنه دنس "حبيبة الجماهير" البريئة. ولم يشفع بي كون الفيلم احرز نجاحاً شعبياً عظيماً، وحطمت عائداته الارقام القياسية التي سجلتها مبيعات أي فيلم مصري آخر، اذ قاطعني المخرجون كلهم، فمن يجرؤ على السباحة عكس التيار، والعمل مع "عدو الشعب" الذي تسبب في الفضيحة؟ وكانت صداقتي لفاتن اولى ضحايا الحادث فلم يعد بوسعنا ان نلتقي ابداً. وصرت اتجنب الامكنة التي تغشاها، حتى أنني اضطررت غير مرة الى مغادرة مكان ما اتيته دون علم بأن فاتن هناك، او انها تنوي الحضور اليه مع زوجها في وقت لاحق". استلطاف متبادل وعدا عن ادراج اسم الفنان على اللائحة السوداء في اوساط السينما، تسبب الفيلم في ازمة عاطفية، يمكننا ان نرسم صورتها ولو لم يسمح ضيق الوقت لعمر الشريف ان يعرّج عليها في حواره الصريح مع "الوسط". فأنباء تلك الفترة وذكريات فاتن حمامة عن بدايات علاقتها بزوج المستقبل، تدل كلها على الاستلطاف المتبادل بينهما بعد لقائهما الأول. واجتمعا اثر ذلك غير مرة، وأثناء التحضير لفيلمها الأول بدأت فاتن تلاحظ ارتباك الممثل الجديد الذي لم يعتد الحياة في الوسط الفني والعمل مع نخبة من السينمائيين المعروفين. وهذا ما دفع بالنجمة، التي ادركت انه فنان موهوب حقاً، الى احاطته بالعناية وتشجيعه فتعززت ثقته بنفسه وأصبح ينظر الى فاتن نظرة خاصة ملؤها الاحترام والاعتراف بالجميل. وأتت قصة الفيلم العاطفية لتقوي علاقتهما وتضفي عليها طابعاً من الحميمية الشديدة. فبطلة الفيلم تتعلق بالشاب الوسيم وترفض الانصياع الى رغبة والدها الباشا الاقطاعي الذي اصر على ابتعادها عن ابن خصمه اللدود. لكن القبلة الشهيرة، ألّبت الصحافيين والجمهور على الفنان وحجبت عنه امرأة تحتل مكانة خاصة لديه. وكان البعاد القسري ضريبة ارغما على دفعها خوفاً على سمعة فاتن التي تعرفت اليه في وقت كان زواجها من المخرج الراحل عزالدين ذو الفقار يلفظ أنفاسه الاخيرة. طلاق فزواج نفد صبر عمر على الظلم الذي استمر زمناً لا بأس به. وكانت فاتن التي تكن له مودة خاصة، تشعر بالأسف لأن الممثل الشاب دفع غالياً ثمن غلطة لم يرتكبها. وتعبيراً عن تعاطفها معه وحرصها عليه، قامت باتن بلفتة طيبة تركت اثراً عميقاً في نفسه، لا بل "كانت المقدمة الفعلية لزواجنا" كما قال عمر. ثم اردف "جمعتنا احدى المصادفات النادرة في مطعم واحد كانت تتناول فيه وجبة من الطعام مع زوجها. وفجأة اتت الى الركن الذي انتحيته لتستفسر عني وتشدّ من أزري. منذ تلك اللحظة تعلق كل منا بالآخر، فبدأت فاتن تفكر بي، اما انا فلم اعد قادراً على نسيان وجهها الذي لم يبارح مخيلتي. وعندما حصلت فاتن على الطلاق من المرحوم عزالدين ذو الفقار، أسلمت استعداداً للزواج منها، رغم ان والدي النصراني غضب غضباً شديداً من جراء ذلك وتدهورت صحته وأصيب بنوبة مرضية حادة، هو الرجل المسن المصاب بداء السكري". الا ان هذا لم يثنِ الشاب عن المضي في مشروع الزواج من المرأة التي احب، فعقد قرانهما في 5 شباط فبراير 1955، اي بعد ايام ثلاثة فقط من تعرض أبيه للنوبة المرضية.