في الصباح مددت يدي أتحسس أجنحتي هل لا تزال معي ... أم تخليت عنها؟ ما عدت أحسب كم ريشة بقيت تتجذر والشوق في اضلعي كم ريشة سقطت في المساء وأذكر ... بين طيوف الطفولة كنت يوماً أطير وللأفق صدر حنون يهدهد صوتي وللقلب خفق جناح متى جاءنا الصمت؟ ما عدت اذكر همس الرياح تعثرت بالصمت حين مددت يدي لأزيح الستائر كان يحدق بي ساخراً وأراه كالأفعوان الرهيب الذي في الطفولة أرقني يتربص بين الزوايا وخلف انعكاس المرايا وينسل بين الضفائر لينفث من سمه في الشفاه تعلقت بالشمس مرعوبة أستغيث بها "الصمت يرقبني ... الصمت تمتد نحوي يداه... الصمت ينخر أجنحتي ... ويفغر فاه. وها أنذا أتضاءل خوفاً.. تتحول كل دمائي مياه.. فمدي الي شعاعاً ألون أجنحتي في ضياه".. نتائج بعض البحوث التي تابعتها في دراساتي تشير الي حالتين تثيران في الانسان الاضطرابات النفسية: العيش في زحمة ... والعيش وحيداً. هذا الانسان المليء بالتناقضات! في المدن الكبيرة المزدحمة يحاصره الآخرون ... أنفاسهم وضجيجهم وتنافسهم على احتياجات الحياة ... يهدد وجودهم القريب شعوره بالذاتية. يقيده في مساحات متقلصة لحرية الحركة. في عمق زحمة المدن وصخبها وعجيجها بوجوه ملايين الغرباء، يموت من الوحدة والغربة، يصيبه الانهيار كما يحدث له في السجون والزنزانات الانفرادية. ترى ما هي المساحة المثالية لصحة الانسان نفسياً؟ رواد الفضاء من اصعب جوانب تجربتهم في الخروج الى الفضاء تعلم التعايش مع غيرهم في مساحة محصورة بالكبسولة الفضائية... وذلك جزء مهم من جوانب تدريبهم النفسي لا يقل أهمية عن تدريبهم بدنياً على تقبل انعدام الجاذبية. ربما تتعلق راحة الانسان نفسياً في تواجد الغير معه، بمدى تحمله للصمت والضجيج ... يختنق في الحالتين اذا زادا عن حدود التقبل الانساني. اذا لم يجد من يحدثه حدث نفسه. غنى بصوت عال، وضح مشاعره في سطور مكتوبة، يقنع نفسه انه ما زال موجوداً رغم وحدته، ربما لا يجد الانسان نفسه الا في وجود الآخرين وابقاء اتصاله بهم وحواره معهم مستمرين. كل الملايين الذين يملأون الرسائل ويشغلون خطوط الهاتف، حقيقة تؤكد ذلك. ولكنه اذا تكاثر عليه صخب الآخرين هدده بالاختناق ... عاد يحس بالحاجة الى هنيهات من الهدوء يلتقي فيها بذاته المجردة.