الخلافات التي طبعت الجولة الأولى من المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية في اللجنة العسكرية ولجنة اللاجئين تهدد بوصول هذه المفاوضات الى مأزق حقيقي، خصوصاً بعد ان كشف مقربون من رئيس الحكومة الاسرائيلية اسحق رابين انه يعلق أهمية قصوى على مفاوضات اللجنة العسكرية والأمنية التي يترأسها عن الجانب الاسرائيلي نائب رئيس الأركان الجنرال أمنون شاحاك، وعن الجانب الفلسطيني الدكتور نبيل شعث مستشار الرئيس الفلسطيني، حتى أنه يعتبرها "اللجنة المركزية" التي ستحدد مصير المفاوضات برمتها. ويدل موقف رابين من المفاوضات الى انه ينظر الى اتفاق "غزة - أريحا أولاً" من زاوية أمنية، ويحاول من خلاله تطبيق "نظريته الأمنية" التي طرحها قبل سنوات عدة، والرامية الى ان يحقق أي اتفاق في شأن الأراضي المحتلة هدفين أساسيين هما: استمرار اعتبار نهرالأردن "حدوداً أمنية لاسرائيل"، والابقاء على المستوطنات ذات "الطابع الأمني - الاستراتيجي". لكن من المؤكد ان تواجه هذه النظرية معارضة فلسطينية شديدة، على غرار معارضة شعث، خلال الجولة الأولى من مفاوضات اللجنة العسكرية، لعدد من المطالب التي طرحها شاحاك، وفي ما يأتي أهمها: - منح القوات الاسرائيلية حق ملاحقة الفلسطينيين داخل حدود منطقة الحكم الذاتي. - اقتصار حدود منطقة أريحا على "منطقة ضيقة جداً" تحيط بالمدينة، وتصل مساحتها الى 25 كيلومتراً مربعاً بينما يطالب الفلسطينيون بأن تشمل هذه الحدود "قضاء أريحا" الذي تصل مساحته الى 345 كيلومتراً مربعاً. - الابقاء على المعتقلين الفلسطينيين الذين تصنفهم اسرائيل "خطرين". وفي ما يخص قضية المعتقلين، تبين من وثيقة أعدتها هيئة الأركان العامة الاسرائيلية ان الجيش الاسرائيلي يرفض اطلاق سراح حوالي 600 معتقل فلسطيني وجهت اليهم تهم بقتل اسرائيليين وفلسطينيين متعاونين مع سلطات الاحتلال، ويصر على نقلهم الى سجون اسرائيلية. ويقترح، خلال مرحلة أولى، اطلاق سراح المعتقلين المتهمين برشق الجنود الاسرائيليين بالحجارة أو الزجاجات الحارقة، ثم اطلاق سراح المعتقلين بتهمة الانتماء الى منظمات فلسطينية معادية. والنظر، في مرحلة لاحقة في امكان اطلاق سراح "القادة" الفلسطينيين، خصوصاً الشيخ أحمد ياسين القائد الروحي لحركة المقاومة الاسلامية "حماس" المعتقل منذ العام 1989. لكن الجيش الاسرائيلي يطرح شرطاً أساسياً لقاء موافقته على تطبيق مقترحاته في شأن المعتقلين الفلسطينيين هو امتناع قيادة الكيان الفلسطيني عن محاكمة الفلسطينيين الذين تعاونوا مع اسرائيل منذ بداية الاحتلال، ويصل عددهم الى حوالي خمسة آلاف وهم يقيمون في مناطق خاضعة لحماية الجيش الاسرائيلي. وكان أحد قادة هيئة الأركان الجنرال رافائيل فيردي أعد خطة في شأن مصير المتعاونين الفلسطينيين تقترح حلولاً أخرى لهم، منها السماح لهم بالانتقال الى اسرائيل ومنحهم الجنسية الاسرائيلية، أو مساعدتهم على الاستقرار في دول أجنبية. ومن بين الاتفاقات التي توصل اليها الجانبان تشكيل مجموعة عمل حول المعتقلين والمبعدين والمطاردين الفلسطينيين، والسماح لحوالي 70 مبعداً من أنصار حركة "فتح" بالعودة الى الأراضي المحتلة على أمل زيادة التأييد الشعبي لها، ومواجهة التأييد الذي قد تلقاه حركة "حماس" مع اقتراب موعد عودة الفوج الثاني من المبعدين الى جنوبلبنان. وفي مفاوضات لجنة اللاجئين تعمد رئيس الوفد الاسرائيلي نائب وزير الخارجية يوسي بيلين، طرح دراسة أعدتها لجنة حكومية اسرائيلية عن "اللاجئين اليهود" الذين قدموا من الدول العربية الى اسرائيل في نهاية الأربعينات ومطلع الخمسينات وتقدر الدراسة عددهم بحوالي 600 ألف يهودي، اضافة الى تفاصيل عن أملاكهم التي تركوها في البلدان العربية. وتهدف الحكومة الاسرائيلية، من وراء ذلك، الى موازاة تعويضات اللاجئين الفلسطينيين بتعويضات "اللاجئين اليهود". وذكرت مصادر اسرائيلية في لجنة اللاجئين ان الحكومة الاسرائيلية ستتمسك بالنقاط التي طرحها بيلين، وهي رفض البحث في حق العودة للفلسطينيين، ومواصلة مطالبة الدول العربية باسكان اللاجئين الفلسطينيين فيها، والسماح لعدد قليل منهم، لا يتجاوز خمسة آلاف، بالعودة الى الأراضي المحتلة خلال العامين المقبلين "لأسباب انسانية" بحجة لمّ شمل العائلات. علماً ان 120 ألف عائلة فلسطينية في الأراضي المحتلة كانت طلبت السماح لابنائها أو أقربائها بالعودة. وأكدت المصادر ان نقطة "التنازل" الوحيدة التي طرحها بيلين تمثلت باستعداد اسرائيل لمنح حق الاقامة النهائية للأشخاص المرتبطين بعقود زواج مع مواطنين في هذه الأراضي. أما اجتماعات لجنة الارتباط في القاهرة فلم تستغرق أكثر من ساعة ونصف ساعة، وأسفرت عن بيان مشترك من خمس نقاط. وبدا من قصر المدة الزمنية التي استغرقتها أعمال اللجنة ان الاتفاق في شأن هذه النقاط جرى، على الأرجح، خلال وقت سابق لاجتماعات القاهرة التي ترأسها عن الجانب الفلسطيني محمود عباس أبو مازن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وعن الجانب الاسرائيلي شيمون بيريز وزير الخارجية. ولم يعط الجانب الفلسطيني اجابة شافية عن غياب فاروق القدومي رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية على رغم ان اتفاق الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الحكومة الاسرائيلية اسحق رابين في اجتماع القاهرة يوم 6 من الشهر الجاري أن تكون هذه اللجنة على المستوى الوزاري. وحرص أبو مازن على أخذ صور تذكارية عند مصافحته شيمون بيريز في أول اجتماع تنفيذي لاعلان المبادئ يضم مسؤولين فلسطينيين واسرائيليين، وخرجا من اجتماعهما المغلق الذي استمر 20 دقيقة قبيل بدء اجتماعات اللجنة متصافحين. وقال مصدر ديبلوماسي فلسطيني ل "الوسط" ان الاجتماع ركز على قضية السجناء والمعتقلين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وشهد جدلاً بين الجانبين، فأبو مازن طالب بالتعجيل باطلاق جميع السجناء من دون استثناء، وبغض النظر عن انتمائهم، أما بيريز فرأى ان من بين السجناء من لا تستطيع اسرائيل الافراج عنهم بسبب تورطهم في أعمال ارهابية ضد اسرائيل. واتفقا في النهاية على احالة هذا الموضوع الى اللجنة العسكرية التي اجتمعت في طابا.